تبين لهم حكمته، وتبين لهم أيضا أنه يفعل الأفعال بحكمة. فإن الجهمية قالوا: إذا كانت الأشياء بالنسبة إليه سواء امتنع أن يفعله لحكمة، والمعتزلة يقولون يفعل لحكمة تعود إلى العباد، فقالت الجهمية تلك يعود إليه منها حكم أم لا؟ الأول خلاف أصلكم، والثاني ممتنع، فيمتنع أن أحدا يختار الحسن على القبيح إن لم يكن له من فعل الحسن معنى يعود إليه. ثم إن هذه الصفة من أعظم صفات الكمال، وكذلك كونه محبوبا لذاته هو أصل دين الرسل؛ فإنهم كلهم دعوا إلى عبادة الله وحده، وأن لا إله إلا هو، والإله المستحق للعبادة، وهو لا يكون إلا بتعظيم ومحبة، وإلا فمن عمل لغيره لعوض بلا محبة له لم يكن عابدا له.
وهؤلاء الذين ينكرون أنه يحب أو يحب، آخر أمرهم أنه لا يبقى عندهم فرق بالنسبة إلى الله بين أوليائه وأعدائه، ولا بين الإيمان والكفر. فإن كانوا من الصوفية الذين ينكرون الكمال في فناء العبد عن حظوظه، ودخلوا في مقام الفناء في توحيد الربوبية، وإن كانوا من المتكلمين صاروا من المستقلين للعبادة وفي قلوبهم مرتع للشياطين، لم لا ينعم بالثواب بدون هذا؟ فإذا أجابوا بجوابهم كان من أبرد الأجوبة وأسمجها، فإن هذا يقال في المتناظرين لا في رب العالمين، فلا أحد إلا مقر بفعله، ثم يقال قد حصل بطلب الألذ من شقاوة الأكثرين ما كان خلقهم في الجنة ابتداء، لأنه إن كان من المرجئة استرسلت نفسه في المحرمات وترك الواجبات، بخلاف من وجد حلاوة الإيمان بمحبة الله وحبه للعبادات، فإن هذا هو الإسلام الذي به يشهد العبد أن لا إله إلا الله. وهؤلاء يدعون محبة الله في الابتداء ويعظمونها ويستحبون السماع بالغنا والدف لأنه يحرك محبة الله، وإذا حقق أمرهم وجدت محبتهم تشبه محبة المشركين لا محبة الموحدين. فإن محبة الموحدين بمتابعة الرسول والجهاد في سبيل الله، وهؤلاء أكثرهم