وقال الشافعي لأبي علي بن مقلاص: تريد أن تحفظ الحديث وتكون فقيها؟!
وإنما قال الشافعي ذلك لأن ابن مقلاص كان كسائر الحفاظ الذين يشغلون أنفسهم بحفظ أبواب الحديث وسردها سردًا، ولا يعملون عقولهم في استنباط ما فيها. ولقد قال الشافعي لإسحاق بن إبراهيم الحنظلي أثناء مذاكرة جرت بينهما: لو كنت أحفظ كما تحفظ لغلبت أهل الدنيا. وقال أحمد بن حنبل: قال لنا الشافعي ﵀: أنتم أعلم بالحديث مني، فإذا صح عندكم الحديث عن النبي، ﷺ، فقولوا لنا حتى نأخذ به. وقال الشافعي: ما رأيت أحفظ من الحميدي، كان يحفظ لسيان بن عيينة عشرة آلاف حديث. وقال الحميدي: صحبت الشافعي من مكة إلى مصر فكنت أستفيد منه «المسائل» وكان يستفيد مني «الحديث».
ثم ذكر البيهقي ما يستدل به على اجتهاد الشافعي في طاعة ربه، وزهده في الدنيا، وحضه الناس على هذا الزهد.
ومما جاء في ذلك قول الربيع: خرجت مع الشافعي من «الفسطاط» إلى «الإسكندرية» مرابطا، وكان يصلي الصلوات الخمس في المسجد الجامع، ثم يسير إلى المحرس فيستقبل البحر بوجهه جالسًا يقرأ القرآن في الليل والنهار، حتى أحصيت عليه ستين ختمة في شهر رمضان.
وحكى الربيع أن عبد الله بن عبد الحكم قال للشافعي: إن عزمت أن تسكن مصر فليكن لك قوت سنة، ومجلس من السلطان تتعزّز به. فقال له
المقدمة / 21