وجميع الشرائع نسخت بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يشرع اليوم إلا شرعه، بل: أقول إنه لم يكن قط شرع يسوغ فيه لأحد أن يبني مكانا يكفر فيه بالله فالشرائع كلها متفقة على تحريم الكفر ويلزم من تحريم الكفر تحريم إنشاء المكان المتخذ له والكنيسة اليوم لا تتخذ إلا لذلك وكانت محرمة معدودة من المحرمات في كل ملة، وإعادة الكنيسة القديمة كذلك؛ لأنها إنشاء بناء لها وترميمها أيضا كذلك؛ لأنه جزء من الحرام ولأنه إعانة على الحرام فمن أذن في حرام ومن أحله فقد أحل حراما، من توهم أن ذلك من الشرع رد عليه بقوله تعالى {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} وبقوله صلى الله عليه وسلم {إني لا أحل ما حرم الله ولا أحرم ما أحل الله} وإنما اختلف الفقهاء في كونهم يمنعون من الترميم والإعادة أو لا يمنعون فالذي يقول لا يمنعون لا يقول بأنهم مأذون لهم ولا أنه حلال لهم جائز، وإن وقع ذلك في كلام بعض المصنفين فهو محمول على إطلاق العبارة والإحالة على فهم الفقيه لما عرف قواعد الفقه فلا يغتر جاهل بذلك، والفقيه المصنف قد يستعمل من الألفاظ ما فيه مجاز لمعرفته أن الفقهاء يعرفون مراده ومخاطبته للفقهاء.
وأما المفتي فغالب مخاطبته للعوام فلا يعذر في ذلك وعليه أن لا يتكلم بالمجاز ولا بما يفهم منه غير ظاهره، ثم القائلون بأنهم لا يمنعون لم يقل أحد منهم أن ذلك بأصل الشرع بل إذا اشترط لهم ذلك في موضع يجوز اشتراطه فهذا هو الذي نقول الفقهاء إنهم يقرون عليها ويختلفون في ترميمها وإعادتها وأما بغير شرط فلم يقل أحد إنهم يقرون على إبقاء، ولا يمكنون من ترميم أو إعادة فليتنبه لهذين الأمرين أحدهما أن عدم المنع أعم من الإذن، والإذن لم يقل به أحد.
والثاني أن عدم المنع إنما هو إذا شرط أما إذا لم يشرط فيمنع ولا يبقى وهذا أمر مقطوع به مأخوذ من قواعد مجمع عليها لا نحتاج فيه إلى أدلة خاصة فكل ما نذكره بعد ذلك من الأحاديث والآثار وشرط عمر وغيره تأكيد لذلك فإن كان في بعض إسنادها وهن فلا يضرنا؛ لأن الحكم الذي قصدناه ثابت بدون ما ذكرناه وهذا كما أنا نقرهم على شرب الخمر ولا يقول أحد إن شرب الخمر حلال لهم ولا أنا نأذن لهم فيه ولم يرد في القرآن لفظ الكنيسة.
पृष्ठ 5