कुरान में महिला
المرأة في القرآن
शैलियों
وقد كانت كل سيدة من أمهات المؤمنين تأوي إلى البيت الطاهر، فإنما تأوي إليه اعتصاما من الارتداد والوقوع في أيدي الحاقدين عليها من ذويها، أو تأوي إليه لإكرامها عن منزلة دون منزلتها ، أو عن عرضها على من يضارع أهلها ممن لا يرغبون فيها، وكان فيهن النصف، والعاقر، ومن لا مال لها، غير التأيم، أو العرض المستكره على أشراف القوم من أندادها ولا يخلو ذلك العرض من غضاضة عليها، لما يساورها من الظن بقبوله حياء من النبي وطاعة لأمره، وليس لإيثار النبي البناء بالسيدة على عرضها للزواج بين أصحابه غير سبب واحد يعقله المنصف والمكابر؛ لأنه لا يقبل الفهم المعقول على وجه آخر: وذلك هو جبر الخاطر، والبر بالمرأة المؤمنة أن ينتهي بها إيمانها إلى الحطة والهوان، ويكفي أن تسرد أسماؤهن وتذكر أحوالهن عند بناء النبي بهن، لتنقطع الظنة في أسباب كل زواج سهلته الخصوصية النبوية. «ولم يحدث قط أن اختار زوجة واحدة لأنها مليحة أو وسيمة، ولم يبن بعذراء قط إلا العذراء التي علم قومه جميعا أنه اختارها لأنها بنت صديقه وصفيه وخليفته من بعده أبي بكر الصديق رضي الله عنه». «هذا الرجل الذي يفتري عليه الأئمة الكاذبون أنه الشهوان الغارق في لذات حسه - وقد كانت زوجته الأولى تقارب الخمسين، وكان هو في عنفوان الشباب لا يجاوز الخامسة والعشرين وقد اختارته زوجا لها؛ لأنه الصادق الأمين فيما اشتهر به بين قومه من صفة وسيرة، وفيما لقبه به عارفوه وعارفو الصدق والأمانة فيه، وعاش معها إلى يوم وفاتها على أحسن حال من السيرة الطاهرة والسمعة النقية، ثم وفى لها بعد موتها فلم يفكر في الزواج حتى عرضته عليه سيدة مسلمة رقت له في عزلته فخطبت له السيدة عائشة بإذنه، ولم تكن هذه الفتاة العزيزة عليه تسمع منه كلمة لا ترضيها غير ثنائه على زوجته الراحلة ووفائه لذكراها». «وما بنى - عليه السلام - بواحدة من أمهات المسلمين لما وصفت به عنده من جمال ونضارة، وإنما كانت صلة الرحم والضن بهن على المهانة هي الباعث الأكبر في نفسه الشريفة على التفكير في الزواج بهن. ومعظمهن كن أرامل مؤيمات فقدن الأزواج أو الأولياء، وليس من يتقدم لخطبتهن من الأكفاء لهن إن لم يفكر فيهن رسول الله ». «فالسيدة سودة بنت زمعة مات ابن عمها المتزوج بها بعد عودتها من الهجرة إلى الحبشة، ولا مأوى لها بعد موته إلا أن تعود إلى أهلها، فيكرهوها على الردة أو تتزوج بغير كفء لها لا يريدها». «والسيدة هند بنت أمية - أم سلمة - مات زوجها عبد الله المخزومي، وكان أيضا ابن عمها، أصابه جرح في غزوة أحد فقضى عليه، وكانت كهلة مسنة فاعتذرت إلى الرسول عليه السلام بسنها، لتعفيه من خطبتها، فواساها قائلا: «سلي الله أن يؤجرك في مصيبتك، وأن يخلفك خيرا» فقالت: «ومن يكون خيرا لي من أبي سلمة؟» وكان الرسول عليه السلام يعلم أن أبا بكر وعمر قد خطباها فاعتذرت بمثل ما اعتذرت به إليه، فطيب خاطرها، وأعاد عليها الخطبة حتى قبلتها». «والسيدة رملة بنت أبي سفيان تركت أباها وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة، فتنصر زوجها وفارقها في غربتها بغير عائل يكفلها، فأرسل النبي عليه السلام إلى النجاشي يطلبها من هذه الغربة المهلكة، وينفذها من أهلها إذا عادت إليهم راغمة من هجرتها في سبيل دينها، ولعل في الزواج بها سببا يصل بينه وبين أبي سفيان بوشيجة النسب، فتميل به من جفاء العداوة إلى مودة تخرجه من ظلمات الشرك إلى هداية الإسلام». «والسيدة جويرية بنت الحارث سيد قومه، كانت بين السبايا في غزوة بني المصطلق، فأكرمها النبي عليه السلام أن تذل ذلة السباء، فتزوجها وأعتقها وحض المسلمين على إعتاق سباياهم، فأسلموا جميعا وحسن إسلامهم، وخيرها أبوها بين العودة إليه والبقاء عند رسول الله، فاختارت البقاء في حرم رسول الله». «والسيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب مات زوجها، فعرضها أبوها على أبي بكر فسكت، وعرضها على عثمان فسكت، وبث عمر أسفه للنبي فلم يشأ أن يضن على صديقه ووليه بالمصاهرة التي شرف بها أبا بكر قبله، وقال له: يتزوج حفصة من هو خير لها من أبي بكر وعثمان». «والسيدة صفية الإسرائيلية بنت سيد بني قريظة خيرها النبي بين أن يردها إلى أهلها، أو يعتقها ويتزوجها، فاختارت البقاء عنده على العودة إلى ذويها ، ولولا الخلق الرفيع الذي جبلت عليه نفسه الشريفة، لما علمنا أن السيدة صفية قصيرة يعيبها صواحبها بالقصر، ولكنه سمع إحدى صواحبها تعيبها بقصرها، فقال لها ما معناه من روايات لا تخرج عن هذا المعنى: إنك قد نطقت بكلمة لو ألقيت في البحر لكدرته، وجبر خاطر الأسيرة الغريبة أن تسمع في بيته ما يكدرها ويغض منها». «والسيدة زينب بنت جحش - ابنة عمته - زوجها من مولاه ومتبناه زيد بن حارثة، فنفرت منه وعز على زيد أن يروضها على طاعته، فأذن له النبي في طلاقها. فتزوجها عليه السلام؛ لأنه هو المسئول عن زواجها، وما كان جمالها خفيا عليه قبل تزويجها بمولاه؛ لأنها كانت بنت عمته، يراها من طفولتها ولم تفاجئه بروعة لم يعهدها». «والسيدة زينب بنت خزيمة مات زوجها عبد الله بن جحش قتيلا في غزوة أحد، ولم يكن بين المسلمين القلائل في صحبته من تقدم لخطبتها، فتكفل بها عليه السلام؛ إذ لا كفيل لها من قومها». «وهذا هو الحريم المشهور في أباطيل المبشرين وأشباه المبشرين، وهذه هي بواعث النفس التي استعصى على المبطلين أن يفهموها على جليتها، فلم يفهموا منها إلا أنها بواعث إنسان غارق في لذات الحس، شهوان». «ولقد أقام هؤلاء الزوجات في بيت لا يجدن فيه من الرغد ما يجده الزوجات في بيوت الكثيرين من الرجال، مسلمين كانوا أو مشركين. وعلى هذا الشرف الذي لا يدانيه عند المرأة المسلمة شرف الملكات أو الأميرات، شقت عليهن شدة العيش في بيت لا يصبن من الطعام والزينة فوق الكفاف، والقناعة بأيسر اليسير، فاتفقن على مفاتحته في الأمر، واجتمعن يسألنه المزيد من النفقة، وهي موفورة لديه لو شاء أن يزيد في حصته من الفيء، فلا يعترضه أحد ولا يحاسبه عليه. إلا أن الرجل المحكم في الأنفس والأموال - سيد الجزيرة العربية - لم يستطع أن يزيدهن على نصيبه ونصيبهن من الطعام والزينة، فأمهلهن شهرا وخيرهن بعده أن يفارقنه، ولهن منه حق المرأة المفارقة من المتاع والحسنى، أو يقبلن ما قبله لنفسه معهن من ذلك العيش الكفاف ».
ولو أن هذا الخبر من أخبار بيت النبي كان من حوادث السيرة المحمدية التي تخفى على غير المطلعين المتوسعين في الاطلاع، لقد كان للمبطلين بعض العذر فيما يفترونه على نبي الإسلام من كذب وبهتان، إلا أنه خبر يعلمه كل من اطلع على القرآن ووقف على أسباب التنزيل، وليس بينها ما هو أشهر في كتب التفسير من أسباب نزول هذه الآيات في سورة الأحزاب:
يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما [الأحزاب: 28، 29]. ••• «وأقل المبشرين المحترفين ولعا بالتفتيش عن خفايا السيرة النبوية، خليق أن يطلع على تفاصيل هذا الحادث بحذافيره؛ لأنه ورد في القرآن الكريم خاصا بالمسألة التي يتكالب المبشرون المحترفون على استقصاء أخبارها، وإحصاء شواردها، وهي مسألة الزواج وتعدد الزوجات. وقد كان لهذا الحادث الفريد في سيرة النبي صدى لم يبلغه حادث من الحوادث التي عنيت بها العشيرة الإسلامية حين كانت في بيئتها المحدودة، تحيط بإيمانها إحاطة الأسرة بأبيها». «حدث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كنا تحدثنا أن غسان تنتعل النعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء، فضرب بابي ضربا شديدا وقال: أثم هو؟ ففزعت فخرجت إليه، وقال: حدث أمر عظيم! قلت: ما هو؟ أجاءت غسان؟ قال: لا، بل أعظم منه وأطول، طلق النبي
صلى الله عليه وسلم
نساءه.» «ولما تألب ربات البيت يشكون ويلحفن في طلب المزيد من النفقة، لبث النبي في داره مهموما بأمره، وأقبل أبو بكر فوجد الناس جلوسا لا يؤذن لأحد منهم، فدخل الدار ولحق به عمر بن الخطاب، فوجد النبي واجما وحوله نساؤه، فأحب أبو بكر أن يسري عنه بكلمه يقولها، وكأنه فطن لسر هذا الوجوم من النبي بين نسائه المجتمعات حوله فقال: «يا رسول الله! لو رأيت بنت خارجة، سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها! فضحك النبي وقال: هن حولي كما ترى يسألنني النفقة. فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، ويقولان: تسألن رسول الله ما ليس عنده؟ فقلن: والله لا نسأل رسول الله شيئا أبدا ليس عنده».» «وهجر النبي نساءه شهرا، يمهلهن أن يخترن بعد الروية بين البقاء على ما تيسر له ولهن من الرزق، وبين الانصراف بمتعة الطلاق. وبدأ بالسيدة عائشة فقال: «إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب ألا تتعجلي فيه حتى تستشيري أبويك، فسألته: وما هو يا رسول الله؟ فعرض عليها الخيرة مع سائر نسائه في أمرهن. فقالت: أفيك يا رسول الله أستشير قومي؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة.» وأجاب أمهات المسلمين بما أجابت به السيدة عائشة، وانتهت هذه الأزمة المكربة بسلام، وما استطاع صاحب الدار - وهو يومئذ أقدر رجل في العالم المعمور - أن يحل أزمة داره بغير إحدى اثنتين: أن يجمع النية على فراق نسائه، أو يقنعن معه بما لديهن من رزق كفاف». «أعن مثل هذا الرجل يقال: إنه حلس شهوات وأسير لذات؟» «أعن مثله يقال: إنه ابتغى من رسالته مأربا يبغيه الدعاة غير الهداية والإصلاح؟» «فيم كان هذا الشقاء بأهوال الرسالة وأوجالها من ميعة الشباب إلى سن لا متعة فيها، لمن صاحبه التوفيق والظفر أو لمن صاحبته الخيبة والهزيمة؟» «أتراه يريدها مخاطرا بأمته وحياته، مستخفا بالهجرة من وطنه والعزلة بين أهله، ليسوم نفسه بعد ذلك عيشة لا يقنع بها أقرب الناس منه وأعلاهم شرفا بالانتماء إليه؟» «أمن أجل الحس ولذاته يتزوج الرجل بمن تزوج بهن، وهو سيد الجزيرة العربية وأقدر رجالها على اصطفاء النساء الحسان من الحرائر والإماء؟» «وهل يتزوج بهن الشهوان الغارق في لذات الحس ليقتدين به في اجتراء الترف والزينة وخلوص الضمير للإيمان بالله وابتغاء الدار الآخرة؟» «وما مأربه من كل ذلك إن كان له مأرب في طويته غير مأربه في العلانية؟! وعلام يجاهد نفسه ذلك الجهاد في بيته وبين قومه إن لم يكن له رسالة يؤمن بها ولم تكن هذه الرسالة أحب إليه من النعمة والأمان؟!» «إن المبشرين المحترفين لم يكشفوا من مسألة الزواج في السيرة النبوية مقتلا يصيب محمدا، أو يصيب دعوته من ورائه، ولكنهم قد كشفوا منها حجة لا حجة مثلها في الدلالة على صدق دعوته، وإيمانه برسالته، وإخلاصه لها في سره، كإخلاصه لها في علانيته، ولولا أنهم يعولون على جهل المستمعين لهم لاجتهدوا في السكوت عن مسألة الزواج خاصة أشد من اجتهادهم في التشهير بها واللغط فيها».
وقصارى القول في الخصوصية النبوية أنها لم تكن «امتيازا» من امتياز القوة المسيطرة لتسخير المرأة في مرضاة خيلاء الرجل، وحبه للمتعة الجسدية، ولكنها كانت آية أخرى من معدن الأحكام القرآنية فيما تسفر عنه من عطف على المرأة وحياطة لها من مواقع الجور والإذلال.
الفصل العاشر
الطلاق
بني الطلاق، كما بني الزواج، في المجتمعات الأولى على عادات الفطرة؛ الذكر يطلب الأنثى ولا تطلبه، والرجل يخطب المرأة ولا تخطبه، والرأي في الترك لمن له الرأي في الطلب والخطبة، وعلى هذه العادة الفطرية درج نظام الطلاق مع الزواج باختيار الرجل وحده، وجرى القانون على ما جرى به العرف بعد قيام القوانين بعد المرحلة البدائية من مراحل الاجتماع.
ولم يتدخل المجتمع في مراسم الطلاق إلا بعد فترة طويلة، ظهرت في خلالها الحاجة إلى إثبات الطلاق في سجل محفوظ، لعلاقته بإثبات البنوة والميراث، وتقرير عقوبة الخيانة، وإجازة العودة إلى الزواج للمرأة التي انفصلت عن قرينها.
अज्ञात पृष्ठ