البحث عن القوانين، أي عن العلاقات الضرورية التي تصدق بصفة عامة، والتي تربط الوقائع بعضها ببعض، وليس هذا البحث قراءة بارعة للوقائع، كما ظن (جون استيوارت مل) بل هو إبداع حقيقي. ومن الممكن تصنيف الأنماط الرئيسية للإبداع التجريبي. (3)
التحقق من صدق القوانين، أو التجريب، وهو اختبار الفكرة عن طريق وقائع ينتجها المرء أو يتنبأ بها، ويقال عن هذا التحقيق - تبعا لاصطلاح بيكن - إنه حاسم
cruciale
إذا كان يتخذ صورة برهان الخلف، الذي نصل إليه بحذف الفروض الباطلة، ولكن هذا الحذف لا يؤدي أبدا إلى نتيجة دقيقة منطقيا.
وأخصب أجزاء المنهج التجريبي هو «الفرض»، الذي يخترع من أجل تفسير الوقائع بقانون سوف نتحقق من صدقه تجريبيا. والطبيعة الرياضية فرضية استنباطية، شأنها في ذلك شأن العلوم الرياضية، وكل ما في الأمر أن البرهان في هذه العلوم الأخيرة يأتي عن طريق الإثبات الاستنباطي، أما في الأولى فالاستنباط يبحث عن البرهان في الوقائع.
أولا: نظرة إجمالية (1) ضرورة التفرقة بين الجانب النظري والجانب العملي، وبين العالم والمهندس
تقوم حضارتنا المادية على أساس الصناعية العلمية، وهي تحقق بذلك حلما طاف بذهن «ديكارت».
فقد أكد ديكارت أنه «بدلا من هذه الفلسفة النظرية التي تعلم في المدارس، يمكن الاهتداء إلى طريقة تتيح لنا - متى عرفنا قوة وآثار النار والماء والهواء والنجوم والسماوات وجميع الأجسام الأخرى المحيطة بنا، بمثل الدقة التي تعرف بها مختلف مهن الصناع لدينا - استخدام جميع هذه القوى في كل الاستعمالات التي تصلح لها. وبهذا نصبح سادة مسيطرين على الطبيعة.»
1
ولكن من الضروري أن نميز في ضروب التقدم التي أحرزها عصرنا بين دور العلوم بمعناها الصحيح، ودور الأساليب الفنية (التكتيك)، ولهذا الفصل بين المجالين أهمية بالنسبة إلى مناهج البحث العلمي أولا ، وبالنسبة إلى الأخلاق ثانيا وعلى وجه أخص. ذلك لأن من الجائز أن يكون الحكم الذي نصدره على مدنيتنا إذا تأملنا النتائج العلمية التي وصلت إليها، مختلفا كل الاختلاف عنه إذا تأملنا التطبيقات الصناعية التي استخلصتها من العلم، وخاصة لأن هذه التطبيقات الصناعية لم تصدر كلها عن العلم مباشرة؛ بل الأمر أبعد من أن يكون كذلك.
अज्ञात पृष्ठ