وتضخم شعوري بالمسئولية، وكان يستفحل كلما تذكرت بأن حياتنا المشتركة تقوم على غير أساس مشترك، وأنه لا يمكن أن تمضي هكذا إلى الأبد، وأن العطف والجنس لا يكفيان لاستتباب الأمن في أسرتنا ذات الجناح الواحد. وذات يوم من أيام العام نفسه - أواخر الصيف أو أوائل الخريف - زارني في مكتبي الأستاذ عبده البسيوني، تذكرته من أول نظرة رغم التغير الهائل الذي طرأ عليه، ورحبت به بحرارة كأننا لم نفترق حوالي ربع قرن على الأقل. ترى ماذا غيره بهذه الدرجة، رغم أنه لا يكبرني بأكثر من بضعة أعوام؟ وسألته: ماذا تفعل الآن؟
ولكنه تجاهل سؤالي وسأل بدوره: لعلك تسأل عما دعاني إلى زيارتك بعد ذاك العمر من الانقطاع؟
فقلت ببراءة: لعله خير يا زميلي القديم.
فقال وهو يرمقني بهدوء: إني أزورك بصفتي زوج أماني محمد!
مرت ثانية وأنا لا أعي لقوله معنى، وفي الثانية التالية انفجر معناه في وعيي كصاروخ. الحق أني غبت عن الوجود بمعنى ما، تلاشى المكان والزمان، لم أعد أرى إلا وجه عبده البسيوني الأسمر المستدير، كأنه وجه شخص آخر، وجه تمثال يقوم أمام مكتبي منذ الأزل. لم أنبس بكلمة، وطبعا لا فكرة لي عن الصورة التي انطبعت فوق صفحة وجهي، ولكنه هز رأسه بهدوء وقال بنبرة مستأنسة: لا داعي للجزع.
وابتسم ابتسامة ما وقال: لا علم لك بشيء.
ثم بتوكيد: لم أحضر للانتقام.
مضيت أرجع إلى مقعدي وحجرتي، ولكن شعورا حادا اجتاحني بأن دنياي على وشك التصدع والتلاشي.
وسمعته يقول: من حسن الحظ أن الأيام التي عشتها في باريس لم تضع عبثا!
وقلت وأنا مستسلم تماما للمقادر: لعلك تعني امرأة أخرى. - أعني المرأة التي كنت عندها أمس! - ولكنها مطلقة! - بل هي على ذمتي وأنا زوجها!
अज्ञात पृष्ठ