وإذا كان الزيدية وأئمتهم من آل رسول الله ومعهم أتباع الحق من غيرهم -أعني إذا كان الزيدية يرون هذا الرأي الذي أسلفناه في تقرير عمل المؤمن العالم فيما أدى إليه اجتهاده في المسائل الفرعية الظنية- فإنه لم يكن لهم أن ينظروا إلى من خالفهم وذهب إلى غير مذهبهم في المسائل العملية الظنية من علماء الأمة الإسلامية إلا بنظرة الأخوة في الله والدين ولا [شيء] غير ذلك.
وقد نشأت فترات أوجبت على المتحكمين أن يغمطوا الزيدية ويكتموا رأيهم ومذهبهم ويمنعوا أن يظهر في الفرق الإسلامية غير أتباع الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم، ومن وجدوه لا ينتمي إلى أحد [الأئمة] الأربعة فإنه في نظر المتحكمين آن ذاك يعد مخالفا للجماعة، أو خارجا عن الطاعة، أو أنه ليس من أهل السنة والجماعة، وقد أرادوا بذلك الاستحواذ بالرأي، وعدم الجواز لأي أحد من العلماء مهما بلغت درجته وقدرته على الاجتهاد، وبالتالي حرموا على أتباعهم الاجتهاد، وقرروا أنه يلزمه فقط التقليد لإمام من [الأئمة] الأربعة الذين هم: الإمام محمد [بن إدريس] الشافعي، والإمام النعمان بن ثابت أبو حنيفة، والإمام مالك بن أنس الأصبحي، والإمام أحمد بن حنبل رضوان الله عليهم.
والذي أحدث هذا التقسيم والتحديد للمذاهب الإسلامية هو بعض المتحكمين الحاقدين على أئمة آل رسول الله ومذهبهم الذي يسنده القرآن وحديث النبي الكريم .
وقد حدث هذا التجني أيام حكم الأمويين والعباسيين، والغرض من ذلك إرادة التغطية على مذهب آل رسول الله أو على مذهب الزيدية بصفة خاصة لأسباب سياسية، منها أن الزيدية يوجبون منع الظالم وزجره عن ظلمه ولو كان خليفة أو سلطانا ثم الخروج عليه.
पृष्ठ 6