بسم الله الرحمان الرحيم، اللهم يسر برحمتك وعونك
مقالة الإسكندر الأفروديسى فى اللون وأى شىء هو على رأى أرسطوطاليس
نقل أبى عثمان الدمشقى رحمه الله
قال الإسكندر إن أرسطوطاليس حد اللون حدا قائما فقال إن اللون هو أفق المبصر المحدود.
فنقول نحن إن للجرم أفقين: أحدهما السطح والآخر هو اللون، وذلك أن الشىء الذى هو ذو ثلاثة أبعاد جرم مستشف، فلأنه جرم صار السطح أفقه ولأنه مستشف صار اللون أفقه.
فصار لذلك اللون والسطح معا فى الجرم، فإن لكل جرم 〈 بأنه جرم〉 أفقا هو السطح، فإن المستشف هو جرم أيضا وأفقه هو السطح │ بأنه الجرم، فاللون إذن هو أفق المستشف 〈 بأنه مستشف〉 فيكون إذن هذان الأفقان فى الجرم معا.
فنرجع فنقول إن لكل جرم سطحا ولا يكون الجرم إلا مع السطح، وليس يكون كل سطح مع لون لأن ليس كل جرم هو مستشف محدود.
فنقول إن الجرم المستشف هو صنفان: أحدهما المستشف المحدود والآخر المستشف غير الممحدود 〈فأما المستشف غير المحدود〉 فشبه الماء والهواء، فإنه ليس لذاتهما لون ولا سطح محدود مشكل.
पृष्ठ 364
أقول إن الرطوبات 〈والأجرام〉 التى هى〈غير〉 محدودة مشكلة يحدها لاتفاق شكلها المحيط بها، وكذلك ليس لها لون ذاتى لكنها قابلة حاملة خادمة للألوان الغريبة، وكذلك هى أيضا قابلة للأشكال الغريبة.
فبحق صيرت الطبيعة الجرم القابل الخادم للألوان الغريبة مستشفا غير محدود أعنى بلا لون، وإنما صيرته مستشفا ليكون قابلا حاملا للألوان، فصيرته لا لون له لئلا يختلط بألوان الاشياء المحسوسة الذاتية فيمنع الحاس أن يستدل على حقائق ألوان الاشياء.
وأما الصنف الآخر 〈وهو〉 المستشف المحدود فهو الذى فى الأجرام الجاسئة الصلبة، فان لكل جرم جاسئ صلب غير سائل كمزاج أفقين: أحدهما بأنه جرم وهو السطح والشكل والثانى بأنه مستشف محدود وهو اللون، فصار أفق جرم الشىء السطح والشكل، وصار أفق مستشف الشىء هو اللون.
فقد استبان الآن أن اللون هو أفق المستشف المحدود كما قال الفيلسوف.
وما ينبغى أن يعلم أن ليس كل جرم 〈مستشفا ولا كل جرم〉 هو قابل للألوان ولا كل مستشف هو محدود، فأما المستشف المحدود فهو ذو اللون وهو ذو السطح والشكل.
ونقول أيضا: من الاشياء المستشفة المحدودة ما هو أكثر استشفافا ومنها ما هو أقل. فأما الذى هو أكثر استشفافا فشبه الجرم الأبيض أعنى النار، فإن النار ترى شقراء لاختلاط سواد الدخان بها.
पृष्ठ 366
وقد تكون أشياء أخر دونها فى البياض من الدرجة الثانية والثالثة، فأما الأجرام السود فقد عدمت 〈اللون〉 البتة، فلذلك عدمت الاستشفاف أيضا.
ونقول أيضا إن اللون هو شىء من الأشياء وانه من الأشياء المحمولة التى لا تقوم بذاتها بل فى شىء آخر، فإن كان هذا على هذا فلا محالة أنه ينبغى أن يكون جرم يحمل اللون وهو الجرم المستشف، فإن الجرم المستشف هو الهيولى الأقرب │ للون.
أقول إن المستشف بالفعل 〈هو الذى له اللون بالفعل〉 فإن المستشف الذى بالقوة هو هيولى قابل للألوان المتضادة والمختلفة التى بينها.
والقول أيضا إن طبيعة المستشف هى لكل جرم ذى لون أو قابل للون، فأما الأجرام المستشفة 〈أو اللاتى فيها شىء مستشف〉 فأفقها ظاهر شىء محدود، فهى الأجرام الجاسئة الصلبة.
وذلك أن اللون بين ظاهر فى الأجرام الجاسئة المستشفة أعنى أن لكل جرم جاسئ يابس مستشف لونا ذاتيا وهو اللون الحق أعنى اللون الكائن فى الجرم الجاسئ اليابس.
فأما المستشف غير المحدود فليس له لون ذاتى ولا محدود وهو الكائن فى الأجرام المتخلخلة لا تقوى على لزوم شىء من الألوان وضبطه، لكنها تكون قابلة للألوان 〈الغريبة〉 تؤديها الى الحواس من غير أن تقبل منها شيئا قبولا مؤثرا فيها، فان الألوان تحركها إذا قربت منها وماستها.
पृष्ठ 368
أقول إن الأجرام ذوات اللون إذا ما قربت من الجرم المستشف وماسته حركته، فإذا تحرك من ألوانها قبل بعضها وأداة إلى بصر الحيوان، فيكون الحيوان حينئذ ينال الألوان بذلك الجرم المستشف.
وإنما يفعل هذا الجرم المستشف من قبل الأشياء المضيئة وظهورها عليه، وذلك أن المضىء يفعل فيه أعنى فى الجرم المستشف فيقبل لونه قبولا كأنه خاص له، وليس له بخاص ولا بذات لكنه هو له ما دام فيه الشىء المضىء، فإذا فارقه وتحول عنه ذهب عنه ذلك اللون أيضا.
وأما ما دام الجرم المستشف مضيئا فهو قابل لجميع الألوان كقبول الضوء سواء يؤديها إلى حس البصر بالألوان من قبل الأثر المؤثر فيه من الجسم المستشف الخارج إذا ما حرك من الألوان على الجهة التى وصفنا آنفا.
فقد استبان الآن كيف يكون المستشف المحدود وفى أى الأجرام يكون ذلك وكيف يؤدى إلى ابصار الحيوان وكيف يحس به الابصار.
ونقول أيضا أن المستشف غير المحدود هو الذى لا يقبل من الألوان شيئا قبولا مؤثرا فيه لحال سخافته وتخلخله، فإذا ما قرب إليه الشىء المضىء كان ذلك علة ضوء به، فإذا فارقه وتحول عنه كان ذلك علة ظلمة، وهذا يكون فى الأجرام المحدودة المشكلة.
पृष्ठ 370
أقول إنه إذا كان فى الجرم المشكل خليط من الجرم المستشف الغالب أكثر كان منه لون البياض، فان │ البياض هو اللون الحق وهو أفضل الألوان، فصار لذلك واقعا تحت البصر أكثر من سائر الألوان.
فإذا فارق هذا اللون أعنى البياض فراقا تاما كان ذلك علة سواد الجرم، والسواد ليس لونا لكنه عدم اللون للعلة التى ذكرنا آنفا، فأما الألوان التى من البياض والسواد فيكون كونها واختلافها من قبل اختلاط الأجرام المستشفة واللاتى ليس لها مستشف.
ونقول أيضا إن النار واقعة تحت البصر من بين الأجرام المبسوطة وهى فى طبيعتها مستشفة جدا فلذلك تقوى على إضاءة الهواء فتصيره تام اللون كتمامها، فإن الضوء هو تمام المستشف الذى ليس بمحدود وصورته، فأما الأرض فلا مستشف لها البتة.
فإن كان هذا على ما ذكرنا فلا محالة أن جميع الألوان تكون من خلط هذين الجرمين الأولين المبسوطين أعنى النار والأرض وأن اختلاف الألوان يكون على نحو اختلاف خلط أحدهما فى الآخر.
ونقول أيضا: كما أن نصف الشم ونقول: من الأجرام ما لها رائحة ومنها ما لا رائحة له — فأما ذو الرائحة منها فهو الذى فى كونه ووجوده ذو رائحة وأما ما لا رائحة له فهو القابل للرائحة المؤدى للرائحة الكائنة فى الأجرام ذوات الرائحة — كذلك أيضا نصف ونقول إن المستشف المحدود هو ذو اللون، وهذا هو طبيعة اللون أعنى المستشف المحدود.
وأما المستشف غير المحدود فهو الجرم الذى لا لون له فى طبيعته وهو قابل الألوان ومؤديها إلى حس الحيوان.
पृष्ठ 372
فنرجع الآن إلى ما كنا فيه أولا فنقول إنا إذا سئلنا أى شىء السطح قلنا: هو أفق الجرم الجاسئ الصلب اليابس، وإذا سئلنا أى شىء اللون قلنا بقول واجب إن 〈اللون هو أفق المستشف المحدود لأن〉 إضافة السطح إلى الجرم المحدود المشكل هى كإضافة اللون إلى المستشف المحدود.
وقد لخصنا أنية اللون وقول الفيلسوف إن اللون أفق المستشف المحدود تلخيصا فيلسوفيا مستقصى شافيا مقنعا إن شاء الله.
تمت مقالة االإسكندر الأفروديسى فى اللون وأى شىء هو على رأى أرسطوطاليس.
نقل إسحاق بن عثمان.
पृष्ठ 374