تقريبا، وكان يشتغل عدد عديد من الكتبة والمساحين بلا انقطاع في مراجعة المساحة القديمة وإعادتها، وتقييد كل تغيير يطرأ في سجلات الحكومة، وكان يقام عند حدود كل عقار خط من القوائم يكتب عليه في أغلب الأوقات اسم المالك الأخير وتاريخ آخر تحديد عمل. ومتى تم كل ذلك يطلق على العقار اسم علم حتى لكأنه شخص حي مستقل، وكان هذا الاسم ينم إما عن طبيعة الأرض أو موقعها، أو إحدى العوارض الطبيعية التي تميزها، مثل بحيرة الجنوب أو المرج الشرقي أو الجزيرة الخضراء أو بركة الصيادين أو غابة الصفصاف أو الكروم أو عريش العنب أو أرض الجميز. وهذه الأسماء تبقى علما على مسمياتها أجيالا، فلا البيع ولا القسمة ولا الثورات ولا تغير الأسر المالكة تستطيع أن تصير هذه الأسماء نسيا منسيا.
أما مصلحة المساحة فتقيد في سجلاتها اسم العقار واسم مالكه وأسماء الملاك الواقعة أطيانهم على حدوده، ومحتويات ذلك العقار وطبيعة أرضه، وتكتب المساحة التقريبية بالأذرع للأراضي الرملية والمستنقعات والبرك والترع، وغابات النخيل والحدائق والبساتين والكروم، والأراضي الصالحة لزراعة القمح، وتقسم هذه الأراضي الأخيرة أيضا إلى جملة أنواع، ويراعى في قسمتها الأرض التي يغمرها ماء النيل بانتظام سنويا، والتي لا تغمرها المياه حتى في أكبر الفيضانات، فتروى ريا صناعيا بواسطة آلات قد تتكلف كثيرا أو قليلا، وهذه كلها مستندات يعتمد عليها الكتبة ويتخذونها أسسا في تقدير الخراج بالعشر، وكل الأحوال تحمل على الظن بأنه كان يؤخذ من المحصول قبل حصيده.
ولكن هذا المحصول كان لا يستقر على حالة واحدة، فكان يزيد وينقص حسب الفيضان السنوي، وكانت تطوراته تتبع بدقة حسابية سواء زاد هذا الفيضان عن الحد اللازم أم قل عنه، وعلى ذلك كان ينقص الخراج بغتة، وقد يتلاشى بالمرة عندما يبلغ الفيضان الحد الأدنى. وبلغ من الاهتمام بالنيل أن أقام الملك في عاصمة ملكه والأعيان في قطائعهم مقاييس يتبينون منها يوميا ارتفاعه وانخفاضه، خصوصا في أسابيع التحاريق، وكان يحمل الرسل أنباءه في أرجاء القطر المصري، فكان الشعب دواما على علم بمجرى الأمور بطريقة منظمة، وكان يأخذ احتياطاته في الحال، ويعلم ما سيئول إليه أمره في نهاية العام، ويتمكن من معرفة ما يجب عليه دفعه بوجه التقريب.
ومن الوجهة النظرية كانت تربط جباية العشور على الأراضي التي تغمرها المياه بالفعل، وهذه محصولها لا يكون دواما على حالة واحدة، أما عمليا فكان هذا الخراج يؤدى بحسب متوسط السنين السالفة، بعد أن يستبعد من هذا المتوسط قدر معين لا يحيدون عنه إلا في الظروف الشاذة. ويشترط للخروج عن هذه القاعدة وتخفيض الخراج أن يكون المحصول بلغ الغاية في الانحطاط، وكانت تستوي الحكومة القديمة والمعاصرة في النفور من التنازل عن أي شيء من الخراج مهما صغر، فتحتم دفع هذه الضريبة من محاصيل الأطيان إما قمحا أو ذرة أو فولا أو غير ذلك، وكانت هذه المحاصيل تكدس أكداسا في المستودعات. والظاهر أن خصم العشر ليس بالشيء الكثير بالنسبة إلى مجموع المحصول، وأن أفقر فلاح كانت حالته تسمح له بأن يدفع ما عليه بلا عناء. ا.ه.
ويستنتج مما ذكره هؤلاء المؤلفون أنه كان يوجد في مصر في عهد الفراعنة مصلحة مساحة بلغت الغاية في النظام، إلا أننا مع الأسف لم تصلنا تفاصيل ترتيبها، أما ما رووه لنا عن المنازعات التي كانت تقع بين الأهالي بشأن الأرض، فهي هي بعينها الحاصلة الآن، ولم يغير من طبيعتها شيئا مرور أربعة أو خمسة آلاف سنة.
أما المربع الذي وزعه سيزوستريس على كل ساكن من ساكني ديار مصر، حسبما روى هيرودوت (والأقرب إلى الصواب أنه وزعه على كل أسرة لا على كل ساكن)، فكان الأرور على رأي ماسبيرو، وهو عبارة عن مربع طول كل ضلع منه مائة ذراع. ولما كان الذراع يساوي 525 مليمترا، فيكون مسطح الأرور 2756,25 مترا مربعا، أي 18 سهما و15 قيراطا.
وأما ضريبة الخراج بنسبة العشر كما روى ماسبيرو، فيلوح أن هذه النسبة نسبة معقولة، وهذا هو رأي لمبروزو بعينه (راجع كتاب مباحث في الاقتصاد السياسي بمصر في عهد اللاجيديين ص393)؛ إذ حدد هذه الضريبة بنفس هذه النسبة أيضا، ثم قال في ص289:
وفوق ذلك فقد تغيرت الضريبة على ممر الدهور وتبدل الأحوال، ولكن الذي بقي ثابتا على حاله ولم يتغير هي قواعد ترتيب ضريبة الخراج، وقد اتبع البطالسة نفس هذه القواعد إلا أنهم نظموها. ا.ه.
واستدل على صحة روايته بأن ذكر في ص293 نقلا عن لترون
Letronne (المجموعة الأولى ص295) أن كتابة حجر رشيد (عام 196ق.م) تنبئ بأن الحكومة كانت تأخذ إرتبا عن كل مساحة قدرها «أرور» من الأطيان المخصصة للزراعة، وحددت هذه النسبة بجزء واحد من خمسة عشر جزءا من محصول الأطيان الجيدة، واستخلص من ذلك أن الأراضي التي لم تبلغ مبلغا كبيرا في الجودة كانت تدفع العشر.
अज्ञात पृष्ठ