إخواني! تأهبوا ليومٍ تترادف فيه العَبَرات، وتعظم. الحَسَرات، فَيعضُ الظالم على يديه ويقول: يا حسرتا يوم يقول لك أين من أرضيتَ عنك بغضبي عليك، ابن آدم أين من كنتَ تَزَيَّنْتَ له وبالقبيح بارزتني، ما هذا التذلل بين يديّ وقد كنت جبّارًا عنيداَ، طالما ذُكرْتَ بموقفكَ هذا فتناسيتَ، وطالما بُصِّرْتَ بأمركَ هذا فتعاميتَ، ولم تزدد إلاّ فراراَ، يا حسرةَ العاصين، يا ذُلّ مقام المتجبرين، واخيبة المضطرين، واخسارة المُسرِفينْ.
أهلَ الغرام تجمَعُوا ... اليوم يومُ عتابنا
نَعَقَ الغرابُ بِبَيْننا ... فَغُرابُنا أغرى بنا
إنّ الذين نُحبُّهم ... قد وُكِّلوا بعذابنا
قوموا بنا بحياتكم ... نمشيَ إلى أحبابنا
قومٌ إذا ظفروا بنا ... جادوا بعتق رقابنا
إخواني! لو رأيتموهم في الدجى بين الخوف والرجاء، تائبهم يقول: اعفُ عنّي وأقلني عثرتي، ومتعبِّدهم يتململ:
تُريدينَ إدراكَ المعالي رَخِيصةً ... ولا بُدَّ دونَ الشَهْدِ من إبرِ النَّحْلِ
وباكيهم يستغيث " قَصُرَتْ دموعي عن مَدى حُزني " ومحبُّهم يترنم: " وَهَبْتُ السُلوَّ لمن لامني " ومشتاقُهم يزمزم: " وعلِّلاني بحديث حاجر " ومتململهم يهتف: " شجوي كشجوي يا حمامُ ساعدي " ومنبسطهم يقول: " أنتِ النعيم لقلبي والشقاءُ له " والمُدِلّ يتكلم: " لا تَبْرِ عودًا أنتَ ريشتُه " إلى متى تشرُدُ عن مؤلِّفك، يسترك وتعصي، ويقَرِّبُكَ وأنت لنفسك تُقصي.
" لحا اللهُ من لا ينفع الوُدُ عند " يا عبدَ شهوته، يا قتيل غفلته، يا أسير بَطالته (أأربابٌ متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهّار) لقد حدثت من لا يعرف، وعذلتُ من لا يسمع، وزجرتُ من لا يقبل، ومتى اتهم الترجمان فالأولى له السكوتْ اجلس ساعةَ في بيت الفكر وصِحْ على نفسك بصوت اللوم أما أتعبتَ الرواحل في أسفار الجهالة، أمّا أخذ الفراقُ حظّه من يعقوب، أأبقى السقام موضعاَ في جسم أيّوب، فإذا سجنّ الليل فعلق على قطار المتهجدين، وزاحم زمرة المستغفرين، فإن هتف لسانُ العتاب اطلتَ الغيبة عَنّا فَقل بلسان التذلل:
ما كنتُ أعرفُ ما مقدار وصلكُمْ ... حتى هجرتَ وبعضُ الهجر تأديبُ
ثم أرسل منشدُ البكاءِ فَسُمع القيولُ يستطيب تلك النغمة وليكن في بسيط الغناء:
مضى زمنٌ والناسُ يَسْتَشْفِعُونَ بي ... فهل لي إلِى ليلى الغداةَ شفيعُ.
واجعل في الثقيل:
فَلَيْتَكَ تَخلُو والحياةُ مريرةُ ... ولَيْتَكَ تَرّضَى والأَنامُ غِضابُ
وليتَ الَذي بيني وبَيْنَكَ عامرٌ ... وبَيْني وبينَ العالمين خَرابُ
وأنشد متململًا:
قُلْ للمدامع بعد الحيِّ تنسكبُ ... فذاك أَيْسَرُ ما في حُبِّهم يَجِبُ
اُحِبُّ باناتِ " سَلْع " والمقيم بها ... وفي فؤاديَ من هجرانهم لَهَبُ
غبتم فما سَرَّني من بَعْدِ فُرقتكم ... شيٌ ولا طاب لي من بعدكم طَرَبُ
لا تعجبوا من مماتي بعد بينهمُ ... شوقًا فإنّ حياتي بعدهم عَجَبُ
هم أهل ودَي وإن صدوا وإن هجروا ... وغايتي إن رضوا عنّي وانْ غضبوا
دَعْهُم يجوروا فما للصَّبَ من أَحَدٍ ... يُنجيه منهم إليه منهمُ الهَربُ
فهم أحبة قلبي لا عدمتُهُمُ ... ما دمتُ حَيًّا وإن بانوا وإن قربوا
وكان لي سَبَبٌ أرجو الصلات به ... فانقضى حين ولّوا ذلك السَّبَبُ
يا ساكني " رامةً " ما إنْ ذكرتكمُ ... إلاّ جَرَتْ أدمعي في الخَدِّ تنسكبُ
وبعدُ: فابك بكاء مهجور، ونُحْ نواح مأسور، وقل: " تلذّ عيني وقلبي منكَ في أَلمِ ".
فإن لم تَرَ للقبول أثرًا فَصِحْ في الوادي:
تلك نجد فأين سُكّانُ نجدٍ ... أترى يعرفون بعدي بعهدي
أم نسوني إذ فارلموني ملالًا ... وإبلائي أنا المُعَنّى بوجدي
هيَ لي قِبْلَة فلاتمنعوني ... أنْ أؤدي فيها فريضةَ وردي
1 / 4