وكنت أقعد فيه كثيرا، قال: وفيه ابتدأت كتاب «المغنى» ببركاته.
وحكى عن الرامهرمزي قال: أردت الخروج من عند أبي علي، والانصراف إلى بلدي، فلما استعدت للركوب في السفينة انا ورفاقي، ذهبت لتوديع أبي علي، ورفاقي منتظرون لي، وجئت وهو يملي، فودعته، فقال: «اصبر»، فضاق صدري بذلك خوفا من ضجر رفقائي، فرجعت إلى توديعه، فقال لي:
«اصبر»، فلما قرب الغروب قال: «الآن في ودائع الله»، فعلمت أنه أخرني لشيء يتعلق بالاختيار ... يعني اختيار ساعة صالحة. وهذا يدل على أن أبا علي كان له تعلق بعلم النجوم، وأنه يقول بجواز العمل على ذلك، من دون اعتقاد تأثير لها، لكنها علامات لما أجرى الله العادة أن يفعله، عند المقارنات المعروفة.
ومما يدل على ذلك ما حكاه أبو هاشم قال: كتب إلي أبو علي في بعض الأيام، وأنا في البدو، أن أجمع ما حصل، وأرجع قبل هجوم الليل، ففعلت.
فلما جن الليل، وقع برد ومطر، فسد لاجلهما أموال الناس. ولأبي علي كتب في الرد على أهل النجوم، ويذكر، أن كثيرا منها يجري مجرى الأمارات، التي يغلب الظن عندها.
وكان أبو محمد الرامهرمزي من أخص أصحاب أبي علي يستملي منه، كان يجيب كثيرا من المسائل التي ترد على أبي علي.
كان له حظ عظيم، لا يوجد في زمانه، وكتب بيده مصحفين، صار أحدهما إلى الصاحب الكافي، وكان الصاحب يتبجح بذلك، ويقول: إن حروف خطه تصلح أن ينقض بها شبه المجبرة، التي قالوا فيها: لو كان الخط من فعلنا، لأمكننا أن نكتب ثانيا، مثل ما كتبناه أولا، من غير إختلاف بين الخطين بوجه من الوجوه.
ومنها: رزق الله، قرأ على أبي علي أولا، ثم على أبي هاشم، وبلغ مبلغا عظيما.
قال القاضي: وكان شيخا حسنا، حسن التعصب للمذهب، لقى أبا علي ثم أبا هاشم، ثم أصحابه، ثم صار إلى بغداد، وكان يحضر عندي.
पृष्ठ 84