أما العلم شرف الدهر ، ومجد العصر ، ذهب الملك بحراسه ، وبقيت بركة العالم في أنفاسه ، فني السلاطين ، ووسدوا الطين ، وخلد ذكر أهل العلم أبدا، وبقي ثناؤهم سرمدا ، العلم أعلى من المال ، وأهيب من الرجال ، به عبد الديان ، وقام الميزان ، وبه نزل جبريل ، على صاحب الغرة والتحجيل،وبه عرفت شرائع الإسلام ، وميز بين الحلال والحرام ، وبه وصلت الأرحام ، وحل كل نزاع وخصام ، وبالعلم قام صرح الإيمان ، وارتفع حصن الإحسان ، وبينت العبادات ، وشرحت المعاملات ، وهو الذي جاء بالزواجر ، عن الصغائر والكبائر ، وفقه الناس به الفرائض والنوافل ، والآداب والفضائل ، ونصبت به معالم السنن ، وكشف به وجه الفتن ، ودل به على الجنة ، ودعي به إلى السنة ، وهو الذي سحق الوثنية ، وهدم كيان الجاهلية ، ونهى عن سبيل النار ، وموجبات العار ، ووسائل الدمار ، وبه حورب الكفرة ، وطورد الفجرة ، وهو من العلل دواء ، والشكوك شفاء ، ينسف الشبهات ، ويحجب الشهوات ، ويصلح القلوب ، ويرضي علام الغيوب ، وهو شرف الزمان ، وختم الأمان ، وهو حارس على الجوارح ، وبوابة إلى المصالح ، وصاحبه مهاب عند الملوك ، ولو كان صعلوك ، وحامله ممجد مسود ، ولو كان عبدا أسود ، يجلس به صاحبه على الكواكب، وتمشي معه المواكب ، وتخدمه السادة ، وتهابه القادة ، وتكتب أقواله ، وتقتفى أعماله ، وتحترمه الخاصة والعامة ، ويدعى للأمور العامة ، مرفوع الهامة ، ظاهر الفخامة ، عظيم في الصدور ، غني بلا دور ولا قصور ، الله بغيته ، والزهد حليته ، مسامرته للعلم قيام ، وصمته عن الخنا صيام ، رؤيته تذكر بالله ، لا يعجبه إلا الذكر وما والاه ، عرف الحقيقة ، وسلك الطريقة ، به تقام الحجة ، وتعرف المحجة، وهو بطل المنابر، وأستاذ المحابر، والمحفوظ اسمه في الدفاتر .
पृष्ठ 32