ولكن ليس من شك أن النهضة الهندية احتاجت إلى هذين الرجلين كي تصل إلى تمام فورتها وذروتها.
وهذا الكتاب الذي قرأته لو ترجم إلى اللغة العربية لزاد على ألف صفحة، وهو واحد من كتب عديدة ألفها نهرو في السجن، فقد أقام في سجون الهند نحو ثلاث عشرة سنة؛ لأنه هندي يحب الهنود، أو لأنه إنسان ينزع إلى الإنسانية، وهو يبدو في هذا الكتاب أديبا فنانا، واقتصاديا عصريا يعرف قيمة الصناعة، ومؤرخا يشرح الحضارة الهندية قبل ثلاثة آلاف سنة، ولكنه في كل ذلك غربي المزاج، وليس شرقيا؛ إذ يطلب الحضارة العصرية ويؤمن بالعلم، وحسبي أن أنقل إلى القراء بعض السطور التي تنير وتدل. •••
هو الآن في السجن ينظر إلى القمر فيقول:
إن القمر، وهو رفيقي في السجن، قد توثقت صداقته لي لزيادة استئناسي به، وهو يذكرني بجمال هذه الدنيا، وبنمو الحياة وفنائها، وبالنور يخفف الظلام، وبالموت والبعث يتعاقبان في سلسلة لا تنقطع، وهو على كثرة تغيره باق على ما هو عليه، ولقد راقبته في أطواره المختلفة، وحالاته العديدة حين تطول الظلال في المساء، وفي الساعات الساكنة في الليل، وحين يتنفس الفجر، ويهمس باستقبال النهار القادم، أجل ما أنفعه هذا القمر حين أعد به الأيام والشهور؛ ذلك لأن شكل القمر وحجمه حين يسفر، يعينان الأيام في الشهر بما يقارب الدقة ...
هذه إحساسات سجين قد ألف السجن، فعقد بينه وبين القمر ألفة لا يمكن المستعمر، أو السجان، أن يحرمه إياها.
وهو في هذه الكلمات التالية ينصح للهنود بأن يعتمدوا على العلم الذي يقول عنه:
إن العلم لا يفصح لنا كثيرا أو قليلا عن الغاية من الحياة، ولكن آفاقه تتسع وتتراحب هذه الأيام، ولعله يغزو قريبا ما نسميه «العالم غير المنظور» وعندئذ قد نستعين به على فهم الغاية من الحياة في معانيها، أو هو يتيح لنا على الأقل أن نلمح بعض ما يلقي الضوء على مشكلة الوجود البشري.
ثم يقول هذا الزعيم الذي ساهم في تحرير أمة تبلغ أربعمائة مليون إنسان:
إنى أجدني في صميم نفسى، مهتما بهذا العالم، وبهذه الحياة، ولست أعرف إذا كانت هناك روح، أو أننا سنحيا بعد الموت، ومع أن هذه المسائل خطيرة فإنها لا تقلقني أقل القلق.
ثم يقول:
अज्ञात पृष्ठ