وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد
فقلت له: ما اسمك؟ وما اسم هذه القرية بين القرى؟ وما هي هذه الشيخة التي مثلها في النساء لا يرى؟ فقال له: أما أنا فاسمي أبو الغواية ضلال، وأما القرية فاسمها في الكتب القديمة ملال، وأما الشيخة فهي زوجة الشيخ جابر، إمام زاوية أيوب بن صابر، وإنه عازم على فراقها؛ لشراسة أخلاقها، وعدم وفاقها، وإنها بالأمس قرعت بابي، ورفعت قضيتها إلى جنابي، وسأنظر إليها، وأقضي بالحق لها أو عليها. فقلت له: ما هي وظيفتك يا أبا غواية؟ وكيف تقضي ولست بقاضي الولاية؟ فقال: اعلم أني أنا نائبه في هذا البلد، وأني أحفظ من القرآن الفاتحة، وقل هو الله أحد. فقلت له: إذا كنت كذلك يا جاحظي السحنة، فما لي أراك مخالفا للكتاب والسنة؟! فقال: إنهم قلدوني نيابة القضاء بهذا الشرط، وأغضوا عما يفرط مني من الخلط، وأخذوا علي بذلك العهود، فما أخرج عن هذه الحدود. فقلت له: بقي عليك شيء لا بد منه، وأمر مهم لا محيص عنه، وهو أنك تجب نفسك بيدك، وتخلع زوجتك على ولدك، حتى إذا انفصلت روحك الخبيثة عن بدنك، ودرجت إلى حفرتك بعد اندراجك في كفنك، سحبوك على وجهك إلى الجحيم، وطرحوك في نار العذاب الأليم، فوقعت هذه النصيحة عند الشيخ الخرفان، موقع القبول والاستحسان، وأجاب إلى ما دعوته إليه وامتثل، وقصد حانوت الحلاق؛ لبت ما أمر به بلا مهل، وقال وهو متأهب للقيام يمدحني بهذا الكلام.
لك الثناء على نصح أعيش به
بين العباد جليل القدر في بلدي
لا سيما بعد فقد الأنثيين ومن
بعد التخلص من أهلي ومن ولدي
قال الكميت: فلما سمعنا أعجوبة هذا الدرويش، قلنا: كم يشاهد من عجائب الدنيا من يعيش!
المقالة الثالثة
في اليسر بعد العسر
حدثني مبارك الطلعة، الصديق الثقة، في ليلة أنس كانت بالبدر المنير مشرقة؛ أنه نشأ بمدينة سان، فيما سلف من الزمان؛ أخوان يتيمان، توفي أبوهما وهما صبيان، وماتت أمهما بعده بعام، وتركتهما بلا زاد ولا حطام، فألجأتهما ضرورة القوت، تارة إلى خدمة ذوي البيوت، وطورا إلى الكد في العمل من غير كسل، مع سد الرمق بكل ما حصل، وتماديا على مزاولة هذه المشاق، التي ضاق بها منهما الخناق، حتى جمع كل واحد منهما بعد أن بلغا أشدهما؛ مقدارا من الدراهم المعدودة، والنقود المدخرة المرصودة، فاتقفا على التأهل بشقيقتين شريفتين عفيفتين، واشتغل منهما الفكر بذلك في الجهر والسر.
अज्ञात पृष्ठ