जाहिलिया में महिला

हबीब ज़य्यात d. 1373 AH
20

जाहिलिया में महिला

المرأة في الجاهلية

शैलियों

متبذلا تبدو محاسنه

يضع الهناء مواضع النقب

فلما أصبح غدا على أبيها، فخطبها إليه، فقال له أبوها: مرحبا بك أنك الكريم لا يطعن في حسبه، والسيد لا يرد في حاجته، ولكن لهذه الفتاة في نفسها ما ليس لغيرها، وأنا أذكرك لها. ثم دخل إليها وقال لها: يا خنساء، أتاك فارس هوازن وسيد بني جشم يخطبك وهو من تعلمين. فقالت: يا أبت أتراني تاركة بني عمي مثل عوالي الرماح ومتزوجة شيخ بني جشم هامة اليوم أو غد. فلم يجبها أبوها بشيء مع رغبته في تزويجها لدريد، وخرج إليه، وقال: يا أبا قرة قد امتنعت، ولعلها أن تجيب فيما بعد. وسيأتي فيما عدا هذا دليل آخر أكثر صراحة يعلم منه كم كانت الأنثى يومئذ حرة في اختيار من تشاء ورفض من تشاء زوجا لها، وفي هذا الشاهد الذي نقلته عن الخنساء شاهد آخر بما تقدم ذكره من أن بعض النساء كن إذا أردن يخرجن حاسرات بلا نقاب، ولذلك قال دريد: متبذلا تبدو محاسنه.

ومما يزيد في فضل هذه المشيئة التي تركها العرب لفتياتهم في اختيار الزوج أن النساء في الجاهلية أو بعضهن كن يطلقن رجالهن، وكان طلاقهن أنهن إن كن في بيت من شعر حولن الخباء إن كان بابه قبل المشرق حولنه قبل المغرب، وإن كان بابه قبل اليمن حولنه قبل الشام، فإذا رأى ذلك الرجل علم أنها قد طلقته، فلم يأتها كما حدث لحاتم الطائي مع امرأته ماوية مثلما هو مذكور في قصته. وقد قيل في حاتم هذا إنه كان نصرانيا، فإن صح هذا القول كان في تطليق امرأته له دليل على أن الطلاق كان مشتركا بين النصارى وعابدي الوثن، وهذا الموضع مهم للمشتغل بتاريخ النصرانية في الجاهلية والإسلام، فلينتبه إليه. ونظيره ما ذكر من تطليق امرئ القيس لامرأته أم جندب حين حكمت لعلقمة الفحل عليه عندما تحاكما إليها فيما قالاه من الشعر، وفي هذه القدرة التي كانت للمرأة على تطليق الرجل دليل ناطق بمقدار منزلتها في الجاهلية، بحيث كان لها من الحقوق قريب مما كان للرجل؛ تطلقه إن أنكرت منه سوء معاملة لها، أو تحامل عليها، أو رأته مهملا لمكانها مقبلا على ما تكره منه، وفي هذا من العدل والإنصاف ما لا يخفى على أحد.

ولم يكن الجمال في المرأة الجاهلية هو وحده المعين لها على الزواج، فإن كثيرين من الرجال كانوا يؤثرون فيها جمال النفس، وكمال الخلق وشرف النسب وكرم العنصر ودهاء الرأي، وذكاء الفهم سواء كانت مع ذلك حسناء، أو قبيحة، وأكثر ما كانوا يلتمسون فيها شهرة الأسم، وتطاير الصيت، فرب فتاة كانت خاملة الذكر مجهولة المكان متناهية الفقر لا يأتيها راغب ولا يخطبها خاطب، ثم اتفق ما نوه باسمها ونبه على منزلتها من شعر قيل فيها أو في مدح أسرتها، فما لبثت حتى أقبل عليها الطلاب من كل قبيلة يبذلون لها من المهر ما أغنى ذويها، وأدر عليهم أخلاف الرزق، كما روي عن المحلق الكلابي أنه كان له ثلاث أخوات قد كسدن عليه، وكان مع ذلك فقيرا سيء الحال، فاتفق أن مر ذات يوم به الأعشى الشاعر، فبادر وبعث إليه بالضيافة وأكرمه، فما كان بعد قليل حتى قال الأعشى شعرا سار وشاع في العرب، فما أتت على المحلق سنة حتى زوج أخواته الثلاث؛ كل واحدة على مائة ناقة وأيسر وشرف. وحكى صاحب الأغاني أيضا أن امرأة جاءت إلى الأعشى نفسه، وقالت له: إن لي بنات قد كسدن علي فشبب بواحدة منهن لعلها أن تنفق. فشبب بواحدة منهن، فما شعر الأعشى إلا بناقة بعثت إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: زوجت فلانة. فشبب بالأخرى، فأتاه مثل ذلك، فسأل عنها فقيل: زوجت. فما زال يشبب بواحدة فواحدة منهن حتى زوجن جميعا.

وأما الذكاء والفطنة فما من أحد يجهل قصة شن وما ألزم به نفسه من أن لا يتزوج إلا بامرأة تضاهيه في الدهاء، فكان يجوب البلاد في ارتياد طلبته إلى أن صادف في بعض أسفاره أبا طبقة، فسأله أسئلة لم يفطن لمغزاها، حتى فسرتها له ابنته طبقة تفسيرا حمل شنا على خطبتها وتزوجها، ونظير ذلك ما يحكى عن امرئ القيس من أنه كان قد أقسم ألا يتزوج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة واثنين، فجعل يخطب النساء فإذا سألهن عن هذا قلن أربعة عشر، فبينما هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنة له صغيرة فأعجبته، فقال لها: يا جارية ما ثمانية وأربعة واثنان؟ فقالت: أما ثمانية فأطباء الكلبة، وأما أربعة فأخلاف الناقة، وأما اثنان فثديا المرأة. فخطبها إلى أبيها، فزوجه إياها واتفق له معها قبل الزواج ما يدل على شدة ذكائها ووفرة عقلها مما لا أنقله لطوله. وفي هذه الحكاية دليل أيضا على ما سبق التنبيه عليه من أن بعض الفتيات كن يتزوجن في سن حدث، وهو قول صاحب الرواية عن الرجل الذي لقيه امرؤ القيس أنه كان يحمل ابنة له صغيرة، ولم يمنعه صغرها مع ذلك من تزويجها.

القسم الثاني

تقدم في القسم الأول وصف المرأة الجاهلية في حياتها المادية، وسأصف في هذا القسم حياتها الأدبية، وما كان لها من المنزلة والتأثير في أسرتها وبين قومها، وأول ما أذكر من ذلك سلطتها على القلوب واستيلاؤها على الأفكار، حتى كانت مفتتح كل قول ومنصرف كل حديث، كالبسملة تقدم بين يدي كل كلام، وكالقبلة ينثني إليها وجه كل داع، بحيث لم يكن من شعر ينظم إلا يقف الشاعر في مطلعه يحيي المرأة تحية خاشع لها خاضع، ويصف في مستهله شوقه إليها صفة هائم بمحاسنها مفتون بمحبتها، وما برحوا يعتقدون ذلك فرضا واجبا عليهم، حتى عم ذكر المرأة سائر أقوالهم ومنظوماتهم مهما اختلفت فيها الأحداث النفسانية، فصاروا يذكرونها في غير مقامات الصبابة وفي حين لا داعي إلى ذكرها، كفي أحيان الغضب مثلا وطلب الثأر مما لا يبقى للنفس فيه محل لرقة القلب ووصف الأشواق، والشواهد على ذلك كثيرة، أجتزئ منها بواحد آخذه من شعر لذي الإصبع العدواني، قاله في ابن عم له كان يعاديه ويبغيه شرا، فلما هاج به هائج الغيظ قال فيه قصيدة افتتحها بذكر امرأة له اسمها أم هارون أولها:

يا من لقلب شديد الهم محزون

أمسى تذكر ريا أم هارون

अज्ञात पृष्ठ