[8] والقياس الذي من أجله يعرض هذا الغلط هو قياس القمر إلى أجزاء السحاب فإن السحاب إذا كان متحركا فإن أجزاءه المسامتة للقمر تتبدل وأطراف القطع المتقطعة من السحاب يبعد بعضها عن القمر وهو ما تجاوز القمر منها ويقرب بعضها من القمر وهو المتحرك منها إلى جهة القمر. فإذا كان البصر ناظرا إلى القمر وهومن وراء السحاب وكان السحاب متحركا حركة سريعة وكانت أجزاءه مختلفة الصورة، فإنه يرى القمر في الحال يسامت من السحاب جزءا بعد جزء. وإذا كان السحاب متشابه الأجزاء، فإنه إذا قاس البصر القمر بطرف قطعة بعد قطعة من السحاب المتقطع أدركه يقرب من طرف كل واحدة من تلك القطع ويبعد من طرف القطعة الأخرى، وخرج من قطعة من السحاب ويدل في قطعة غيرها، فيظنه من أجل اختلاف وضعه بالقياس إلى قطع السحاب وإلى أجزاء السحاب أنه متحرك. لأن البصر كذلك يدرك الأجسام المتحركة التي على وجه الأرض التي يدركها دائما، فإنه يرى الجسم المتحرك على وجه الرض يسامت من سطح الرض جزءا بعد جزء، ويبعد من جزء ويقرب من آخر، فإدراك البصر للقمر من وراء السحاب السريع الحركة متحركا إنما هو من قياسه جزءا من القمر إلى أجزاء السحاب التي تتبدل عليه. وظنه أن ذلك التبدل هومن أجل حركة القمر لا من أجل حركة السحاب إنما هو من أجل أن السحاب إذا كان يغشي السماء أو قطعة من السماء فليس يظهر ببديهة الحس أنه متحرك، بل إذا لحظ البصر السحاب وهو مغشي للسماء أو لقطعة من السماء فإنه يظنه في الحال ساكنا. وإنما يدرك البصر حركة السحاب إذا تأمل أطرافه أو جزءا من أجزائه وقاسه بمبصر من المبصرات الثابتة على وجه الأرض أو بالبصر نفسه وتأمله زمانا، فإذا وجده بعد زمان محسوس قد تغير وضعه أدرك حركته، فأما ي ملاحظة السحاب فليس تظهر حركته بل يظنه البصر ساكنا. وإذا ظهر السحاب ساكنا ووجد القمر يسامت جزءا منه بعد جزء حكم للقمر بالحركة. وهذا الغلط إنما هومن أجل تفاوت البعد، لأن المبصرات التي بهذه الصفة إذا كانت قريبة من البصر فليس يعرض فيها هذا الغلط.
[9] فعلى هذه الأمثلة تكون أغلاط البصر على هذه الوجوه الثلثة. فأنواع جميع أغلاط البصر تنقسم إلى هذه الأنواع الثلثة.
पृष्ठ 389