وتفكر الأستاذ عباس مليا وأنا أتابعه - أتابعهما - بحواس مرهفة واهتمام لا مزيد عليه، وعاد الأستاذ يسأل: ما هي القيم التي تقدسونها؟
فنظر إليه صبري جاد في حيرة وتمتم: القيم؟
وقلت من فوري مخاطبا الأستاذ: أرجو أن تتجنب التجريدات ما أمكن.
فعاد الأستاذ يسأل: لم تتلقون العلم في المدارس؟ - لعله خير من أن نتصعلك في الشوارع! - فقط؟! - ولكي نحصل على وظيفة توفر لنا الحياة السعيدة. - وما الحياة السعيدة؟ - هي المسكن الصحي، والمأكل اللذيذ، والملبس الأنيق، وغير ذلك من مسرات الحياة.
فتدخلت في الحديث بلا تدبير متسائلا: ألا تحبون العلم؟ .. ألا تسعون للتفوق فيه؟ - كلنا نطمح إلى دراسة العلم إلا من يقعده المجموع عن ذلك. - لماذا؟ - الشهادات العلمية هي التي توفر الوظائف الممتازة. - والتفوق في العلم والحلم بخلق إضافات فيه؟
فتردد قليلا ثم قال: أعتقد أن المتفوقين يحلمون بذلك.
فسأله الأستاذ عباس: ألا تقرءون الكتب في أوقات الفراغ؟ - نفضل السينما والإذاعة والتلفزيون وقليلون يقرءون. - وهل يقرءون التراث؟ - لا أظن! - ألم تقرأ التراث بصفتك طالب آداب؟ - لغته معقدة ومحصوله ضحل، وهو مقطوع الصلة بزماننا!
فتسللت نبرة حادة بعض الشيء إلى صوت الأستاذ وهو يسأل: والوطن أما زلتم تحبونه؟ - طبعا. - وإسرائيل هل تودون محاربتها؟ - نحن الذين سنحرر الوطن بدمائنا، الوطن الذي تسببتم في هزيمته. - نحن؟ - نعم. - ليس جيلنا الذي يحكم.
وأشرت إلى الأستاذ عباس إشارة خفية ليتجنب الحدة فثاب إلى الهدوء وجعل يبتسم في مودة، ثم سأله: وماذا تفضلون: الاشتراكية أم الرأسمالية؟
فرفع صبري منكبيه وأجاب: لا تهمنا الأسماء! - الأسماء؟! - أجل، مللنا ذلك ... يهمنا أن تتحقق لكل فرد حريته ونجاحه وسعادته.
अज्ञात पृष्ठ