[56] وإذ قد تبين ذلك فقد بقي أن نكشف رأي أصحاب الشعاع ونبين فساد الفاسد منه وصحة الصحيح، فنقول إنه إن كان الإبصار إنما هو بشيء يخرج من البصر إلى المبصر فإن ذلك الشيء إما أن يكون جسما أو غير جسم، فإن كان جسما فإنا إذا نظرنا إلى السماء ورأيناها ورأينا ما فيها من الكواكب وميزناها وتأملناها فإنه في ذلك الوقت قد خرج من أبصارنا جسم ملأ ما بين السماء والأرض ولم ينقص من البصر شيء، وهذا محال في غاية الاستحالة وفي غاية الشناعة، فليس الإبصار بجسم يخرج من البصر. وإذا كان الشيء الذي يخرج من البصر غير جسم فإن ذلك الشيء ليس يحس بالبصر، لأن الإحساس ليس هو إلا للأجسام ذات الحياة، فليس يخرج من البصر إلى المبصر شي ء يحس بالمبصر.
[57] وهو بين لأن الإبصار يكون بالبصر، فإذا كان الإبصار إنما هو بالبصر، وكان البصر ليس يدرك المبصر إلا بأن يخرج منه شي ء إلى المبصر، وكان ذلك الشي الذي خرج من البصر ليس يحس بالبصر، فالشيء الذي يخرج من البصر ليس يحس بالبصر، والشيء الذي يخرج من البصر إلى المبصر إنما يؤدي إلى البصر شيئا ما منه يدرك البصر المبصر. وليس هذا الذي يقال إنه يخرج من البصر شيئا محسوسا وإنما هو مظنون. وليس يجوز أن يظلن شي ء من الأشياء إلا إذا كان هناك علة تدعو إلى الظن به. والعلة التي دعت أصحاب الشعاع إلى القول بالشعاع هي أنهم وجدوا البصر يدرك المبصر وبينه وبينه بعد، والمتعارف من الإحساس أنه لا يكون إلا باللامسة، وكذلك ظنوا أن الإبصار ليس يكون إلا بشيء يخرج من البصر إلى المبصر ليكون ذلك الشيء إما أن يحس بالبصر في موضعه وإما أن يأخذ من المبصر شيئا ويؤديه إلى البصر فيحس به البصر عند وصوله إليه.
पृष्ठ 158