فرأيت من الواجب أن أذكر من اتفاقهم في المعتقد فصولًا، وأورد من ذلك فصوصًا ونصوصًا، وأبيّن عمومًا وخصوصًا، وأنثر طرفًا من طرف مطارفهم، وأذكر نتفًا من تحف مآثرهم ومعارفهم، لينتهي الناس عن ذكرهم بما ليس فيهم، ويتيقنون] ٩٢/ب [أن الدين عند الله الإسلام، وهو دين واحد أصله من عهد أبينا آدم ﵇ إلى أيام محمد رسول الله ﷺ ثابت راسخ، لم يتعقب مبانيه ناسخ، إنما وقع النسخ في شرائع الأنبياء ﵈ في الكيفيات والكميات من العبادات، لا في أمهات الأحكام من الصلاة والزكاة والحج والصيام، رحمةً من الله تعالى بعباده ولطفًا ومنًّا منه وعطفًا، وتخفيفًا عنهم لاختلاف الأزمنة والقوى، وتحقيقًا للامتحان والبلوى، إذ الدنيا مثل دار المرض، والناس فيها كأصحاب الأمراض، والرسل هم الأطباء، والشرائع هي الأدوية التي يزول بها الداء، ثم الأدوية تختلف باختلاف العلل والأسقام، فلهذا اختلفت الأحكام لاختلاف الأزمنة والأيام، وقد أنبأ الله تعالى في محكم التنزيل ومبرم معانيه فقال: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ ١ والله تعالى الموفق لسلوك سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وقد قسّمت هذا المختصر أربعة أقسام وفصَّلتها فصولًا:
_________
١ سورة الشورى /١٣.
1 / 56