وفتحا خلية ذات طائفة قوية، وأخذا منها تلك الأقراص الثلاثة، وأحلا محلها ثلاثة إطارات بأساساتها الشمعية المثبتة في السلك الواقي لها، واختارا خلية خالية فوضعا فيها قرص العسل والعكبر في أحد جانبيها ، ووضعا القرصين الآخرين في الوسط، وأعدا بقية الأقراص الخالية للوضع داخل الخلية بمجرد نفض الثول فيها. فأحضر أمين الصندوق، وبعد رش النحل رشا جديدا بالماء من خلال السلك حتى لا يتهافت على الطيران عند نفضه داخل الخلية، رفع غطاء الصندوق، وهز ما عليه من نحل داخلها، ثم هز ما في الصندوق نفسه وأسرع فوضع الأقراص الخالية في أماكنها من غرفة التربية، ثم وضع فوقها الغطاء الداخلي، وقد أقفل فتحته المتوسطة بقطعة من الخشب حتى تبقى النحل ملازمة لغرفة التربية في بداية تعميرها لها، ثم وضع العاسلة الخالية فوق الغطاء الداخلي كأنها غرفة مساعدة على التهوية إذا ما صار الجو حارا، ثم أقفل الخلية بالغطاء الخارجي بعد أن ثبت داخله بطاقة عليها البيان الكافي عن الثول على غرار ما يكتبه من بيان عن كل طائفة.
قالت بثينة: ولماذا تكتفي يا أمين بغرفة واحدة لهذا الثول مع أنه كبير الحجم؟ - صحيح إنه كبير الحجم بالنسبة لأثوال النحل المصري ولكني لا أعده إلا وسطا، وقد يزن نحو ستة أرطال، أي يشمل زهاء ثلاثين ألف نحلة، ولكن حسبي أن أقلد النحل في حبها للتركيز والنظام. لقد أعطيت الثول أقراصا خالية وفي وسع ملكته أن تبيض فيها فورا، وبعد بضعة أيام يمكننا أن نعطي هذه الطائفة الجديدة طابقا ثانيا من الأقراص، وعدد النحل على أي حال لا يزيد عن حاجة غرفة واحدة، وإن من الأخطاء التي ترتكب في معاملة النحل إعطاءها فراغا أكثر من اللازم في الوقت الذي يراد فيه توجيه عنايتها إلى عمل معين وتركيز التفاتها إليه. - وهل تظن أن نحل الطائفة التي خرج عنها هذا الثول تستطيع الاستمرار في جمع الرحيق؟ - من حسن الحظ أن هذا الثول تركها بعد جمع معظم الرحيق، ولا يزال للطائفة الأصلية على كل حال عدد وافر من النحل السارحة؛ لأن النحل التي تؤلف الثول معظمها من النحل المتوسطة العمر؛ أي أنها ليست من النحل المراضع وهي النحل الصبية وليست من النحل البالغة التي انقطعت للسرح وتفرغت له ، والآن لنعد إلى خلية الرصد لنسائل صاحباتها العزيزات عما يشغلهن.
وتوجها إلى خلية الرصد فكشفا أغطيتها الجانبية فإذا بثينة تلاحظ أن بعض النحل ترقص رقصات غريبة، فقال أمين: لاحظي كذلك يا عزيزتي أنها تحمل طلعا أزرق زاهيا في السلال التي بأرجلها الخلفية، وأن الغرض من هذا الرقص تنبيه زميلاتها إلى هذه الثروة الجديدة، حتى تتجه إلى مصادرها، فالرقص إذن من لغة التخاطب بين النحل العاملات. - سأقلدهن يا أمين، وسأمرنك على هذه اللغة العصرية. - إنها لغة أزلية بالنسبة إليهن ... ولكن انظري يا بثينة ها هي الفرصة متاحة لك لمشاهدة النحل متعلقة بعضها ببعض في هيئة سلاسل مشغولة ببناء قرص جديد على الأساس الشمعي الذي في الطابق الأعلى، والآن يمكنك الانتفاع عند مراقبة عملها بالمعلومات التي وعيتها مني ومن مشاهداتك الميكروسكوبية عن تشريح النحلة فلن تتململي بل ستشكرين معرفتك إياها ...
ولا تنسي أن هذا الأساس الشمعي نعمة من نعم النحالة الحديثة ولو أنه من نعمها الأولى، فإن مبتكراتها تتوالى وأحدثها القرص الصناعي من الألومنيوم والباغة ومن العجائن المتينة العازلة للحرارة وللبرودة ... هذا الأساس الذي تشاهدينه من صنف ممتاز، ويسمى «أساس داوانت السلكي» فإنه إلى جانب جودة شمعه الطبيعي وجودة صناعته مغروز فيه أسلاك متموجة تكسبه قوة ومتانة لا غنى عنهما في المناطق الحارة حيث يؤثر الجو على درجة احتمال الأساسات الشمعية، وهو مطبوع طبعا جيدا بقواعد بيوت العاملات بنسبة 27-29 بيتا للبوصة المربعة، فتبني النحل بيوت العاملات على هذه القواعد فتكون النتيجة قرصا حسن الانتظام يكاد يكون خاليا من بيوت الذكور نظرا لمراعاة النحل للمشق الذي أمامها، وهكذا لا تبيض النحل في هذه البيوت إلا بيضا ملقحا فتكثر نسبة العاملات كثرة محسوسة في الطائفة، وهذا ما يتمناه النحال تحقيقا لحسن إنتاجه، وتلاحظين أننا لا نكتفي بهذه الأسلاك المتموجة المغروزة طوليا في لوح الأساس بل نثبت في الأساس أسلاكا مستعرضة كذلك، وهكذا نزيد تماسك القرص الذي يبنى على هذا الأساس في الإطار الذي يحتويه، وسأعطيك فرصا كافية يا عزيزتي للتمرن على تسليك الأساسات سواء بواسطة الجهاز الكهربائي المخصص لذلك أو بواسطة عجلة التثبيت التي تجري ساخنة - بعد إخراجها من الماء المغلي - فوق السلك فتساعد على غرزه في اللوح الشمعي، وليس راء كمن سمع، ولا يفوتني تكرار تنبيهك إلى أهمية نقاء الشمع في صناعة ألواح الأساس، وعلى الأخص في المناطق الحارة حتى لا يتمدد الشمع بدرجات متفاوتة فينبعج القرص ويتثنى في مواضع وقد يسقط بتأثير الحر فلا يصيب النحل والنحال غير الخسارة، ولذلك يهمني دائما الحصول على أجود أنواع الأساس. - ولماذا لا نصنع هذا الأساس في وطننا فنخلق صناعة جديدة ونوفر مالنا؟ - هذا أحد الأهداف الإصلاحية في النحالة المصرية التي أرمي إليها بالرغم مما ألاقيه من عقبات. - وأي عقبات يمكن أن تخلق في وجه مثل هذا العمل؟ - لا تسأليني يا عزيزتي، وإنما سلى روح الجمود والهوى، وسلى روح الجسد الأثيل الخالد في المجتمع البشري ... وسأسبقك إلى سؤال لا شك أنه في خاطرك: أيها أولى بالتفضيل: الأساسات الشمعية أم الأقراص الصناعية؟ - عمرك أطول من عمري يا أمين. - لا سمح الله يا حياتي، إن لكل من الأساسات الشمعية والأقراص الصناعية فوائدها، ولو خيرت لاقتصرت على استعمال الأقراص المعدنية في العاسلات لادخار العسل نظرا لمتانتها في أثناء الفرز بالآلات الخاصة به خلافا لحال الأقراص الشمعية المتعرضة للتكسر والتلف، وستتأكدين من هذه المزايا بنفسك عندما نتولى فرز العسل قريبا، وأما الأقراص الباغة والأقراص العجينية المصنوعة من السليكون “Silicone”
مثلا فهي جد صالحة لغرفة التربية؛ لأنها جامعة ما بين المتانة ومقاومة التقلبات الجوية، فإذا أهمل النحال المبتدئ في كيفية استعمالها لم يكن ضرر ذلك خطيرا، وأما الأساسات الشمعية فإني أوثر قصرها على إنتاج العسل الشمعي أي الذي يؤكل بشمعه، وفي هذه الحالة نستعمل أساسا أقل سمكا من الأساس الذي نستعمله لأقراص التربية؛ إذ لا حاجة بنا حينئذ للمتانة والكثافة، وإنما نريد رقة الشمع الذي يؤكل مع العسل كأنه البسكويت الرقيق. أما الأقراص الباغة والعجينية التي لا تستأثرها الحرارة والبرودة فهي أصلح ما تكون لغرفة التربية، كما أنه من الممكن استعمالها في الخلية عامة، أي للتربية ولإنتاج العسل على السواء. - ولكني لم أر أقراصا عجينية في المنحل فأين هي؟ - هي في ذهني يا عزيزتي. - ماذا تعني؟ - إنها إحدى مقترحاتي لتحسين أدوات النحالة، وقد تحققت من إمكان تنفيذ ذلك متى سمحت الظروف بعد الحرب إذا ما قامت بصنعها شركة قديرة متوثبة، فيصنع القرص وإطاره قطعة واحدة من هذه المادة العجينية العازلة، كذلك سيتيسر صنع أجزاء الخلايا من نفس المادة، وستظفر النحالة الحديثة حينئذ بأدوات جيدة اقتصادية، بل بأدوات مثالية لا ينال منها الزمن ولا تعبث بها تقلبات الجو فتبقى لها جدتها ورونقها، ومتى انخفضت تكاليف الإنشاء والصيانة في المنحل انخفضت نسبيا أثمان العسل والشمع والنحل، وعوض النحال ذلك بالتوفر على زيادة الإنتاج وكثرة البيع فيستفيد النحال ويستفيد الشعب الذي يجب أن نوفر له ضروب الغذاء الصالح بأقل ثمن مستطاع، فلا سعادة لطائفة من الأمة بدون سعادة المجموع، ويجب دائما أن يكون أفقنا واسعا عند التفكير في أي مشروع في ثمراته وعواقبه. - ولكن لماذا لا نكتفي الآن باستعمال الأقراص المعدنية مثلا، وقد رأيت النحل تدخر العسل فيها دون تردد بكميات عظيمة كما رأيت الملكة تبيض فيها دون تحفظ؟ - لا مانع في المناطق المعتدلة لو أن جميع النحالين لهم مثل ثقافتك، ويعرفون كيف يحتاطون الاحتياط المعقول لحماية حضنة النحل من التقلبات الجوية، ولكن أكثرهم يتساهل بل يستهتر فيقضون على الحضنة بإهمالهم ويخربون الطائفة. إن الأقراص المعدنية يمكن إعطاؤها للطوائف القوية لا للنويات الضعيفة بالاشتراك مع أقراص الشمع، وإني شخصيا أستعملها أولا في إنتاج العسل حيث تكون النحل قد بنت على الحوافي المعدنية لبيوتها امتدادات شمعية عازلة، وبعد الفرز أعطي ما أشاء للملكة في غرفة التربية، وسرعان ما تملؤها الملكة بالبيض، ومتى فقس البيض وتطورت الدودة وشرنقت العذراء في البيت وختمت النحل عليها نقلت مثل هذا القرص المختوم إلى العاسلة؛ ليستكمل حضانته، حتى إذا خرجت النحل الوليدة من بيوت القرص نظفت النحل هذه البيوت ولمعتها وادخرت الجديد من العسل فيها. أما النحال المبتدئ فما أسهل خطأه ؛ إذ لا يتورع عن إعطاء أقراص معدنية جديدة - وفوق الحاجة عددا - إلى طرد صغير من النحل لا يكفي لتغطيتها ووقايتها من التقلبات الجوية، وهكذا تسوء العاقبة أو يعطي نواة ضعيفة مثل هذه الأقراص الجديدة فيصيبها الفشل. أما الأقراص المصنوع من الباغة (وقد تستعمل لصناعتها الأفلام السينمائية القديمة المستغنى عنها) فلا تحتاج إلى مثل هذا التحفظ وكأنها أقراص شمعية، ولكن للأسف لا توجد وفرة منها في السوق، فلا هي صنعت محليا ولا هي جلبت من موطنها في الولايات المتحدة حيث كان للمهندس النحال المبتدع جورج ماكدونالد فضل السبق إلى ابتكارها وإلى ابتكار الأقراص الألومنيوم، فكان موفقا توفيقا عظيما، وأدهش عالم النحلة بترويضه النحل على هذه الأقراص الصناعية في سهولة ويسر، والواقع أنه لم يكن مناهضا لطبيعة النحلة باختراعه هذا بل كان مستغلا لها، والنحلة بمرونتها العملية طاوعته راضية قريرة؛ إذ لم يفتها في النهاية أن تحول القرص الصناعي إلى ما يشبه الطبيعي بفضل الامتدادات الشمعية التي ألصقتها بحوائط البيوت، واكتسبت المتانة التي زوده النحال بها. - وهل تبطن النحل هذه البيوت بالشمع؟ - كلا، إنها لا تفعل شيئا من ذلك، وإنما تطيل حوائط البيوت بالإضافات الشمعية؛ لأن الشركة التي تصنع هذه الأقراص تتعمد ألا تجعل عمق البيوت كاملا حتى تتيح للنحل فرصة هذا البناء الإضافي المناسب جدا لها، والموائم للنحال حينما يريد كشط الغطاء الشمعي عن الأقراص العسلية، بعكس الحال فيما لو كانت الحوائط المعدنية كاملة، وأظنك رأيت كثيرا من البيض على القواعد المعدنية اللامعة لبيوت القرص، وعانيت صعوبة في رؤيتها أحيانا، وهذا يثبت لك أن النحل ذاتها لا اعتراض لديها على الأقراص المعدنية في ذاتها. - لاحظت يا أمين أن الأساس الشمعي الذي قام النحل عليه شبه مكحوت فهل هذا صحيح؟ وهل يستغل النحل ما يكحته من الشمع في بناء القرص؟ - هذا هو الواقع دون أن يعفي النحل من فرز شمع إضافي من غددها الشمعية الخاصة لتكملة البناء، ومن أجل هذا الاعتبار تصنع ألواح الأساسات الشمعية لغرفة التربية بمعدل سبعة ألواح للرطل وزنا ، حتى تكون كثيفة بدرجة كافية؛ لينتفع النحل من كحتها في بناء القرص دون الإخلال بمتانتها. - لست أدري أيهما أعجب: أهو اختراع الأساس الشمعي الذي يوفر على النحل جهدا عظيما وينظم لها أقراصها حتى تساعد على نشوء أفراد الطائفة أفضل نشأة، أم هو ابتداع القرص الصناعي الذي ينقل النحل من أساليب فطرتها إلى أحدث ما تزودها به المدنية لنجاحها ورفاهتها؟! - كلاهما عجيب، ولكن الأعجب هو العقل الإنساني الذي درس طباع هذه الحشرة، ثم طوعها لمصلحتهما المشتركة. لقد جاء ابتداع مهرنج “Mehring”
الألماني للأساس الشمعي مكملا لابتداع لانجستروث “Langstroth”
الأمريكي لخليته ذات الإطارات المتحركة، كان ذلك في العقد السادس من القرن الماضي، فقد ظهرت خلية لانجستروث في سنة 1851م، وبعدها بست سنوات (1857م) قدم مهرنج هديته النفيسة إلى عالم النحالة، وبعد ذلك بتسع سنوات (1866م) صنعت شركة روت الشهيرة أول مطبعة أسطوانية لطبع الأساس الشمعي طبعا واضحا غائرا بحيث لا يتردد النحل في البناء المتقن عليه، وما زالت صناعة الأساس الشمعي منذ ذلك الوقت في تقدم مطرد حتى أدخلت شركة داوانت المعروفة أساسها السلكي المعرج، وقلدتها في ذلك شركات أخرى، وتفنن الجميع في حسن صناعة الأساس إرضاء للنحالين. - ولكن يخيل إلي مما سمعت منك أن أهم ما يعنينا من الأساس الشمعي قبل جودة طبعه بقواعد البيوت أن يكون مصنوعا من شمع النحل النقي، وإلا تعرض النحل والنحال إلى خسائر، وربما أصيبت الطائفة بكارثة نتيجة تثني الأقراص وسقوطها بالنحل وعليها إذا ما اشتدت حرارة الجو، فكيف تضمن نقاء ما تشتريه من الأساس الشمعي المصنوع محليا؟ هل تلجأ إلى مصلحة الكيمياء لفحصه؟ - أصبت في ملاحظتك، ولكني لا ألجأ إلى مصلحة الكيمياء بل أطبق امتحانا بسيطا تعلمته في أثناء الدراسة من أستاذي في الجامعة، فقد نبهنا إلى طرق يسيرة ولكنها صائبة اعتمادا على حاستي الشم والذوق، ثم اعتمادا على تجربة هينة. كان يقول لنا إن غش الأساس ينطوي إما على إدخال شمع البرافين أو الشحم الاعتيادي أو الدهن أو ما ماثل هذه المواد في صناعته، والغالب أن النحل ترفض استعماله إذا كان الغش كبيرا. فإذا كان الأساس مغشوشا بالشحم فإن رائحته تنم عليه إذا ما كسرت قطعة منه وشممناها، وأما إذا كان مغشوشا بشمع معدني فإن مضغ قطعة منه يجعلها تتحول تحول اللواك حينما يدار في الفم فتصير متماسكة كالعجينة بعكس ما لو كان الأساس نقيا فإن القطعة الممضوغة منه تتفتت في الفم ... - وهل هذه تجربة يمكن التعويل عليها؟ - كلا، وإنما هي امتحان مبدئي، وأما التجربة العملية التي أوصينا بها باعتبارها تجربة في متناول كل منا، وأنها قد تغنينا عن الالتجاء إلى المعمل الكيميائي إلا في حالة الاشتباه القوي فيمكن إجراؤها كالآتي: تملأ كوبة إلى نصفها بالماء، وتوضع فيها قطعة صغيرة من الشمع النقي (أي من إنتاج النحل نفسه من إحدى الخلايا) حيث تبقى عائمة؛ لأن الثقل النوعي لشمع النحل (960-970) أقل من الثقل النوعي للماء (1000). فإذا أضفنا تدريجيا بعد ذلك قليلا من الكحول إلى أن تهبط قطعة الشمع إلى قاع الكوبة بعد أن كانت عائمة ودون أي إضافة زيادة على ما نحتاج إليه لتحقيق ذلك، فإننا نكون بذلك قد ساوينا بين الثقل النوعي للماء ولشمع النحل النقي، ومن حيث إن الأساس الشمعي الملوث بالبرافين وما إليه له ثقل نوعي أخف من الثقل النوعي لشمع النحل النقي فإننا إذا وضعنا قطعة من هذا الأساس المغشوش في هذه الكوبة فإنها بطبيعة الحال تعوم على سطح السائل حينما تبقى قطعة الأساس النقي في قاع الكوبة. - بديع! هذه ولا ريب طريقة ميسورة لكل نحال. - نعم، وفي إمكان كل نحال أن يعد هذا السائل الكحولي، ويحتفظ به في زجاجة محكمة الغلق؛ لاستعماله في الفحص هكذا عندما يريد، ثم يعيده إلى الزجاجة بعد الفراغ من الفحص. - أليس للون الشمع علاقة بنقائه؟ - ربما تكدر لون الأساس الشمعي إذا لم يكن حديث الصنع، كما يكون أقل مرونة أي أقرب إلى التكسر، ولكن تدفئته قليلا تحسن طبيعته ورونقه. - ولماذا تبني النحل عيون القرص سداسية؟ - لعل من أسباب ذلك أن هذه الصورة من البناء تعطينا أكبر عدد من البيوت في أقل مساحة ممكنة مع التوفير في الجهد وفي مادة البناء، وقد نبه إلى ذلك من قديم العلامة الطبيعي تشارلس داروين وغيره، وأشاروا بمتانة القرص المبني على هذا النسق. - كأنما النحلة بفطرتها مهندسة عظيمة! - بلا ريب. - لي بضعة أسئلة أخرى متعلقة بما ذكرته: (1) ما هي مزايا الأقراص الصناعية إجمالا على الأقراص الشمعية عدا متانة الأولى؟ (2) ألا يضر النحل قصر إنتاجها الشمعي نتيجة تربيتها على الأقراص الصناعية؟ (3) ألا تحد الأساسات الشمعية المطبوعة بقواعد بيوت العاملات، وكذلك الأقراص الصناعية المؤلفة من بيوت عاملات فحسب من تربية الذكور حدا أكثر من اللازم، وإذا صح هذا أفلا يوجد علاج له؟ - مهلا، مهلا، يا عزيزتي، هذه أسئلة جامعة بل جامعية، والإجابة عنها تستحق الإسهاب، ولكني سأوجز قدر الطاقة. فاعلمي يا حبيتي، أن النحل لا تقوم بعمل هين عند بناء الأقراص الشمعية. إنه يكلفها جهدا ووقتا كما يكلفها عسلا. فلا بد للنحل إذا ما فرزت غددها رطلا من الشمع من هضم جملة أرطال من العسل لتستحيل بطريقة التمثيل الغذائي إلى شمع تفرزه الغدد، وفي هذا خسارة غير هينة للنحال أيضا إذا ما قدرنا الفرق ما بين سعر العسل المستعمل وسعر الشمع الناتج، وهذا من أسباب ارتفاع سعر العسل الشمعي ولكنه ارتفاع لا يعوض بالقياس إلى سعر العسل المفروز وإنتاجه، ويجب ألا ننسى أن الأقراص الشمعية معرضة للتلف التام إذا ما تمكنت منها العثة الشمعية، وهي حشرة تبيض في الأقراص الشمعية، وتقوم يرقاتها بحفر سراديب في هذه الأقراص تبطنها بما تلفه حولها من غزل الحرير وهي تنساب في هذه السراديب، ومتى استوفت تغذيتها غزلت فيلجا أبيض حولها وشرنقت سواء داخل الأقراص أو على إطاراتها أو على حائط من حيطان الخلية أو على أي جزء منها حافرة في الخشب قبل نومها مكانا لها حينما يستقر الفيلج أو الشرنقة، وستتاح لك فرص لمشاهدة هذه الحشرة بنوعيها الكبير والصغير، والأخير هو الأكثر شيوعا، ولا تكتفي يرقاتها بأكل الشمع بل تقضي أيضا على ما في الأقراص من حضنة وطلع وعسل ... إلخ، ولذلك لا بد للنحال الذي يستعمل الكثير من الأقراص الشمعية في منحله إذا ما خزن الزائد منها أن يضعه في صناديق خاصة أو في غرفها الزائدة عن حاجة الخلايا بعد إحكام قفلها وبتبخيرها بغاز الكبريت المحترق «ثاني أكسيد الكبريت» أو بإحدى المواد الفعالة ضد العثة مثل التحضير الكيميائي المسمى ميتكس
Mitex
وفي كل هذا عناء وتكاليف وخسارة، إلى جانب ما لا بد أن يفقده النحال سنويا بنسبة تتراوح ما بين 10٪ و15٪ من الأقراص التي تشوه أو تتكسر في أثناء العمل مما سترين أمثلته بنفسك في ظروف شتى، وصحيح أنه يمكن إذابة الشمع المشوه والمكسور، وصبه بعد تصفيته في قوالب للبيع، ولكن هذا لا يعوض خسارة النحال إلا تعويضا جزئيا. أما الأقراص الصناعية المشغولة أي التي بنت عليها النحل امتدادات شمعية فإن الحشرة الشمعية إذا ما أصابتها لا تتلف منها سوى تلك الإمدادات ويبقى أصلها سليما، ولا تنسي أيضا أن الفيران لها حظها أحيانا في العبث بالأقراص الشمعية في حين تبقى الأقراص الصناعية سليمة. كذلك تبخير الأقراص الصناعية وتطهيرها إذا ما تلوثت بميكروبات ممرضة للنحل، وعلى الأخص لليرقات؛ إذ من ألد أعدائها جراثيم ذات بذور مقاومة جدا للمطهرات في حين أنه لا بد من إذابة الأقراص الشمعية، وفي هذه الحالة وقد نضطر أحيانا إلى حرقها وحرق إطاراتها أيضا، وفي كل هذا خسارة فادحة للنحال، وصحيح أننا لحسن الحظ، لا نعرف هذه الأمراض في مصر، ولكن من الجائز أن تتسرب إلينا بعد أن قضت المواصلات الجوية على الحدود الجغرافية وكادت تقضي على الحوائل الجمركية، كما أني أنظر إلى هذه المسألة نظرة غير محدودة بمنفعتنا الخاصة؛ إذ لماذا لا نعاون الأقطار الشقيقة كذلك على النهوض بنحالتها وفيها مع الأسف بذور تلك الأمراض التي سببت خسائر عالية فادحة؟ ... وقد سألتني عما إذا كان يسيء إلى النحل تثبيط إنتاجها الشمعي نتيجة استعمال الأقراص الصناعية، والواقع أن النحل الموكلة ببناء القرص (وهي في المعتاد النحل المتوسط العمر) لديها الفرص الكافية لذلك في أثناء الموسم في بناء الامتدادات الشمعية على هذه الأقراص الصناعية إلى تغطيتها ونحو ذلك، ومع كل فأغشية فرز الشمع الغددية تخلق طبيعيا ولا وجود لها في الملكة ولا علاقة لخلقها بمقدار استعمال النسل لها، وعلى الأخص لأن حياة النحلة العاملة محدودة جدا، وليس الخوف على النحل العاملة من قلة استعمال هذه الغدد بل من إرهاقها في بناء الأقراص ...
وأما عن سؤالك الخاص بحد الأقراص الصناعية والأساسات الشمعية المطبوعة بقواعد بيوت العاملات من تربية الذكور حدا يتجاوز ما ينبغي فحسبي في الرد عليه أن أذكر لك أن النحل لا تتقيد بطبع الأساسات الشمعية. هذا إذا ما شعرت بالحاجة إلى تربية الذكور، وغاية الأمر أن تلك الأساسات الشمعية تحد من إسرافها في بناء بيوت الذكور؛ إذ تستهويها إلى الإكثار من بناء بيوت العاملات التي هي أمنية النحال، وحتى الأقراص الصناعية المخصصة لتربية العاملات قد تبيض فيها الملكة عددا من البيض غير الملقح، أي الذي تنشأ عنه الذكور، فهل يحدث هذا مصادفة أم بتأثير عوامل خارجية كحلول موسم الانثيال والتكاثر الذي يسبقه طبيعيا ازدياد عدد الذكور؟ هذا ما لا أستطيع الحكم عليه، والنتيجة أن الذكور التي تربى في بيوت العاملات تنشأ صغيرة الحجم وإن لم تكن ضئيلة الحيوية. - ولكن ألا يمكن تخصيص أساسات شمعية أو أقراص صناعية لتربية الذكور؟ - هذه توجد فعلا، ولكن أكثر استعمالها مقصور على المناحل المتخصصة في تربية الملكات، والتي يهتم أصحابها تربية وفرة من الذكور الممتازة المختارة إلى جانب تربية الملكات الممتازة المختارة، وبذلك يضمنون إلى حد بعيد التلقيح النافع المطلوب، وأما في مثل مناحلنا التي تتجه عنايتها إلى إنتاج العسل فحسبنا أن نمنع نشوء الذكور غير الممتازة، فتترعرع الذكور الجيدة. - وكيف يتحقق ذلك؟ - المعتاد أن يصطحب النحال معه - إلى جانب العتلة والمدخن - شوكة كالمستعملة على مائدة الطعام يتلف بها أغطية بيوت الذكور الزائدة عن الحاجة أو التي لا ترضيه سلالتها، وتقليل الذكور في الطائفة من عوامل تثبيط الانثيال ... وعلى ذكر مائدة الطعام، لك أن تقاضيني يا بثينة على تأخير الغداء، ولكني سأسترضيك بتحفة من العسل الشمعي للتحلية بعد الغداء وبغيرها للشاي، أي سأضاعف وعدي لك. - لك أن تسرف يا أمين، ما دمنا في شهر العسل. - أتمنى يا ملكتي المحبوبة أن تعني ما تقولين.
अज्ञात पृष्ठ