تصدير
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على معلم البشرية المبعوث رحمة للعالمين محمد النبي الأمي وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى الصحابة وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
سبع سنوات مرت منذ أن نشأت مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية؛ والله يعلم كم سيتاح لها أن تستمر.
سبع سنوات من السعي بنوايا نرجو من الله أن يقبلها، ويثيب عليها، ويبقيها ذخرا لأصحابها يوم لا ينفع مال ولا بنون للمشاركة مع غيرنا في الحفاظ على مدرسة فكرية أصيلة، لا غنى للأمة الإسلامية عنها، إذا ما رجعت إلى رشدها، وأحسنت النظر لنفسها.
وأما آثار ذلك السعي، فلا نتكلم عنه لأننا لا نرضاه، فهو أقل بكثير مما كنا نرجوه، ومما نظن أنه كان في مقدورنا أن نعمله. فنسأل الله تعالى المغفرة والتجاوز، فنحن مسؤولون عن الفرص التي فاتت وتفوت، ونسأله أن يكتب أجر النوايا إن لم يكن لآثارها ما يستحق من الأجر...
ولا نحب أن نحمل الظروف والوقائع الخارجية أسباب تقصيرنا، لأن القرآن علمنا أننا نحن الذين نصنع الظروف، ونحن الذين نحدد ما يؤثر فينا من الوقائع الخارجية، وأن تأثير غيرنا علينا لا يكون إلا حين تذهب عزائمنا، وتفتر هممنا، ونفقد طموحنا، ونرضى بما نحن عليه، ويكون مثلنا الشعبي: (من ابسر إلى فوق تعبت رقبته)!! عند ذلك، عندما لا ننظر إلى المعالي، فإن أضعف الأمور يقلب واقعنا. وما عزاؤنا إلا أننا نعمل بين يدي رب كريم غفور. يكافيء على القليل، ويتجاوز عن المسيء.
نعم! الله سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها... ولكن هل قمنا بما هو في وسعنا؟
نحن كأمة لا بد لنا من أن ننظر فيما لم نعمله، قبل أن ننظر في ما عملناه.
إن الاستغراق في المنجزات، دون التأمل في الاخفاقات يخلق لنا حالة من الرضا عن الذات، واسترخاء أمام واقع مر، وزمن لا يتجاوز من لا يسرع، بل يسحق سحقا تاما من لا يسبقه.
ولكن ما مناسبة هذا الكلام هنا؟
إن هذا العمل الذي بين أيديكم يذكرنا كم نحن مقصرون. يذكرنا بماض عزيز في واقع ذليل.
ما بين أيديكم عينة صغيرة مما هو موجود في بطون الأقبية، وأراضي المخازن في بلد الحكمة والإيمان.
عينة تدل على ما تملكه هذه البلاد من ثروات وإمكانات علمية.
إن الكتب لا تأتي بذاتها. وإن وجودها قبل عصر المطبعة لم يكن بالأمر الهين اليسير، بل كان صعبا ومكلفا. فوجود تلك الأعداد الهائلة من الكتب لا يدل إلا على وجود نشاط علمي قوي في هذا (الطرف) من العالم الإسلامي. نشاط تابع ما يجري في عواصم المعرفة الإسلامية، كما أنتج وأبدع معارف لم تجد لها من يكشف عنها، ويستفيد منها. نشاط أنفق من ماله الكثير لجلب تلك الكتب، وأنفق من جهده ووقته الكثير لنسخها، وجمعها.
وهي عينة مهمة لأنها تكشف عن ما هو موجود من الكتب بأيدي الناس، بأيدي (العامة). لو لم توجد الكتب إلا في مكتبات الدولة لقلنا بأن هذا النشاط نشاط (رسمي) لا واقع له بين الجماهير. ولكن وجود تلك الكتب في مكتبات خاصة، لا يدل إلا على حركة علمية نشطة بين جماهير اليمن.
وقد آن لنا أن نكشف عن هذه الحركة ليعلم أبناء اليوم أنهم أبناء علماء وفقهاء، وأن عليهم وصل ماضيهم بحاضرهم، وذلك بأن يستقلوا في انتاج المعارف ولا يكتفوا بنقلها ونسخها من مصادرها، سواء تلك المعارف الدينية أو الأدبية أو اللغوية أو العلمية التقنية. إن الأصالة قوة لا يستهان بها، ولكنها قوة تتضائل وتضمحل مع مرور الزمن. وما لم يستعد أبناء اليمن ثقتهم بأنفسهم، وبقدرتهم على تصدير المعارف، فإن ذلك الماضي سيكون شيئا من الذكريات التي يحدث بها الآباء أبناءهم، وسيكون مستقبلنا مستقبل التبعية والانبهار والتقليد والتفاعل مع ما يتفاعل معه الآخرون.
وهذا الأمر كما يقال عن أهل اليمن، فإنه يقال للأمة الإسلامية العزيزة علينا، الذليلة في أنفس خصومها. أمة لا تهاب ولا تخشى.
إن ما في هذه المكتبات دليل على زمن مضى وأدبر. زمن كنا أمة ننتج فيها معارفنا، ونصدرها لمن أرادها، واليوم صرنا نستهلك المعارف القادمة من وراء البحار، أو المعارف التي خلفتها لنا القرون السالفة.
في زمن العولمة السياسية والثقافية ليس أمامنا إلا اختيار النمط الغربي في الحياة، ومن ثم الاستمتاع بالفتات التي ستبقيه لنا مراكز رأس المال؛ أو انتاج نمط آخر يستطيع أن يستوعب ما هو قائم من دون أن يصير تابعا له.
ومثل هذه الفهارس إن دلت على شيء، فإنها تدل على أننا قادرون. فإن الأجيال التي أنتجت تلك المعارف لم يكن لديها شيء مما هو متوفر اليوم من تقنيات تسهل على الباحث والعالم. ونحن إذ نكتب هذه المقدمة، فإننا نكتبها على جهاز محمول، حجمه أصغر من حجم بعض الكتب التي تمت فهرستها، وفيه من الكتب ما لم يطلع عليه أعلم علماء الإسلام، وفيه آليات بحث تستخرج المعلومة في دقائق حين كانت تستغرق أشهرا.
مع ذلك، فنحن لا ننتج كما هم أنتجوا!
पृष्ठ 2