وهذا من أعظم الدلائل على أن هذا الحادث فى المشف ليس باستحالة ولا حركة، وذلك أن كل متحرك فإنما يتحرك فى زمان يصير أولا إلى ما قرب منه فى زمان قليل ثم يصير إلى ما هو أبعد فى زمان أكثر، فأما الضوء وصور المبصرات فإنها تحدث دفعة على مثال واحد فى جميع المشف بمنزلة الظل والظلمة، فإن الضوء يفارق المشف كله معا ويحدث فيه كله معا ولذلك يبين أرسطو أن الإبصار يحدث بلا زمان، وذلك أن الزمان الذى فيه يبصر الإنسان شيئا قد يبصره فى أى جزء اتفق منه، والأشياء التى 〈لا〉 تحتاج فى كونها وتمامها إلى زمان تحدث 〈بلا〉 زمان، لأنه ليس ما فى زمان بكونه فى زمان لكن الشىء الذى يحتاج حمله إلى مدة من الزمان ليتكون فيها ويتم، فكذلك السرور ولا يكون فى زمان
والأجسام المشفة فمنها ما هو بالفعل فقط دائما بمنزلة المشف فى الأجسام الشريفة الأبدية، وذلك أن الأبدية لا تقبل ما بالقوة ومنها ما هو مشف بالقوة وهو الذى فى الكون، فإن هذا يخرج مثل سائر ما فى الكون من القوة إلى الفعل، والهواء وجميع ما عندنا من الأجسام المشفة فهى قبل حضور الجسم الذى شأنه أن يفيد الضياء مادة للمشف بالفعل أعنى الضوء، وحضور 〈الجسم〉 الذى يفيد الضياء يجعله مشفا ويلونه ضربا من التلوين، وذلك أن الضوء بمنزلة لون المشف
وليس الهواء من طريق ما هو هواء مشفا ولا الماء مما هو ماء، وذلك أن هاهنا أجسام كثيرة مختلفة بالنوع فيها عارض الاستشفاف مشترك، فإن الجرم الأبدى والهواء والماء والزجاج وبعض الأحجار مشتركة فى هذه الطبيعة غير أن الجرم الأبدى هو مشف أبدا بالفعل كما قلنا والأجسام الباقية فمرة تكون بالقوة ومرة تكون بالاستتمام
पृष्ठ 153