ومن هنا يعلم أن النساء لم يكن جميعا يستترن بالنقاب استتارا لا يكشفن فيه عن وجوههن البتة، بل كان كثيرات منهن يبرزن للرجال، ولا سيما الفتيات يراهن الراغب في الزواج فيخطبهن عن معرفة ومرأى لا عن شهادة ورواية، وقد بقي بعض هذه العادة إلى ما بعد الإسلام، فكان بعض النساء يبرزن للرجال يحدثنهم ويحدثونهن، كما ذكر عن سكينة بنت الحسن، وتسمى من كانت كذلك برزة، وبعضهن يجلسن لخطابهن، كما صرح بذلك ابن عبد ربه في العقد الفريد فيما نقله عن معبد بن خالد الجدلي أنه قال: خطبت امرأة من بني أسد في زمن زياد، وكان النساء يجلسن لخطابهن، فجئت لأنظر إليها وكان بيني وبينها رواق، فدعت بجفنة من الثريد مكللة باللحم فأتت على آخرها وألقت العظام نقية، ثم دعت بقربة صغيرة مملوءة لبنا فشربته حتى أكفأت القربة على وجهها، وقالت: يا جارية، ارفعي الستر. فإذا هي جالسة على جلد أسد، وإذا شابة جميلة، فقالت لي: يا عبد الله، أنا أسدة من بني أسد وعلى جلد أسد، وهذا طعامي وشرابي، فإن أحببت أن تتقدم فتقدم، وإن أحببت أن تتأخر فتأخر. فقلت أستخير الله في أمري وأنظر. وخرجت ولم أعد، وأورد ابن عبد ربه حكايات أخر في مثل هذا المعنى، بعضها أصرح في الدلالة، لا أنقلها لطولها فليطالعها من يشاء.
وعلى ذكر الخطبة والزواج فقد يظهر أن بعض فتيات الأعراب كن يتزوجن في سن حدث جدا، ومما لا يكاد يصدق ما وجدته في رجز لبعض النساء قالته في ابنتها رداعلى جارة لها ولدت غلاما. فقالت:
وما علي أن تكون جاريه
تغسل رأسي وتكون الفاليه
حتى إذا ما بلغت ثمانيه
زوجتها مروان أو معاويه
أختان صدق ومهور غاليه
فإن تزوج الفتاة في الثامنة من سنها مما ينكره الطبع وتكاد تنكره الطبيعة، ولعله إنما كان يقع في الظاهر فقط ليملك أمرها، ثم لا يبتني عليها إلا متى أدركت كما نقل عن الرسول فيما ذكره ابن عبد ربه من أنه تزوج عائشة في السادسة من سنها، وابتنى عليها في التاسعة.
ولا يبعد أن تكون هذه العادة باقية إلى اليوم في بعض المدن الإسلامية، كما يؤخذ مما ذكره نيبهر
1
अज्ञात पृष्ठ