بالصلاة التكليف بما لا يطاق.
وليس نظر الكافر المحض- وهو معتقد خلاف الإسلام- في أدلة الحق وبحثه عنه معدودا من المهلة، بل هو حينئذ كافر بلا خلاف، وتحقيق المسألة في الكلام.
الثالث: المعرفة مرادفة للعلم
، بل ربما كانت أخص منه؛ لأنها تطلق على من سبق له جهل بما عرفه، والعلم لا يشترط فيه ذلك.
ومن ثم يطلق على الله تعالى أنه عالم، ولا يقال: إنه عارف؛ لإشعاره بسبق جهل، وحينئذ نقول:
العلم بهذه الأشياء والمعرفة لها قد تكون تصورية وقد تكون تصديقية؛ لانقسام العلم إليهما، والواجب من ذلك هو المعرفة التصديقية لا التصورية؛ لأن تصورها لا يوجب الحكم بالإسلام أو الإيمان من دون الحكم الجازم بثبوت ما هو ثابت منها وسلب ما هو منفي. وإنما لم يقيد المصنف المعرفة بالتصديقية- مع أن ذلك لازم كما قد عرفته- اكتفاء بقوله أخيرا: (كل ذلك بالدليل)، فإن الدليل لا تكتسب به إلا المعارف التصديقية، كما أن التصورية تكتسب بالقول الشارح.
الرابع: جعل المعرفة بهذه الأشياء واجبة قبل الصلاة
، أعم من أن يكون قبلها شيء آخر واجب أولا، فلا يدل حينئذ على أنها أول الواجبات، ويحتاج إلى التقييد بالواجب بالذات لئلا يرد أن أول الواجبات هو النظر المعرف لها؛ لأن النظر وإن كان وجوبه أسبق، لكن لا إشعار في العبارة بأن المعرفة هي أول الواجبات، وإنما خصها بالذكر من دون النظر- مع أنه أيضا واجب- من باب مقدمة الواجب المطلق؛ لأنها مقصودة بالذات ووجوبه تابع لها، فيلزم من الحكم بوجوبها- مع كونها واجبا مطلقا- وجوب ما يتوقف عليه، وإذا كان شرطا فيها كان متقدما ضرورة، فلا يحتاج في مثل هذا المحل الموضوع للاختصار والإشارة إلى هذه الأحكام بالعرض إلى التنبيه على أزيد من ذلك، وتحقيقه في الكلام، وما سيأتي من الإحالة عليه كاف في جواز الإجمال.
الخامس: المراد بمعرفة الله تعالى هنا التصديق بكونه موجودا واجب الوجود لذاته،
لا المعرفة التامة التي لا تتم إلا بمعرفة صفات جلاله ونعوت كماله؛ لما سيأتي بعده من
पृष्ठ 40