الإجرام مرض ... والمسئول عنه ... هو المثل والتقاليد والأهداف الاجتماعية ... وما يسري على الإجرام في الحياة يسري أيضا على الإجرام في الفن، فالفن المصري فن شاذ مجرم خلقه المجتمع الفاسد الذي أوجدته الملوكية؛ لتعيش فيه لمصلحة أفراد قلائل يتعاونون مع المستعمر الإنجليزي، ومع المستعمر الداخلي الإقطاعي، وهذا التعاون المنظم ينصب على استغلال موارد البلاد، كما ينصب على استغلال مؤهلات الأفراد ... كان من المستحيل على الملوكية المصرية أن تثبت أقدامها طوال السنوات السود ... دون الاستيلاء الفكري على قلوب الشعب نفسه لتوجيهه لما تريد من الزاوية التي تحافظ بها على بقائها ... لذلك كان لا بد للفن والإذاعة، والمسرح، والسينما، والشعر، والغناء، كل الفنون، كان لا بد منها؛ لتسخر لخدمة الملوكية ضد مصالح البلاد، وضد مصالح الشعب نفسه ... كان الفن المصري، في غالبيته العظمى فنا مجرما من خلق سادة فاسدين، وكان الفنانون المصريون في غالبيتهم العظمى مجرمين فعلا، مجرمين في حق بلادهم، ومجرمين في حق قدسية الفن ومثاليته ... واليوم، هل تغيرت الصحافة والإذاعة والمسرح والسينما والموسيقى والشعر والفنون؟
ويجيب كامل على هذا السؤال بكلماته المعتدلة:
قد تكون في سبيل تغيير شكلها، وقد تكون بصدد تغيير مضمونها، ولكنها لم تصبح ثورية ... لا بد لها من ثورة كاملة شاملة، ثورة في الشكل، وثورة في المضمون ...
قلت ما يكفينى للتعليق والشرح، وقد حذفت الكثير مما لا أعتقد أن حذفه يخل بموقف الكاتب وآرائه. •••
ولا أنكر اغتباطي بقراءة هذا المقال، فقبل أكثر من عشرين سنة ألفت كتابا عن «الأدب الإنجليزي الحديث» أوضحت فيه أنه أدب الشعب وأدب المجتمع، وكان قصدي أن أعكس بمرآته صورة لأدب جديد يعرفها شبابنا، ويطالبون بمثلها للأدب المصري، وفي 1952 كتبت في «أخبار اليوم» مقالا بعنوان «الأدب للشعب» أثار علي عاصفة، يمكن القارئ لكامل التلمسانى أن يفهمها الآن، والآن فقط لأني خالفت ودافعت، عن أدب جديد للشعب، أجل للشعب.
بل إنى في حماستى، صرحت بأني أوثر أزجال بيرم التونسي على أشعار شوقي؛ لأن الأول شعبي والثاني ملوكي، والأول كان يأكل التراب جوعا في باريس؛ لسخطه على فؤاد بينما كان شوقي يؤلف القصائد بالكلمات الرائعة في مدح فؤاد ويحيا في ترف موسد، ويأكل ويشرب في هناء.
وتحليل «كامل» للفنون والآداب ومرجع الانبعاث الفني والإلهام الأدبي صحيح، وإن كان يستحق المزيد من الشرح، فالفنون والآداب جميعا تعبر عن المجتمع وأهدافه ووسائله، فإذا كان الفنان أو الأديب ينتمي إلى الطبقة الحاكمة، ويحيا على ما يكسبه منها، فإنه يعبر عن آرائها، فلا يذكر الشعب، ولا يدرس الاشتراكية، ولا يعترف بأن للشعب أية حقوق، بل ما زلت أذكر أنه عندما ألغى الوغدان زيور وفؤاد البرلمان الشعبى في 1925 كانت صحفه تسمي الشعب «الرعاع».
أجل، وكان طه حسين وعبد القادر المازني يكتبان في الدفاع عنه في الجريدة التي أنشأها الحزب الذي يؤيد زيور، بل وجدنا أدباء بعد ذلك يدافعون سنة 1929 عن وقف الدستور ثلاث سنوات تقبل التجديد، ثم أعقب ذلك التعطيل التام للدستور، هذا التعطيل الذي وجد أيضا من يدافع عنه من الأدباء.
وقد بدأ العقاد حياته الأدبية بالسير مع الشعب، وكافح مع الزعيم العظيم سعد، وسجن من أجل هذا الدفاع، ولكنه بعد ذلك آثر الملوكية على الشعبية، وكذلك فعل طه حسين، ويستطيع الباحث أن يجمع ما كتباه وهما مع الشعب، أيام ثورة 1919، وما كتباه بعد ذلك حين أصبحا ملوكيين، ويقارن ويعلل هذا الانقلاب.
فإن طه حسين الذي ألف كتابا في أيام شبابه، عن المعري الشاعر الشعبي الذي استنهض الشعوب العربية إلى مكافحة المظالم، طه حسين هذا الذي نشأ من الدرجات الأولى في السلم الاجتماعي، وكافح وتعلم في جهد ومشقة، انقلب ملوكيا يفرح برتبة باشا، ويصف الشقي فاروق بأنه «صاحب مصر».
अज्ञात पृष्ठ