الأدب الواقعي هو الذي يدرس الاشتراكية، أصلها وفصلها وأسلوبها وهدفها، والأدب الاشتراكي هو لذلك الأدب الواقعي في صميمه؛ لأنه هو الأدب الذي بسطت له الدراسات الاشتراكية أحوال العيش وأساليب الارتزاق، وما تحوي من خير ومن عظمة وسفالة. •••
في 1848 ظهر «البيان» الذي ألفه ماركس ووضع به يد الرجل العادي على أصل المجتمع، وفى 1859 ألف داروين كتاب «أصل الأنواع» ووضع به يد الرجل على أصل الإنسان، وعرفنا من كلا الكتابين أننا تطورنا من الغابة، وما زلنا نتطور في المجتمع، وكانت كلمة «التطور» مفتاحا سحريا جديدا نعالج به مشكلاتنا ونبني به آمالنا، وحطمنا بهذه الكلمة خرافات العقائد، وتعلمنا كيف نكافح كي ننير الأدمغة المظلمة، ونخرج منها الأساطير وننفذ إلى خلاياها النور.
النظرة الواقعية للكون والطبيعة والإنسان هي نظرة التطور، لقد تعلمنا من التطور أننا والحيوانات أسرة واحدة، وكان إميل زولا يلحظ ذلك في قصصه الواقعية عندما تناول الحياة الجنسية في الإنسان، ولكن الواقعية ارتفعت على ذلك.
فإن هنريك أبسن ينظر إلى الأسرة حيال الوضع الذي نتفق عليه ونعمم الوهم به، زاعمين أن الزواج كله سعادة، وأن مكان المرأة الحقيقي في وجودنا هو البيت، حيث تجد الراحة والرفاهية، وننسى أن الزوجة تمسح الكنيف، وتقضي نهارها في الطبخ والكنس، وهى في كل هذه الأعمال التكرارية، لا تربي نفسها ولا تبني شخصيتها، بل لا تجد حتى الاعتراف بفضلها من زوجها أو من المجتمع.
وهنريك أبسن أبو الواقعية العصرية، يحثها لذلك على أن تخرج من البيت وتنهي شخصيتها، تتعلم وتتعرف إلى الدنيا والمجتمع، وتكسب، وترتزق، وتحيا حياتها، ولا تحيا تلك الحياة التي يطالبها بها زوجها والمجتمع.
أنا أعده أول الواقعيين في عصرنا أو أخطرهم قبل مئة سنة.
ولكن عصرنا يحوي أدباء واقعيين أعمق منه، وإنما صاروا أعمق منه لأن الاشتراكية فتحت الأبواب السرية للمجتمع، وأوقفتنا على ما فيه من خبث ولؤم، وأوهام وخرافات، وفقر وجهل، وعذاب وهوان، وأوقفتنا أيضا على أحلام جديدة، أكاد أقول إنها رومانسية جديدة، هي هذا المستقبل الزاهي الذي ينتظر الشعوب بتحقيق النظم الاشتراكية.
إن الوعي الاشتراكي قد أوجد وعيا للفقير والظالم، وبعث دراسات إنسانية جديدة تهدف إلى البر والخير للإنسان، وتحضه على الكفاح من أجل مجتمع جديد يطمح إلى تحقيقه، كما أن هذه الدراسات قد جعلتنا نفهم الأسس الاقتصادية للحرب والاستعمار، بل للتعصب الديني والتعصب اللوني.
ونحن كما قلت، حين نفكر في المستقبل الاشتراكي للإنسان، ونحاول أن نضع لبنة فوق لبنة في بنائه، إنما نعالج رومانسية جديدة تهدف إلى المستقبل وتخالف الرومانسيات القديمة التي كانت تجد السعادة في الماضي بل أحيانا في إنسان الغابة.
الرومانسية الجديدة هي رومانسية برنارد شو مثلا، حين يرسم لنا خيالا عن «السبرمان» أي الإنسان الأعلى الذي يكون منا كما نحن من القردة العليا، أو حين يهدف إلى مطامع إنسانية جليلة، كأن نعيش نحو ألف سنة فنجد المجال والفرصة للتربية الشخصية، ولو أنه عاش إلى زماننا لألف دراما عقب القمرين السوفيتيين عن السفر إلى المريخ.
अज्ञात पृष्ठ