ولقد كان أول من فتح باب الأبحاث في أنساق البديهيات هو الرياضي الألماني دافيد هلبرت
D. Hilbert (1862-1943م) الذي نشر في سنة 1899م كتابا مشهورا هو: أسس علم الهندسة
4
Die Grundlagen der Geometrie ، وقد تجمعت حول «هلبرت» مدرسة كرست جهودها لما يسمى بمشكلة الأسس في الرياضيات؛ أعني لتبرير النظريات الرياضية عن طريق دراسة عدم تناقضها، ودراسة صفات أخرى أتينا من قبل على ذكرها، وسوف نعود مرة أخرى إلى الكلام عن فكرة «هلبرت» عندما نفحص مشكلة المفاهيم الأولى في العلوم الرياضية. (6) المفاهيم الأولى
والواقع أننا لم نتحدث حتى الآن إلا عن القضايا الرياضية. وعلينا الآن أن ندرس المفاهيم التي يرد ذكرها في هذه القضايا (مثل مفاهيم النقطة، المستقيم، المسطح، والعد). وفي دراستنا للمفاهيم سوف نهتدي إلى خطوة شبيهة بتلك التي أدت بنا إلى وضع المصادرات. فكما أن القضية لا تكون سليمة إلا إذا برهن عليها، فكذلك لا يمكن الانتفاع بالمفهوم إلا بعد تعريفه، ولكي يعرف الرياضي أحد المفاهيم، يستخدم مفاهيم أخرى، وهذه المفاهيم الأخرى لا بد أن تكون مما سبق تعريفه. ولكن هذا معناه أن الرياضي يضطر إلى التوقف في حركة الرجوع إلى الوراء، بحيث يتخذ لنفسه نقطة بدء هي مفاهيم لا تردنا إلى أي مفهوم آخر. وهذه المفاهيم الأولى يطلق عليها كثير من المناطقة اسم اللامعرفات
indéfinissables
مثلما تسمى البديهيات «باللامبرهنات
Les indémontrables ».
ولكن نفس الملاحظة التي أبديناها بشأن القضايا الأساسية تنطبق أيضا على المفاهيم الأساسية؛ فالمفاهيم التي تختار على أنها مفاهيم أولى وأساسية، ليست «بطبيعتها» غير قابلة للتعريف، وإنما هي تقرر، كما لو كانت غير قابلة للتعريف. (ومن الجائز جدا أن أحد المفاهيم الذي يقرر كمفهوم أول في نظرية معينة، وبالتالي لا يعرف، يصبح في نظرية أخرى مفهوما مستمدا من غيره، ويعرف تبعا لذلك).
وفيما يلي مثال لهذا التحول، في مستوى الهندسة الأولية، وهو مثال يستطيع المرء إدراكه بالحدس؛ فمن الشائع أن يتخذ مفهوم النقطة مفهوما أول، وعندئذ يعرف مفهوم الخط المستقيم بأنه يتحدد عن طريق نقطتين، أي أنه توصيل نقطتين. ومن وجهة النظر هذه تكون النقطة مفهوما أول، والمستقيم مفهوما مستمدا منها.
अज्ञात पृष्ठ