وتزوج من كريمة مدرس اللغة العربية، وكانت حاصلة على الشهادة الابتدائية. - وكانت أسرة زوجتي على تواضعها أرقى من أسرتي؛ فصادفتني متاعب مؤسفة.
ثم قال بشيء من الحزن وفي صراحة مؤثرة: كان الموقف يتطلب شخصا أصلب مني! ولكن زوجتي أنجبت لي ثلاثة ذكور!
كان له يوم ترفيه واحد يمضيه في المقهى، ولا يغادر أهله بعد ذلك إلا لعمل، ومرت أعوام حافلة بالتاريخ وهو قابع في عشه يراقب الأحداث من بعيد، يناقشها بهدوء، ويعلق عليها برقة، مركزا على تربية أولاده الثلاثة حتى تخرج بكريه ضابطا في سلاح الفرسان، والأوسط مهندسا ثم التحق بالجيش، والثالث بيطارا. وقد نجا ابناه من حرب 1956 بأعجوبة فحمد الله وشكره، وواصل عمله حتى أحيل على المعاش عام 1960، وهو يتمتع بصحة جيدة وحياة زوجية سعيدة، ولما احتشدت قواتنا في سينا في أواسط عام 1967 خفق قلبه بعنف بعد طول هدوء، وراح يسأل كل من هب ودب: حرب أو لا؟
ووقعت الواقعة، وانحسر الظلام عن شيء من النور، فرجع الابن الأوسط مصابا إصابة غير قاتلة، أما بكريه فاعتبر من المفقودين، وهزته الصدمة من الأعماق، وتبدد هدوءه التقليدي فانهار انهيارا يدعو للرثاء، وكان يحب أبناءه كأم، ورفض أن يصدق أن ابنه قتل، وظل يحلم دائما بمعجزة تعيده إليه سالما. وما لبث ابنه الأوسط أن تماثل للشفاء فعاد إلى الجبهة، وبقي الرجل ممزقا بين أحلامه عن المفقود وخوفه على المقاتل، وهو يتابع أنباء الجبهة ساعة بعد ساعة، ويوما بعد يوم، ترجفه أخبار الغارات في الأرض والسماء، ويخذله إيمانه رغم رسوخه، ويزلزله حبه العميق لأولاده، وأراه أحيانا شيخا عجوزا محني الظهر قليلا، أبيض الشعر، يجلس شارد النظرة، يفكر في المجهول، لا يبشر منظره بقدرة على مواجهة الحياة بمطالبها الجامحة، فأحتار طويلا بين العتب عليه والرثاء له، ثم أنضم إليه مواسيا، ثم نتبادل التخمينات عن الغيب.
فايزة نصار
تعرفت بها في بيت عجلان ثابت بالجيزة حوالي عام 1960 كما تعرفت بزوجها في نفس الزيارة. كانت في الثلاثين، لوجهها طابع ريفي رائق بالرغم من أناقتها العصرية، وهي وإن تكن متوسطة الجمال إلا أنها ذات جاذبية جنسية قوية، أما زوجها - عبده إبراهيم - فصاحب جراج في الخمسين، بدين مترهل خامل المظهر، يشترك في الحديث بالنظرة أو الابتسامة البلهاء، ولا يكاد يتكلم.
قال لي عجلان: إنها جارتنا في نفس العمارة وصديقة زوجتي.
فقلت: زوجها غير مقنع! - ولكنه ذو دخل محترم، أنجب منها طفلين، وهي أم لا بأس بها وإن تكن أمية! - تبدو ذكية. - في الأصل كانت ابنة بياعة جبن وزبدة، ولكن استعدادها للتأقلم قوي، وهي تتقدم بفضل الإذاعة والتلفزيون والصديقات.
وفي زيارة تالية لبيت عجلان ثابت قابلت فايزة نصار، وكانت بصحبة رجل أربعيني حاد البصر قوي الجسم، علمت أنه يدعى جلال مرسي وأنه صاحب كازينو الهرم، وقال لي عجلان ثابت باستهتاره المعروف: في المرة السابقة عرفت زوج فايزة، وها أنت تعرف في هذه المرة عشيقها!
وضجت الحجرة بالضحك، زوجة عجلان وفايزة وجلال صاحب الكازينو، وقال جلال: لا تصدق!
अज्ञात पृष्ठ