قال: وإنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس إيّاه. قال: فسكتوا فما تكلّم منهم أحد، ولا أجاب بحرف.
فلما رأى ذلك عدي بن حاتم قال:
أنا ابن حاتم، سبحان الله، ما أقبح هذا المقام؟ ألا تجيبون إمامكم، وابن بنت نبيكم، أين خطباء مضر؟ أين المسلمون؟ أين الخوّاضون من أهل المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق «١» في الدعة، فإذا جدّ الجدّ فروّاغون كالثعالب، أما تخافون مقت الله، ولا عيبها وعارها.
ثم استقبل الحسن بوجهه فقال:
أصاب الله بك المراشد، وجنّبك المكاره، ووفقك لما يحمد ورده وصدره، فقد سمعنا مقالتك، وانتهينا إلى أمرك، وسمعنا منك، وأطعناك فيما قلت وما رأيت، وهذا وجهي إلى معسكري، فمن أحب أن يوافيني فليوافي.
ثم مضى لوجهه، فخرج من المسجد ودابته بالباب، فركبه ومضى إلى النّخيلة، وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه، وكان عدي أول الناس عسكرا.
ثم قام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ومعقل بن قيس الرياحي، وزياد بن صعصعة التيمي «٢» فأنّبوا الناس ولاموهم وحرضوهم، وكلموا الحسن بمثل كلام عدي بن حاتم في الإجابة والقبول.
فقال لهم الحسن: صدقتم- رحمكم الله- ما زلت أعرفكم بصدق النية، والوفاء بالقول والمودة الصحيحة، فجزاكم الله خيرا ثم نزل.
وخرج الناس، فعسكروا، ونشطوا للخروج، وخرج الحسن إلى معسكره، واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وأمره باستحثاث الناس وإشخاصهم إليه، فجعل يستحثهم ويخرجهم، حتى التأم العسكر] «٣» .
1 / 70