واستمر سهل على ذلك سنين، ووجد حلاوة للعبادة، وأحس بهذه الحلاوة تملأ جوانحه وتسرى بين كل ثنايا شعوره، وتملك عليه جميع أقطار نفسه، ولما تعود الذكر وتمرس به وأصبح له وردا، وأصبح له غذاء، توجه إليه خاله قائلا:
يا سهل: من كان الله معه، وهو ناظر إليه، وشاهده، أيعصيه؟
إياك والمعصية؟
ولكن كيف يتجنب المعصية وهى أمامه فى كل شىء إنها فى الطريق، إنها فى العمل إنها فى كل مجال. إن عليه أن يهئ نفسه ويعدها اعدادا كاملا للخير، ومن أجل ذلك
اعتزل، وتفرغ للعبادة والتهجد والذكر وكان لا يزال صغيرا لم يذهب إلى الكتاب بعد ..
وأرسلوه إلى الكتاب، فاشترط ان يكون ذهابه ساعة من نهار حتى لا ينفرط عقد عبادته، ولا يتشتت ذهنه.
وذهب إلى الكتاب. وضم إلى العمل العلم، وإلى الذكر فيوضات الخير النابعة من داخل القلب، لقد حفظ القرآن، وتفقه فى امور الشرع لقد حفظ القرآن وهو ابن ست سنين، وشغله الذكر والاستغراق فى العبادة عن متطلبات الحياة المادية العادية.
لقد تغذى بالذكر فخف احتياجه إلى ما سواه، وكان يكتفى بخبز الشعير، وكان يأكل أقل القليل منه.
يقول الإمام ابن عربى، صاحب الفتوحات المكية ..
رحل إلى عبادان، وتوجه إلى شيخ من كبار الشيوخ، فسأله عن مسألة فأجابه، فأعجب به، ولزم خدمته، وأقام عنده مدة ينتفع بكلامه ويتأدب بآدابه، ولما حصل ما شاء الله له من علوم الشيخ عاد إلى تستر، واشتهر فى مقام الزهد والتهجد والعبادة.
1 / 30