134

توجيه بحيث لا يرد عليه تلك الأنظار والإيرادات.

أما كلامه في الشفاء ، فلأنه ذكر في فصل «أن النفس الإنسانية لا تفسد» بعد ما بين في فصل سابق عليه ، أن الأنفس غير مادية ، ثم بين في فصل بعده كيفية انتفاع النفس بالحواس في إدراكاتها الجزئية ، وأنها عاقلة لمعقولاتها بالذات كما يظهر ذلك على من راجع كلامه (1) ونظر فيه ، وأنه حيث أثبت في الفصل المتقدم ، أن النفس الإنسانية غير مادية ، أثبت أنها غير مركبة من مادة وصورة كالجسم أي تركيبا من جزءين ، أحدهما حال في الآخر يسمى صورة ، والآخر محل له يسمى مادة أو هيولى ، بحيث يكون تشخص الحال بالمحل وتقوم المحل بالحال كما ذكروه. فنفى بذلك كون النفس جسما ذا مقدار مركبا من هذين الجزءين ، أي جزءين كان كل منهما ذا وضع ، بل مركبا مطلقا من حال ومحل وإن كان المحل والحال كلاهما مفارقين عن المادة غير ذي وضع وكذا المركب منهما حيث إن التركيب من جزءين إذا لم يكن أحدهما حالا في الآخر ، ولا الآخر محلا له ، ولم يكن احتياج لأحدهما إلى الآخر في الوجود والتشخص ، لا يكون تركيبا حقيقيا ، ولا منشأ لكون الجزءين مع التركيب مركبا وإن كان ، كان التركيب من مادة وصورة كالجسم ، فلزم أن يكون النفس جسما ومادية ، والمفروض خلافه.

وبالجملة أنه أثبت بذلك كون النفس غير مركبة من مادة وصورة ، أو من شيء كالمادة وشيء كالصورة ، فما ذكره الإمام فيما نقلنا عنه : «ان النفس تحت مقولة الجوهر ، فهي مركبة من جنس وفصل ، والجنس والفصل إذا اخذا بشرط التجرد ، كانا مادة وصورة ، فالنفس عندهم مركبة من مادة وصورة» شبهة في هذا المقام ، وجوابها ما ذكره المحقق الطوسي : أن ما ذكره مغالطة باشتراك الاسم ، فإن المادة والصورة تقعان على ما ذكره ، وعلى جزئي الجسم بالتشابه ، وإلا فجميع أنواع الأعراض أيضا مركبة من مادة وصورة.

والحاصل أن ما ادعوه من انتزاع الجنس والفصل من المادة والصورة الخارجيتين على تقدير تسليمه إنما هو في الأجسام ، وأما في غيرها فلا يسلم ، كيف وأن الأعراض أيضا ربما يكون لها جنس وفصل ، ولا يكونان منتزعين من المادة والصورة الخارجيتين إذ ليست هي أجساما ، فكيف الجواهر المجردة عن المادة ، وكذلك أثبت حيث أثبت إن

पृष्ठ 183