المقدمة
القسم الأول: الإيرادات
1 - عصر الفراعنة
2 - عصر البطالسة
3 - عصر الرومان
4 - عصر البيزانطيين
5 - عصر العرب
6 - عصر العثمانيين
7 - عصر الفرنسيين
8 - الأسرة المحمدية العلوية
القسم الثاني: الإتاوة أو المال المستولية عليه الدول الفاتحة
1 - حكومة الفرس
2 - حكومة الرومان
3 - حكومة البيزانطيين
4 - الحكومة العربية
5 - عصر العثمانيين
القسم الثالث: الخراج والمساحة المفروض عليها
1 - عصر الفراعنة
2 - عصر البطالسة
3 - عصر الرومان
4 - عصر البيزانطيين
5 - عصر العرب
6 - عصر العثمانيين
7 - عصر الفرنسيين
8 - الأسرة المحمدية العلوية
خاتمة
المقدمة
القسم الأول: الإيرادات
1 - عصر الفراعنة
2 - عصر البطالسة
3 - عصر الرومان
4 - عصر البيزانطيين
5 - عصر العرب
6 - عصر العثمانيين
7 - عصر الفرنسيين
8 - الأسرة المحمدية العلوية
القسم الثاني: الإتاوة أو المال المستولية عليه الدول الفاتحة
1 - حكومة الفرس
2 - حكومة الرومان
3 - حكومة البيزانطيين
4 - الحكومة العربية
5 - عصر العثمانيين
القسم الثالث: الخراج والمساحة المفروض عليها
1 - عصر الفراعنة
2 - عصر البطالسة
3 - عصر الرومان
4 - عصر البيزانطيين
5 - عصر العرب
6 - عصر العثمانيين
7 - عصر الفرنسيين
8 - الأسرة المحمدية العلوية
خاتمة
مالية مصر من عهد الفراعنة إلى الآن
مالية مصر من عهد الفراعنة إلى الآن
تأليف
عمر طوسون
المقدمة
لما بحثنا في الكتب العربية لكتابة مذكرتنا عن أفرع النيل في العصر العربي، انفتح أمامنا باب آخر للكلام في موضوع الخراج والمساحة المزروعة في مصر في عصورها المختلفة، فوطنا النفس على كتابة مذكرة أخرى في هذا الموضوع لشدة ارتباطه بموضوع النيل، غير أننا وجدنا الخراج مندمجا في الإيرادات في الغالب؛ فحاولنا في مذكرتنا هذه أن نذكر كل واحد منهما على حدة بقدر الإمكان. وقسمنا الكلام إلى ثلاثة أقسام، وهي: (1)
الإيرادات، أو ارتفاع البلاد (حسب تعبير الكتب العربية). (2)
الإتاوة، أو ما يرسل إلى الدول الفاتحة. (3)
الخراج والمساحة المفروض عليها.
والنقود التي كانت معتبرة في ذلك هي: (أ)
التالان في بعض العصور التي قبل الإسلام. (ب)
الدينار في العهد الإسلامي.
أما التالان فكان من الذهب والفضة والبرونز، ولكن اتفقت كلمة المؤرخين على أن المراد به هنا ما كان من الفضة، وقدروه بمبلغ 5600 فرنك (216 جنيها مصريا).
وأما الدينار فمن الذهب فقط، وهو يساوي 15 فرنكا و80 سنتيما، على تقدير صمويل برنارد في كتاب «وصف مصر» عبارة عن 609 مليمات ، وعلى تقدير الذهبي وعلي مبارك يساوي 591 مليما، فمتوسط التقديرين 600 مليم أو 60 قرشا، وسنقدره بذلك.
والفروق الشاسعة التي ربما يلاحظها القارئ في عبارات المؤرخين عن المبالغ الدالة على الإيرادات مبنية على ما نرى، على أن بعضهم يذكرها بدون حذف المصروفات منها، والبعض الآخر يذكر الباقي فقط بعد حذفها، وهذا هو السبب أيضا في أن أرقام الإيرادات قد لا تختلف في كثير من الأحيان عن أرقام الإتاوة في عباراتهم، على أن من أهم الأسباب في اختلاف إيراد مصر أنها بلد زراعي مرتبط بالنيل في ثروته، وهو مختلف الفيضان، زد على ذلك اختلاف إيراداتها بحسب اتساع رقعتها بالفتوحات في إفريقية وآسيا تارة، وضيقها تارة أخرى.
وأكثر مؤرخي العرب يستعملون كلمة «خراج» وهم يعنون الإيرادات؛ مع أن هذه الكلمة بالمعنى الحقيقي لها تدل على ما يجبى عن الأرض المزروعة (أموال الأطيان)، فاضطررنا مرات كثيرة أن ندمج في قسم الإيرادات مبالغ ذكرت تحت هذه التسمية.
والتواريخ المذكورة تحت أسماء الحكام هي تواريخ وفياتهم، اللهم إلا إذا وجد ما يدل على شيء آخر.
القسم الأول
الإيرادات
الفصل الأول
عصر الفراعنة
لم نقف على أي مستند في ذلك العهد يصح الركون إليه عن المبالغ التي كانت تجنيها الفراعنة من القطر المصري في غير المؤلفات العربية.
ولقد سد مؤلفو العرب هذا الفراغ، ولكن مع الأسف أثاروا الشكوك بالمبالغ الجسيمة التي ذكروها، وإننا نذكرها هنا لا لأنها تبين حقيقة مقادير هذه الإيرادات في ذلك العصر، بل ليطلع القارئ عليها؛ لأنه بالطبع شغوف بالمعرفة، وها هي: قال الشيخ أبو صالح الأرمني في تاريخه «الكنائس» ص30:
استخرج فرعون موسى واسمه الوليد بن مصعب تسعين ألف ألف دينار (54000000ج.م). ا.ه.
وقال المقريزي في خططه نقلا عن ابن وصيف شاه ج1 ص75 من طبعة بولاق، وهو المؤرخ الوحيد الذي أسهب أكثر من غيره في هذا الموضوع وأفرد له فصلا خاصا:
ارتفع مال البلد على يد ندارس بن صا مائة ألف ألف دينار وخمسين ألف ألف دينار (90000000ج.م)، وفي أيام كلكن بن خربتا بن ماليق بن ندارس مائة ألف ألف دينار وبضعة عشر ألف ألف دينار. ولما زالت دولة القبط الأولى من مصر وملكها العمالقة اختل أمرها، وكان فرعون الأول يجبيها تسعين ألف ألف دينار (54000000ج.م) يخرج من ذلك عشرة آلاف ألف دينار (6000000ج.م) لمصالح البلد، وعشرة آلاف ألف دينار لمصالح الناس من أولاد الملوك وأهل التعفف، وعشرة آلاف ألف دينار لأولياء الأمر والجند والكتاب، وعشرة آلاف ألف دينار لمصالح فرعون، ويكنزون لفرعون خمسين ألف ألف دينار (30000000ج.م).
ثم قال: وقال ابن دحية:
وجبيت مصر في أيام الفراعنة فبلغت تسعين ألف ألف دينار (54000000ج.م) بالدينار الفرعوني، وهو ثلاثة مثاقيل من مثقالنا المعروف الآن بمصر الذي هو أربعة وعشرون قيراطا، كل قيراط ثلاث حبات من قمح؛ فيكون بحساب ذلك مائتي ألف ألف وسبعين ألف ألف دينار مصرية (162000000ج.م).
وذكر الشريف الجواني أنه وجد في بعض البرابي بالصعيد مكتوبا باللغة الصعيدية مما نقل بالعربية مبلغ ما كان يستخرج لفرعون يوسف عليه السلام - وهو الريان بن الوليد - من أموال مصر بحق الخراج، مما يوجبه الخراج وسائر وجوه الجبايات لسنة واحدة على العدل والإنصاف والرسوم الجارية من غير تأول ولا اضطهاد ولا مشاحة، على عظيم فضل كان في يد المؤدي لرسمه، وبعد وضع ما يجب وضعه لحوادث الزمان نظرا للعاملين وتقوية لحالهم، من العين أربعة وعشرون ألف ألف دينار، وأربعمائة ألف دينار (14640000ج.م).
ثم قال: وقال الحسن بن علي الأسدي:
أخبرني أبي قال: وجدت في كتاب قبطي باللغة الصعيدية مما نقل إلى اللغة العربية؛ أن مبلغ ما كان يستخرج لفرعون مصر بحق الخراج الذي يوجد وسائر وجوه الجبايات لسنة كاملة على العدل والإنصاف والرسوم الجارية، من غير اضطهاد ولا مناقشة، على عظيم فضل كان في يد المؤدي لرسمه، وبعد وضع ما يجب وضعه لحوادث الزمان رفقا بالعاملين وتقوية لهم، من العين أربعة وعشرون ألف ألف دينار، وأربعمائة ألف دينار من جهات مصر (14640000ج.م)، وذلك ما يصرف في عمارة البلاد لحفر الخلج وإتقان الجسور وسد الترع وإصلاح السبل والساسة، ثم في تقوية من يحتاج التقوية من غير رجوع عليه بها لإقامة العوامل والتوسعة في البذار وغير ذلك، وثمن الآلات وأجرة من يستعان به من الأجراء لحمل الأصناف وسائر نفقات تطريق أراضيهم، من العين ثمانمائة ألف دينار (480000ج.م)، ولما يصرف في أرزاق الأولياء الموسومين بالسلاح وحملته والغلمان وأشياعهم، مع ألف كاتب موسومين بالدواوين سوى أتباعهم من الخزان ومن يجري مجراهم، وعدتهم مائة ألف وأحد عشر ألف رجل، من العين ثمانية آلاف ألف دينار (4800000ج.م)، ولما يصرف في الأرامل والأيتام فرضا لهم من بيت المال، وإن كانوا غير محتاجين إليه حتى لا تخلو آمالهم من بر يصل إليهم، من العين أربعمائة ألف دينار (240000ج.م)، ولما يصرف في كهنة برابيهم وأئمتهم وسائر بيوت صلواتهم، من العين مائة ألف دينار (60000ج.م)، ولما يصرف في الصدقات وينادى في الناس برئت الذمة من رجل كشف وجهه لفاقة فليحضر، فلا يرد عند ذلك أحد والأمناء جلوس، فإذا رؤي رجل لم تجر عادته بذلك أفرد بعد قبض ما يقبضه، حتى إذا فرق المال واجتمع من هذه الطائفة عدة دخل أمناء فرعون إليه، وهنوه بتفرقة المال ودعوا له بالبقاء والسلامة، وأنهوا حال الطائفة المذكورة، فيأمر بتغيير شعثها بالحمام واللباس، ويمد الأسمطة ويأكلون ويشربون، ثم يستعلم من كل واحد سبب فاقته، فإن كان من آفة الزمان رد عليه مثل ما كان وأكثر، وإن كان عن سوء رأي وضعف تدبير ضمه إلى من يشرف عليه ويقوم بالأمر الذي يصلح له، من العين مائتا ألف دينار (120000ج.م)، فذلك جملة ما تبين وفصل في هذه الجهات المذكورة من العين تسعة آلاف ألف وثمانمائة
1
ألف دينار (5880000ج.م)، ويحصل بعد ذلك ما يتسلمه فرعون في بيوت أمواله عدة لنوائب الدهر وحادثات الزمان، من العين أربعة عشر ألف ألف دينار وستمائة ألف دينار (8760000ج.م)، وقيل لبعضهم: متى عقدت مصر تسعين ألف ألف دينار؟ قال: في الوقت الذي أرسل فرعون بويبة قمح إلى أسفل الأرض وإلى الصعيد، فلم يجد لها موضعا تنذر فيه لشغل جميع البلاد بالعمارة. ا.ه .
وقال أبو المحاسن في كتابه «النجوم الزاهرة» (ج1 ص49):
وجباه (أي الخراج) عزيز مصر (وهو الذي اشترى يوسف عليه السلام، وكان وزيرا لفرعون المسمى الريان بن الوليد) مائة ألف ألف دينار (60000000ج.م). ا.ه.
وقال ابن إياس في تاريخه «بدائع الزهور» (ج1 ص15):
وكان خراج مصر في أيامه (أي الريان بن الوليد) مائة ألف ألف دينار في كل سنة (60000000ج.م). ا.ه.
وهاك ملخص ما ذكر:
المؤرخ
الحاكم
مقدار الخراج بالدينار
مقدار الخراج بالجنيه المصري
أبو صالح الأرمني
فرعون موسى
90000000
54000000
المقريزي
ندارس بن صا
150000000
90000000
المقريزي
كلكن بن خربتا بن ماليق
100000000
60000000
المقريزي
فرعون الأول
90000000
54000000
المقريزي
الفراعنة
270000000
162000000
المقريزي
فرعون يوسف
24400000
14640000
المقريزي
فرعون مصر
24400000
14640000
أبو المحاسن
عزيز مصر
100000000
60000000
ابن إياس
الريان بن الوليد
100000000
60000000
ملحوظة: جمعنا المبالغ المتقدمة فوجدناها تنقص عن هذه الجملة ثلاثمائة ألف دينار.
الفصل الثاني
عصر البطالسة
من سنة 306ق.م إلى 30ق.م
إن المعلومات التي نقلها إلينا المؤرخون عن الإيرادات في هذا العصر، وإن كانت قليلة، إلا أنها أحكم وأضبط من معلومات العصر السابق.
ذكر جيروم
jérôme
في المجلد الثاني من كتابه ص1122 أن دخل بطليموس فيلادلف السنوي بلغ في سنة 247ق.م 14800 تالان، أي 3196800ج.م عدا 1500000 إرتب قمح.
وقال لمبروزو
Lumbroso (كتاب مباحث عن الاقتصاد السياسي في مصر في عهد اللاجيديين
1
ص293): إن الإرتب عبارة عن 39,4 من اللترات، ولما كان الإردب المصري الحالي يساوي 198 لترا؛ فعلى هذا الحساب يساوي الإردب 5 أراتب، ويكون دخل هذا الملك من القمح 300000 إردب عدا النقود.
أما ما يساويه الإردب في ذلك فيصعب تقديره بالضبط، إلا أن رينيه
Reynier
في كتاب «مصر في عصر الرومان» (ص155) قدر ثمن الإردب بمبلغ
من الفرنكات، أي ما يقرب من 30 قرشا بنقودنا الآن، فيكون ثمن الدخل من الغلال وحدها بناء على هذا التقدير 90000ج.م.
وقدر ماركاردت
Marquardt
في كتاب «دليل الآثار الرومانية» (المجلد العاشر، ص293) دخل الغلال بمبلغ 500 تالان، أي 108000ج.م.
ولما كان الفرق بين هاتين القيمتين ضئيلا فيستصوب التعويل على متوسطهما الذي هو 99000ج.م فيكون مجموع الدخل في عهد ذلك الملك 3295800ج.م.
وذكر استرابون عن سيسرون
Cicéron (المجلد 17، الفقرة 13) أن بطليموس أوليت والد كليوبطرة بلغ إيراده السنوي في عام 52ق.م 12500 تالان (2700000ج.م).
ونقل ديودور عن كتبة السجلات الديوانية في ذلك العهد أن الإيرادات بلغت في عهد هذا الملك أكثر من 6000 تالان (1296000ج.م).
ويجب أن نرجح رواية سيسرون على رواية ديودور للسبب الآتي: ذلك أن ملكا من ملوك البطالسة المتأخرين كان قد اقترض مبالغ جسيمة من أحد نبلاء الرومان المسمى رابيريوس
Rabirio ، وفي نظير ذلك قلده منصب ناظر المالية، واتخذ هذا وسيلة تخلصه مما استدانه من هذا النبيل، وقد أقيمت بسبب ذلك دعوى بروما على رابيريوس المذكور، وتطوع للدفاع عنه سيسرون (انظر كتاب قضية رابيريوس ودفاع سيسرون عنه).
فيعلم مما تقدم أن سيسرون نظرا لمركز موكله لا بد أن يكون قد حصل على معلومات أوفى من التي نقلها ديودور، لا سيما إذا راعينا أن هذا الأخير لم يمدنا بمعلوماته إلا عندما أتى على وصف مدينة الإسكندرية.
هذا ومن المحتمل كثيرا أن تكون القيمة التي ذكرها ديودور هي جملة المتحصل من الممولين الإسكندريين لا إيرادات مصر جميعها، وقد ذهب إلى ذلك الأستاذ ولكن
Wilcken
في كتاب «أوستراكا» (الفصل الرابع، ص414).
وذكر شارب
Sharp
في كتاب «مصر في عصر البطالسة» (ص191) أن نصف مبلغ ال 12500 تالان كان يجبى من ميناء الإسكندرية، في الوقت الذي كسدت فيه التجارة الأجنبية، وانحطت إلى أسفل درك، ونزل فيه عدد السفن التي كانت تسافر من البحر الأحمر إلى الهند إلى عشرين سفينة؛ بسبب ما ارتكبته الحكومة من الإهمال والخطأ. ا.ه.
ويلوح لنا علاوة على ما ذكر أن دخل هذين الملكين اللاجيديين كان ضئيلا جدا بالقياس إلى ما كانت تجبيه العرب في عصرهم (كما سيتضح ذلك فيما بعد)، كما أن عصر هؤلاء كان بلا جدال أقل يسارا من عصر البطالسة.
ويجب تفسير ذلك بما يأتي: قال لمبروزو في كتابه ص90:
إن أملاك الحكومة وأراضي الملك كانت متسعة الأرجاء، لا تكاد تخلو منها ناحية من نواحي القطر كله. ا.ه.
وقال في ص91:
كانت أرض الملك يسخر في فلاحتها أناس مخصوصون، وتوزع فيما بينهم حسب منطوق الأمر الملكي، كل بحسب قدرته وقوته. ا.ه.
وذكر ديودور في المجلد الأول الفقرة 74:
إن المزارعين كانوا يستأجرون الأراضي الخصبة التي في حوزة الملوك والكهنة والجند بقيم مرتفعة، ويقضون جل حياتهم في فلاحتها. ا.ه.
وقال هنري ماسبيرو
Henrie Maspero
في كتاب «مالية مصر في عصر اللاجيديين» (ص49):
كان كل شيء في القطر المصري في الزمن القديم من رجال ومتاع ملكا للملك، وكان سائر رعيته عبيدا له، وكذلك كانت الأرض والتجارة والصناعة من ممتلكاته، فلا الزمن ولا الثورات ولا الفتوحات أمكنها أن تنتزع شيئا من هذه الحقوق.
أما ملوك اليونان فكانوا يحتفظون بهذه الحقوق أيضا، ويضعون أيديهم على جميع ما يرون منه فائدة لهم ويزيد في ثرائهم، وبهذه الكيفية كانوا يحتكرون مادتين عظيمتين هما الأرض والصناعة.
وعلى هذا كان في حوزة الملك خاصة ما يقرب من نصف المملكة، كما كان في حوزته وحده دون سواه جميع التجارة والصناعة تقريبا، فالزيت والجعة (البيرة) والملح ومعظم الأشياء الهامة التي كانت تستهلك في القطر، وبالأخص القمح والنبيذ والعسل والثياب الثمينة الفاخرة التي كانت تصدر إلى الخارج بكميات وافرة، كل هذه أصناف كان يحتكرها الملك، ويكون إيراد هذه المحتكرات الهامة (أي احتكار الأراضي والصناعات ... إلخ) دخل التاج، وأما الضرائب فيتكون منها دخل المملكة. ا.ه.
فنستنتج مما تقدم أن البطالسة كانوا يمتلكون أراضي شاسعة منبثة في جميع أرجاء القطر، وهي من الأراضي الخصبة، ولما كانت تلك الأراضي معفاة من الضرائب انحطت بالطبع إيرادات الدولة، وعلى النقيض نمت موارد الملك الخاصة وربت.
ويتلخص ما ذكر في أن الإيرادات التي ذكرها المؤرخون محصورة في الموارد العمومية، وأنه كان يوجد بجانب هذه الإيرادات دخل الملك الخاص، وأنه لا بد أن يكون هذا الدخل جسيما.
وينحصر ما عثرنا عليه عن إيراد المملكة المصرية في عصر البطالسة في عهدي الملكين الآتيين:
بطليموس فيلادلف (سنة 247ق.م).
14800 تالان و1500000 إرتب قمح، وقيمة ذلك بالجنيهات المصرية 3295800.
بطليموس أوليت (سنة 52ق.م).
12500 تالان، وهي تساوي بالجنيهات المصرية 2700000.
اللاجيديون
Lagides
أسرة كان رأسها بطليموس لاغوس من قواد الإسكندر، لبثت متولية حكم مصر من عام 306ق.م إلى عام 30ق.م. فهم والبطالسة شيء واحد.
الفصل الثالث
عصر الرومان
من سنة 29ق.م إلى 395م
لما فتح الرومان ديار مصر أخذوا يبذلون غاية جهدهم لإنتاج أكبر محصول منها، وهذا كان ديدنهم في جميع البلاد التي دانت لسلطانهم؛ ولذلك رأينا أغسطس واضعا نصب عينيه من غداة يوم الفتح الاشتغال بالأشياء التي تدر على البلد الخير والثراء، فالترع التي كان أهملها البطالسة أخذ في إعادة حفرها بأيدي جنوده الظافرين.
ولقد شعر القطر بانتعاش سريع بسبب هذه الإصلاحات، والدليل على صحة ذلك أن استرابون الذي قدم مصر في صدر الفتح الروماني بعد أن قال في المجلد 17 الفقرة 13 نقلا عن سيسرون، إن بطليموس أوليت أبا كليوبطرة كان يجبي من البلد مبلغ 12500 تالان (2700000ج.م)، قال:
ومن حيث إن مصر استطاعت أن تأتي بمبالغ طائلة كهذه في عهد ملك اشتهر دون غيره من الملوك بسوء التصرف والتراخي، فمن باب أولى أن تأتي اليوم بما هو أكثر من ذلك، وقد تعهدها الرومانيون بعناية كبرى من ناحية السهر على أحوالها وإدارة شئونها، لا سيما أن علاقاتها التجارية مع التروجلودتيك
Troglodytique
1
أخذت تزداد بسطة واتساعا إلى درجة كبيرة.
وبما أن أفخر السلع وأنفسها كانت ترد في الواقع من إقليمي التروجلودتيك إلى مصر أولا، ثم تصدر منها إلى سائر أنحاء العالم، فكانت هذه تحصل منها رسوما مزدوجة؛ أي رسم الوارد ورسم الصادر، وكلما كانت تلك البضائع غالية الثمن زادت بحكم الطبيعة رسومها، هذا بصرف النظر عن الفوائد التي تلازم كل احتكار؛ وذلك لأن الإسكندرية كانت المستودع الوحيد لهذه البضائع، وأنها وحدها التي كان في استطاعتها تموين البلاد الأخرى. ا.ه.
ومما يؤسف له جد الأسف أن كلام استرابون هذا لم يقرن بالأرقام، الأمر الذي كان يهمنا كثيرا الوقوف عليه، وفضلا عن هذا فإن إيرادات الجمارك التي ذكرها استرابون كانت توجد بجانبها إيرادات أخرى، مثل: الخراج والجزية وغيرهما من الإيرادات التي لا تخفى أهميتها، ولا نعلم مع الأسف قيمتها إلى الآن.
والمؤلف الوحيد الذي ذكر أرقاما عن هذا هو ماركاردت (راجع نظام الإمبراطورية الرومانية ج2 ص407)، وقد نقل هذه الأرقام عن م. ل. فريدلاندر
M. L. Fariedlander
الذي قدر جميع الضرائب في مصر بمبلغ 134918000 مارك (6745905ج.م).
التروجلودتيك أو سكان المغاور يقول عنهم قدماء المشتغلين بعلم تخطيط البلدان: إنهم قوم كانوا يقطنون الجنوب الشرقي لمصر.
الفصل الرابع
عصر البيزانطيين
من سنة 396م إلى 640م
لقد ألجأتنا الضرورة مرة أخرى إلى استقاء أخبار هذا العصر من مؤلفي العرب دون سواهم، غير أن ما ذكره لنا هؤلاء مقتضب لم يتعد عهد شخصين هما الإمبراطور هرقل، وآخر يدعى المقوقس، ويظهر أن هذا الأخير كان يشغل وظائف عمومية هامة عندما فتح العرب مصر، وقد احتدم الجدل حول شخصيته بين مختلفي المؤلفين.
أما بتلر
Butler (الفتح العربي لمصر) الذي استقصى هذا الموضوع مستندا إلى رواية أسقف الأشمونين بنوع أخص، فقد شبه في مؤلفه المذكور ص510 و516 المقوقس بسيروس بطرك الإسكندرية.
وأما ابن عبد الحكم فقد ذكر المقوقس في كتابه «فتوح مصر» المطبوع بمطبعة بريل بليدن، في عدة مواضع، فذكر في ص37:
وجه هرقل ملك الروم - كما حدثني شيخ من أهل مصر - المقوقس أميرا على مصر، وجعل إليه حربها وجباية خراجها، فنزل الإسكندرية. ا.ه.
وفي ص46 ذكر نص كتاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
إلى المقوقس، وأوله:
بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط.
وفي ص47 ذكر رد المقوقس على كتاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وأوله:
لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط.
وفي ص58:
فلما بلغ المقوقس قدوم عمرو بن العاص إلى مصر توجه إلى الفسطاط، فكان يجهز على عمرو الجيوش. ا.ه.
وفي ص70 :
لما فتح عمرو بن العاص مصر صالح عن جميع من فيها من الرجال من القبط، ممن راهق الحلم إلى ما فوق ذلك، ليس فيهم امرأة ولا شيخ ولا صبي، فأحصوا بذلك على دينارين دينارين (120 قرشا)، فبلغت عدتهم ثمانية ألف ألف. ا.ه.
وفي ص72:
قال المقوقس لعمرو: أنا أطلب إليك أن تعطيني ثلاث خصال. قال له عمرو: ما هن؟ قال: لا تنقض بالقبط، وأدخلني معهم، وألزمني ما لزمهم، وقد اجتمعت كلمتي وكلمتهم على ما عاهدتك عليه، فهم متمون لك على ما تحب. وأما الثانية إن سألك الروم بعد اليوم أن تصالحهم فلا تصالحهم ... إلخ. ا.ه.
ويستنتج مما تقدم أن هذا الرجل كان رئيسا دينيا وسياسيا للقطر عندما غزاه العرب.
وأما بخصوص إيرادات هذا العصر، فهاك ما قاله المؤلفون عنها: قال الشيخ أبو صالح الأرمني في تاريخه ص30:
استخرج الروم عشرين ألف ألف دينار (12000000ج.م)، وتقبلها جريج بن مينا المقوقس من الهرقل بما مبلغه ثمانية عشر ألف ألف دينار (10800000ج.م). ا.ه.
وقال ابن عبد الحكم في كتاب «فتوح مصر» ص161:
وجباها (أي مصر) المقوقس قبله (أي قبل عمرو) بسنة، عشرين ألف ألف (12000000ج.م). ا.ه.
وخلاصة ما سبق هو:
هرقل
18000000 دينار
10800000 جنيه مصري
المقوقس
20000000 دينار
12000000 جنيه مصري
الفصل الخامس
عصر العرب
من سنة 20ه/641م إلى 922ه/1516م
خلافة عمر بن الخطاب سنة 23ه/644م
هذا الخليفة هو ثاني الخلفاء الراشدين الأربعة الذين تولوا الخلافة بعد النبي
صلى الله عليه وسلم ، وفي عهد خلافته فتح عمرو بن العاص مصر في سنة 20ه/641م، والظاهر أن هذا الخليفة كان يتهيب الحملة على مصر ويخشى عواقبها، إلا أن عمرا ألح عليه في ذلك، وهون عليه الأمر في فتحها. وقد جاء في كتاب ابن عبد الحكم ص56 في هذا الصدد ما نصه:
يا أمير المؤمنين ائذن لي أن أسير إلى مصر؛ فإنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعونا لهم، وهي أكثر الأرض أموالا، وأعجزها عن القتال والحرب.
وما زال به حتى أذن له بهذه الحملة، فسارت وسار عمرو على رأسها، غير أنه بعد رحيله ندم الخليفة، وأرسل إليه رسولا يحمل الكتاب الآتي:
من عمر بن الخطاب إلى العاص بن العاص؛ أما بعد، فإنك سرت إلى مصر ومن معك وبها جموع الروم، وإنما معك نفر يسير، ولعمري لو كانوا ثكل أمك ما سرت بهم، فإن لم تكن بلغت مصر فارجع.
وهنا رويت روايتان:
الأولى:
هي أن الكتاب أدرك عمرا وهو بين رفح والعريش.
والثانية:
أن الكتاب أدركه قبل أن يبلغ حدود مصر، وأن عمرا داخله الريب فلم يفتح الكتاب إلا بعد أن اجتاز تلك الحدود.
ومن رأينا أن الرواية الثانية لا بد أن تكون هي الصحيحة، والدليل على صحتها ما سبق من إلحاح عمرو في مباشرة هذا الفتح، ومن المحتمل أنه علم بما يحتوي عليه الكتاب قبل إعلان فتحه الذي حصل في قرية بين رفح والعريش، وبعد قراءته على المسلمين علنا قال لمن معه: ألستم تعلمون أن هذه القرية من مصر؟ قالوا: بلى. قال: فإن أمير المؤمنين عهد إلي وأمرني إن لحقني كتابه ولم أدخل أرض مصر أن أرجع، ولم يلحقني كتابه حتى دخلنا أرض مصر، فسيروا وامضوا على بركة الله.
ولما تم فتح مصر اهتم عمرو كما يهتم كل فاتح بما تنتجه البلاد من الوجهة المالية، ولكنه مع ذلك لم يجب في السنة الأولى سوى مليون دينار (600000ج.م).
وهذا هو ما رواه الكندي في كتاب «فضائل مصر» (ص201)، وأبو صالح الأرمني في تاريخه ص30، والمقريزي في خططه ج1 ص79، مع أن المقوقس كان يجبي قبله عشرين مليون دينار (12000000ج.م).
أما اليعقوبي فقال في كتاب «البلدان» (ص339):
بلغ خراج مصر على يد عمرو في خلافة عمر في أول سنة من جزية رءوس الرجال أربعة عشر ألف ألف دينار (8400000ج.م). ا.ه.
وهذا خطأ واضح يظهر مما ذكره اليعقوبي نفسه عقب ذلك في نفس هذه الصفحة؛ إذ قال:
ثم جباها عمرو في السنة الثانية؛ عشرة آلاف ألف (6000000ج .م). ا.ه.
ولقد أثار نقص الجباية غضب الخليفة، فتبودلت بينه وبين عمرو المكاتبات التي أنحى فيها باللائمة عليه، وإليك نص تلك المكاتبات كما دونها ابن عبد الحكم في كتابه ص158 وما يليها، قال: لما استبطأ عمر بن الخطاب الخراج من قبل عمرو بن العاص كما حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد، كتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد، فإني فكرت في أمرك والذي أنت عليه ، فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة قد أعطى الله أهلها عددا وجلدا وقوة في بر وبحر، وإنها قد عالجتها الفراعنة وعملوا فيها عملا محكما مع شدة عتوهم وكفرهم فعجبت من ذلك، وأعجب مما عجبت أنها لا تؤدي نصف ما كانت تؤديه من الخراج قبل ذلك على غير قحوط ولا جدوب، ولقد أكثرت في مكاتبتك في الذي على أرضك من الخراج، وظننت أن ذلك سيأتينا على غير نزر، ورجوت أن تفيق فترفع إلي ذلك، فإذا أنت تأتيني بمعاريض
1
تغتالها لا توافق الذي في نفسي، ولست قابلا منك دون الذي كانت تؤخذ به من الخراج قبل ذلك، ولست أدري مع ذلك ما الذي أنفرك من كتابي وقبضك، فلئن كنت مجزئا كافئا صحيحا إن البراءة لنافعة، وإن كنت مضيعا نطفا إن الأمر لعلى غير ما تحدث به نفسك، وقد تركت أن ابتلي ذلك منك في العام الماضي رجاء أن تفيق فترفع إلي ذلك، وقد علمت أنه لم يمنعك من ذلك إلا عمالك عمال السوء، وما توالس عليه وتلفف، اتخذوك كهفا وعندي بإذن الله دواء فيه شفاء عما أسألك عنه، فلا تجزع أبا عبد الله أن يؤخذ منك الحق وتعطاه، فإن النهز يخرج الدر، والحق أبلج ودعني وما عنه تلجلج، فإنه قد برح الخفاء، والسلام.
قال: فكتب إليه عمرو بن العاص:
بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد، فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين في الذي استبطأني فيه من الخراج، والذي ذكر فيها من عمل الفراعنة قبلي وإعجابه من خراجها على أيديهم، ونقص ذلك منها منذ كان الإسلام، ولعمري للخراج يومئذ أوفر وأكثر والأرض أعمر؛ لأنهم كانوا على كفرهم وعتوهم أرغب في عمارة أرضهم منا منذ كان الإسلام. وذكرت أن النهز يخرج الدر، فحلبتها حلبا قطع ذلك درها، وأكثرت في كتابك وأنبت، وعرضت وثربت، وعلمت أن ذلك عن شيء تخفيه على غير خبر، فجئت لعمري بالمفظعات المقذعات، لقد كان لك فيه من الصواب من القول رصين صارم بليغ صادق، ولقد عملنا لرسول الله
صلى الله عليه وسلم
ولمن بعده، فكنا بحمد الله مؤدين لأماناتنا حافظين لما عظم الله من حق أئمتنا، نرى غير ذلك قبيحا والعمل به سيئا، فيعرف ذلك لنا ويصدق فيه قيلنا، معاذ الله من تلك الطعم، ومن شر الشيم والاجتراء على كل مأثم، فاقبض عملك فإن الله قد نزهني عن تلك الطعم الدنية والرغبة فيها بعد كتابك الذي لم تستبق فيه عرضا ولم تكرم فيه أخا، والله يابن الخطاب لأنا حين يراد ذلك مني أشد لنفسي غضبا ولها إنزاها وإكراما، وما عملت من عمل أرى علي فيه متعلقا، ولكني حفظت ما لم تحفظ، ولو كنت من يهود يثرب ما زدت، يغفر الله لك ولنا، وسكت عن أشياء، كنت بها عالما، وكان اللسان بها مني ذلولا، ولكن الله عظم من حقك ما لا يجهل، والسلام.
فكتب إليه عمر بن الخطاب كما وجدت في كتاب أعطانيه يحيى بن عبد الله بن بكير، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن أبي مرزوق التجيبي، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص:
من عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد، فقد عجبت من كثرة كتبي إليك في إبطائك بالخراج، وكتابك إلي ببنيات الطرق، وقد علمت أني لست أوصى منك إلا بالحق البين، ولم أقدمك إلى مصر أجعلها لك طعمة ولا لقومك، ولكني وجهتك لما رجوت من توفيرك الخراج وحسن سياستك، فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل الخراج فإنما هو فيء المسلمين، وعندي من قد تعلم قوم محصورون، والسلام.
فكتب إليه عمرو بن العاص:
بسم الله الرحمن الرحيم، لعمر بن الخطاب من عمرو بن العاص، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد، فقد أتاني كتاب أمير المؤمنين يستبطئني في الخراج ويزعم أني أعند عن الحق، وأنكب عن الطريق، وإني والله ما أرغب عن صالح ما تعلم، ولكن أهل الأرض استنظروني إلى أن تدرك غلتهم، فنظرت للمسلمين، فكان الرفق بهم خيرا من أن يخرق بهم فيصيروا إلى بيع ما لا غنى بهم عنه، والسلام.
وجاء في كتاب ابن عبد الحكم أيضا ص161:
حدثنا هشام بن إسحاق العامري، قال: كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص أن يسأل المقوقس عن مصر من أين تأتي عمارتها وخرابها، فسأله عمرو، فقال له المقوقس: تأتي عمارتها وخرابها من وجوه خمسة: أن يستخرج خراجها في إبان واحد عند فراغ أهلها من زروعهم، ويرفع خراجها في إبان واحد عند فراغ أهلها من عصر كرومهم، وتحفر في كل سنة خلجها، وتسد ترعها وجسورها، ولا يقبل محل أهلها - يريد البغي - فإذا فعل هذا فيها عمرت، وإن عمل فيها بخلافه خربت.
قال: وفي كتاب ابن بكير الذي أعطاني عن ابن يزيد بن أسلم، عن أبيه قال:
لما استبطأ عمر بن الخطاب عمرو بن العاص في الخراج كتب إليه أن ابعث إلي رجلا من أهل مصر، فبعث إليه رجلا قديما من القبط، فاستخبره عمر عن مصر وخراجها قبل الإسلام، فقال: يا أمير المؤمنين كان لا يؤخذ منها شيء إلا بعد عمارتها، وعاملك لا ينظر إلى العمارة، وإنما يأخذ ما ظهر له كأنه لا يريدها إلا لعام واحد، فعرف عمر ما قال وقبل من عمرو ما كان يعتذر به. ا.ه .
فيعلم من ذلك كله أن المورد الأساسي للإيرادات التي كان يجبيها عمرو بن العاص ومن جاء بعده من الحكام، كان بلا جدال الجزية التي كانت مفروضة قبل الفتح الإسلامي بمدة طويلة - أي في عصر الرومان والبيزانطيين - وكان هؤلاء يفرضونها على الأهالي بلا شفقة ولا رحمة، مع زيادتها عن الجزية التي فرضها العرب؛ إذ كانوا يجبونها من جميع الناس، بلا فارق بين الصغير والكبير، والذكر والأنثى.
ولم تكن عندهم قيمة الجزية محدودة معينة، بل كانت تزيد وتنقص تبعا لفيضان النيل، وهاك ما ذكره ماركاردت في هذا الصدد (ص250 المذكرة الأولى) عن العهد الروماني:
إن قيمة الضرائب الشخصية لم تكن بنسبة واحدة في كل الأعوام، بل كانت تحدد سنويا بحسب ارتفاع النيل الذي يعتبر ميزانا لإيرادات مصر. ا.ه.
وأما عن عهد البيزانطيين فقد ذكرت الآنسة رويارد
Ms. Rouillard
عنه (إدارة مصر المدنية في عصر البيزانطيين ص70) ما نصه:
إذا اطرحنا الضريبة العقارية جانبا، فهل نعثر بين الضرائب الشخصية المقررة في مصر في عهد الإمبراطورية الرومانية الشرقية على ضريبة الأنفس (الجزية) وضريبة أرباب الحرف والصنائع، أو لا؟
والجواب على ذلك أن ضريبة الجزية في هذا العهد أدت إلى مجادلات نظرية فيما يترتب على وضعها، وقد أثارت فوق ذلك مناقشات خاصة بأحوال مصر. ا.ه.
ويرى أتو سيك
Otto Seeck
أن الجزية لم تقرر في مصر في القرن الرابع، ومن المحتمل أنه استعيض عنها بضريبة شخصية أخرى.
ويوافق ي. ولكن
U. Wilcken
على هذا الرأي، وهو يرى أنه استعيض عن الضريبة القديمة
2
λαογραφία
بضريبة شخصية على الرءوس، وهذه هي نفس الضريبة التي تحقق وجودها في عصر العرب تحت اسم
διάγραφον (الجزية)، ومع ذلك فقد وجد في عهد البيزانطيين بعض نصوص ذكرت فيها ضريبة تسمى
διαγραφή
أو
διάγραφον ، فإذا وافقنا ه. ي. بل
H. I. Bell
على وجود روابط متينة بين النظام المالي في عهدي البيزانطيين والعرب لدرجة أن هناك مماثلة تامة بين ضرائب كلتا الدولتين، يذهب المرء إلى أن يحكم بطريق الاستنتاج بأن الضريبة المسماة
3
διαγραφή
التي كانت في القرن الرابع؛ هي ضريبة شخصية يعادلها في مصر ضريبة الأنفس أو الجزية في العهد البيزانطي الأخير.
غير أنه تأتي فيما بعد أن زاد عدد الذين اعتنقوا الإسلام، سواء أكان ذلك جرا لمنفعة أم اعتقادا بصحة الدين الإسلامي؛ فنشأ من ذلك أن هوت الجزية إلى مبلغ 130000 دينار فقط؛ أي 78000ج.م بعد أن كان عمرو يجبي من هذا الباب في صدر الفتح الإسلامي من ستة ملايين من الأنفس 12000000 دينار (7200000ج.م) كما ذكر ذلك القاضي الفاضل في متجددات الحوادث عن سنة 587ه/1191م (انظر خطط المقريزي ج1 ص107).
وهذه الحالة أزعجت حكام الأقاليم، حتى إن بعضهم استمر في تحصيل هذه الجزية دون أن يستثني أولئك الذين اعتنقوا الإسلام حديثا ، ولما كان ذلك مخالفا للشرع الإسلامي لم يوافق عليه الخلفاء، وهاك ما قاله ابن عبد الحكم في كتاب «فتوح مصر» ص151 وما يليها عن الجزية:
كان عمرو يبعث إلى عمر بن الخطاب بالجزية بعد حبس ما كان يحتاج إليه، وكانت فريضة مصر كما حدثنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب؛ لحفر خلجها وإقامة جسورها وبناء قناطرها وقطع جزائرها مائة ألف وعشرين ألفا، معهم الطور والمساحي والأداة يعتقبون ذلك لا يدعون ذلك شتاء ولا صيفا. ثم كتب عمر بن الخطاب كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن القاسم بن عبد الله، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر أن يختم في رقاب أهل الذمة بالرصاص، ويظهروا مناطقهم، ويجزوا نواصيهم، ويركبوا على الأكف عرضا، ولا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي، ولا يضربون على النساء ولا على الولدان، ولا يدعوهم يتشبهون بالمسلمين في لبوسهم.
حدثنا شعيب بن الليث، حدثنا أبي، عن محمد بن عبد الرحمن بن عنج أن نافعا حدثهم وحدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، حدثني عبد الله بن عمر وعمر بن محمد، أن نافعا حدثهم عن أسلم مولى عمر، أنه حدثه أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد ألا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي، وجزيتهم أربعون درهما على أهل الورق منهم، وأربعة دنانير على أهل الذهب، وعليهم من أرزاق المسلمين من الحنطة والزيت مديان من حنطة وثلاثة أقساط من زيت في كل شهر لكل إنسان من أهل الشام والجزيرة، وودك وعسل لا أدري كم هو، ومن كان من أهل مصر فإردب كل شهر لكل إنسان لا أدري كم من الودك والعسل، وعليهم من البز والكسوة التي يكسوها أمير المؤمنين الناس، ويضيفون من نزل بهم من أهل الإسلام ثلاث ليال، وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعا لكل إنسان لا أدري كم لهم من الودك، وكان لا يضرب الجزية على النساء والصبيان، وكان يختم في أعناق رجال أهل الجزية . قال: وكانت ويبة عمر بن الخطاب كما حدثنا عبد الملك عن الليث بن سعد في ولاية عمرو بن العاص؛ ستة أمداد. حدثنا أسد بن موسى قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب أن عمر قال: جعلت على أهل السواد ضيافة يوم وليلة، فمن حبسه مطر فلينفق من ماله.
قال: وكان عمرو بن العاص لما استوسق له الأمر أقر قبطها على جباية الروم، وكانت جبايتهم بالتعديل إذا عمرت القرية وكثر أهلها زيد عليهم، وإن قل أهلها وخربت نقصوا، فيجتمع عرفاء كل قرية وماروتها ورؤساء أهلها فيتناظرون في العمارة والخراب، حتى إذا أقروا من القسم بالزيادة انصرفوا بتلك القسمة إلى الكور، ثم اجتمعوا هم ورؤساء القرى فوزعوا ذلك على احتمال القرى وسعة المزارع، ثم ترجع كل قرية بقسمهم فيجمعون قسمهم وخراج كل قرية وما فيها من الأرض العامرة فيبذرونها، فيخرجون من الأرض فدادين لكانئسهم وحماماتهم ومعدياتهم من جملة الأرض، ثم يخرج منها عدد الضيافة للمسلمين ونزول السلطان، فإذا فرغوا نظروا إلى ما في كل قرية من الصناع والأجراء فقسموا عليهم بقدر احتمالهم، فإن كانت فيها جالية قسموا عليها بقدر احتمالها، وقل ما كانت تكون إلا الرجل المنتاب أو المتزوج. ثم ينظرون ما بقي من الخراج فيقسمونه بينهم على عدد الأرض، ثم يقسمون ذلك بين من يريد الزرع منهم على قدر طاقتهم، فإن عجز أحد وشكا ضعفا عن زرع أرضه وزعوا ما عجز عنه على الاحتمال، وإن كان منهم من يريد الزيادة أعطي ما عجز عنه أهل الضعف، فإن تشاحوا قسموا ذلك على عدتهم، وكانت قسمتهم على قراريط الدينار أربعة وعشرين قيراطا يقسمون الأرض على ذلك. وكذلك روي عن النبي
صلى الله عليه وسلم
أنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا. وجعل عليهم لكل فدان نصف إردب قمح وويبتين من شعير، إلا القرط فلم يكن عليه ضريبة، والويبة يومئذ ستة أمداد.
وكان عمر بن الخطاب كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن وهب، عن يونس ، عن ابن شهاب؛ يأخذ ممن صالحه من المعاهدين ما سمى على نفسه لا يضع من ذلك شيئا ولا يزيد عليه، ومن نزل منهم على الجزية ولم يسم شيئا يؤديه نظر عمر في أمره، فإذا احتاجوا خفف عنهم، وإن استغنوا زاد عليهم بقدر استغنائهم. قال: وروى حيوة بن شريح: حدثني الحسن بن ثوبان أن هشام بن أبي رقية اللخمي حدثه أن صاحب إخنا قدم على عمرو بن العاص، فقال له: أخبرنا ما على أحدنا من الجزية فيصبر لها؟ فقال عمرو وهو يشير إلى ركن كنيسة: لو أعطيتني من الأرض إلى السقف ما أخبرتك ما عليك، إنما أنتم خزانة لنا، إن كثر علينا كثرنا عليكم، وإن خفف عنا خففنا عنكم. ومن ذهب إلى هذا الحديث ذهب إلى أن مصر فتحت عنوة.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال: قال عمر بن عبد العزيز: أيما ذمي أسلم فإن إسلامه يحرز له نفسه وماله، وما كان من أرض فإنها من فيء الله على المسلمين. حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا الليث بن سعد أن عمر بن عبد العزيز قال: أيما قوم صالحوا على جزية يعطونها، فمن أسلم منهم كان أرضه وداره لبقيتهم. قال الليث: وكتب إلي يحيى بن سعيد أن ما باع القبط في جزيتهم وما يؤخذون به من الحق الذي عليهم من عبد أو وليدة أو بعير أو بقرة أو دابة؛ فإن ذلك جائز عليهم جائز لمن ابتاعه منهم غير مردود إليهم إن أيسروا، وما أكروا من أرضهم فجائز كراؤه إلا أن يكون يضر بالجزية التي عليهم، فلعل الأرض أن ترد عليهم إن أضرت بجزيتهم، وإن كان فضلا بعد الجزية فإنا نرى كراءها جائزا لمن تكاراها منهم. قال يحيى: ونحن نقول الجزية جزيتان؛ فجزية على رءوس الرجال، وجزية جملة تكون على أهل القرية يؤخذ بها أهل القرية، فمن هلك من أهل القرية التي عليهم جزية مسماة على القرية ليست على رءوس الرجال؛ فإنا نرى أن من هلك من أهل القرية ممن لا ولد له ولا وارث أن أرضه ترجع إلى قريته في جملة ما عليهم من الجزية، ومن هلك ممن جزيته على رءوس الرجال ولم يدع وارثا؛ فإن أرضه للمسلمين. قال الليث، وقال عمر بن عبد العزيز: الجزية على الرءوس وليست على الأرضين (يريد أهل الذمة).
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة عن عبد الملك بن جنادة أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى حيان بن سريج أن يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم. قال: وحديث عبد الملك هذا يدل على أن عمر بن عبد العزيز كان يرى أن أرض مصر فتحت عنوة، وأن الجزية إنما هي على القرى، فمن مات من أهل القرى كانت تلك الجزية ثابتة عليهم، وأن موت من مات منهم لا يضع عنهم من الجزية شيئا. قال: ويحتمل أن تكون مصر فتحت بصلح، فذلك الصلح ثابت على من بقي منهم، وأن موت من مات منهم لا يضع عنهم مما صالحوا عليه شيئا. والله أعلم.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب عن محمد بن عمرو، عن ابن جريج أن رجلا أسلم على عهد عمر بن الخطاب، فقال: ضعوا الجزية عن أرضي. فقال عمر: لا، إن أرضك فتحت عنوة. قال عبد الملك وقال مالك بن أنس: ما باع أهل الصلح من أرضهم فهو جائز لهم، وما فتح عنوة فإن ذلك لا يشتري منهم أحد، ولا يجوز لهم بيع شيء مما تحت أيديهم من الأرض؛ لأن أهل الصلح من أسلم منهم كان أحق بأرضه وماله، وأما أهل العنوة الذين أخذوا عنوة، فمن أسلم منهم أحرز إسلامه نفسه وأرضه للمسلمين؛ لأن أهل العنوة غلبوا على بلادهم وصارت فيئا للمسلمين، ولأن أهل الصلح إنما هم قوم امتنعوا ومنعوا بلادهم حتى صالحوا عليها، وليس عليهم إلا ما صالحوا عليه. ولا أرى أن يزاد عليهم ولا يؤخذ منهم إلا ما فرض عمر بن الخطاب؛ لأن عمر خطب الناس فقال: قد فرضت لكم الفرائض وسنت لكم السنن وتركتم على الواضحة. قال: وأما جزية الأرض فلا علم لي ولا أدري كيف صنع فيها عمر، غير أن قد أقر الأرض فلم يقسمها بين الناس الذين افتتحوها، فلو نزل هذا بأحد كنت أرى أن يسأل أهل البلاد أهل المعرفة منهم والأمانة؛ كيف كان الأمر في ذلك، فإن وجد من ذلك علما يشفي وإلا اجتهد في ذلك هو ومن حضره من المسلمين.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا الليث بن سعد أن عمر بن عبد العزيز وضع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة من أهل مصر، وألحق في الديوان صلح من أسلم منهم في عشائر من أسلموا على يديه. قال وقال غير عبد الملك: وكانت تؤخذ قبل ذلك ممن أسلم، وأول من أخذ الجزية ممن أسلم من أهل الذمة كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن لهيعة، عن رزين بن عبد الله المرادي؛ الحجاج بن يوسف. ثم كتب عبد الملك بن مروان إلى عبد العزيز بن مروان أن يضع الجزية على من أسلم من أهل الذمة، فكلمه ابن حجيرة في ذلك، فقال: أعيذك بالله أيها الأمير أن تكون أول من سن ذلك بمصر، فوالله إن أهل الذمة ليتحملون جزية من ترهب منهم، فكيف تضعها على من أسلم منهم، فتركهم عند ذلك.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى حيان بن سريج: أن تضع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة؛ فإن الله تبارك وتعالى قال: )
فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ( ، وقال: )
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ( ، وحدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا الليث بن سعد قال: كان لعبد الله بن سعد موالي نصارى فأعتقهم فكان عليهم الخراج. قال الليث: أدركنا بعضهم وإنهم ليؤدون الخراج.
حدثنا عثمان بن صالح وعبد الله بن صالح قالا: حدثنا الليث بن سعد قال: لما ولي ابن رفاعة مصر خرج ليحصي عدة أهلها، وينظر في تعديل الخراج عليهم، فأقام في ذلك ستة أشهر بالصعيد حتى بلغ أسوان ومعه جماعة من الأعوان والكتاب يكفونه ذلك بجد وتشمير، وثلاثة أشهر بأسفل الأرض، فأحصوا من القرى أكثر من عشرة آلاف قرية، فلم يحص فيها في أصغر قرية منها أقل من خمسمائة جمجمة من الرجال الذين يفرض عليهم الجزية. ا.ه.
وعلى ذلك تنقسم الجزية إلى نوعين: (1)
جزية على رءوس الرجال. (2)
جزية جملة تكون على أهل القرية.
والنوع الأول من هذه الجزية هو الذي جرى به العمل في مصر؛ لانطباقه على معاهدة الصلح التي أبرمت بين عمرو والمقوقس، وتم الاتفاق فيها على أن يفرض على كل رأس ممن تجب عليهم هذه الجزية ديناران (120 قرشا)، وعدد الذين فرضت عليهم الجزية هو ستة ملايين، ولكنهم في الواقع كانوا أكثر من هذا العدد، أي ثمانية ملايين، كما ذكر في الفصل السابق وفي الإحصاء الآنف الذكر الذي عمله ابن رفاعة، وذكر فيه أنه وجد أكثر من عشرة آلاف قرية لا يحتوي أصغرها على أقل من خمسمائة جمجمة من الذين تفرض عليهم الجزية المذكورة.
والمؤلفون إلا قليلا منهم قد اتفقت كلمتهم على الستة الملايين، ويؤيد هذا تعيينهم الجزية باثني عشر ألف ألف دينار؛ أي 7200000ج.م.
وهذه هي المبالغ التي دونوها بهذا الصدد: قال ابن عبد الحكم في كتاب «فتوح مصر» (ص161):
حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد أن عمرا جباها اثني عشر ألف ألف (7200000ج.م). ا.ه.
وقال اليعقوبي في كتاب «البلدان» (ص339):
جباها عمرو في السنة الثانية؛ عشرة آلاف ألف (6000000ج.م). ا.ه.
وقال البلاذري في كتاب «فتوح البلدان» (ص216):
حدثني أبو أيوب الرقي، عن عبد الغفار، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: جبى عمرو خراج مصر وجزيتها ألفي ألف (1200000ج.م). ا.ه.
وقال الكندي في كتاب «فضائل مصر» (ص201):
فلما كان في العام المقبل (الثاني) جباها (أي عمرو) اثني عشر ألف ألف دينار (7200000ج.م). ا.ه.
وقال المسبحي كما جاء في كتاب «بدائع الزهور» لابن إياس ج1 ص25:
جباها عمرو بن العاص فبلغ خراجها اثني عشر ألف ألف دينار (7200000ج.م). ا.ه.
وقال أبو صالح الأرمني في تاريخه «الكنائس» (ص29):
كان المحمول من جهتهم (أي قبط مصر) اثني عشر ألف ألف دينار (7200000ج.م) خارجا عن جزية اليهود بمصر وأعمالها. ا.ه.
وقال ابن وصيف شاه كما جاء في كتاب «نشق الأزهار» لابن إياس ص36:
جبى خراج مصر في الإسلام عمرو بن العاص لما فتحها مكانة (أي عنوة) اثني عشر ألف ألف دينار (7200000ج.م). ا.ه.
وقال المقريزي في خططه ج1 ص79:
قال الليث بن سعد رضي الله عنه: جباها عمرو بن العاص رضي الله عنه اثني عشر ألف ألف دينار (7200000ج.م). ا.ه.
وقال أبو المحاسن في كتابه «النجوم الزاهرة» (ج1 ص49):
وجباها عمرو بن العاص في الإسلام اثني عشر ألف ألف دينار (7200000ج.م). ا.ه.
فيتضح مما سبق ذكره أن مبلغ الاثني عشر مليون دينار (7200000ج.م) هو بلا ريب المبلغ الذي ينبغي تقديره للجزية التي جباها عمرو في السنة الثانية من حكمه.
أما الخراج فقد اختلف المؤرخون في تقديره في عهد هذا الخليفة كما هو مبين في القسم الخاص بذلك، وقد ذكرنا عنه هناك بطريق الاستنتاج ثلاثة مبالغ هي: (1)
بناء على رواية ابن عبد الحكم 816666ج.م. (2)
بناء على رواية اليعقوبي 420000ج.م. (3)
بناء على رواية البلاذري 3300000ج.م.
وبإضافة كل من هذه المبالغ إلى الجزية وهي (7200000ج.م) يكون الحاصل:
على التقدير الأول 8016666ج.م.
وعلى التقدير الثاني 7620000ج.م.
وعلى التقدير الثالث 10500000ج.م.
وعلى هذا تكون إيرادات مصر في عهد هذا الخليفة أحد هذه المبالغ.
خلافة عثمان بن عفان سنة 35ه/665م
هذا الخليفة هو ثالث الخلفاء الراشدين الذين تولوا الخلافة بعد النبي
صلى الله عليه وسلم ، وقد أبقى عمرا على رأس حكومة مصر سنتين، إلا أنه لا يوجد لدينا أي مستند نركن إليه في تقديم بيان عن نتيجة إدارته المالية في أثناء هذه المدة.
وبعد ذلك استبدل عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخاه في الرضاعة بعمرو، فشمر بالطبع كما يفعل كل حاكم جديد عن ساعد الجد، وجبى الجزية أكثر من جباية عمرو لها.
ولقد أثار ذلك بين عمرو والخليفة جدلا رواه لنا ابن عبد الحكم في كتاب «فتوح مصر» (ص161) هذا نصه قال:
قال الليث: وجباها عبد الله بن سعد حين استعمله عليها عثمان أربعة عشر ألف ألف (8400000ج.م)، فقال عثمان لعمرو: يا أبا عبد الله درت اللقحة بأكثر من درها الأول. قال عمرو: أضررتم بولدها. وقال غير الليث: فقال له عمرو: ذلك إن لم يمت الفصيل. ا.ه.
وإليك مبالغ الجزية في عهد هذا الخليفة التي ذكرها مختلفو المؤرخين:
دينار
جنيه مصري
ابن عبد الحكم (فتوح مصر ص161)
14000000
8400000
اليعقوبي (البلدان ص339)
12000000
7200000
البلاذري (فتوح البلدان ص216)
4000000
2400000
الكندي (فضائل مصر ص201)
14000000
2400000
أبو صالح الأرمني (الكنائس ص28)
4000000
2400000
ابن وصيف شاه (نشق الأزهار ص36)
14000000
8400000
ابن إياس (بدائع الزهور ج1 ص26)
14000000
8400000
وقال الكندي كما جاء في كتاب «بدائع الزهور» لابن إياس (ج1 ص26):
كان عبد الله بن أبي سرح أخا الإمام عثمان بن عفان من الرضاع، فلما تولى على مصر رحل عنها عمرو بن العاص وأتى المدينة الشريفة، فلما استقر ابن أبي السرح بمصر جبى خراجها في تلك السنة أربعة عشر ألف ألف دينار (8400000ج.م).
فلما وصل خراج مصر إلى الإمام عثمان بن عفان نظر إلى عمرو بن العاص وقال: لقد درت اللقحة بعدك يا عمرو. فقال له: نعم، ولكن أجاعت أولادها. وأن هذه الزيادة التي أخذها عبد الله بن أبي السرح إنما هي على الجماجم، فإنه أخذ عن كل رأس دينارا خارجا عن الخراج (أي ثلاثة دنانير 180 قرشا) فحصل لأهل مصر بسبب ذلك الضرر الشامل. ا.ه.
فإذا اتخذنا في هذه الحالة الأشخاص البالغ عددهم ستة ملايين نسمة أساسا - وهم الذين كان يجبي منهم عمرو الجزية - كان ينبغي أن تبلغ الجباية ثمانية عشر مليون دينار (10800000ج.م)، فهذا النقص يجب أن يكون منشؤه معافاة الأشخاص الذين اعتنقوا الإسلام حديثا.
وظاهر مما تقدم أن هؤلاء المؤلفين اختلفوا في تعيين المبلغ الذي جباه هذا الوالي من القطر، ومع أن أكثرهم ذكر أنه أربعة عشر مليون دينار (8400000ج.م) فلدينا برهان آخر على أن المبلغ الذي جباه عبد الله بن أبي سرح كان أكثر مما جباه سلفه، وأنه ينبغي أن يكون أربعة عشر مليون دينار (8400000ج.م)، وهذا البرهان هو ما دار من الحوار بين عثمان وعمرو وأتينا على ذكره آنفا.
ولم نعثر على مبالغ أخرى جبيت في ذلك العهد، وعلى هذا فنحن مضطرون أن نعتبره المبلغ المكون لإيرادات مصر في عهد هذا الخليفة.
خلافة معاوية بن أبي سفيان سنة 60ه/680م
هذا الخليفة هو أول خلفاء بني أمية في دمشق، ولما ارتقى عرش الخلافة سنة 41ه/661م كان عمرو عاملا على مصر ثاني مرة، فبقي فيها إلى أن توفي في سنة 43ه/663م، وتعاقب عليها بعده ثلاثة ولاة في عهد هذا الخليفة، هم: عتبة بن أبي سفيان، وعقبة بن عامر، ومسلمة بن مخلد.
ولم نجد من بين المؤرخين من ذكر قيمة الإيرادات في عهد هذا الخليفة، إلا اثنين هما: (1)
ياقوت في «معجم البلدان» (ج5) عند الكلام على مصر قال:
لما وليها (أي عمرو) في أيام معاوية، جباها تسعة آلاف ألف دينار (5400000ج.م). ا.ه. (2)
اليعقوبي في كتاب «البلدان» (ص339) قال:
ثم أسلم رجالها، فبلغ خراج الأرض في أيام معاوية مع جزية رءوس الرجال خمسة آلاف ألف دينار (3000000ج.م). ا.ه.
خلافة سليمان بن عبد الملك سنة 99ه/717م
هذا الخليفة هو سابع خلفاء بني أمية بدمشق، وكان عامله في مصر عبد الملك بن رفاعة، وقد زادت في عهده الإيرادات، ويرجع سبب هذه الزيادة إلى عامل الخراج أسامة بن زيد، وهو رجل جشع غليظ القلب؛ ولذا كرهه الناس كرها شديدا، وهذا العامل هو الذي أقام في عهد هذا الخليفة بناء مقياس النيل الذي بالروضة الآن.
أما الإيراد فقد تكلم عنه مؤلفان: (1)
ابن وصيف شاه كما جاء في كتاب «نشق الأزهار» لابن إياس ص37 قال:
جباها أسامة بن زيد عامل مصر في خلافة سليمان بن عبد الملك بن مروان الأموي، اثني عشر ألف ألف دينار (7200000ج.م). ا.ه. (2)
المقريزي في خططه ج1 ص99 قال:
يقال: إن أسامة بن زيد جباها في خلافة سليمان بن عبد الملك مبلغ اثني عشر ألف ألف دينار (7200000ج.م). ا.ه.
وإذن يكون مبلغ 12000000 دينار (7200000ج.م) هو إيراد مصر في عهد هذا الخليفة.
خلافة هارون الرشيد سنة 193ه/809م
هذا الخليفة هو خامس الخلفاء العباسيين ببغداد، وفي عصره هبطت إيرادات مصر مرة أخرى.
قال اليعقوبي في كتاب «البلدان» (ص339):
ثم أسلم رجالها، فبلغ خراج الأرض مع جزية رءوس الرجال في أيام هارون الرشيد أربعة آلاف ألف دينار (2400000ج.م). ا.ه.
وهذا المبلغ يكون إيراد مصر في عهد هذا الخليفة من الجزية والخراج معا.
حكومة أحمد بن طولون سنة 270ه/884م
عين أحمد بن طولون في أول الأمر حاكما على مصر من قبل الخليفة العباسي ببغداد، إلا أنه لما وجد الفرصة لم يتأخر عن انتهازها فانفصل عن الخلافة، ولما أصبح مستقلا امتنع عن إرسال المبالغ التي كان يرسلها العمال إلى بغداد.
ويظهر أنه تولى حكم مصر وهي في حالة فقر مدقع، إلا أن إدارته الرشيدة وأعماله السديدة أعادت إليها اليسار والرخاء.
قال أبو صالح الأرمني في تاريخه «الكنائس» ص30:
بلغ خراج مصر في أيام بني العباس على يد أحمد بن طولون خمسة آلاف ألف دينار (3000000ج.م). ا.ه.
حكومة خمارويه سنة 282ه/895م
إن هذا الأمير هو ابن أحمد بن طولون السابق الذكر، قال الكندي في كتاب «فضائل مصر» (ص201):
بالغ بنو طولون في عمارة مصر، فجباها أبو الجيش (وهذه كنية خمارويه) أربعة آلاف ألف دينار (2400000ج.م). ا.ه.
وقال ابن وصيف شاه كما جاء في كتاب «نشق الأزهار» لابن إياس ص37:
وجباها ابنه خمارويه ألف ألف دينار (600000ج.م). ا.ه.
ولو اعتبرنا هذا المبلغ لكان نقص الإيراد في هذه المدة القصيرة كبيرا جدا، فمن رأينا أنه لا يدل على جملة الإيرادات، بل على ما تبقى منها بعد المصروفات، ويؤيدنا في هذا الرأي ما ذكره الكندي آنفا. وقول المقريزي هذا: قال المقريزي في خططه ج1 ص99:
وجباها ابنه الأمير أبو الجيش خمارويه بن أحمد أربعة آلاف ألف دينار (2400000ج.م) مع رخاء الأسعار أيامئذ، فإنه ربما بيع في الأيام الطولونية القمح كل عشرة أرادب بدينار (60 قرشا). ا.ه.
وبناء على ما تقدم يجب تقدير إيراد هذا العصر بأربعة ملايين دينار (2400000ج.م).
حكومة الإخشيد محمد بن طغج سنة 334ه/946م
هذا الأمير هو رأس الأسرة الإخشيدية.
قال ابن وصيف شاه كما جاء في كتاب «نشق الأزهار» لابن إياس ص37:
بلغ خراج مصر في أيام الأمير محمد بن طغج الإخشيدي ألف ألف دينار (600000ج.م). ا.ه.
وهذا المبلغ يجب اعتباره كما اعتبرناه في حكم خمارويه زيادة الإيرادات على المصروفات، ويؤيد هذا - كما سيظهر ذلك في القسم الخاص بالخراج - ما ذكره المقريزي في خططه ج1 ص99 عن الخراج وحده دون سائر وجوه الإيرادات الأخرى في عهد هذا الحاكم ، حيث قال:
بلغ خراج مصر في أيام الأمير أبي بكر محمد بن طغج الإخشيد ألفي ألف دينار (1200000ج.م) سوى ضياعه التي كانت ملكا له. ا.ه.
حكومة كافور الإخشيدي سنة 357ه/968م
هذا الأمير هو رابع أمراء الأسرة الإخشيدية.
قال أبو صالح الأرمني في تاريخه «الكنائس» ص30 وما يليها:
اشتمل ارتفاع مصر وما معها وجميع نفقاتها لسنة في مملكة كافور الأستاذ الإخشيدي بتقدير فكان ثلاثة آلاف ألف ومائتي ألف، وينيف سبعين ألف دينار (1962000ج.م)، وكان الزائد في النفقات عن الارتفاع مائتي ألف دينار (120000ج.م). ا.ه.
وقال المقريزي في خططه ج1 ص99:
بلغت الرواتب في أيام كافور الإخشيدي خمسمائة ألف دينار (300000ج.م) في السنة لأرباب النعم والمستورين وأجناس الناس، ليس فيهم أحد من الجيش، ولا من الحاشية، ولا من المتصرفين في الأعمال. فحسن له علي بن صالح الروذبادي الكاتب أن يوفر من مال الرواتب شيئا ينتقصه من أرزاق الناس، فساعة جلس يعمل حكه جبينه فحكه بقلمه، والحكاك يزيد به إلى أن قطع العمل وقام لما به، فعولج حينئذ بالحديد حتى مات في رمضان سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، وهذه موعظة من الله لمن توسط للناس بالسوء.
قال تعالى: )
ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ( .
ولما مات كافور نزلت محن شديدة كثيرة بمصر من الغلاء والفناء والفتن، فاتضع خراجها إلى أن قدم جوهر القائد من بلاد المغرب بعساكر مولاه المعز لدين الله أبي تميم معد. ا.ه.
خلافة المعز لدين الله سنة 365ه/975م
إن هذا الخليفة هو أول الخلفاء الفاطميين الذين أتوا من بلاد المغرب وفتحوا مصر.
قال المقريزي في خططه ج1 ص99:
جبى جوهر القائد الخراج لسنة ثمان
4
وخمسين وثلاثمائة (969م) ثلاثة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار ونيفا (2040000ج.م). ا.ه.
وقال أبو صالح الأرمني في تاريخه «الكنائس» ص30:
بلغ خراج مصر على يد يعقوب بن يوسف (وهو يعقوب بن يوسف بن كلس الذي كان وزيرا لهذا الخليفة بعد سنة 362ه/972م)، أربعة آلاف ألف (2400000ج.م). ا.ه.
خلافة العزيز بالله سنة 386ه/996م
هذا الخليفة هو ابن الخليفة السابق، وثاني الخلفاء الفاطميين الذين حكموا مصر.
قال أبو صالح الأرمني في تاريخه «الكنائس» ص30:
انتهى خراج مصر على يد يعقوب بن يوسف (هو يعقوب بن يوسف بن كلس الذي بقي وزيرا لهذا الخليفة) إلى ثلاثة آلاف ألف دينار (1800000ج.م). ا.ه.
خلافة الحاكم بأمر الله سنة 411ه/1021م
هذا الخليفة تولى الحكم بعد الخليفة السابق، وهو ثالث الخلفاء الفاطميين بمصر.
قال ابن وصيف شاه كما جاء في كتاب «نشق الأزهار» لابن إياس ص37 و38:
وجباها في أيام الحاكم بأمر الله ثلاثة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار (2040000ج.م). ا.ه.
خلافة المستنصر بالله سنة 487ه/1094م
هذا الخليفة هو خامس الخلفاء الفاطميين، تولى حكم مصر مدة ستين سنة قمرية، وقد جاء عن الإيراد في عهده أقوال مختلفة ها هي: قال المقريزي في خططه ج1 ص99 و100:
أمر الوزير الناصر للدين أبو الحسين عبد الرحمن اليازوري وزير مصر في خلافة المستنصر بالله بن الظاهر (من سنة 441ه إلى 453ه/1050م إلى 1061م) أن يعمل قدر ارتفاع الدولة وما عليها من النفقات، فعمل أرباب كل ديوان ارتفاعه وما عليه، وسلم الجميع لمتولي ديوان المجلس وهو زمام الدواوين، فنظم عليه عملا جامعا وأتاه به، فوجد ارتفاع الدولة ألفي ألف دينار (1200000ج.م)، منها الشام ألف ألف دينار (600000ج.م) ونفقاته بإزاء ارتفاعه، والريف وباقي الدولة ألف ألف دينار. ا.ه.
ومن المعقول أن يكون المبلغ الثاني المذكور هنا عن مصر هو زيادة الإيرادات على المصروفات.
وقال القاضي أبو الحسن المخزومي في كتاب «المنهاج في علم الخراج»، كما جاء في خطط المقريزي ج1 ص100 ما ملخصه:
وقفت على مقايسة عملت لأمير الجيوش بدر الجمالي حين قدم مصر في أيام الخليفة المستنصر، وغلب على أمرها، وقهر من كان بها من المفسدين؛ شرح فيها أن الذي استقرت عليه جملة ما كان يتأدى من الخراج في سنة ست وستين وأربعمائة الهلالية (1074م) قبل نظر أمير الجيوش، كان ألفي ألف وثمانمائة ألف دينار (1680000ج.م)، وأن الذي استقرت عليه الجملة عينا لسنة ثلاث وثمانين وأربعمائة الهلالية (1090م) ثلاثة آلاف ألف ومائة ألف دينار (1860000ج.م). ا.ه.
خلافة المستعلي بالله سنة 495ه/1101م
هذا الخليفة هو ابن الخليفة السابق، وقد تولى الخلافة بعده، وهو سادس الخلفاء الفاطميين بمصر.
قال ابن ميسر في كتاب «أخبار مصر» (ج2 ص59):
أمر الأفضل (وكان وزيرا لهذا الخليفة) بعمل تقدير ارتفاع ديار مصر، فعمل ذلك وجاء خمسة آلاف ألف دينار (3000000ج.م)، وكان متحصل الأهراء ألف ألف إردب. ا.ه.
فإذا فرضنا أن هذه الكمية من الأرادب كانت تحتوي على 500000 إردب قمح، ثمنها باعتبار الإردب 35 قرشا 175000ج.م وتحتوي على 500000 إردب شعير، ثمنها باعتبار الإردب 25 قرشا 125000ج.م كانت جملة ثمنها 300000ج.م وبإضافته إلى ما تساويه خمسة آلاف ألف الدينار من الجنيهات يكون الحاصل 3300000ج.م وهو قيمة الإيراد في عهد هذا الخليفة.
خلافة الحافظ لدين الله سنة 544ه/1149م
هذا الخليفة هو ثامن الخلفاء الفاطميين بمصر.
قال المقريزي في خططه ج1 ص100:
ثم تقاصرت (أي جباية مصر) إلى أن جباها القاضي الموفق أبو الكرم بن معصوم العاصمي التنيسي عينا خالصا إلى بيت المال بعد المؤن والكلف؛ ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار (720000ج.م) إلى آخر سنة أربعين وخمسمائة (1145م)، ثم بعده لم يجبها هذه الجباية أحد حتى انقرضت الدولة الفاطمية. ا.ه.
حكومة صلاح الدين الأيوبي سنة 589ه/1193م
هذا السلطان هو مؤسس الأسرة الأيوبية.
قال القاضي الفاضل كما جاء في خطط المقريزي ج1 ص87:
في متجددات سنة خمس وثمانين وخمسمائة أوراق بما استقر عليه عبر البلاد من إسكندرية إلى عيذاب، إلى آخر الرابع والعشرين من شعبان سنة خمس وثمانين وخمسمائة (7 أكتوبر سنة 1189م)، خارجا عن الثغور وأبواب الأموال الديوانية، والأحكار والحبس، ومنفلوط ومنقباط وعدة نواح أوردت أسماءها، ولم يعين لها في الديوان عبرة من جملة أربعة آلاف ألف وستمائة ألف وثلاثة وخمسين ألفا وتسعة عشر دينارا (2791811ج.م). ا.ه.
وأما إيرادات الثغور في عهده فكانت:
الثغر
إيراده بالدينار
إيراده بالجنيه المصري
ضواحي ثغر الإسكندرية
800138
480083
رشيد
2000
1200
أسوان
25000
15000
المجموع
827138
496283
وبإضافة هذا إلى المبلغ الآنف الذكر، يكون الحاصل 5480157 دينارا (3288094ج.م).
وهذه القيمة وإن كانت لا تدل على إيرادات مصر كلها إلا أننا نعتبرها جديرة بالذكر؛ لأنها تكون الجزء الأكبر من تلك الإيرادات حقا.
حكومة الظاهر بيبرس البندقداري سنة 676ه/1277م
إن هذا الملك هو سادس ملوك الأسرة المعروفة بالمماليك البحرية، وقد زادت في عهده إيرادات مصر زيادة ظاهرة، ويرجع السبب في ذلك إلى ارتفاع الخراج في عهده ارتفاعا كبيرا، كما سيتضح ذلك عند مراجعة القسم الخاص به؛ إذ منه يتبين أن الخراج وحده بلغ 10816584 دينارا (6489950ج.م).
ولم يرو شيئا عن هذا الملك إلا ابن إياس؛ إذ قال في كتابه «بدائع الزهور» (ج3 ص266):
جبي خراج مصر في أيام الملك الظاهر بيبرس البندقداري، فكان اثني عشر ألف ألف دينار (7200000ج.م). ا.ه.
وإليك ملخصا بما سبق ذكره من الإيرادات في هذا العصر:
الخليفة أو الحاكم
الإيرادات بالدنانير
الإيرادات بالجنيهات المصرية
خلافة عمر بن الخطاب
13361110
8016666
خلافة عمر بن الخطاب
12700000
7620000
خلافة عمر بن الخطاب
17500000
10500000
خلافة عثمان بن عفان
14000000
8400000
خلافة معاوية بن أبي سفيان
9000000
5400000
خلافة معاوية بن أبي سفيان
5000000
3000000
خلافة سليمان بن عبد الملك
12000000
7200000
خلافة هارون الرشيد
4000000
2400000
حكومة أحمد بن طولون
5000000
3000000
حكومة خمارويه
4000000
2400000
حكومة كافور الإخشيدي
3270000
1962000
خلافة المعز لدين الله
3400000
2040000
خلافة المعز لدين الله
4000000
2400000
خلافة العزيز بالله
3000000
1800000
خلافة الحاكم بأمر الله
3400000
2040000
خلافة المستنصر بالله
2800000
1680000
خلافة المستنصر بالله
3100000
1860000
خلافة المستعلي بالله
5500000
3300000
حكومة صلاح الدين الأيوبي
5480157
3288094
حكومة الظاهر بيبرس
12000000
7200000
وأما زيادة الإيرادات على المصروفات فهي:
الخليفة أو الحاكم
الزيادة بالدنانير
الزيادة بالجنيهات المصرية
حكومة خمارويه
1000000
600000
حكومة الإخشيد محمد
1000000
600000
حكومة كافور الأخشيدي
200000
120000
خلافة المستنصر بالله
1000000
600000
خلافة الحافظ لدين الله
1200000
720000
المعاريض الكلم المبهم. ولعل كلمة تغتالها محرفة عن تفتاتها، أي: تأتيني بمبهمات تبتدعها.
كلمة يونانية يراد منها الضريبة التي توضع على القرية جملة، ويقسمها سكانها على أنفسهم .
هذه الكلمة كالكلمتين اللتين قبلها يونانية ومؤداها الجزية.
الصواب سنة تسع وخمسين وثلاثمائة (970م)؛ لأن فتح مصر على يد جوهر كان في 17 شعبان سنة 358ه، أي في أواخر هذه السنة (6 يوليو سنة 969م)، وقد دخلها وهي في غاية الاضمحلال، فلا يعقل أن يجبيها هذه الجباية في السنة المذكورة، وسيأتي لذلك مزيد إيضاح في قسم الخراج.
الفصل السادس
عصر العثمانيين
من سنة 923ه/1517م إلى 1213ه/1798م
إننا نرى أنفسنا مضطرين بعد أن أتينا على ذكر سلسلة الخلفاء الفاطميين وحكومتي صلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس؛ أن نتخطى قرونا كثيرة ونهبط إلى عصر العثمانيين، وما ذلك إلا لأن التاريخ مع الأسف سكت في هذه الفترة كلها، ولم يأت بشيء في الموضع الذي نعالجه الآن، على أننا سنهبط مرة أخرى في هذا العصر حتى نجد ما يخص موضوعنا.
قال البكري في كتابه «الكواكب السائرة» (ص229 و230):
سألت بعض كتبة الديوان وغيره عن مبلغ خراج مصر في سنة خمس وثلاثين وألف (1626م)، فقال: ثماني عشرة كرة - مائة ألف - (1800000 دينار/1080000ج.م) منها يجهز للأبواب العثمانية بالديار الرومية ستمائة ألف دينار (360000ج.م)، والباقي يصرف للحرمين الشريفين والصناجق بها والعساكر بها. فهذا خلاف ما يأتي للبكلربكي بها من الخدم والتقادم من خيل وجمال وبغال وأقمشة وسكر، فنسأل الله تعالى أن يجعلها دار إسلام ليوم القيامة آمين. ا.ه.
وقال إستيف
Estève
في مقدمة مذكرته عن مالية مصر (كتاب وصف مصر ج1 ص299):
شرع السلطان سليم الأول في وضع خطة خاصة لإدارة مصر وحكومتها، غير أن المنية عاجلته بعد فتحها بزمن يسير، فحال ذلك دون إتمام هذا العمل الهام، إلا أن ابنه سليمان الذي تولى الخلافة بعده أتم ما شرع فيه. وفي عهد هذا السلطان تم وضع القوانين واللوائح النظامية لمصر، ولكن الانتصارات والفتوحات التي كانت لأبيه فيها، وهي عادة تسترعي أنظار الشعوب أكثر من أن تسترعيها النظم الإدارية التي لها التأثير الأكبر في أحوال معيشتهم؛ جعلت المصريين الآن لا يذكرون إلا السلطان سليما، أما السلطان سليمان الواضع الحقيقي للقوانين التي يسيرون عليها فقلما يأتي ذكره على ألسنتهم. ا.ه.
وبعد هذه المقدمة بين إستيف مختلف أبواب الإيرادات تبيينا واضحا، وإننا نجمل لك أرقامها فيما يلي:
أنواع الإيرادات
قيمتها بالفرنكات
قيمتها بالجنيهات المصرية
الخراج نقدا وعينا
27296192
1052951
الأوقاف
15597
602
ضريبة على المشحونات
383448
14792
الجمارك
3296626
127168
رسوم جمركية أخرى
6824
263
رسوم متنوعة
99421
3835
ضرائب الالتزام
12495
482
الجزية
88503
3414
الجملة
31199106
1203507
ومع أن إستيف لم يذكر السنة التي جبيت فيها هذه الإيرادات، فمن رأينا أنها جبيت في السنوات القريبة من الاحتلال الفرنسي.
وقال جيبون
Gibbons (تاريخ الإمبراطورية الرومانية ج6 ص71): إن قيمة الإيرادات التي كان يجبيها سلطان تركيا من مصر في القرن الماضي بلغت 2400000 قطعة من الذهب، ونحن نرجح أن هذه القطع كانت دنانير، وهي تساوي 1440000ج.م.
وبما أن هذا المؤرخ كان يكتب في القرن التاسع عشر، فيكون القرن الذي نوه عنه هو الثامن عشر الذي كان إستيف يكتب فيه.
وبناء على ما ذكر يكون لدينا عن إيرادات هذا العصر ثلاثة مبالغ هي:
في أوائل القرن السابع عشر:
البكري
1800000 دينار
1080000 جنيه مصري
في القرن الثامن عشر:
إستيف
31199106 فرنكات
1203507 جنيهات مصرية
جيبون
2400000 دينار
1440000 جنيه مصري
الفصل السابع
عصر الفرنسيين
من سنة 1213ه/1798م إلى 1216ه/1801م
وصلت الحملة الفرنسية إلى مصر، وكانت ماليتها أحط ما كانت في أي عصر من تاريخها، ولم يحدث في غضون المدة القصيرة التي قضتها الحملة بها أي تقدم مالي، بل زاد الحالة سوءا ما قوبلت به من المناوأة المستمرة من أعدائها. وإليك ما جاء في التاريخ العلمي والحربي للحملة الفرنسية في مصر ج4 ص92:
شرع بونابارت يعمل بما يوحيه إليه حبه للتجديد والإصلاح، وقد كانت القوانين التي سنها الأتراك في مصر غير ملائمة ولا محكمة، حتى إن معظم الناس كانوا يفلتون من دفع الضرائب العمومية، والمماليك الذين اعتادوا إذلال الشعب وإرهاقه ما كان يضيرهم هذا الإخلال بالنظام. أما بونابارت وهو كما كان غازيا كان مشرعا، فقد عني بوضع هذا النظام؛ لأنه لا يمكنه أن يكون كأولئك الهمج القساة، فعزم أن يطبق على مصر بمعاونة مسيو بوسيلج
المدير العام للمالية بعض قوانين حكومة فرنسا المالية، وأول مجهود بذله في هذا السبيل إنشاء مصلحة للأملاك الأميرية والتسجيل، كان من أعضائها مسيو طليان
Tallien
العضو بالجمعية الوطنية الفرنسية سابقا، وباليانو
، ومجلون
Magallon ، وملطي، ومصطفى أفندي. وقد توافرت في هذه المصلحة كفاءة الفرنسيين والمصريين معا، وهي التي أعدت الخطط التي جبيت على مقتضاها الضرائب الجديدة التي سميت بوسوم التسجيل، وإن كانت في الحقيقة والواقع ضرائب على العقار.
وقضت أوامر بونابارت بألا يكون عقد أي عقار معتمدا صحيحا إلا إذا أجري تسجيله ودفعت عنه الرسوم المقررة، وأن العقارات التي يمضي عليها زمن معين ولم تسجل تصبح من أملاك الحكومة.
وقد أصدر قوانين أخرى بضرائب مماثلة لرسوم التسجيل فرضها على الوصايا والهبات بين الأحياء، وعلى المبادلات وعقود البيع ونقل الملكية وبيع الأملاك المشاعة بطريق المزايدة عليها، وعلى المحاضر وحقوق الاستثمار وعقود الإيجارات وعقود الزواج وعقود الضمان وعقود التوكيلات، وأجوزة السفر والتسجيل الشرعي والاتفاقات التجارية والإعلان بالأحكام ... إلخ.
وبواسطة هذه السلسلة الطويلة من الضرائب لم يبق شيء في مصر إلا ووقع تحت طائلتها اللهم إلا النزر اليسير. وكانت الرغبة في فرض الضرائب هي الروح المسيطر في هذه القوانين التي يلوح أنها كانت النواة لوضع قواعد واسعة المدى اتخذت فيما بعد أساسا للقوانين الإمبراطورية. ولقد فرض على أهالي مصر جميعهم دفع هذه الضرائب، لكنها كانت تنقص نقصا نسبيا في المدن التي تقل أهمية عن غيرها. ا.ه.
وهذه النظامات التي وضعت لتنمية الإيرادات قوبلت من الشعب بأشد الكراهة، ووقعت عنده وقعا سيئا، وهذا هو الحال دواما في كل شيء يدخله فاتح أجنبي في بلد مغلوب على أمره مهما يكن فيه من الفوائد. ولاشتغال الفرنسيين بتدعيم مركزهم في مصر وقصر المدة التي أقاموها بها، لم يتمكنوا من تنفيذ كثير من هذه النظامات المالية، حتى إن الذي نفذوه منها لم ينفذ بطريقة جدية.
وإليك ما وصل إلينا من الروايات بشأن الإيرادات الاعتيادية التي جباها الفرنسيون من القطر المصري: نقل جومار
jomard
عن إستيف (لمحة منصف ص6) أن إيرادات مصر في سنة 1799م كانت كالآتي:
نوع الإيرادات
قيمتها بالفرنكات
قيمتها بالجنيهات المصرية
الخراج نقدا وعينا
22543399
869613
رسوم تسجيل
2005306
77378
أملاك أميرية
496297
19113
رسوم الجمارك
1685838
65034
رسوم إيجار الأراضي
3256750
125629
عوائد مدفوعة من مشايخ البلاد
2280357
87965
ضرائب على أصحاب الحرف والصنائع
533794
20591
مسكوكات
2684939
103572
رسوم دمغة الذهب والفضة
16171
624
الجملة
35502851
1369519
وذكر رينيه
Reynier (مصر بعد واقعة هليوبوليس ص134) إيرادات مصر في سنة 1800م بوجه التقريب، وهي آخر سنة تولى فيها الإدارة القائد مينو
Menou ، وكان مراد بك في ذاك الوقت يحتل القسم الأكبر من الوجه القبلي، فامتنع بسبب ذلك تحصيل ضرائب منه، وهبطت من جهة أخرى إيرادات الجمارك بسبب الحصار الذي كان مضروبا على القطر.
وها هي مبالغ الإيرادت التي ذكرها:
نوع الإيرادات
قيمتها بالفرنكات
قيمتها بالجنيهات المصرية
الضرائب العقارية
12000000
462900
ضرائب غير مقررة
3000000
115725
ضرائب على أرباب الحرف والصنائع
2000000
77150
مسكوكات
500000
19287
رسوم جمارك
1000000
38575
أملاك أميرية
1500000
57863
ضرائب الملاك وجزية مراد بك
1000000
38575
الجملة
21000000
810075
وعدا هذه المبالغ جبى الفرنسيون من مصر غرامات حربية كان مبلغها جسيما.
الفصل الثامن
الأسرة المحمدية العلوية
من سنة 1220ه/1805م إلى 1342ه/1923م
الوالي محمد علي سنة 1264ه/1848م
إن أسرتنا هذه هي التي كان لها شرف افتتاح عصر تقدم وطننا العزيز، والفضل في ذلك يرجع إلى إرشادات مؤسسها الأعظم محمد علي، والتاريخ المذكور هنا هو تاريخ آخر سني حكمه؛ لأنه لما بدت عليه أمارات تدل على ضعف قواه العقلية خلفه ابنه البكري إبراهيم، وبقي هو مريضا إلى أن توفي في السنة التالية، وإليك ما عثرنا عليه من إيرادات مصر في عهد هذا الوالي:
ذكر مانجان
Mengin
في كتابه «مختصر تاريخ مصر» (ج2 ص384) بيان إيرادات مصر في سنة 1821م مقدرة بالأكياس، وقد حولنا قيمتها إلى جنيهات مصرية باعتبار أن الكيس يساوي خمسة جنيهات، وها هي:
نوع الإيرادات
قيمتها بالجنيهات المصرية
الضريبة العقارية
661540
أرباح الغلال
105000
أرباح الحرير والتيل
105000
أرباح بيع الجلود
40000
أرباح بيع الحصير
6000
أرباح الأرز
68570
أرباح النطرون
3000
أرباح الصودا
4500
أرباح الملح
1400
أرباح الخيوط الذهبية
2250
رسوم الجمارك
77890
المسكوكات
17500
عوائد الملح والسوائل
25000
عوائد الذبح
1850
عوائد سبك الفضة
3750
عوائد السنامكي
600
عوائد السوائل
1750
إيراد الصيد ببحيرة المنزلة
4000
عوائد بيع الأسماك بالقاهرة
750
عوائد بيع المواشي
250
عوائد المحترفين بالملاهي
1500
عوائد التركات
2000
عوائد البيوت المالية
5000
عوائد القيساريات والأسواق
3000
الجزية
4000
عوائد النخيل
50000
عوائد الحبوب عند دخولها القاهرة
3600
الجملة
1199700
وزاد مانجان أنه كانت توجد أبواب أخرى للإيرادات، مثل احتكار سن الفيل واللبان ... إلخ.
وذكر كلوت بك في كتابه «نظرة عامة حول مصر» (ج2 ص208 و209) بيان إيرادات مصر في سنة 1833م مقدرة بالفرنكات، وها هو بيانها بعد تحويل قيمتها إلى جنيهات مصرية:
نوع الإيرادات
قيمتها بالجنيهات المصرية
الضريبة العقارية
1084922
ضريبة الأنفس
337531
الجزية
3086
عوائد التركات
5786
عوائد المواشي
9644
عوائد القيساريات والأسواق
1852
عوائد المحترفين بالملاهي
2314
عوائد سبك الفضة
2170
عوائد النخيل
19287
عوائد الصيد ببحيرة المنزلة
9644
عوائد الملح
16896
عوائد الحبوب
173587
رسوم الجمارك
118445
عوائد السوائل
13347
عوائد السنامكي
1254
عوائد صيد الأسماك ببحيرة قارون
2797
أرباح الغلال
462900
أرباح المسكوكات
14466
أرباح الأقمشة
57862
أرباح الحرائر
46290
أرباح الجلود المدبوغة
33753
أرباح الحصير
3857
الجملة
2421690
وجاء بالصفحة 740 من تقويم غوطا
Gotha
عن سنة 1857م أن إيرادات مصر في سنة 1847م بلغت 790000 كيس (3950000ج.م)، ولم يذكر في هذا التقويم مفردات هذه الإيرادات.
وبناء على ما تقدم يكون لدينا إيرادات ثلاث سنوات في ولاية محمد علي، وهي:
السنة
إيرادها بالجنيهات المصرية
1821م
1199700
1833م
2421690
1847م
3950000
الواليان إبراهيم وعباس الأول سنة 1270ه/1854م
إن ولاية إبراهيم لم تدم إلا ثلاثة أشهر؛ فلا يمكن أن يعين لها إيراد.
وأما ولاية عباس الأول فقد عثرنا في ص16 من كتاب «الأطيان والضرائب» لجرجس بك حنين على بيان إيرادات للقطر غير مفصلة من سنة 1852 إلى 1879م، ذكر من بينها إيرادات السنتين الأخيرتين فقط من حكم هذا الوالي؛ وها هي:
السنة
إيرادها بالجنيهات المصرية
1852م
2143000
1853م
2192000
وحيث إن بيان مصلحة الإحصاء لم يذكر إيرادات مصر إلا ابتداء من سنة 1880م؛ فقد أخذنا عن بيان جرجس حنين بك أيضا إيرادات مصر في عهدي سعيد وإسماعيل.
الوالي سعيد سنة 1279ه/1863م
ابتدأ العمل بحفر قناة السويس في عهد هذا الوالي، وكانت الإيرادات في سني حكمه كالآتي:
السنة
إيرادها بالجنيهات المصرية
1854م
2200000
1855م
2078000
1856م
2474000
1857م
2214000
1858م
2025000
1859م
2121000
1860م
2154000
1861م
2154000
1862م
3707000
الخديوي إسماعيل سنة 1296ه/1879م
التاريخ المذكور هنا هو تاريخ تنازله عن الخديوية المصرية، وقد انتهى حفر قناة السويس في أيام حكمه. أما الإيرادات فكانت كالآتي :
السنة
إيرادها بالجنيهات المصرية
1863م
6094000
1864م
6972000
1865م
5356000
1866م
5058000
1867م
4129000
1868م
5011000
1869م
5255000
1870م
5389000
1871م
5711000
1872م
7293745
1873م
9911968
1874م
9911968
1875م
10542468
1876م
7648778
1877م
9526242
1878م
7518478
1879م
8467838
الخديوي توفيق سنة 1309ه/1892م
إن السنة التي بلغت فيها إيرادت مصر في عهده مبلغا كبيرا هي سنة 1891م، التي كانت آخر سني حكمه. وها هو بيان إيراداتها:
نوع الإيرادت
قيمتها بالجنيهات المصرية
ضرائب الأراضي (الأموال المقررة)
4993979
عوائد النخيل
104149
عوائد الأملاك
126556
أموال مقررة أخرى
39443
رسوم الجمارك
1637529
عوائد الملح
247713
إيرادات الدخولية
219844
رسوم الإعفاء من الخدمة العسكرية
90084
رسوم القضايا والتسجيل
394020
رسوم الدمغة
45867
رسم صيد الأسماك
90412
عوائد الملاحة في النيل
74331
رسوم مصلحة المواني والمنائر
252981
رسوم متنوعة
49466
إيرادات مصالح السكة الحديد والبريد والتلغراف
1778081
إيرادات بواخر البوستة الخديوية
127358
إيرادات متنوعة من بيع الأملاك الأميرية وتأجيرها واستثمار النقود ... إلخ
267647
الجملة
10539460
الخديوي عباس الثاني سنة 1332ه/1914م
هذا التاريخ هو آخر سني حكمه، وقد بلغت الإيرادات في عهده في سنة 1912م مبلغا عظيما. وها هو بيانها:
نوع الإيرادات
قيمتها بالجنيهات المصرية
ضرائب الأراضي (الأموال المقررة)
5126108
عوائد النخيل
137078
عوائد الأملاك
346413
إيرادات الجمارك
3833757
رسوم القضايا والتسجيل
1745011
رسوم الموانئ والمنائر
436320
رسوم المصائد
41274
رسوم الملاحة في النيل
4401
رسوم الدمغة
49222
ضرائب متنوعة
47482
إيرادات سكك الحديد والبريد والتلغراف
4412130
إيرادات متنوعة من بيع الأملاك الأميرية وتأجيرها واستثمار النقود ... إلخ
1336547
الجملة
17515743
السلطان حسين كامل سنة 1334ه/1916م
بلغت الإيرادات مبلغا عظيما في آخر سني حكم هذا السلطان وهي سنة 1916م، فكانت كالآتي:
نوع الإيرادات
قيمتها بالجنيهات المصرية
ضرائب الأراضي
5091732
عوائد النخيل
132795
عوائد الأملاك
350811
إيرادات الجمارك
4840163
عوائد الموانئ والمنائر
115077
رسوم القضايا والتسجيل
1376565
رسوم البدل العسكري
104780
عوائد المصائد
35377
عوائد الملاحة في النيل
6867
رسوم الدمغة
67334
رسوم متنوعة
47922
إيرادات سكك الحديد والتلغراف
4924933
إيرادات متنوعة من بيع الأملاك الأميرية وتأجيرها واستثمار النقود ... إلخ
2832918
الجملة
19927274
الملك فؤاد الأول سنة 1349ه/1931م
إن السنة التي بلغت فيها إيرادات مصر مبلغا عظيما منذ اعتلى عرشها حضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول إلى الآن هي سنة 1920م. وها هو بيان الإيرادات فيها:
نوع الإيرادات
قيمتها بالجنيهات المصرية
ضرائب الأراضي
5138071
عوائد الأملاك
387564
إيرادات الجمارك
10906287
إيرادات الموانئ والمنائر
262641
إيرادات المصائد
92795
إيرادات الملاحة في النيل
6558
رسوم الدمغة
115743
رسوم القضايا والتسجيل
1939670
رسوم البدل العسكري
383600
ضرائب متنوعة
48145
إيرادات مصالح السكك الحديد والبريد والتلغراف
9352188
إيرادات متنوعة من بيع الأملاك الأميرية وتأجيرها واستثمار النقود ورسوم الخفر ... إلخ
17813659
الجملة
46446921
خلاصة
ونلخص في البيان الآتي السنين التي بلغت فيها إيرادات مصر مبلغا عظيما في عهد كل حاكم من أسرة محمد علي:
الحكام
السنوات
الإيرادات
الوالي محمد علي
1847م
3950000
الوالي عباس الأول
1853م
2192000
الوالي سعيد
1862م
3707000
الخديوي إسماعيل
1875م
10542468
الخديوي توفيق
1891م
10539460
الخديوي عباس الثاني
1912م
17515743
السلطان حسين كامل
1916م
19927274
السلطان فؤاد الأول
1920م
46446921
إجمال عام لقسم الإيرادات
والجدول الآتي يبين إيرادات مختلف العصور بهذا القسم:
العصور والحكام
الإيرادات بالجنيهات المصرية
عصر الفراعنة
فرعون موسى
54000000
ندارس بن صا
90000000
كلكن بن خربتا
60000000
فرعون الأول
54000000
عصر الفراعنة
162000000
فرعون يوسف
14640000
فرعون مصر
14640000
عزيز مصر
60000000
الريان بن الوليد
60000000
عصر البطالسة
بطليموس فيلادلف
3295800
بطليموس أوليت
2700000
عصر الرومان
نقلا عن فريدلاندر
6745905
عصر البيزانطيين
هرقل
10800000
المقوقس
12000000
عصر العرب
خلافة عمر بن الخطاب
8016666
خلافة عمر بن الخطاب
7620000
خلافة عمر بن الخطاب
10500000
خلافة عثمان بن عفان
8400000
خلافة معاوية بن أبي سفيان
5400000
خلافة معاوية بن أبي سفيان
3000000
خلافة سليمان بن عبد الملك
7200000
خلافة هارون الرشيد
2400000
حكومة أحمد بن طولون
3000000
حكومة خمارويه
2400000
حكومة كافور الإخشيدي
1963000
خلافة المعز لدين الله
2040000
خلافة المعز لدين الله
2400000
خلافة العزيز بالله
1800000
خلافة الحاكم بأمر الله
2040000
خلافة المستنصر بالله
1680000
خلافة المستنصر بالله
1860000
خلافة المستعلي بالله
3300000
حكومة صلاح الدين الأيوبي
3288094
حكومة الظاهر بيبرس
7200000
العصور والحكام
زيادة الإيرادات على المصروفات بالجنيهات المصرية
عصر العرب
حكومة خمارويه
600000
حكومة الإخشيد محمد
600000
حكومة كافور الإخشيدي
120000
خلافة المستنصر بالله
600000
خلافة الحافظ لدين الله
720000
العصور والحكام
الإيرادات بالجنيهات المصرية
عصر العثمانيين
نقلا عن البكري
1080000
نقلا عن إستيف
1203507
نقلا عن جيبون
1440000
عصر الفرنسيين
نقلا عن إستيف
1369539
نقلا عن رينيه
810075
الأسرة المحمدية العلوية
الوالي محمد علي سنة 1847م
3950000
الوالي عباس الأول سنة 1853م
2192000
الوالي سعيد سنة 1862م
3707000
الخديوي إسماعيل سنة 1875م
10542468
الخديوي توفيق سنة 1891م
10539460
الخديوي عباس الثاني سنة 1912م
17515743
السلطان حسين كامل سنة 1916م
19927274
السلطان فؤاد الأول سنة 1920م
46446921
القسم الثاني
الإتاوة أو المال المستولية عليه الدول الفاتحة
الفصل الأول
حكومة الفرس
إن هذه هي الحكومة الأولى التي أورد التاريخ أنباء عنها في الموضوع الذي نكتب فيه، وقد كانت حكومة الفرس في مصر أجنبية بحتة، أما الرعاة أو الهكسوس الذين حكموها من قبل، فكانوا في حكمهم لها كالوطنيين لا الأجانب.
والمؤرخ الوحيد الذي أورد ذكر هذه الحكومة هو هيرودوت، وذلك عام 450ق.م ولا بد أن يكون قد استقى أخبارها من أوثق المصادر؛ لأنه زار مصر وقت الاحتلال الفارسي. وإليك ما كتبه في هذا الشأن في كتابه ج3 الفقرة 91:
كانت الإتاوة التي يأخذها الفرس من مصر واللوبيين المجاورين لها وسيرينا (جرينا) وبرقة (وهما مدينتان كانتا معدودتين مع مصر، ولوبية المقاطعة الفارسية السادسة في ذلك الحين)؛ مبلغا قدره 700 تالان من الفضة (151200ج.م)، وكان يؤخذ منها أيضا ثمن ما يصاد من الأسماك في بحيرة موريس وكمية من الغلال،
1
فضلا عن مبلغ ال 700 تالان المذكورة، أما كمية الغلال فهي 120000 مديمن، وكانت مئونة للحامية الفارسية المرابطة بقلعة منف البيضاء وللجيوش الأخرى المساعدة لها. ا.ه.
ثم تكلم هيرودوت في الجزء الثاني من كتابه الفقرة 149 عن ثمن محصول الأسماك في بحيرة موريس فقال:
إن الأرض الواقعة فيها البحيرة جافة لا يتفجر من خلالها ماء قط، بل يأتي إليها من النيل بواسطة جداول (ترع) ففي مدة ستة أشهر يجري الماء إليها، وفي المدة الباقية من السنة يخرج منها ويرجع إلى النيل، وعند خروجه يحصل الملك يوميا على إيراد قدره تالان واحد من الفضة (216ج.م)، وعند دخوله لا يحصل إلا على عشرين مينا (وهذا المقدار يساوي 1840 فرنكا، أي 71ج.م). ا.ه.
ويستنتج مما تقدم أن بحيرة موريس كانت تدر إيرادا قدره 39528ج .م في مدة 183 يوما على تقدير 216 جنيها في كل يوم، وآخر قدره 12993ج.م في مدة ال 183 يوما الباقية من السنة على اعتبار 71 جنيها في كل يوم، وعلى ذلك تكون جملة إيرادها في السنة 52521ج.م.
أما ال 120000 مديمن من القمح فتساوي 31415 إردبا تقريبا، فإذا قدرنا الإردب منها ب 35 قرشا يكون ثمنها 10995ج.م وبإضافة المبالغ الثلاثة المتقدمة إلى بعضها يكون مجموعها 214716ج.م وهذا هو مبلغ الإتاوة التي كانت حكومة الفرس تجبيها سنويا من المقاطعة السادسة التي ذكرها هيرودوت، ومن بينها مصر التي كان لا يقل ما يؤخذ منها وحدها عن ثلاثة أرباعه على أقل تقدير، أي مبلغ 161037ج.م.
بعض المترجمين لكتاب هيرودوت ترجم هذه الفقرة بما يفهم منه أن كمية الغلال ثمنها 700 تالان أيضا (151200ج.م)، وبإضافة هذين المبلغين إلى ثمن محصول الصيد في بحيرة موريس وهو مبلغ 52521ج.م كما سيأتي، تكون جملة إتاوة المقاطعة السادسة مبلغا قدره 354921ج.م كان نصيب مصر منه لا يقل عن ثلاثة أرباعه، أي 266191ج.م تقريبا.
الفصل الثاني
حكومة الرومان
من سنة 29ق.م إلى 395م
لما فتح الرومان مصر استبد بها أغسطس لنفسه، ولم يجعلها تابعة لمجلس الشيوخ ولا لخزانة الدولة في إدارتها وماليتها، بل جعلها ملكا خاصا به وببيته تعود عائدتها المالية على خزانته الخاصة، وكان يدير شئونها هو بنفسه بواسطة وال يرجع إليه رأسا وليست له صفة الحكام الرومانيين، وكان هذا الوالي يمثله في جميع الحفلات والأعياد الوطنية، وقد دفع أغسطس إلى هذه التدابير الشاذة التي غض فيها الطرف عن غيره ما رآه من أهمية سياسة هذا الإقليم الذي كانت غلاله ضرورية لسكان روما، فضلا عن أن موقعه الحربي الهام كان مصدر خطر دائم على سكينة روما وطمأنينتها، بل على سلامة التاج نفسه فيما إذا ثار حاكم هذا الإقليم.
وبهذه التدابير أمست أملاك البطالسة ملكا له، وصارت الضرائب التي تؤخذ منها وقفا على خزانته الخاصة، وفضلا عن هذا قد حظر بادئ بدء على أعضاء مجلس الشيوخ وعلى الأعيان ذوي المقامات العالية الذهاب إلى مصر، كما عين في ولايتها أحد النبلاء، واعتبره موظفا عنده خاصا به.
وقد كان لولايتي مصر وإفريقية من بين جميع ولايات الإمبراطورية الرومانية اعتبار خاص، فلم تكونا مكلفتين كغيرهما من الولايات بتموين الجيوش المحتلة والقيام بحوائج الموظفين فقط، بل كان عليهما أيضا أن تمونا مدينة روما، ثم القسطنطينية فيما بعد ذلك من الزمن.
فمصر وحدها كانت تغذي من قمحها مدينة روما مدة أربعة أشهر (راجع كتاب يوسف
joséphe
ج2 الفقرة 386)، وكانت الكمية التي ترسلها إليها عشرين مليون مدي من القمح (راجع كتاب أوريليوس فكتور
Aurelius Victor
الرسالة الأولى) وهي تساوي 4400000 إرتب أو 880000 إردب تقريبا، ثمنها باعتبار سعر الإردب 35 قرشا 308000ج.م وهذا المبلغ هو قيمة الغلال التي كان يأخذها الرومان من مصر.
ويمكننا من هذا الاستهلاك أن نقدر عدد سكان روما في ذلك الحين، وطريقة ذلك أن المعتاد في مصر أن يستهلك كل شخص ويبة قمح في الشهر (
إردب قمح)، فيكون عدد سكان تلك المدينة بناء على هذه القاعدة وعلى المدة والكمية السابقتين هو1320000 نسمة.
ويرى ج. بالوش
J. Beloch
في كتابه «شعوب العالم اليوناني الروماني» (ص31) أن كمية الغلال البالغ قدرها عشرين مليون مدي التي ذكرها أوريليوس فكتور لم تصدرها مصر وحدها، بل صدرت من جميع البلاد التي وراء البحار.
الفصل الثالث
حكومة البيزانطيين
من سنة 396م إلى 640م
تكلم رينيه
Reynier (مصر في عهد الرومان ص153) عن هذه الحكومة فقال:
أصدر جوستنيان
Justinien
مرسوما يقضي بأن كمية الغلال التي على مصر أن ترسلها إلى القسطنطينية في عهد هذا الإمبراطور تكون 800000 إردب قمح، قيمتها باعتبار سعر الإردب 35 قرشا 280000ج.م وهي قريبة كثيرا من قيمة الغلال في الحكومة السابقة.
ويقضي المرسوم السالف على ما يظهر بتغريم من يتأخر في تحصيل الغلال بسبب الإهمال غرامة قدرها صوليد ذهب (جنيه مصري) عن كل ثلاثة أرادب يتأخر في تحصيلها. ا.ه.
وقال في الصفحة 183:
كانت الضرائب في مصر تقل وتكثر تبعا لانخفاض النيل وارتفاعه؛ ولذلك كانت لا تستقر فيها على حال واحدة ، ومن هنا كان من الجائز أن يحدث نقص في كمية الغلال المقررة على مصر للقسطنطينية وهي 800000 إردب، وكذلك في الكمية المقررة للإسكندرية، وكان على الحاكم عند ذاك أن يسد النقص بإعانات يطلبها من الأهالي، ثم يخصم قيمها من ضريبة النقد فيما بعد.
وكان يوجد هنالك تدابير لا مفر منها قد بلغت من الصرامة مبلغا كبيرا، ومنشؤها ما كانت تبديه الحكومة البيزانطية من الاهتمام بمسألة توزيع المؤن في العاصمة، ولم تتناول هذه التدابير الضريبة الأخرى، أي ضريبة النقد التي كان الحاكم يتحمل وحده عبء مسئولية التأجيلات التي كان يمنحها في أوقات تحصيلها، حيث لم يكن هناك وقت محدد يتعين عند انقضائه حجز ما تأخر منها من ماله، وهذا التساهل في ضريبة النقد خفف عن الحاكم وطأة الشدة المتناهية في ضريبة الغلال، وجعله يستطيع سد نقص الغلال بلا عناء كبير، وذلك باستيلائه على إعانات من الأهالي، وبهذه الطريقة كان يدبر الوقت اللازم للاستيلاء على جميع المتأخرات، ولو حتمت عليه الحكومة تحصيل ضريبتي النقد والغلال في آن واحد لاستحال عليه القيام بذلك، بل كانت عندئذ لا تجد من يقدم على الاضطلاع بأعباء الحكم في مصر، وكان الغرض من اتخاذ هذه الاحتياطات المتباينة كفالة تموين القسطنطينية، وقد منح لهذا السبب أيضا ملتزم جمارك الإسكندرية الذي كان مكلفا بدفع رسوم الشحن مبلغ 8000 صوليد ذهب؛ حتى لا يكون له أي عذر في تأخير ما يرسل من الغلال، ومع أن هذا المبلغ لم يخرج من خزانة جوستنيان، بل فرضه على مصر فرضا فقد كان يقول عنه: إنه منحة عظيمة. ا.ه.
وقالت الآنسة رويارد
Ms. Rouillard
في كتاب «إدارة مصر المدنية في عهد بيزانطة» (ص120):
لقد حدد قسطنطين في لائحة الحنطة كمية الغلال المقررة على مصر للقسطنطينية، وتولى خلفاؤه في الحكم تنظيم إرسالها من بعده، والمرسوم رقم 13 وإن كان في الحقيقة لم يحدث تغييرا يذكر في إدارة التموين السنوي، إلا أنه يفهم منه أن الضريبة المسماة «رسوم الشحن» وقدرها 80000 سو ذهب كانت مخصصة لشحن كمية من القمح قدرها 8000000، دون إيضاح نوع المكيال الذي قدر به هذا العدد، فهل هو إرتب أو مدي؟
يقول متياس جلزر
Matthies Gelzer
الذي أخذ برأي ممسن
Mommsen : إن المكيال هنا هو الإرتب.
ويلوح أن المكيال المراد في المرسوم رقم 13 هو عين المكيال الذي كان يستعمله موظفو إدارة التموين السنوي في تقدير دخل الممولين من الغلال، غير أنه يؤخذ من البيانات المسطرة على أوراق البردي أنهم كانوا يستعملون المدي في هذه الحالة، كما أن وكيل الكونت أمونيوس
Ammonios
الذي كان يدير أملاكه بطيبة، كان يكتال كمية القمح التي يوردها مزارعو أرض سيده بالإرتب حسب عادة البلاد، إلا أنه كان يحولها فيما بعد إلى المدي. لكن ألا يظن أنه فعل ذلك ليكون على وفاق مع محصل التموين السنوي؟
إن ذلك لمن المحتمل، ومع هذا فإن حسابات وكيل أمونيوس لا تكفي وحدها مطلقا أن تتخذ حجة على أن المدي كان الوحدة الرسمية المقررة في مصر، لا سيما بعد أن علم من نصوص أخرى أن الموظفين أنفسهم كانوا يستعملون الإرتب، وأن الكيل المقصود في المرسوم رقم 13 هو بلا ريب الإرتب دون غيره.
وعلاوة على ما ذكر فإن ثمانية ملايين الأراتب، أو بعبارة أخرى الأربعة والعشرين مليون مدي أقرب إلى الصواب من ثمانية ملايين من المدي، والدليل على صحة هذه النظرية هو أن مصر كانت في عهد الإمبراطورية الأولى ترسل إلى روما عشرين مليون مدي سنويا.
ومن المستبعد كثيرا أن يكون عواهل بيزانطة قد خففوا أعباء مصر عما كانت عليه أيام تبعيتها لروما، وبالأخص منهم جوستنيان الذي كان شغله الشاغل وهمه الوحيد جر كل ما استطاع من الفوائد من الولايات التابعة لإمبراطوريته.
ولقد وجدت بيانات مضبوطة كتبت على أوراق البردي يظهر أنها حجة دامغة في هذا الموضوع، وقد ورد في هذه الأوراق أن المنطقة التي قاعدتها أنطايو
Antaiou
كانت ترسل إلى الإسكندرية 61674 إرتبا سنويا. وبما أنه كان يوجد حسبما هو مذكور في ملخصات جورج القبرسي
Georges de Chypre
زهاء ثمانين منطقة مصرية، فبناء على ما تقدم يمكننا الحصول على كمية الغلال التي كانت ترسلها مصر إلى القسطنطينية سنويا بوجه التقريب، وذلك بضرب 61674 إرتبا في 80 عدد المناطق؛ فينتج 4933920 إرتبا أو 14801760 مديا، ومن هنا يظهر أنه لا يجوز مطلقا أن يخطر ببالنا أن رقم الثمانية ملايين المذكور بالمرسوم رقم 13 بيانا لجملة الغلال المقرر إرسالها؛ يقصد به المدي.
وكانت إعانة الغلال التي فرضت على مصر وألزمت بتقديمها إلى إدارة التموين السنوي مقسمة بين مصر العليا والسفلى وطيبة وأركاديا وأغسطانيك، أما لوبية فكانت معفاة من هذه الإعانة. ا.ه.
ونحن نرى أن رأي هذه المؤرخة صائب وسديد، وأن رقم ثمانية الملايين يقصد به الإرتب بلا نزاع، وهذه الكمية تساوي أربعة وعشرين مليون مدي، وتعادل 1600000 إردب، أي ضعف ما ذكره رينيه، وبضرب هذا العدد في 35 قرشا ما يساويه الإردب ينتج 560000ج.م.
ويكون لدينا إذن مبلغان متعلقان بهذا العصر وهما:
بناء على قول رينيه 280000ج.م.
وبناء على قول الآنسة رويارد 560000ج.م.
الفصل الرابع
الحكومة العربية
من سنة 20ه/641م إلى سنة 922ه/1516م
خلافة معاوية بن أبي سفيان سنة 60ه/680م
هذا الخليفة هو أول خلفاء بني أمية بدمشق. قال اليعقوبي في تاريخه ج2 ص277:
وكان عمرو بن العاص يحمل منها إليه الشيء اليسير. ا.ه.
ومن المحتمل أن معاوية لم يشأ أن يحاسبه حسابا دقيقا؛ نظرا لما أداه له من الخدم الجليلة. ثم قال هذا المؤلف: فلما مات عمرو حمل المال إلى معاوية، فكان يفرق في الناس أعطياتهم، ويحمل إليه ألف ألف دينار (600000ج.م). ا.ه.
خلافة هشام بن عبد الملك سنة 125ه/743م
هذا الخليفة هو عاشر خلفاء بني أمية بدمشق، وكان عامله على جباية مصر يدعى عبيد الله بن الحبحاب، وهو رجل عرف بمقدرته المالية، وهو الذي راك أراضي مصر في عهد هذا الخليفة.
قال المقريزي في خططه ج1 ص98:
انحط خراج مصر بعدهما (أي بعد عمرو بن العاص وعبد الله بن سعد بن أبي سرح) لنمو الفساد مع الزمان، وسريان الخراب في أكثر الأرض ووقوع الحروب، فلم يجبها بنو أمية وخلفاء بني العباس إلا دون الثلاثة آلاف ألف (1800000ج.م) ما خلا أيام هشام بن عبد الملك، فإنه وصى عبيد الله بن الحبحاب عامل مصر بالعمارة، فيقال إنه لم يظهر من خراج مصر بعد تناقصه كثرة إلا في وقتين أحدهما في خلافة هشام بن عبد الملك - إلى أن قال - والوقت الثاني في إمارة أحمد بن طولون. ا.ه.
وأما المبالغ التي أخذت من مصر، فهاك ما قاله عنها المؤلفون: قال ابن خرداذبة في كتابه «المسالك والممالك» (ص83):
وجباها عبيد الله بن الحبحاب في أيام بني أمية ألفي ألف وسبعمائة ألف وثلاثة وعشرين ألفا وثمانمائة وسبعة وثلاثين دينارا (1634302ج.م). ا.ه.
وقال ابن رسته في كتابه «الأعلاق النفيسة» (ص118):
وجباها عبيد الله بن الحبحاب أيام بني أمية ألفي ألف وسبعمائة ألف وثمانمائة وسبعة وثلاثين دينارا (1620502ج.م ). ا.ه.
ونقل المقريزي في خططه ج1 ص99 عن ابن خرداذبة قال:
ذكر ابن خرداذبة أن ابن الحبحاب جباها ألفي ألف وسبعمائة ألف وثلاثة وعشرين ألفا وثمانمائة وسبعة وثلاثين دينارا (1634302ج.م)، وهذا وهم منه؛ فإن هذا القدر هو ما حمله إلى بيت المال بدمشق بعد أعطية أهل مصر وكلفها. ا.ه.
فالمبلغ الذي ذكره هؤلاء المؤلفون ما هو إذن إلا قيمة ما أرسل إلى مركز الخلافة بدمشق.
خلافة مروان الثاني سنة 132ه/750م
هذا هو الثالث عشر من خلفاء بني أمية بدمشق، وكان يلقب بالحمار؛ لأنه كان صبورا على المتاعب واحتمال المشاق.
روى أسقف الأشمونين (تاريخ البطاركة ص205) في القسم السابع عشر من تاريخ الكنيسة وسيرة حياة الأنبا ميخائيل البطريرك السادس والأربعين، أنه في تقدير إيرادات مصر السنوية في نهاية خلافة مروان الحمار آخر خلفاء بني أمية، وابتداء خلافة السفاح عبد الله العباسي، بلغ ما أرسل إلى بيت المال بدمشق بعد المصروفات 200000 دينار (120000ج.م).
خلافة المهدي بن المنصور سنة 169ه/785م
هذا الخليفة هو ثالث خلفاء بني العباس ببغداد.
قال أبو صالح الأرمني في تاريخه «الكنائس» (ص31):
في سنة اثنتين وستين ومائة (779م) في خلافة المهدي بن المنصور من العباسيين، عقد الخراج بمصر ألف ألف وثمانمائة ألف وثمانية وعشرين ألفا وخمسمائة دينار (1097100ج.م). ا.ه.
ومن الواضح البين أن هذا هو مبلغ الإتاوة، والدليل على ذلك أن المبلغ الذي أرسل من القطر في عهد الخليفة الآتي يزيد على هذا القدر.
خلافة هارون الرشيد سنة 193ه/809م
هو خامس خلفاء بني العباس ببغداد.
قال ابن خرداذبة في كتابه «المسالك والممالك» (ص84):
وحمل منها موسى بن عيسى (وكان عاملا على مصر لهذا الخليفة) في دولة بني العباس ألفي ألف ومائة ألف وثمانين ألف دينار (1308000ج.م). ا.ه.
وردد ابن رستة في كتابه «الأعلاق النفيسة» (ص118) ما قاله المؤرخ السابق بنصه.
وذكر المقريزي في خططه ج1 ص99 هذا القول أيضا، لكنه زاد الأمر وضوحا فقال:
وحمل منها (أي من مصر) موسى بن عيسى الهاشمي ألفي ألف ومائة ألف وثمانية ألف دينار (1308000ج.م)؛ يعني بعد العطاء والمؤن وسائر الكلف . ا.ه.
خلافة المأمون سنة 218ه/833م
هذا الخليفة هو سابع خلفاء بني العباس ببغداد.
قال ابن خلدون في تاريخه ج1 ص150:
وجد بخط أحمد بن محمد بن عبد الحميد عمل بما يحمل إلى بيت المال ببغداد أيام المأمون من جميع النواحي، نقلته من جراب الدولة (وقد ذكره مفصلا).
ثم ذكر أمام مصر بالصفحة 151 عما يحمل منها إلى بيت المال ببغداد في العهد المذكور هذا المبلغ: ألف ألف دينار وتسعمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار (1152000ج.م).
خلافة المقتدر بالله سنة 320ه/932م
هذا هو الخليفة الثامن عشر من خلفاء بني العباس ببغداد.
قال قدامة بن جعفر في كتابه «الخراج وصنعة الكتابة» (ص239) بعد أن أبان الأعمال (الأقاليم) التي تتكون منها المملكة الإسلامية في عهده، ومقدار ما كان مفروضا على كل منها إرساله إلى بيت المال ما نصه:
والذي قدمناه من مبالغ الارتفاعات وما يرتفع بعض النواحي في هذا الوقت وينقص البعض نقصانا لا نلتفت إليه ولا نعول عليه؛ لأنه إنما وقع بقلة الضبط وإضاعة الحزم، والباقي الممنوع منه فهذه سبيله أيضا.
ثم أتى بخلاصة لما ذكره، جاء فيها بالصفحة 251 أمام مصر والإسكندرية مبلغ ألفي ألف وخمسمائة ألف دينار (1500000ج.م).
ولم يذكر قدامة اسم الخليفة الذي أرسل في عهده هذا المبلغ، وبما أن هذا المؤرخ توفي في عهد الخليفة المقتدر بالله في الفترة التي بين الأسرتين الطولونية والإخشيدية، أي في الوقت الذي رجعت فيه مصر ولاية تابعة للخلافة العباسية ببغداد بعد أن كانت مستقلة في عهد الأسرة الأولى؛ فنرى أن هذا المبلغ جبي في عهد الخليفة المذكور.
الفصل الخامس
عصر العثمانيين
من سنة 923ه/1517م إلى 1213ه/1798م
لم يكن عندنا عندما كتبنا الأصل الفرنسي لكتابنا هذا عن مبلغ الإتاوة في هذا العصر سوى مصدرين، وقد عثرنا بعد ذلك على ثلاثة مصادر، اثنين منها يذكران الإيراد والإتاوة، والثالث خاص بالإتاوة فقط، ولم يكن عثورنا على هذه المصادر الجديدة في أثناء طبع هذه النسخة العربية في وقت واحد؛ ولذلك أثبتنا أحدها في قسم الإيرادات، وفاتنا ذكر الآخر هناك؛ لأننا لم نهتد إليه إلا بعد الفراغ من طبعه، فلم نر بدا من إثباته هنا، وإليك هذه المصادر الخمسة: (1)
بيترو دلا فال
. (2)
البكري. (3)
كورنيل لي بران
Corneil le Bruyn . (4)
ماييه
Maillet . (5)
إستيف
Estève .
أما بيترو دلا فال فيؤخذ من كتاب سياحته بمصر سنة 1024ه/1615م ج2 ص138 و139 أن إيراد مصر كان 2400000 سيكان فنيسي بندقي (1110960ج.م)، وأن هذا المبلغ ينقسم إلى أربعة أقسام متساوية، قسم للمحمل الشريف، وقسم للجيش المرابط بمصر، وقسم للباشا ومصروفاته الإدارية وغيرها، وقسم يرسل إلى السلطان بالقسطنطينية.
وبناء على هذا يكون مبلغ الإيراد 2400000 سيكان (1110960ج.م)، ومبلغ الإتاوة 600000 سيكان (277740ج.م).
وأما البكري فقال في كتابه «الكواكب السائرة» (ص229 و230):
سألت بعض كتبة الديوان وغيره عن مبلغ خراج مصر في سنة خمس وثلاثين وألف (1626م)، فقال: ثماني عشرة كرة - مائة ألف - (1800000 دينار/1080000ج.م)، منها يجهز للأبواب العثمانية بالديار الرومية ستمائة ألف دينار (360000ج.م)، والباقي يصرف للحرمين الشريفين والصناجق بها والعساكر بها، فهذا خلاف ما يأتي للبكلربكي بها من الخدم والتقادم من خيل وجمال وبغال وأقمشة وسكر، فنسأل الله تعالى أن يجعلها دار إسلام ليوم القيامة آمين. ا.ه.
وعلى هذا يكون مبلغ الإتاوة 600000 دينار أو 360000ج.م.
ويؤخذ من كتاب سياحة كورنيل لي بران سنة 1091ه/1680م ج2 ص72 أن سلطان تركيا كان يحصل من مصر مع شدة فقرها على إتاوة قدرها 600000 سيكان سنويا، قيمة الواحد منها سبعة فرنكات (174588ج.م تقريبا).
وبناء على ذلك يكون مبلغ الإتاوة 600000 سيكان أو 174588ج.م تقريبا.
وقال ماييه الذي كان قنصلا لفرنسا في مصر زهاء أربعين عاما في النصف الثاني من القرن السابع عشر في مؤلفه ج2 ص157 في وصفه مصر:
يحكم مصر اليوم موظف برتبة باشا مبعوث من قبل السلطان، ويعين هذا الباشا لمدة لا تزيد عن عام، ومع ذلك فقد جرت العادة أن يستمر الولاة في وظائفهم ثلاثة أعوام، بل أربعة، كما أنه يوجد منهم من بقي عاما أو عامين فقط.
وهذه الولاية هي أضخم ولايات الإمبراطورية العثمانية؛ ولذلك لا تنال إلا بدفع مبالغ طائلة، ولا بد للوالي الذي يعين لمصر أن يكون مستعدا لبذل نفقة من أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف ريال قبل أن يصل إلى القاهرة المقر المعتاد لسكنه، وأن يقدم فوق ذلك هدايا تزيد قيمتها على مائة ألف ريال عن كل سنة يمكثها في وظيفته.
وأعباء هذه الولاية كانت كذلك باهظة جدا، فالوالي كان مكلفا بأن يرسل إلى السلطان ستمائة ألف ريال في كل سنة، وكانت هذه النقود التي يسمونها الخزنة ترسل إلى القسطنطينية برا بمصروفات جسيمة على نفقة الوالي، وكان عليه أيضا أن يرسل إلى السراي في كل سنة مقدارا من السكر والبن والشراب والأرز، وسلعا أخرى كثيرة لا تقل قيمتها التي كانت تدفع دواما نقدا عن ستمائة ألف ريال، هذا غير نفقات المحمل الذي كان يوجهه الخليفة إلى مكة كل عام، ومائة ألف ريال يرسلها إلى هذه المدينة ومثلها إلى دمشق؛ لتنفق على القافلة التي ترافق المحمل إلى بلاد العرب.
ولإيفاء هذه المطالب كلها ودفع مرتبات الجيوش التي ترابط في مصر من قبل الباب العالي، يستولي الوالي على كافة أنواع الإيرادات، وهي إيرادات ضخمة جدا قد تبلغ قيمتها إذا روعيت طرق الاقتصاد أكثر من اثني عشر مليونا، غير ما ينفق على الجيوش، ومن هنا يفهم بسهولة أن مصر تدر على الوالي من الدخل أكثر مما تدر على السلطان، وبالأخص إذا داهم القطر الطاعون، فإنه عند ذلك تجمع الحكومة مبالغ طائلة في مدى الثلاثة أو الأربعة الأشهر التي اعتاد الوباء أن يمكثها في وادي النيل، فقد يبلغ دخله في يوم واحد من مائتي ألف إلى ثلاثمائة ألف ريال بسبب وفاة أشخاص يمتلكون قرى؛ لأن قوانين الحكومة تقضي برجوع ملكية هذه القرى إلى الخليفة بعد وفاة أصحابها، فيتذرع الوالي بهذا القانون للاستيلاء عليها لنفسه، ويستدر منها أموالا عظيمة. وقد يحدث في أسابيع أن تباع العين الواحدة ثلاث مرات بل أربعا، بسبب معاجلة الموت لمن يبتاعونها الواحد تلو الآخر. ا.ه.
ويستخلص من وصف ماييه أن المبالغ التي كانت ترسلها مصر إلى القسطنطينية أو تأخذها هذه منها هي:
600000 ريال
ترسل نقدا
600000 ريال
قيمة سلع وأمتعة ترسل عينا
100000 ريال
ترسل إلى دمشق
ويكون مجموع ذلك 1300000 ريال، أو بعبارة أخرى 260000ج.م.
أما نفقة المحمل ومائة ألف الريال الأخرى، فلا وجه لإضافتها إلى المبلغ السابق؛ لأنها كانت تصرف باسم مصر ولحسابها.
وقال إستيف في الصفحة 396:
إن النقود التي كانت تسمى الخزنة كانت ترسل في أول الأمر إلى القسطنطينية باحتفال مهيب.
وإليك ما رواه لنا عن الترتيبات التي وضعها لذلك السلطان سليمان قال:
قرر هذا السلطان أن يقوم واحد من الأربعة والعشرين بيكا بإحضار إتاوة مصر إلى مقر الخلافة، وأن يلقب هذا البيك بأمير الخزنة، وأن يوضع تحت تصرفه للمحافظة عليها سردار وشرذمة من الجند تنتخب من فرق الجيش السبع.
ومتى تم تحصيل الأموال يتوجه الروزنامجي إلى الباشا ومعه مبالغ الخزنة، وفي اليوم المقرر لتسليمها إلى أمير الخزنة يجتمع في القلعة رؤساء الوجاقات والبكوات والقاضي وجميع كبار موظفي الحكومة، فيعاين الصراف وهو كاتب الخزنة عدد النقود ونوعها، وشاغل هذه الوظيفة يكون إسرائيليا دائما، وبعد أن يوقع الباشا والروزنامجي على الأوراق المبينة بها النقود توضع في صناديق مغطاة بالجلد، ثم يسلمها الباشا إلى أمير الخزنة، فيعطيه مستندا بها.
وفي أثناء وضع الصناديق على ظهور الإبل المعدة لحملها، يخلع الباشا على أمير الخزنة حلة من الفراء الأسود فاخرة، وعلى الروزنامجي كذلك خلعة من الفراء الأسود إلا أنها أقل قيمة من تلك، ثم يوزع القفاطين على السردار المكلف بقيادة الحرس، ويجتمع البكوات والوجاقات عند سفر أمير الخزنة، ويحيطون به في موكب فخم أثناء مروره بالقاهرة، ويرافقونه إلى العادلية، وهي مكان بين القبة وبركة الحج، ويعلن من ليلة يوم سفره عن هذا الاحتفال بواسطة الألعاب النارية في العادلية، وكذلك بتواتر إطلاق المدافع حتى وقت السفر، ويسير أمير الخزنة إلى القسطنطينية مارا بدمشق.
وقد وجه السلطان سليمان نظره إلى جميع التفصيلات الخاصة بسفر الخزنة، حتى إنه عين ما يجب صرفه في نقلها وابتياع ما يلزمها من الصناديق والأكياس والجلود والسجاجيد لتغطيتها. ا.ه.
ويظهر أن هذه الطريقة بطلت بمرور الزمن، وبما أصاب الدولة العثمانية من الوهن، والدليل على ذلك ما رواه إستيف بالصفحة 397 إذ قال:
قبل مجيء الفرنسيين مصر كان الباب العالي لا يحصل على شيء من إتاوتها، إلا إذا أرسل إلى القاهرة أحد الأغوات خصيصا لذلك، وكان هذا الأغا لا يبعث إلا مرة واحدة في كل ثلاث سنين، ليتسلم ما قد تجمع للدولة من الإتاوة في هذه المدة، وكان لا يؤبه له في حضوره وسفره، بل غاية ما هنالك أن الباشا يسلمه في حضرة القاضي فقط النقود والأوراق الخاصة بالخزنة، وعلى الأغا أن يتخذ جميع الاحتياطات التي تكفل له الرجوع إلى القسطنطينية سالما. ا.ه.
وقال إستيف في الصفحة 367 عند تلخيصه دخل السلطان:
إن القواعد المرعية في الإدارة العثمانية المالية تختلف عن القواعد الجاري العمل بموجبها في فرنسا، ففي هذه ترسل إيرادات الحكومة كلها إلى الخزانة العمومية، أما الحكومة العثمانية فلا يدخل خزانتها إلا المبالغ المخصصة لبعض المصروفات والأموال المدخرة. والجباية موكول أمرها إلى الولاة وكبار الملتزمين، ولا يهتم لها السلطان إلا بقدر ما يحصل على المطلوب له منهم، وما يتبقى بعد إيفاء هذا المطلوب وبعد المصروفات التي ألقاها على كاهلهم يصير حقا مكتسبا لهؤلاء.
ويؤخذ من ملخص البيانات المختلفة التي ذكرناها لإيضاح جميع الضرائب التي على مصر أن إيراد السلطان ينحصر في الإتاوة. ا.ه.
وهذه الإتاوة كانت تبلغ حسبما روى إستيف 4114700 فرنك (158725ج.م)، وكان يؤخذ جزء منها لبعض مصروفات خاصة بالحضرة السلطانية، غير أن المبلغ المذكور كان يعتبر برمته قيمة الإتاوة المفروضة على مصر للقسطنطينية.
وبناء على ما تقدم يكون لدينا عن هذا العصر خمسة مبالغ للإتاوة هي: (1)
بيترو دلا فال سنة 1615م 277740ج.م. (2)
البكري سنة 1626م 360000ج.م. (3)
كورنيل لي بران سنة 1680م 174588ج.م تقريبا. (4)
ماييه في النصف الثاني من القرن السابع عشر 260000ج.م. (5)
إستيف في القرن الثامن عشر 158725ج.م.
الإتاوة في عهد الأسرة المحمدية العلوية من سنة 1805م إلى الآن
اختلفت الإتاوة التي ترسلها مصر إلى الحكومة العثمانية في عهد الأسرة المحمدية العلوية، ففي أوائل عهد محمد علي كان مبلغها ضئيلا متفقا مع إيراد مصر في ذلك الحين.
وذكر مانجان في كتابه «مختصر تاريخ مصر» (ج1 ص154) أنها كانت سنة 1833م 12000 كيس مصري (60000ج.م).
وفي سنة 1841م لما منح محمد علي ولاية مصر على أن تكون من بعده للأكبر فالأكبر من ذريته بالفرمان المؤرخ في 13 فبراير سنة 1841، كان من بين مواد هذا الفرمان أن ربع المتحصل من الرسوم الجمركية وباقي الضرائب يرسل إلى الخزانة الشاهانية - بدون تحديد هذا الربع بمبلغ معين.
ثم عين في فرمان أول يونيو سنة 1841 الذي جاء مؤيدا للفرمان السابق، فكان 80000 كيس عثماني (354688ج.م).
وبقيت هذه الإتاوة كما هي في عهد عباس الأول وسعيد وأوائل عهد إسماعيل، إلى أن جاء الفرمان الذي تعدلت فيه قاعدة توارث الولاية المصرية، وأعطيت مصر فيه بعض الامتيازات، وأضيفت إلى حكومتها جهات مصوع وسواكن والتاكة فزيدت الإتاوة فيه ابتداء من شهر المحرم سنة 1283 (16 مايو سنة 1866) من 80000 كيس إلى 150000 كيس عثماني؛ أي 750000 ليرة عثمانية سنويا، وهذا المبلغ يساوي 665040ج.م.
وفي أول يوليو سنة 1875 أضيف إلى هذا المبلغ 13365ج.م في مقابل تنازل الدولة العلية للخديوية المصرية عن مدينة زيلع وملحقاتها، فأصبح مبلغ الإتاوة 678405ج.م.
وقد ظل هذا المبلغ بدون تغيير إلى سنة 1889م، حيث أوقف دفع إتاوة زيلع، فرجع مبلغ الإتاوة إلى ما كان عليه (665040ج.م)، وبقي كذلك إلى الآن رغم انسلاخ مصر عن الدولة العثمانية وتوقفها عن دفعه لهذا السبب؛ لأن الدولة العثمانية تنازلت عنه لدائنيها إلى مدة معينة، ووافقت مصر على هذا التنازل، فحكمت عليها المحكمة المختلطة باستمرار دفعه لهؤلاء الدائنين إلى انتهاء هذه المدة.
إجمال عام لقسم الإتاوة
والجدول الآتي يبين المبالغ التي أخذت من مصر في عهود حكومات الدول التي حكمتها بالتعاقب:
الحكومة
الإتاوة بالجنيهات المصرية
حكومة الفرس
161037
حكومة الرومان
308000
حكومة البيزانطيين: نقلا عن رينيه في القرن السادس
280000
نقلا عن الآنسة رويارد في القرن السادس
560000
حكومة العرب
خلافة معاوية
600000
خلافة هشام
1634302
خلافة مروان الثاني
120000
خلافة المهدي
1097100
خلافة هارون الرشيد
1308000
خلافة المأمون
1152000
خلافة المقتدر بالله
1500000
حكومة العثمانيين
نقلا عن بيترو دلا فال سنة 1615م
277740
نقلا عن البكري سنة 1626م
360000
نقلا عن كورنيل لي بران سنة 1680م
174588
نقلا عن ماييه في القرن السابع عشر
260000
نقلا عن إستيف في القرن الثامن عشر
158725
الأسرة المحمدية العلوية
الوالي محمد علي في سنة 1833م
60000
الوالي محمد علي في سنة 1841م
354688
الخديوي إسماعيل في سنة 1866م
665040
الخديوي إسماعيل في سنة 1875م
678405
من سنة 1889 إلى الآن
665040
القسم الثالث
الخراج والمساحة المفروض عليها
الفصل الأول
عصر الفراعنة
إذا استثنينا ما ذكره مؤلفو العرب عن هذا العصر، نجد أن التاريخ لا يذكر لنا - كما هو الحال في قسم الإيرادات - أي رقم نهتدي منه إلى معرفة ما كان مفروضا على مصر من الخراج في هذا العهد، ولا إلى معرفة المساحة المفروض عليها، ومع كل فسنحاول استخراج ذلك مما أورده المؤلفون في هذا الصدد:
قال هيرودوت في المجلد الثاني الفقرة 109 عند الكلام على توزيع عموم الأراضي في عهد سيزوستريس:
1
وقص علي الكهنة أيضا أن هذا الملك قسم القطر بين جميع الأهالي، فأعطى كلا منهم بالتساوي مربعا من الأرض، واتخذ هذه القسمة أساسا لتقدير دخله، وتحديد ما يصيب كل واحد من الممولين من الخراج سنويا، فإذا جرف النيل جانبا من أرض أحد الأهالي ذهب هذا ورفع أمره إلى الملك، وعندئذ يرسل سيزوستريس مفتشين لقياس الأرض، ومعرفة ما نقص منها حتى يمكن تخفيض الخراج وجعله مناسبا لما بقي منها، ويظهر أن فن الهندسة اخترع في ذاك الوقت، وانتقل من مصر إلى بلاد اليونان. ا.ه.
ومما يؤسف له أن هيرودوت لم يذكر مساحة المربع الذي خص به كل شخص من الأهالي، كما فعل مع رجال الجندية، ولم يذكر كذلك قيمة الخراج الذي كانوا يؤدونه. أما رجال الجندية فقد قال بصددهم في المجلد الثاني الفقرة 168:
ومنح رجال الحرب الامتيازات الآتية، ولم يمنح غيرهم من المصريين نظريها، اللهم إلا الكهنة.
خص كل واحد من أولئك بملكية اثني عشر أربانا
arpent
من الأراضي الخصبة معفاة من الضرائب، والأربان المصري عبارة عن مربع ضلعه مائة ذراع، وهذا الذراع هو نفس الذراع المستعمل في ساموس. ا.ه.
أما استرابون فقد تناول في الجزء السابع عشر من مؤلفه الفقرة 2 الكلام على القطر المصري من حيث نظامه البديع ويسره، فقال:
كان المصريون المقيمون في بلادهم الشهيرة للغاية يكونون حكومة نظامية متمدينة لدرجة أن معاهدها العلمية كانت مضربا للأمثال وأنموذجا ينسج على منواله، ولقد يسر المرء حينما يعلم أن هؤلاء القوم استطاعوا بتقسيم الأرض والسكان تقسيما مبنيا على الفطنة والذكاء، وبإدارتهم المقامة على اليقظة والحذر؛ أن يحصلوا على أوفر نصيب يمكن الحصول عليه من الكنوز الطبيعية للأرض التي يعيشون عليها.
ومن المعلوم أن المصريين بعد أن نصبوا عليهم ملكا انقسموا إلى ثلاث طبقات: طبقة الجندية، وطبقة المزارعين والصناع، وطبقة الكهنة. وقد اختصت هذه الطبقة الأخيرة بكل ما يتعلق بالأمور الدينية، وانحصرت مهمة الطبقتين الأخريين في المحافظة على المصالح الدنيوية المحضة؛ فطبقة الجند كانت تحافظ على هذه المصالح في زمن الحرب، والطبقة الثانية كانت تحافظ عليها في زمن السلم بعكوفها على الأعمال الزراعية والصناعات الأخرى، وكانت هاتان الطبقتان مكلفتين فوق ذلك بأن تدفعا للملوك بطرق منظمة إيرادات بصفة ضرائب. أما الكهنة فكانوا لا يعملون شيئا أكثر من اختصاصات وظائفهم، اللهم إلا دراسة الفلسفة وعلم الفلك ومسامرة الملوك.
وقسمت مصر أولا إلى أقسام إدارية، عشرة بمصر العليا، وعشرة بمصر السفلى (الدلتا)، وستة عشر بمصر الوسطى. ويزعم بعض المؤلفين أن عدد هذه الأقسام كان مساويا لعدد قاعات قصر التيه (لابرنتا)، لكن فاتهم أن عدد قاعاته كان أقل بكثير من عدد هذه الأقسام وهو 36، ثم جزئت الأقسام تجزئات مختلفة جزئ معظهما إلى نواح
toparchis ، وجزئت هذه النواحي بدورها إلى جهات صغيرة، وهكذا دواليك إلى الأرور
aroure (18 سهما 15 قيراطا)، ورب سائل يسأل ما الذي أوجب هذا التقسيم المحكم الدقيق؟
فالجواب على ذلك هو أن فيضانات النيل كانت تحدث باستمرار حيرة وارتباكا في حدود الأملاك بجرفها لها تارة، وبزيادة مساحتها تارة أخرى، وطورا بتغييرها أوضاع أرض هذا، وإزالتها معالم أرض ذاك، مما كان يستدعي دواما إعادة قياس الحقول ومسحها، حتى إنه ليقال إن هذا العمل هو الذي أنشأ عند المصريين فن الهندسة، كما أنشأت الضرورة عند الفينيقيين علم الحساب لاحتياجهم إليه في تجارتهم البحرية.
وتقسيم السكان إلى ثلاث طبقات سرى بطبيعته إلى كل مركز، كما هو الحال في كل قسم من أقسام المملكة.
وإليك بيان التدابير العجيبة التي كانت تتخذ حيال النيل، ومنها يستطيع الإنسان أن يحكم بأن المصريين تغلبوا بقوة الفن على الطبيعة؛ ذلك أن زيادة المحصول ترتبط بزيادة الفيضان ارتباطا مباشرا، فكلما ارتفع منسوب الفيضان زاد مسطح الأراضي التي يعلوها الماء، ومع ذلك فقد حدث أكثر من مرة أن الفن سد نقص الطبيعة، وتوصل بواسطة حفر الترع وعمل الجسور أن يجعل المياه تغمر في أقل الفيضانات وأردئها نفس المسطحات التي كانت تغمرها في أكبر الفيضانات وأحسنها. ا.ه .
وقال ماسبيرو
Maspero
في المجلد الأول من «تاريخ شعوب الشرق القديم» (ص327):
إن حالة الفلاح الذي لا يملك أطيانا في الزمن القديم تماثل حالته في عصرنا الحاضر، فبعضهم كان لا يمتلك من حطام الدنيا سوى كوخ من الطين لا يسع غير الرجل وزوجه، وكان يعمل في المزرعة باليومية أو السنوية، والبعض كان يندفع فيستأجر أطيان عين من الأعيان أو جندي من جيرانه، ومن اشتروا أرضا لم ينتفعوا بغير ريعها، وهؤلاء هم أسعد الجميع حظا، أما ملكية أراضيهم فتبقى بأسرها في يد فرعون في البداية، ثم تنتقل منها إلى أيدي الملتزمين المدنيين أو الكهنوتيين، وكان في إمكان هؤلاء أن يتصرفوا فيها بطريق الوصاية أو الهبة أو البيع، وشراء غيرها بلا معارضة، وكانوا يؤدون غير العوائد الشخصية ضريبة عقارية بنسبة مساحة أراضيهم ونوع تربتها، ولم ينسب الأقدمون بجمعهم اختراع علم الهندسة إلى المصريين عفوا، فمداومة النيل على جرف الأراضي وتنقل مجراه وسهولة محوه لعلامات حدود الحقول، وتغييره أوضاع بعض نواح برمتها في مدى فصل صيف واحد؛ كل ذلك اضطرهم منذ بزغت شمس العصور القديمة أن يدققوا ويتحروا مساحة الأرض التي تطعمهم خيراتها، فكانوا يقيسون أراضي كل مدينة وكل قسم مرارا وتكرارا، ثم تضم الإدارة الملكية عمليات القياس هذه إلى بعضها وتنسقها، وبذلك يتمكن فرعون من أن يعرف بالتدقيق مساحة ولاياته. والوحدة التي كانت مستعملة في المقاس هي الأرور، وهو عبارة عن مربع طول أحد أضلاعه مائة ذراع، ويعادل ثمانية وعشرين آرا
2
تقريبا، وكان يشتغل عدد عديد من الكتبة والمساحين بلا انقطاع في مراجعة المساحة القديمة وإعادتها، وتقييد كل تغيير يطرأ في سجلات الحكومة، وكان يقام عند حدود كل عقار خط من القوائم يكتب عليه في أغلب الأوقات اسم المالك الأخير وتاريخ آخر تحديد عمل. ومتى تم كل ذلك يطلق على العقار اسم علم حتى لكأنه شخص حي مستقل، وكان هذا الاسم ينم إما عن طبيعة الأرض أو موقعها، أو إحدى العوارض الطبيعية التي تميزها، مثل بحيرة الجنوب أو المرج الشرقي أو الجزيرة الخضراء أو بركة الصيادين أو غابة الصفصاف أو الكروم أو عريش العنب أو أرض الجميز. وهذه الأسماء تبقى علما على مسمياتها أجيالا، فلا البيع ولا القسمة ولا الثورات ولا تغير الأسر المالكة تستطيع أن تصير هذه الأسماء نسيا منسيا.
أما مصلحة المساحة فتقيد في سجلاتها اسم العقار واسم مالكه وأسماء الملاك الواقعة أطيانهم على حدوده، ومحتويات ذلك العقار وطبيعة أرضه، وتكتب المساحة التقريبية بالأذرع للأراضي الرملية والمستنقعات والبرك والترع، وغابات النخيل والحدائق والبساتين والكروم، والأراضي الصالحة لزراعة القمح، وتقسم هذه الأراضي الأخيرة أيضا إلى جملة أنواع، ويراعى في قسمتها الأرض التي يغمرها ماء النيل بانتظام سنويا، والتي لا تغمرها المياه حتى في أكبر الفيضانات، فتروى ريا صناعيا بواسطة آلات قد تتكلف كثيرا أو قليلا، وهذه كلها مستندات يعتمد عليها الكتبة ويتخذونها أسسا في تقدير الخراج بالعشر، وكل الأحوال تحمل على الظن بأنه كان يؤخذ من المحصول قبل حصيده.
ولكن هذا المحصول كان لا يستقر على حالة واحدة، فكان يزيد وينقص حسب الفيضان السنوي، وكانت تطوراته تتبع بدقة حسابية سواء زاد هذا الفيضان عن الحد اللازم أم قل عنه، وعلى ذلك كان ينقص الخراج بغتة، وقد يتلاشى بالمرة عندما يبلغ الفيضان الحد الأدنى. وبلغ من الاهتمام بالنيل أن أقام الملك في عاصمة ملكه والأعيان في قطائعهم مقاييس يتبينون منها يوميا ارتفاعه وانخفاضه، خصوصا في أسابيع التحاريق، وكان يحمل الرسل أنباءه في أرجاء القطر المصري، فكان الشعب دواما على علم بمجرى الأمور بطريقة منظمة، وكان يأخذ احتياطاته في الحال، ويعلم ما سيئول إليه أمره في نهاية العام، ويتمكن من معرفة ما يجب عليه دفعه بوجه التقريب.
ومن الوجهة النظرية كانت تربط جباية العشور على الأراضي التي تغمرها المياه بالفعل، وهذه محصولها لا يكون دواما على حالة واحدة، أما عمليا فكان هذا الخراج يؤدى بحسب متوسط السنين السالفة، بعد أن يستبعد من هذا المتوسط قدر معين لا يحيدون عنه إلا في الظروف الشاذة. ويشترط للخروج عن هذه القاعدة وتخفيض الخراج أن يكون المحصول بلغ الغاية في الانحطاط، وكانت تستوي الحكومة القديمة والمعاصرة في النفور من التنازل عن أي شيء من الخراج مهما صغر، فتحتم دفع هذه الضريبة من محاصيل الأطيان إما قمحا أو ذرة أو فولا أو غير ذلك، وكانت هذه المحاصيل تكدس أكداسا في المستودعات. والظاهر أن خصم العشر ليس بالشيء الكثير بالنسبة إلى مجموع المحصول، وأن أفقر فلاح كانت حالته تسمح له بأن يدفع ما عليه بلا عناء. ا.ه.
ويستنتج مما ذكره هؤلاء المؤلفون أنه كان يوجد في مصر في عهد الفراعنة مصلحة مساحة بلغت الغاية في النظام، إلا أننا مع الأسف لم تصلنا تفاصيل ترتيبها، أما ما رووه لنا عن المنازعات التي كانت تقع بين الأهالي بشأن الأرض، فهي هي بعينها الحاصلة الآن، ولم يغير من طبيعتها شيئا مرور أربعة أو خمسة آلاف سنة.
أما المربع الذي وزعه سيزوستريس على كل ساكن من ساكني ديار مصر، حسبما روى هيرودوت (والأقرب إلى الصواب أنه وزعه على كل أسرة لا على كل ساكن)، فكان الأرور على رأي ماسبيرو، وهو عبارة عن مربع طول كل ضلع منه مائة ذراع. ولما كان الذراع يساوي 525 مليمترا، فيكون مسطح الأرور 2756,25 مترا مربعا، أي 18 سهما و15 قيراطا.
وأما ضريبة الخراج بنسبة العشر كما روى ماسبيرو، فيلوح أن هذه النسبة نسبة معقولة، وهذا هو رأي لمبروزو بعينه (راجع كتاب مباحث في الاقتصاد السياسي بمصر في عهد اللاجيديين ص393)؛ إذ حدد هذه الضريبة بنفس هذه النسبة أيضا، ثم قال في ص289:
وفوق ذلك فقد تغيرت الضريبة على ممر الدهور وتبدل الأحوال، ولكن الذي بقي ثابتا على حاله ولم يتغير هي قواعد ترتيب ضريبة الخراج، وقد اتبع البطالسة نفس هذه القواعد إلا أنهم نظموها. ا.ه.
واستدل على صحة روايته بأن ذكر في ص293 نقلا عن لترون
Letronne (المجموعة الأولى ص295) أن كتابة حجر رشيد (عام 196ق.م) تنبئ بأن الحكومة كانت تأخذ إرتبا عن كل مساحة قدرها «أرور» من الأطيان المخصصة للزراعة، وحددت هذه النسبة بجزء واحد من خمسة عشر جزءا من محصول الأطيان الجيدة، واستخلص من ذلك أن الأراضي التي لم تبلغ مبلغا كبيرا في الجودة كانت تدفع العشر.
ولما كانت ضريبة العشر معقولة، فللوقوف الآن على مبلغ الخراج يتعين علينا أن نحدد ما يأتي: (1)
مساحة الأرض المزروعة. (2)
المحصول. (3)
عدد السكان.
المبحث الأول
إن المساحة المزروعة في مصر كانت في الزمن القديم كما هي الآن محصورة بين صحراء العرب من الشرق وصحراء لوبية من الغرب، فهي هي لم يطرأ عليها تغيير منذ تكوينها، أما الذي طرأ عليه التغيير فهو السطح المزروع فعلا، وقوة الإنتاج فيه، فكلا هذين كثر أو قل، وقوي أو اضمحل تبعا للعناية أو الاهمال في أمر إنشاء الترع وصيانتها، وبالتبعية أيضا للسكان من حيث زيادتهم أو قلتهم.
والمساحة المعدة للزراعة بالفعل الآن هي 5615700 فدان، وجميع هذه المساحة - وهي بلا مراء أخصب أراضي مصر - كانت مزروعة في الأزمان القديمة، بل كان المزروع في تلك الأزمان أكثر من هذه المساحة، وينبغي ألا يخامرنا أقل شك في ذلك، وأنصع برهان عليه الأكوام الكثيرة في شمال الدلتا التي هي أطلال مدن كانت في العصور الغابرة منتشرة في تلك الناحية، وهذه المنطقة كانت أقل خصبا في الزمن السالف من الأرض المعدة للزرع الآن بلا ريب، والبرهان على قلة خصبها هو أن سكانها جلوا عنها في مقدمة المناطق التي نزح عنها أهلها. فوجود هذه التلال فيها برهان قاطع على أنها كانت مزروعة، وإلا ما استطاع ديار أن يقطنها، ولكانت كما هي الآن غير مسكونة، فهذا الجزء القاحل والخالي الآن من الزرع والضرع كان إذن في العصور الماضية مزروعا، وكان بالضرورة ينتج ما يفي بحاجات عدد كبير من السكان.
ومما يجب ألا يغيب عن الأذهان وأن يوضع نصب الأعين، وجود كثير من المناطق في القطر المصري الآن عدد سكانها أقل مما يجب أن يكون، حتى يصبح في حيز الاستطاعة القيام بزرعها بصفة مرضية. فلو لم يكن السكان في العصور المنصرمة كانوا أكثر عددا منهم الآن لما كان هنالك حاجة لفلاحة المنطقعة القاحلة السالف ذكرها، وفوق ذلك كان هؤلاء السكان لقلتهم يعجزون عن تهيئة هذه المنطقة وزرعها، وهذا البرهان الذي سقناه على أن عدد السكان في تلك الأزمان كان أكثر منهم في عصرنا هذا غير قابل للجدل.
أما عدد الأفدنة التي كانت تزرع في الأيام الخالية فلا نظن أننا مبالغون إذا قدرناه بستة ملايين فدان، بضم 384300 فدان إلى ال 5615700 فدان المزروعة الآن، لتكون الستة ملايين عددا إجماليا بصرف النظر عن الكسور التي لا يخلو منها الحال عادة.
هذا هو مقدار كمية الأفدنة التي كانت تزرع في الأزمنة الفرعونية.
أما جملة مسطح الأراضي الصالحة للزراعة في القطر المصري فهي 7300000 فدان، يحذف منها مسطح البحيرات الآتية:
بحيرة مريوط
90000 فدان
بحيرة أبي قير
35000 فدان
بحيرة إدكو
35000 فدان
بحيرة البرلس
140000 فدان
بحيرة المنزلة
400000 فدان
الجملة
700000 فدان
وهذه البحيرات كلها في شمال الدلتا، وكانت على ممر العصور والدهور بحيرات، فبحيرة مريوط روى لنا وصفها استرابون (المجلد السابع عشر، الفقرة السابعة) باسم مريوطس، وبحيرتا أبي قير وإدكو وجدتا كما هما على الدوام، وبحيرة البرلس تكلم عنها هيرودوت (الجزء الثاني، الفقرة 156) فقال إنها بحيرة واسعة الأرجاء عميقة القاع، ويوجد في وسطها معبد أبلون
Appollon
في جزيرة قرب مدينة بوتو (أبتوا الحالية)، وبحيرة المنزلة قص لنا عنها استرابون (المجلد 17، الفقرة 20) فقال إنها بحيرة كبيرة فوق مصبي فرعي النيل المنديزي والتانيتي، ثم ذكر في «الفقرة 21» أنه يوجد سلسلة بحيرات ومستنقعات بين مصبي الفرعين التانيتي والبيلوزي.
فجميع هذه الأوصاف تنطبق الآن على القسم الشمالي من الدلتا انطباقا تاما، وتذهب بنا إلى القول بضعف النظرية القائلة بخسف هذا القسم.
وعلى ذلك نحذف مسطح هذه البحيرات، وهو 700000 فدان من الأرض الصالحة للزرع، وهي 7300000 فدان، فيكون الباقي 6600000 فدان، ومن ثم فالعدد 6000000 يجب اعتباره الحد الأدنى لا الأعلى.
المبحث الثاني
إن الشرطين الأساسيين اللازمين لإنجاح الزراعة وعدم ضياع ما يبذل فيها من الجهود سدى؛ هما كثرة السكان وخصب الأرض، وهذان الشرطان كانا متوافرين في مصر في عصر الفراعنة؛ إذ إنه كان يوجد بها من السكان ما لا يقل عن ثمانية عشر مليون نسمة، كما سنبين ذلك فيما بعد، ومن الأفدنة المزروعة ما مساحته ستة ملايين، وهذا القدر كان ضروريا لإعالتهم وتغذيتهم.
أما من حيث خصب الأرض، فنبرهن عليه بالحاصلات الآتية:
ذكر لمبروزو في كتابه ص97 أن الحبة من الحنطة كانت تأتي بمائة، وهذا القول فيه مبالغة كبيرة؛ لأن الفدان الواحد يلزمه من البذر نصف إردب من الحب، فعلى الحساب المتقدم تكون غلته خمسين إردبا، وهذا أمر يصعب تصديقه.
وقال أميان مرسيلان
Ammien Marcellin (المجلد 22، الفصل 15) وقد زار القطر قبيل نصف القرن الرابع بعد الميلاد ورأى الشيء عيانا: إنه ليس من الأمور النادرة إذا زرعت الأرض زرعا جيدا أن تأتي البذرة الواحدة بسبعين مثلها، يعني أن الفدان يغل على هذا خمسة وثلاثين إردبا.
وقال ابن مماتي في كتابه «قوانين الدواوين» (ص29):
كانت قطعية خراج القمح إلى آخر سنة 567ه/1172م عن كل فدان واحد ثلاثة أرادب، ولما أصبحت الديار المصرية في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة (1176م) تقرر الخراج إردبين ونصف إردب، ومقدار ما يتحصل فيه من إردبين إلى خمسة إلى عشرة إلى عشرين إردبا على ما يقدره الله تعالى، وبذره من أربع ويبات إلى ما حلولها، وأما الشعير فالأمر فيه على ما شرح في القمح، وربما كان المتحصل منه أكثر بمقتضى جودة الأرض. ا.ه.
ولنفرض أن متوسط غلة الفدان عشرة أرادب مع مراعاة أن مسطح الفدان في ذلك الوقت كان 5929 مترا مربعا، وبتحويله إلى فدان مسطحه 4200 متر مربع، فهذا المتوسط يهبط إلى سبعة أرادب وكيلة، وهذا المحصول المتوسط الذي لا يمكن الحصول عليه في هذه الأيام كانت تنتجه الأرض في عصر كانت فيه مصر منحدرة في سلم الهبوط باعتراف مؤلفي العرب أنفسهم، وهاك ما قاله القاضي أبو الحسن المخزومي حوالي سنة 580ه/1184م، نعني بالتدقيق في عصر ابن مماتي، في كتابه «المنهاج في الخراج»، ونقل عنه المقريزي في خططه ج1 ص171:
بين مشارق الفرما من ناحية جرجير وفاقوس، وبين آخر ما يشرب من خليج الإسكندرية مسيرة شهر؛ كان عامرا كله في محلول ومعقود إلى ما بعد الخمسين وثلاثمائة من سني الهجرة (961م)، وقد خرب معظم ذلك. ا.ه.
وهذه المنطقة هي على التحقيق المنطقة التي سبق بيانها؛ نعني إقليم شمال الدلتا برمته.
وهاك ما ذكره ابن إياس في كتابه «بدائع الزهور» (ص25) قبيل سنة 920ه/1514م قال:
وقد تغيرت أحوال مصر في دولة الإسلام إلى الغاية، وخرب غالب قراها وانحطت قراها، واستمرت إلى الآن في كل سنة يتلاشى أمرها إلى الخراب. ا.ه.
وينتج من الوصفين السالفين أننا إذا قارنا بين عصر الفراعنة وعصر ابن مماتي الذي كان فيه الفدان متوسط غلته سبعة أرادب وكيلة، مع كون هذا المتوسط لا يمكن الحصول عليه الآن، نجد عصر الفراعنة أوفر غلة من عصر ابن مماتي.
ومن رأينا أنه يمكن الاقتناع والتسليم بعد هذه البيانات بأن الفرق في الخصب بين العصرين هو الفرق بين محصول فدان مساحته 5929 مترا مربعا، وآخر مساحته 4200 متر مربع، وأن هذه المساحة الأخيرة يقدر محصولها بعشرة أرادب في عصر الفراعنة بدون مبالغة.
ونحن نورد هنا محصولا شاذا لم نعهد مثله، ذكره المقريزي في خططه ج1 ص101 قال:
ولما كان في سنة ست وثمانمائة (1404م) انحسر الماء عن قطعة أرض من بركة الفيوم التي يقال لها اليوم بحر يوسف، فزرعت وجاء زرعها عجيبا، رمى الفدان منها أحدا وسبعين إردبا من شعير بكيل الفيوم، وإردبها تسع ويبات. ا.ه.
وهذا الإردب الذي يبلغ مقداره تسع ويبات يعادل إردبا ونصف إردب بمكيالنا الحالي، ويكون محصول الفدان الذي مساحته 5929 مترا مربعا
من الأرادب بمكيالنا، ومحصول الفدان الذي مساحته 4200 متر مربع
من الأرادب، ويظهر أن هذا المحصول خارق جدا للعادة حتى إني لم أذكره إلا لأنه مستغرب.
ويلزمنا الآن بعد أن حددنا هذا المحصول أن نعرف مساحة الأراضي التي كانت مزروعة حتى نعين ضريبة العشر، غير أن هناك أمرا وهو أنه كان يوجد بمصر أنواع كثيرة من المزروعات يتم نضجها في أوقات مختلفة على طول السنة، وهذا ما أثبتته الآنسة رويارد في كتاب «إدارة مصر المدنية في عصر البيزانطيين» (ص86)؛ إذ قالت:
كان النظام الذي وضعه الإمبراطور أنستاس
Anastase
لم يزل باقيا معمولا به في القرن السادس، ومن مقتضى هذا النظام دفع جميع الضرائب على ثلاثة أقساط (قانون جوستنيان 10، 16، 13)، فيدفع أول قسط في أوائل يناير، والثاني في أوائل مايو، والثالث في أوائل سبتمبر. وكان هذا النظام معمولا به في مصر بإحكام ودقة دون أن تراعى فيه العادات المحلية. ا.ه.
ومن الواضح أنه لا معنى لتعيين دفع الأقساط في الآجال التي ذكرت، إلا إذا نظر بعين الاعتبار إلى وقت جني المحاصيل في مصر.
ولقد سبق لنا القول بأن المساحة المزروعة كانت ستة ملايين من الأفدنة، ومن رأيي أن المساحة التي كانت تزرع حبوبا في الشتاء من هذه الكمية هي أربعة ملايين من الأفدنة، أي يزرع مقدار من هذه المساحة الأخيرة قمحا وشعيرا، ويزرع الباقي برسيما أو أي مادة أخرى لتغذية المواشي، أما الفول فما كان يزرع منه شيء، والشاهد على ذلك ما رواه هيرودوت في المجلد الثاني الفقرة 37؛ إذ قال:
لا يزرع الفول قط في سائر أنحاء مصر، وإذا زرع لا يؤكل نيئا ولا ناضجا، والكهنة لا يستطيعون أن يروه؛ لأنهم يعتبرونه نجسا. ا.ه.
أما الذرة فكان بلا جدال يزرع فيها، والدليل على ذلك ما رواه هيرودوت في الكتاب الثاني الفقرة 77؛ إذ قال:
إن المصريين كانوا يقتاتون من الخبز المصنوع من الذرة، وكانوا يسمونه سيلستيس
Cyllestis . ا.ه.
وهذا القول يبين لنا أن زراعة الذرة كانت كثيرة الانتشار، غير أنها لم تبلغ في انتشارها الدرجة التي بلغتها في عهدنا هذا، والسبب في ذلك هو عدم وجود آلات رافعة قوية في الزمن القديم؛ لأن هذا النوع ما كان يزرع إلا في زمن التحاريق، ومن ثم كان من الضروري إيجاد الآلات الرافعة لريه، وكانت هذه الآلات في ذلك العهد الساقية والشادوف المستعملين في وقتنا الحاضر، وكانت زراعة هذا الصنف محصورة في ضفاف النهر وحواف الترع التي كانت كثيرة في ذلك الوقت، كما روى هيرودوت في الكتاب الثاني الفقرة 108، قال:
لما رجع سيزوستريس إلى مصر من البلاد التي غزاها، عاقب أخاه، واستخدم جموع الأسرى الذين أحضرهم معه في جر الأحجار التي نقلت إلى معبد فولكان، وبعد ذلك أمر هؤلاء الأسرى أن يحفروا جميع الترع المنبثة في نواحي القطر والباقية إلى الآن. وهذا العمل الذي قاموا به طوعا أو كرها جعل السير بالخيل والعربات غير مستطاع فيه، وكان قبل ذلك ممكنا في كل وجهة منه، فأمست مصر مع كونها مستوية السطح لا خيل لديها ولا عجل، والسبب في ذلك كثرة عدد ترعها ومساقيها وتعاريجهما، وإليك السبب الذي من أجله قرر الملك تقطيع أوصال مملكته بهذه الكيفية:
كان المصريون الذين يسكنون مدائن في داخل الأرض بعيدة عن النهر يضطرون لعدم استطاعتهم الارتواء بماء النيل إلى شرب ماء الآبار، فلدفع هذا الشر وتدارك هذه الحالة أنشئ كثير من الترع والمساقي، فكانت عائقا في سبيل المواصلات بين النواحي. ا.ه.
وأرى أن مساحة الأرض التي كانت تزرع ذرة تقدر بمليون فدان تقريبا، حتى يمكن أن تنتج المقدار الكافي لصنع خبز الأهالي الذي ذكره هيرودوت، وأما محصوله فمن المسلم به في مصر على وجه العموم أن الفدان الذي يزرع ذرة ينتج 50٪ زيادة على ما ينتجه نفس هذا الفدان من القمح، وهذه النتيجة وصلت إليها أيضا مصلحة الإحصاء بوزارة الزراعة.
وبما أننا سلمنا بأن محصول الفدان من القمح هو عشرة أرادب؛ فعلى ذلك يكون محصول الفدان من الذرة 15 إردبا، وبضرب مليون الفدان في 15 ينتج 15000000 إردب، وهذا المقدار هو محصول الذرة جميعه.
ومن رأيي وجود زراعة الأرز في ذلك العهد حتما، وهذا الرأي وإن اختلف فيه بعض المؤرخين فإني أقره وأرى أن أقدر لزراعته خمسمائة ألف فدان.
أما محصوله في عصرنا الحالي فقد قدرت مصلحة الإحصاء بوزارة الزراعة أن ما ينتجه الفدان الواحد في زمننا هذا تسعة أرادب باعتبار الإردب 12 كيلة.
فإذا سلمنا بأن الفدان كان لا ينتج في العهد الماضي سوى عشرة أرادب، وضربنا هذا المقدار في 500000 فدان المساحة التي رأينا تقديرها لهذه الزراعة، نتج لنا محصول قدره 5000000 إردب أرز.
وبناء على ما تقدم تكون المحاصيل الزراعية للقطر كما يأتي:
قمح وشعير
40000000 إردب
ذرة
15000000 إردب
أرز
5000000 إردب
الجملة
60000000 إردب
وهذه الكمية كانت بالطبع تختلف حسب ارتفاع النيل وانخفاضه، فالفيضان الذي يتجاوز الحدود والفيضان الذي يقل عن الحد اللازم كلاهما جالب للضرر، وأرى أن هذا المحصول ينبغي اعتباره محصولا معتدلا، بل الأقرب إلى الصواب اعتباره محصولا جيدا.
ومما يدل على أن هذا التقدير غير مبالغ فيه الرواية الآتية: نقل علي مبارك باشا عن المسعودي في كتابه «الخطط التوفيقية» (ج18 ص5):
إن عمرو بن العاص بنى مقياسا بحلوان، وسبب بنائه لهذا المقياس أنه لما فتح مصر اتصل إلى علم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ما يلقى أهلها من الغلاء عند وقوف النيل عن الحد الذي في مقياس لهم، وأن الاستشعار يدعوهم إلى الاحتكار، ويدعو الاحتكار إلى تصاعد الأسعار بغير قحط، فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص يسأله عن شرح الحال، فأجابه عمرو أني وجدت ما تروى به مصر حتى لا يقحط أهلها أربعة عشر ذراعا، والحد الذي يروى منه سائرها حتى يفضل عن حاجتهم ويبقى عندهم قوت سنة أخرى ستة عشر ذراعا، والنهايتان المخوفتان في الزيادة والنقصان وهما الظمأ والاستبحار اثنا عشر ذراعا في النقصان وثمانية عشر ذراعا في الزيادة. ا.ه.
ولا بد أن يكون عمرو قد بنى حسابه في حالة الفيضان البالغ ستة عشر ذراعا على سكان يبلغ عددهم 18 مليونا، وعلى محصول قدره 72 مليون إردب.
وإليك جدول بالمحاصيل الحالية من الحبوب ومساحة الأراضي التي تنتج هذه المحاصيل، نقلا عن تقدير وزارة الزراعة في سنة 1921م:
نوع المحصول
مقداره بالأرادب
مساحة أرضه بالأفدنة
قمح
6715122
1404798
شعير
2164593
379540
فول
2199080
493564
ذرة صيفي
93819
15649
ذرة نيلي
12923713
1993563
أرز صيفي
2516871
290729
أرز نيلي
119326
21423
الجملة
26732524
4599266
المبحث الثالث
يمكن تعيين عدد سكان مصر قديما بطرق أربع هي: (أ)
عدد الأفدنة المزروعة. (ب)
عدد البلاد الآهلة. (ج)
عدد الأنفس التي دفعت الجزية عند فتح العرب لمصر. (د)
ما يستهلكه أهل مصر من الغلال. (أ)
لقد سبق لنا القول بأن عدد الأفدنة المزروعة الآن هو 5615700، وعدد السكان 12718255 نسمة، أي باشتراك رجلين وربع رجل في الفدان الواحد تقريبا. غير أن عدد السكان في الأزمان الغابرة كان يفوق بلا ريب عددهم في زمننا هذا، والدليل على ذلك أن عدد البلاد في الوقت الحاضر هو 3818، بينما كان في الزمن القديم 10000، وقد ذكر قدماء المؤرخين هذا العدد باعتباره الحد الأدنى، ولدينا أيضا دليلان آخران على زيادة كثافة السكان في تلك الأزمان، وهما إنتاج القطر واستهلاكه كما سنبين ذلك فيما بعد.
وبناء على ما تقدم نرى أننا نكون قد أصبنا كبد الحقيقة إذا قدرنا للفدان الواحد ثلاثة أشخاص، وبضرب هذا العدد في 6 ملايين عدد الأفدنة ينتج 18000000 نسمة، وهو عدد سكان القطر في ذلك العهد. (ب)
إن عدد البلاد الذي أورده قدماء المؤرخين تغير كثيرا، وهذا أمر يمكن إدراكه بسهولة، وهاك ما قاله هؤلاء المؤرخون:
روى هيرودوت في الكتاب الثاني الفقرة 177 أنه في مدة حكم أمازيس كان بمصر عشرون ألف بلد آهل بالسكان.
ومن رأينا أن هذا العدد مبالغ فيه ولا يتصوره عاقل، لا سيما أن مصر لم تكن عند زيارة هيرودوت لها بهذه الحال التي وصفها، وإنما يروي روايته هذه عن حالتها في زمن سابق لعصره بآماد طويلة، وقد تناقلت أخبارها الأجيال جيلا فجيلا إلى أن اتصلت به، ومن المعتاد أن الروايات التي تنقل بهذه الكيفية لا تخلو من المغالاة.
وقال ديودور في الكتاب الأول الفقرة 31:
كانت مصر في العهد القديم كثيرة السكان، وهي من هذه الوجهة كانت متفوقة كثيرا على جميع الأمم المعروفة في ذلك العهد، ولا يظهر حتى في أيامنا هذه أنها تقل عن الأمم الأخرى من جهة كثرة السكان، ففي الأزمان الخالية كان يوجد بها أكثر من ثمانية عشر ألف بلد، عدا كثير من البلدان الكبيرة، ويمكن الاطلاع على البيان الخاص بذلك المودع في السجلات المصرية بدار المحفوظات (الدفترخانة). وفي عهد بطليموس لاغوس كان يوجد أكثر من ثلاثين ألف بلد، وهذا العدد الكبير لا يزال باقيا إلى الآن، ومجموع عدد السكان كان يبلغ في العصور القديمة سبعة ملايين نسمة، وفي أيامنا هذه لا يقل عن ثلاثة ملايين، وبواسطة هذا العدد الكبير من الرجال تمكن ملوك مصر القدماء من القيام بهذه الأعمال العظيمة المدهشة؛ لكثرة الأيدي التي اشتغلت في ذلك، وتركوا لذرياتهم من بعدهم تلك الآثار الدالة على قوتهم وجبروتهم. ا.ه.
وهذا القول أيضا ينبذه العقل، بل أبعد احتمالا من القول الذي ذكره هيرودوت، لا سيما فيما يختص بالثلاثين ألف بلد؛ لأنه عندما يكون عدد السكان سبعة ملايين كما ذكر ديودور يكون في كل بلد 233 نسمة، وهو عدد قليل جدا.
وأما رواية الثمانية عشر ألف بلد، فهي وإن كان فيها شيء من المبالغة إلا أنها تقرب من الحقيقة. أما عدد الثلاثة الملايين نسمة الذي قال ديودور إنه كان عدة سكان مصر في عصره، فيظهر لي أنه قليل جدا، خصوصا إذا قابلناه بعدة سكانها في عصر العرب الذي كان أقل عمارا من عهد البطالسة.
قال ابن عبد الحكم في كتاب «فتوح مصر» ص156:
حدثنا عثمان بن صالح وعبد الله بن صالح قالا: حدثنا الليث بن سعد، قال: لما ولي ابن رفاعة مصر خرج ليحصي عدة أهلها، وينظر في تعديل الخراج عليهم، فأقام في ذلك ستة أشهر بالصعيد حتى بلغ أسوان ومعه جماعة من الأعوان والكتاب يكفونه ذلك بجد وتشمير، وثلاثة أشهر بأسفل الأرض، فأحصوا من القرى أكثر من عشرة آلاف قرية، فلم يحص فيها في أصغر قرية منها أقل من خمسمائة جمجمة من الرجال الذين يفرض عليهم الجزية. ا.ه.
وابن رفاعة هذا كان عاملا على مصر في خلافة الوليد وأخيه سليمان بن عبد الملك سابع خلفاء بني أمية بدمشق، وكان قد تولى عمل هذا التعداد حوالي سنة 96ه/715م، أي في القرن الأول للفتح العربي. وبما أن الأعداد السابق ذكرها هي نتيجة إحصاء فيجب اعتبارها صحيحة، وحيث إنه كان يوجد في أصغر ناحية 500 نفس من الذين يجب عليهم دفع الجزية، فإذا جعل متوسط عدد الذين فرضت عليهم الجزية في كل قرية ستمائة نسمة، كان ذلك تقديرا مقبولا، وإذا فرضنا أن هذا العدد هو ثلث سكان كل قرية، كما سنبين ذلك في الطريقة (ج)، يكون مجموع سكان كل قرية 1800 نسمة، وبضرب هذا العدد في 10000 عدد القرى، ينتج 18000000 نسمة، وهو عدد سكان القطر المصري قديما. (ج)
إن عدد الأنفس المفروض عليهم الجزية وقت الفتح العربي كان 6000000 نسمة، كما ذكرنا في القسم الخاص بالإيرادات، وهذه الجزية لم تكن مفروضة إلا على الذكور الذين بلغوا الحلم، ومن جاوزت أعمارهم خمس عشرة سنة، أما النساء والأطفال والشيوخ فكانوا معفين منها.
وفي الإحصاء الذي عمل بمصر في سنة 1917م كان عدد الرجال الذين أعمارهم من خمس عشرة إلى ستين سنة 3435710، ومجموع السكان 12718255 نسمة، أي إن نسبة العدد الأول إلى الثاني بين الثلث والربع. ولما كان الإحصاء الذي عمل عند الفتح الإسلامي لغرض مالي فلا يستطيع إنسان أن يزعم أنه روعيت فيه الرأفة أو التساهل، ومن هنا يكون من المؤكد أنه قد أدخل في عداد دافعيها أشخاص تقل أعمارهم عن الخمس عشرة سنة أو تزيد على الستين، وإننا بناء على ذلك لا نكون مغالين إذا قدرنا أن الستة ملايين نسمة المفروض عليهم الجزية هم ثلث سكان مصر في ذلك العهد، وبذلك يكون عدد السكان ثمانية عشر مليون نسمة على أقل تقدير.
ولو اتبعنا نفس النسبة التي وجدناها في الإحصاء الأخير، لجاوز عدد السكان 20000000 نسمة.
ولزيادة الإقناع نذكر هنا ما رواه ابن عبد الحكم في كتابه ص87 قال:
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن يحيى بن ميمون الحضرمي قال: لما فتح عمرو بن العاص مصر صولح على جميع من فيها من الرجال من القبط ممن راهق الحلم إلى ما فوق ذلك، ليس فيهم امرأة ولا صبي ولا شيخ على دينارين دينارين، فأحصوا لذلك فبلغت عدتهم ثمانية آلاف ألف. ا.ه.
ويرى من هذا القول أن العدد «18000000» ليس فيه شيء من المبالغة. (د)
إن كمية الحبوب التي تلزم كل شخص من السكان هي كما ذكرنا آنفا إردبان، ودليلنا على ذلك استهلاك الوقت الحاضر عن سنة 1921م؛ إذ كان هذا الاستهلاك كما يأتي:
محصول القطر من الغلال
26732524 إردبا
يستبعد منه الصادر وهو
478363 إردبا
فيكون الباقي
26254161 إردبا
يضاف إلى ذلك الكمية الواردة من الخارج من حب ودقيق محول إلى أرادب بعد استبعاد المعاد تصديره
1481520 إردبا
فيكون المجموع
27735681 إردبا صافي محصول القطر
وبما أن عدد سكان مصر حسب الإحصاء الأخير هو 12718255، فبضرب هذا في 2 (إردبين) ما يستهلكه الشخص الواحد في السنة من الحبوب، يكون الناتج 25436510 أرادب، وباستبعاد هذه الكمية من الكمية التي سبق ذكرها، تكون الزيادة 2299171 إردبا، وهذه الزيادة استهلكتها المواشي حتما، وكذلك الأشخاص الذين زادوا على عدد السكان ما بين عام 1917م الذي عمل فيه الإحصاء وعام 1921م الذي اتخذناه مقياسا لكمية الاستهلاك، وتقدر زيادة الأنفس في هذه المدة ب 637429 نسمة.
ويرى مما تقدم أن مصر كان يلزمها كمية من الحبوب لا تقل عن 36 مليون إردب؛ لتغذية عدد من الأنفس لا ينقص عن ثمانية عشر مليون نسمة غير ما تستهلكه المواشي، وما يدخر للسنين المجدبة؛ إذ إننا نعرف أن هذا كان جاريا في الأزمنة القديمة لعدم التعويل على ما يرد من البلاد الأجنبية، لقلة وسائل النقل وحصره في دائرة ضيقة، كما كان ذلك حاصلا حتى عصر حكم العرب، وهو عصر متأخر كثيرا عن العصر الذي نتكلم الآن بصدده، والدليل على ذلك ما رواه المقريزي في خططه ج1 ص99؛ إذ قال ما معناه: إنه في عهد حكم خمارويه بن أحمد بن طولون المتوفى سنة 282ه/895م كانت تباع العشرة أرادب من القمح بدينار واحد (60 قرشا)، أي الإردب بستة قروش.
بينما يقول ابن إياس في كتابه «نشق الأزهار» (ص78 و79): إنه في سنة 451ه/1059م في دولة الخليفة المستنصر بالله الفاطمي بيع إردب القمح بمائة دينار (6000 قرش).
ومن الواضح أنه لو كانت هنالك صادرات وواردات تذكر لكان الثمن ارتفع في الحالة الأولى وانخفض في الحالة الثانية.
ويؤخذ مما سبق إيضاحه أنه يلزم لاستهلاك المحصول الذي قدر بستين مليون إردب، شعب لا يقل عدده عن ثمانية عشر مليون نسمة.
ويتلخص جميع ما ذكر فيما يأتي:
أولا:
أن مساحة الأرض التي كانت مزروعة في عهد الفراعنة لا بد أن تكون ستة ملايين من الأفدنة على أقل تقدير؛ حتى تنتج ما يقوم بتغذية القوم الذين كانوا يسكنونها، ودليلنا على ذلك أطلال القرى الباقية إلى الآن.
ثانيا:
أن محصول هذه المساحة لا بد أن يكون ستين مليون إردب من الحبوب حتى يكفي تغذية سكانها، ويمكن ادخار مقدار منه احتياطا لوقت الحاجة.
ثالثا:
أن عدد السكان لا بد أن يكون ثمانية عشر مليون نسمة، بل لا نكون مبالغين إذا قلنا إن الأقرب إلى الصواب أنه كان عشرين مليون نسمة. والذي يرجح لدينا كفة هذا التقدير الأخير هو ذلك المحصول الكبير والمساحة الشاسعة اللذان أقمنا عليهما الدليل في الموضعين السابقين.
ولقد أفضى بحث ج. بالوش في مؤلفه «سكان العالم اليوناني» (ص254) إلى أن الثلاثين ألف بلد التي ذكرها ديودور يجب اعتبارها ثلاثة آلاف فقط، وأن عدد سكان ديار مصر كان يبلغ على أكثر تقدير في عهد الرومان خمسة ملايين نسمة، أي إن لكل مائة وثمانين ساكنا كيلومترا مربعا واحدا.
أما من جهة عدد البلاد فنحن نشاطر «بالوش» في ذلك رأيه ونوافقه تمام الموافقة، ولقد قلنا فيما سبق إننا نرى أن العدد 30 ألفا هو عدد فيه مبالغة، أما العدد 3000 ففيه تناسق مع العدد الذي وجد دواما في القطر.
وأما عدد السكان، فنحن وهو فيه على طرفي نقيض، وعلاوة على الأدلة التي قدمناها فيما سلف لتقدير سكان مصر في العصر الفرعوني نقول: بما أن انحدار الأرض الزراعية في مصر يتجه من الجنوب إلى الشمال، ومعلوم أنه كلما كانت الأرض مرتفعة كانت أجود، فعلى هذا يكون سطح الدلتا الشمالي الذي كان مأهولا جميعه ومزروعا في قديم الزمان على خلاف ما هو عليه الآن، أكثر انخفاضا من جميع سطح أراضي مصر، وبذلك يكون أردأ أراضيها من الوجهة الزراعية.
ومما لا جدال فيه أن ازدياد عدد السكان في إقليم خصب لا يدفع من يزيدون فيه إلى تركه والرحيل إلى منطقة أخرى أقل منه خصبا، إلا إذا زاد عددهم عن القدر اللازم وتعذرت عليهم المعيشة فيه، وبغير ذلك لا ينزحون عنه قط.
ولما كان عدد سكان مصر حسب الإحصاء الأخير الذي تم في سنة 1917 هو 12718255، أي بنسبة اشتراك
من السكان في كل فدان مزروع، أو بعبارة أخرى باشتراك كل 535 شخصا في كيلومتر واحد مربع أو 238 فدانا.
والمديرية التي تفوق في كثافة سكانها باقي المديريات الأخرى هي مديرية المنوفية، ففيها يشترك كل ثلاثة أشخاص في فدان واحد، أو بعبارة أخرى كل 714 نفسا في كيلومتر واحد مربع.
والآن يوجد - كما سبق ذكر ذلك - مناطق مأهولة بسكان يقل عددهم عن العدد اللازم لزراعتها زراعة مرضية، لما كان الأمر كما ذكر، فكيف استطاع سكان يكون عددهم في الزمن القديم أقل منه اليوم زراعة الأراضي المزروعة وغير المزروعة الآن؟
إننا لا يمكننا القول بضعف التربة وقلة المحصول في ذلك الحين، والزعم أنهما هما اللذان استوجبا تشتت الأهالي ونزوحهم عن الأراضي التي كانوا يزرعونها إلى أخرى حتى يستطيعوا استغلالها؛ لأننا لو ذهبنا إلى ذلك لاعترضتنا المحاصيل التي ذكرها مؤلفو العرب في عصرهم الذي وصفوه لنا بأنه كان عصر انحطاط بالقياس إلى العصر السابق، وقد أيد ذلك أميان مارسلان الذي يعتبر شاهد عيان تأييدا تاما، مع أن محاصيل ذلك العصر الذي سموه عصر انحطاط لم نحصل نحن على مثيلها أو ما يقرب منها في أيامنا هذه. ومما يبرهن على أن قوة الإنتاج كانت في الزمن الغابر أعظم مما هي عليه الآن، استطاعة القطر أن يمير ويسع عددا من السكان إن لم يكن أزيد منهم في وقتنا الحاضر، فلا ينبغي أن يكون أقل منهم.
ولرب معترض يعترض علينا بأن الزراعة المتكررة في الوقت الحاضر (الصيفية والشتوية) تستلزم من الأيدي العاملة أكثر مما كانت تستلزمه الزراعة القديمة، أي زراعة الحياض، فنقول: إن هذا لحق، ولكن إلى حد محدود، وعلى أي حال فذلك لا يمنع من أن المنطقة التي تروى بواسطة الحياض تسع وتمير سكانا لا يقلون في كثافتهم عن سكان المنطقة التي تروى أكثر من مرة، ونضرب لذلك مثلا بما هو جار في وقتنا الحاضر في مديريتي جرجا وقنا اللتين ترويان بواسطة الحياض، ولا تختلفان الآن من حيث الري والزراعة عما كانتا عليه منذ ستة آلاف من السنين؛ فقد أظهر الإحصاء الأخير الذي عمل في سنة 1917م أن متوسط عدد الأشخاص الذين يشتركون في الفدان الواحد فيهما هو ، أو بعبارة أخرى أن الكيلومتر المربع الواحد يشترك فيه 635 نفسا، وهذا المتوسط يزيد على متوسط جميع القطر، وهو اشتراك
من الأشخاص في فدان أو 535 نفسا في كيلومتر مربع واحد، وهو يكاد يدنو منه في مديرية المنوفية التي يشترك في كل فدان منها 3 أشخاص، أي في الكيلومتر المربع الواحد 714 نفسا. هذا وإن جميع أطيان هذه المديرية يزرع صيفا وشتاء ويروى ريا متكررا، وهي تفوق في كثافة سكانها مديريات القطر جميعها.
وبناء على ما تقدم لو اتخذنا حتى متوسط هاتين المديريتين والستة ملايين فدان أساسا لتقديرنا؛ لوجدنا أن عدد سكان القطر يبلغ ستة عشر مليون نسمة.
ولكن ماذا يقال عن الجزية التي جباها العرب عند فتحهم مصر من ستة ملايين من الأشخاص الذكور الذين يبلغون الحلم، وجاوزت سنهم الخمسة عشر عاما إلى الستين، ولم يدخل في هذا الإحصاء الشيوخ الذين جاوزوا هذه السن الأخيرة، ولا النساء ولا الأولاد المعفون من دفع هذه الجزية؟ فهذا العدد المفروض عليه هذه الجزية لا بد أن يبلغ ثلث السكان، على أن بعض المؤرخين قد ذكر أن عدد الأشخاص الذين فرضت عليهم الجزية بلغ ثمانية ملايين نسمة.
ولدينا غير ذلك، الإحصاء الذي عمله ابن رفاعة بعد الفتح العربي ب 75 سنة، ويستخلص منه أنه كان بالقطر المصري عشرة آلاف قرية، تحتوي أصغرها على خمسمائة نسمة من أولئك الذين تجب عليهم الجزية.
فإذا فرضنا أن هذا العدد هو متوسط ثلث السكان، كان عدد سكان القطر المصري في ذلك العهد خمسة عشر مليون نسمة.
وخير ما نستطيع ذكره هنا ما ذكره أبو الحسن المخزومي من أن المنطقة الواقعة بين الفرما ونهاية ترعة الإسكندرية كانت تكسوها المزروعات إلى ما بعد سنة 350ه/961م، غير أنه في الوقت الذي كان يكتب فيه وهو عام 580ه/1184م كان القسم الأكبر منها قد أدركه العفاء وخربت مزارعه، وهذه الناحية هي بالدقة إقليم الدلتا الشمالي، أي المنطقة التي تربتها أقل جودة من سواها، وهذا الذي حدث هو أمر طبيعي، وقد كان يحدث عكس ذلك لو زاد عدد السكان، أي إنه عندما نقص عدد السكان في عهد العرب نقصا كبيرا، وقل عددهم في المناطق الجيدة التربة، ترك أولئك الذين كانوا يعيشون في مناطق أراضيها أقل جودة أطيانهم، ونزحوا إلى المناطق التي تربتها جيدة لاستغلالها.
ونختتم هذا الفصل مقررين أن الفتح العربي أتى في نهاية العصر البيزانطي الذي كان عصر تأخر واضمحلال وأقل يسارا من عصر الرومان، فمن غير المعقول كما يلوح لنا أن يكون عدد سكان مصر في عهد الرومان أقل منه عندما فتحها العرب.
ولم يبق علينا بعد ذلك إلا أن نقدر قيمة الخراج في عهد الفراعنة، فإذا روعي أنه عندما فتحت العرب مصر لم يكن الخراج يفرض إلا على الحبوب، وأن ذلك لم يكن بدعة ابتدعوها، بل كان شيئا مقررا وجدوه فأقروه كما ذكر ذلك ابن عبد الحكم في كتابه «فتوح مصر» (ص153)؛ يمكننا أن نقول: إن الخراج في عهد الفراعنة كان لا يفرض إلا على الحبوب أيضا.
وبما أن محصول الحبوب كان 60 مليون إردب فيكون عشره حسبما روى ماسبيرو ولمبروزو 6 ملايين إردب، وبضرب هذا العدد في 35 قرشا ثمن الإردب، يكون الناتج 2100000ج.م وهو قيمة خراج الحبوب، ويكون على الفدان الواحد 35 قرشا.
وقالت الآنسة هارتمان
Ms. Hartmann
في كتاب «الزراعة في مصر في الزمن القديم» (ص142): إنه جاء في سفر التكوين بالتوراة (61-56) أن خمس المحصول في عهد الإمبراطورية الوسطى كان يؤخذ فورا عن ضريبة الخراج.
ويفهم من هذا أن ضريبة الخراج في ذاك الوقت كانت ضعف الضريبة السابقة، أي إنها تساوي 20٪، وبضرب 12000000 إردب في 35 قرشا ثمن الإردب، تكون جملة الخراج السنوي لهذا العهد هي 4200000ج.م باعتبار أن ضريبة الفدان الواحد 70 قرشا.
أما مؤلفو العرب فقد نهجوا في هذا القسم ما نهجوه في قسم الإيرادات، ودونوا لمبالغه أرقاما هي إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة، وإليك ما قاله هؤلاء:
قال ابن خرداذبة في كتابه «المسالك والممالك» (ص83):
كان خراج مصر في أيام فرعون ستة وتسعين ألف ألف دينار (56000000ج.م). ا.ه.
وقال أبو صالح الأرمني في تاريخه «الكنائس» (ص30):
بلغ خراج مصر على يد يوسف بن يعقوب بعد عمارتها بعزمه أربعة وعشرين ألف ألف وستمائة ألف دينار (14760000ج.م). ا.ه.
وقال ابن وصيف شاه كما جاء في كتاب «الخطط المقريزية» (ج1 ص75):
كان منقاوس قسم خراج البلاد أرباعا، فربع للملك خاصة يعمل فيه ما يريد، وربع ينفق في مصالح الأرض وما تحتاج إليه من عمل الجسور وحفر الخلج وتقوية أهلها على العمارة، وربع يدفن لحادثة تحدث أو نازلة تنزل، وربع للجند. وكان خراج البلد ذلك الوقت مائة ألف ألف وثلاثة آلاف ألف دينار (61800000ج.م) وقسمها على مائة وثلاث كور بعدة الآلاف، ويقال إن كل دينار عشرة مثاقيل من مثاقيلنا الإسلامية، وهي اليوم خمس وثمانون كورة، أسفل الأرض خمس وأربعون كورة، والصعيد أربعون كورة، وفي كل كورة كاهن يدبرها وصاحب حرب. ا.ه.
وقال ابن وصيف شاه أيضا كما جاء في كتاب «بدائع الزهور» لابن إياس (ص17):
إن خراج مصر كان في زمن فرعون موسى يجبى في كل سنة اثنين وسبعين ألف ألف دينار (43200000ج.م). ا.ه.
وقال المقريزي في خططه ج1 ص75:
بلغ خراج مصر في أيام الريان بن الوليد وهو فرعون يوسف عليه السلام سبعة وتسعين ألف ألف دينار (58200000ج.م)، فأحب أن يتمه مائة ألف ألف دينار (60000000ج.م)، فأمر بوجوه العمارات وإصلاح جسور البلد، والزيادة في استنباط الأرض حتى بلغ ذلك وزاد عليه. ا.ه.
وقال أبو المحاسن في كتابه «النجوم الزاهرة» (ص49):
أما خراج مصر قديما فقيل: إن كيقاوس أحد ملوك القبط الأول جبى خراجها، فجاء مائة ألف ألف وثلاثين ألف دينار (60018000ج.م). ا.ه.
وأما من حيث الأراضي المزروعة ومساحتها فقد ذكر العرب أرقاما عنها تضاهي التي ذكروها عن الخراج، فهي أيضا أقرب إلى الخيال بلا ريب، وإليك ما ذكره هؤلاء بهذا الصدد:
قال المسعودي كما جاء في كتاب «نشق الأزهار» لابن إياس ص38:
آخر ما اعتبر من أحوال أراضي مصر، فوجد حرثها ستين يوما ومساحة أرضها مائة ألف ألف وثمانين ألف ألف فدان، وأنه لا يتم خراجها حتى يكون فيها أربعمائة ألف وثمانون ألف حراث يلزمون العمل دائما، فإذا أقيم بها ما ذكرنا تمت عمارتها وكمل خراجها. ا.ه.
وهذا النص لم نعثر عليه في أي كتاب من كتب المسعودي التي نشرت.
وقال ابن إياس في كتابه «بدائع الزهور» (ج3 ص266):
كانت مساحة أراضي مصر في زمن الفراعنة مائة ألف ألف فدان وثمانين ألف ألف فدان تزرع غير البور. ا.ه.
ملخص
ونلخص لك في هذا الجدول مبالغ الخراج في هذا العصر مقدرة بالجنيهات المصرية.
الخراج
المساحة المزروعة
متوسط خراج الفدان
جنيهات مصرية
أفدنة
قروش
ماسبيرو ولمبروزو تقدير 10٪
2100000
6000000
35
الآنسة هارتمان تقدير 20٪
4200000
6000000
70
ابن خرداذبه
الفراعنة
56000000
6000000
أبو صالح الأرمني
يوسف بن يعقوب
14760000
6000000
ابن وصيف شاه
منقاوس
61800000
6000000
فرعون موسى
43200000
6000000
المقريزي
الريان بن الوليد
58200000
6000000
الريان بن الوليد
60000000
6000000
أبو المحاسن
كيقاوس
60018000
6000000
المسعودي
180000000
ابن إياس
180000000
حاشية
بعدما أتممنا هذا الكتاب كتب مسيو براتشيا مدير المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية - وقد اطلع عليه قبل نشره - إلى الأستاذ بلوخ ليستعلم منه عما إذا كانت آراؤه في تقدير سكان مصر قديما ما زالت الآراء التي جاهر بها في مؤلفه المطبوع عام 1886م.
وقد أخبرني مسيو براتشيا مع المسرة أن ذلك المؤلف النابغة رد عليه بأن استكشافات أوراق البردي اليونانية الرومانية تدعو إلى الاعتقاد بأن عدد سكان مصر كان أوفر مما أخذ عن كتب الأدب، وهو العدد المعول عليه إلى الآن.
وها هو الأستاذ بلوخ قد أظهر في الباب الثالث من مؤلفه الذي طبع عام 1904م أنه يميل إلى تقدير عدد لا يقل كثيرا عن عشرة ملايين (والمؤلف ولكن يعتبر السكان 7 ملايين تقريبا في عصر البطالسة).
والآن يرى الأستاذ بلوخ أن هذه المسألة يجب دارستها على أسس جديدة بالتعويل على جميع الأدلة التي في أوراق البردي، مع عدم إغفال محاصيل الحبوب.
ويقال له أيضا رمسيس الثاني، خلف والده سيتي الأول في الحكم حوالي عام 1330ق.م ومات ما بين سنة 1270 و1260ق.م.
الآر يساوي مائة متر مربع.
الفصل الثاني
عصر البطالسة
من سنة 306ق.م إلى 30ق.م
لم يذكر قدماء المؤرخين أي رقم نقف منه على مقدار الخراج في هذا العصر، ومع ذلك فسنبذل الجهد للوقوف عليه بالاستنتاج مما رووه لنا.
ذكر ديودور وهو المؤرخ الذي زار القطر قبيل نهاية هذا العصر في «الكتاب الأول، الفقرة 73» أن الأراضي كانت مقسمة إلى ثلاثة أقسام؛ فالقسم الأول وهو أكبرها كان للكهنة، وكان إيراده يدفع ثمنا للذبائح التي تقدم قرابين في أنحاء القطر كله، والقسم الثاني كان ملكا للتاج، وكان الملك ينفق من إيراده في الحروب، وما يلزم لحفظ أبهة بلاطه وعظمته، وبواسطة دخله العظيم كان في استطاعته أن يكافئ الذين يمتازون عن غيرهم بعمل من الأعمال المجيدة، وذلك بدون أن يلتجئ إلى إرهاق الأهالي بفرض ضرائب باهظة عليهم، والقسم الثالث كان يمتلكه رجال الحرب الذين كانوا بالنسبة إلى مركزهم الممتاز ولما يتمتعون به من الفوائد مضطرين أن يلبوا كل نداء يوجه إليهم، ويكون له اتصال بالخدمة العسكرية. ا.ه.
ثم ذكر ديودور في «الفقرة 74» أن المزارعين كانوا يستأجرون الأراضي الخصبة التي في حوزة الملوك والكهنة ورجال الحرب بإيجار زهيد، وكانوا في سائر الأزمان يستخدمون في فلاحتها.
ويتضح من ذلك أن توزيع ملكية الأراضي لم يسر على وتيرة واحدة في كل من عهدي الفراعنة والبطالسة؛ فقد كانت الأطيان توزع على الأهالي في العصر الأول كما ذكر هيرودوت عند الكلام على هذا العصر، بينما كانت ملكيتها في العصر الثاني تنحصر كما ذكر ديودور في ثلاث طبقات؛ هم الكهنة والملوك ورجال الحرب، أما الأهالي فما كانوا إلا مستأجرين لها.
ويظهر أن الخراج في هذا العهد لم يكن سائرا على الطريقة التي كانت متبعة في عصر الفراعنة؛ إذ بينما يقول هيرودوت: إن أراضي الكهنة ورجال الحرب كانت معفاة منه في عصر الفراعنة، يقول لمبروزو في الصفحة 293 من مؤلفه: إن الكتابة التي على حجر رشيد (عام 196ق.م) - أي في أواسط عهد البطالسة - تنبئ بأن الحكومة كانت تجبي إرتبا واحدا عن كل أرور من أراضي الكهنة المخصصة للزراعة، أي خمس إردب عن كل 15 قيراطا و18 سهما، أو بعبارة أخرى ثلاث كيلات ونصف كيلة (
لترا) عن كل فدان تقريبا.
فإذا قدرنا متوسط محصول الفدان بعشرة أرادب كما هو الحال في عصر الفراعنة - وليس يوجد ما يمنعنا من هذا التقدير - كانت نسبة الخراج على الأراضي الممتازة 3٪ تقريبا.
ويظهر أن هذه النسبة مع كونها فرضت على أراض حفتها نعمة الامتياز منخفضة جدا، ومع ذلك فلا يجوز لنا استصغارها، لا سيما أنه لا يعزب عن بالنا أن الملوك كما روى ديودور كانوا يمتلكون جزءا من ثلاثة أجزاء من الأرض، وكانوا لا ينفقون من ريعه إلا في حوائجهم التي كانت قليلة، وأن طبقتي الكهنة ورجال الحرب كانتا تنفقان من ريع الجزأين الباقيين فيما يلزم محال العبادة والحروب، وبهذه الطريقة لم يكن الملوك في حاجة إلى دخل جسيم؛ ولذلك نرى إيرادات مصر وفي جملتها الخراج أقل كثيرا في عصر البطالسة منها في العصور الأخرى.
وبما أن الأراضي كانت مقسمة إلى ثلاثة أقسام غير متساوية - كما سبق قول ذلك - فسنحاول الوصول إلى معرفة مساحة كل قسم منها على حدة بوجه التقريب.
لقد سبق أن قدرنا المساحة المزروعة في مصر في عصر الفراعنة بستة ملايين من الأفدنة، وبما أنه ليس ثم من داع يدعونا إلى الظن بأن هذا القدر من المساحة حدثت فيه زيادة أو نقص، فينبغي أن نعتبره المساحة التي كانت مزروعة في عهد البطالسة، وأن نعتبر محصول المزروعات على تباين أنواعها الذي كان يؤخذ عنه الخراج ستين مليون إردب، وبذلك يكون متوسط محصول الفدان السنوي عشرة أرادب.
ومتى تقرر ذلك ينبغي لنا أن نعين مقدار كل حصة من هذه الحصص الثلاث التي لم تكن متساوية.
فالأولى خاصة بالكهنة وهي أهمها حسب شهادة ديودور، وكانت حتما أكثر من الثلث ولنقدرها نحن ب 2500000 فدان، ونقدر محصولها ب 25000000 إردب، أما قيمة المربوط من الخراج على هذا القسم فمعلوم لدينا بكيفية لا يتطرق إليها الشك، كما سبق الإيضاح، وهذه القيمة هي 3٪، وعلى هذا تكون جملة خراج ال 25 مليون إردب بواقع 3٪ هي 750000 إردب، وبضرب هذا العدد في 35 قرشا ثمن الإردب، ينتج 262500ج.م وهو جملة خراج هذه الحصة بالنقود.
وأما الحصة الثانية الخاصة بالملوك فهي وإن كانت مساحتها أقل من مساحة الحصة الأولى، وذلك لمراعات حرمة رجال الدين الواجبة، إلا أنها كانت أزيد من الحصة الثالثة بلا نزاع، ونحن نقدر مساحتها بالثلث، أي 2000000 فدان، ونقدر محصولها ب 20000000 إردب، ولا حاجة بنا إلى القول بأن هذا القسم كان ولا مراء معفى من الخراج.
والحصة الثالثة الخاصة برجال الجيش، والتي كانت بالضرورة أقل مقدارا من الحصتين الأوليين كانت مكونة من باقي المساحة، أي من 1500000 فدان، وكان محصولها 15000000 إردب. أما الخراج الذي كان مربوطا عليها، فليس لدينا أي مستند نقف منه على تقديره، إلا أنه يلوح لنا أنه إذا كان مركز رجال الكهنوت المشرف الذي خول لهم الحصول على حصة تزيد في المساحة على حصة الملوك جعلهم يدفعون 3٪؛ فلا نكون مغالين إذا قدرنا نسبة ما كان يدفعه رجال الحرب ب 10٪، أي 1500000 إردب، وبضرب هذه الكمية في 35 قرشا ثمن الإردب الواحد، يكون الناتج 525000ج.م وهو قيمة خراج هذه الحصة السنوي.
وعلى ذلك تكون جملة الخراج في هذا العصر 787500ج.م وذلك عن الأربعة ملايين الفدان المربوط عليها الخراج، وهذا المبلغ هو جملة خراج حصتين، ويكون متوسط خراج الفدان الواحد فيهما
من القروش.
الفصل الثالث
عصر الرومان
من سنة 29ق.م إلى 395م
زار استرابون مصر في عصر الرومان ووصفها من الوجهة الجغرافية وصفا غاية في الدقة، لكنه مع الأسف أمسك عن الكلام على مورادها المالية إمساكا تاما، وقصر وصفه على أنها أصبحت الآن ولاية رومانية تدفع جزية جسيمة (راجع الكتاب 17 الفقرة 12).
ثم روى في «الكتاب 17 الفقرة 13» أن دخل القطر في عهد بطليموس أوليت بلغ 12500 تالان (2700000ج.م)، وعندئذ جالت بفكره ضخامة هذا الإيراد، فقال: أية المبالغ يا ترى كان هذا القطر يعجز عن توريدها في عهد حكومة الرومان القديرة، وقد كان يورد من قبل قدرا طائلا كهذا في عهد أسوأ الملوك وأردئهم؟
هذا ومع ما قاله استرابون من عبارات الثناء والمديح على الإدارة الرومانية، فإنه لم يذكر أي رقم عن إيرادات مصر في عهدها.
ومع التسليم بأن هذه الإدارة كانت أجل وأرقى كثيرا من إدارة أواخر ملوك البطالسة، فإنه يلوح لنا أن ضخامة الدخل التي ذكرها استرابون لا يمكن أن تعزى كلها إلى هذا السبب.
وقد كان حكم الرومان لمصر يختلف كثيرا عن حكم اليونان لها؛ لأنه بينما كان ملوك البطالسة يعتبرون أنفسهم ملوكا وطنيين، ويقنعون بما تدره أملاكهم عليهم من الخيرات دون التجائهم إلى ربط ضرائب باهظة، كان الرومانيون على العكس لا سيما أغسطس الذي صير البلد ملكا خاصا له، واصطبغ بصبغة الفاتح والسيد الأجنبي، ورمى وراء ظهره مصلحة الأهالي ورفاهتهم، وكان قلما يعبأ بمصالحهم أو ينظر إليها، ووجه كل همه لتسيير أحكامه عليهم بكيفية تجلب له كل ما يستطاع من المنافع.
وأيد استرابون مسألة وفاء النيل وغمر مائه جميع الأراضي، الأمر الذي كان يسوغ جباية الخراج بتمامه بانتظام (راجع الكتاب 17 الفقرة 2) فقال:
في الأزمان السابقة لحكم بيترون
لما كانت مياه النيل ترتفع إلى أربعة عشر ذراعا، كان الناس يعتبرون أن الفيضان بلغ النهاية القصوى، وأنه أصبح في حيز الإمكان إنتاج أكبر محصول، ولما كانت المياه تصل إلى ثمانية أذرع فقط، كانوا على العكس يتوقعون نزول القحط، فتبدلت هذه الأحوال جميعها في عهد بيترون بحيث أصبح فيضان النيل إذا وصل إلى اثني عشر ذراعا، كان لا بد من الحصول على أعظم محصول، حتى إنه حدث في سنة من السنين أن الفيضان لم يجاوز الثمانية أذرع، ومع ذلك لم يشعر إنسان بحدوث مجاعة، وليس في ذلك من عجب؛ لأن هذا هو النتيجة الطبيعية للإدارة الرشيدة. ا.ه.
وقال رينيه
Reynier
في هذا الصدد (راجع كتاب مصر في عهد حكم الرومان ص137):
لم يحدث أي تبديل أو تغيير في نظام الزراعة بمصر؛ لأن النظام السالف روعي في وضعه الحالة الطبيعية للإقليم في فصول السنة مراعاة دقيقة جعلته مرتبطا بها ارتباطا وثيقا، لدرجة أنه لم يكن في حيز الإمكان إحداث تغيير أو تبديل فيه دون أن يجر ذلك إلى إفساده. ولقد استطاع الرومان تبديل الألفاظ إلا أنهم اضطروا إلى إبقاء الأشياء على ما هي عليه، ومع ذلك فإن مجاوزتهم حد السلطة والمفاسد التي تركها ارتشاء الأشخاص الذين أظلتهم المحسوبية وعدم جدارة الإمبراطورية؛ ألحقت الأذى والضرر بالمزارعين والفلاحة.
ومجاوزة حد السلطة هذه كانت تعديا على القانون، ولم تكن بمثابة نظام جديد. ا.ه.
ومن الواضح الجلي أنه لم يحدث أي تغيير من الوجهة الإدارية، ولكن يلوح لنا أنه لا بد من أنه حدث تغيير كلي في ملكية الأراضي، فأغسطس حل بحكم الطبع محل البطالسة، وامتلك جميع أراضيهم، ومن ثم يشك المرء في أن طبقة الكهنة قد نالت في عصره نفس المراعاة والامتيازات التي كانوا يتمتعون بها من قبل.
أما طبقة رجال الحرب فبالطبع قد توارت أشباحها أمام جيش الاحتلال الروماني الظافر، وما حل بأرض هاتين الطبقتين فغامض وغير معلوم لدينا.
أما من جهة تقدير الخراج فإن ماركاردت روى عنه في كتاب «دليل المؤلفين الرومانيين» (ج10 ص294) ما يأتي:
استمر فرض الخراج الذي بواقع خمس المحصول لغاية القرن الخامس بعد الميلاد، ولما كان في عهد البطالسة جانب من هذا الخراج يدفع نقدا، والجانب الآخر يدفع عينا، فلا يستبعد أن الجانب العيني في عصر الرومان كان أكبر منه في عصر البطالسة، وأنه كان يستنزل من أصل الجزية كما كان الحال في هذا العصر. وكذلك كان الشأن في باقي المستحقات العينية بمصر في زمن الإمبراطورية، مثل: البلور، وأوراق البردي، والمنسوجات الكتانية والمشاقة، وغير ذلك مما كان يحتاج إليه البلاط الملكي والمصالح.
ويؤخذ من النص المتقدم أن مقدار ضريبة الخراج الذي كان مقررا في هذا العصر هو 20٪ من المحصول، وأن أسلوب الري الذي كان معمولا به في هذا الحين هو ذلك الأسلوب العجيب الذي وصفه لنا استرابون. وكان من فوائده أنه متى بلغ الفيضان اثني عشر ذراعا يكون الوصول إلى جني أكبر محصول من الأمور المحققة، وأنه إذا لم يصل إلا إلى ثمانية أذرع فقط لا يشعر أحد بحلول مجاعة، ومن ثم ينبغي أن نكون واثقين من أن المساحة التي كانت تغمرها المياه والمحصول الذي كان ينتج منها لا يقلان بلا مراء عنهما في عصر الفراعنة إن لم يكونا أزيد من ذلك. هذا، ومع الاسترشاد بما جبي في عصر العرب الذي كان بلا نزاع أقل عمرانا وازدهارا من عصر الرومان؛ نقدر أن القطر كان في حالة تمكنه من أن يدفع بلا عناء خراجا قدره 4500000ج.م عن مسطح قدره ستة ملايين من الأفدنة، أي بواقع 75 قرشا عن الفدان الواحد.
الفصل الرابع
عصر البيزانطيين
من سنة 396م إلى سنة 640م
لا يوجد لدينا أي دليل نسترشد به بطريقة عامة في معرفة الخراج أو المساحة التي كان مربوطا عليها في هذا العهد، فيكفينا أن نقنع ببعض معلومات جزئية في هذا الشأن.
تقول الآنسة رويارد في كتاب «إدارة مصر المدنية في عصر البيزانطيين» (ص82):
إن مقدار الخراج الذي كان يجبى نقدا من الولاية لم يكن بمعدل واحد؛ لأن القاعدة التي بني عليها هي مقدار صلاحية الأرض ودرجات خصبها. والدليل على ما تقدم عريضة الشكوى التي قدمها سكان أفروديتو إلى أمير طيبائيد،
1
فقد قالوا فيها إن تربة قريبتهم رملية قليلة الخصب، والخراج المربوط عليها مساو للخراج المفروض على باقي أراضي المنطقة، أي بواقع قيراطين عن الأرور من الأرض الزراعية، وثمانية قراريط عن الأرور من أرض الكروم، وهذا الذي ربط عليها وضعه مفتشون من قبل الإمبراطورية كلفوا بتقدير الخراج على سائر أراضي الولاية.
ونتج من قاعدة تقسيم ضريبة الخراج إلى فئات متفاوتة حسب خصب التربة أن صار في حيز الإمكان تخفيض خراج قرية كذا أو كذا من قرى الولاية، سواء أكان ذلك بصفة نهائية أو استثنائية أم بسبب رداءة المحصول، وكان متى تم تقدير الخراج على كل قسم من أقسام الولاية لا يبقى لأجل تعيين الخراج الذي يفرض على كل قرية إلا تقدير مساحة أراضيها.
ومنذ عهد قسطنطين كانت القاعدة في توزيع الخراج على النواحي عدة أطيان كل ناحية حتى لو كانت بلقعا يبابا وليس لها مالك، مراعاة للتضامن في المسئولية التي كانت ملقاة على ممولي الإمبراطورية. وكانت الحكومة للوثوق من تحصيل الخراج ولدفع انحطاط الزراعة الذي كان آخذا في الازدياد تلزم المزراعين الباقين بالقرية بعد هرب أصحاب الأطيان، وتركهم الأراضي تخلصا من دفع خراجها؛ أن يضعوا أيديهم على الأرض التي زايلها ملاكها والأرض البور. وعندما قرر جوستنيان نظام الخراج توسع فيه وأدمجه في مجموعة قرارات كبار المشرعين الرومانيين، وإليك ترجمة مثال منقول من ورقة بردي وجدت بالقاهرة (رقم 67313) بصدد نقل مسئولية الخراج:
عندما يترك ذوو الأطيان أرضا عديمة الإنتاج ليضعوا خراجها على كاهل أهل القرية كانوا يفقدون بعملهم هذا حقوقهم في جميع ممتلكاتهم بها، وبما أن السكان الآخرين الباقين في تلك القرية كانوا ملزمين بدفع خراج الأرض المتروكة، كانت الحكومة تعوض هؤلاء بعض التعويض بمنحهم الأراضي الخصبة التي ألزم ملاكها بالتنازل عنها. ا.ه.
وقالت المؤلفة أيضا في الصفحة 124:
إن مصر بسبب أن مزروعاتها تحت رحمة فيضانات النيل وأخطارها أصبحت أقل الأقطار استعدادا لتوزيع الخراج العيني بنسبة مساحة الأملاك، ولقد راعى قانون ديوكلتيان
Dioclétien
في ذلك التقاليد المصرية القديمة، واستمرت مراعاة خصب الأراضي المربوط عليها الخراج إلى القرن السادس، ففي مدينة أنطايوبوليس مثلا قسمت الأطيان بحسب حالتها إلى أرض معدة للزراعة وجزر ومستنقعات وكروم وبساتين.
وعمل حساب أراتب القمح التي يجب جباتها عن كل أرور من هذه الأقسام، ففرض على الأرور من الأرض المعدة للزراعة
من الأراتب، ومن المستنقعات
و
و
من الإرتب، ومن البساتين
و
من الإرتب (راجع ورقة بردي القاهرة رقم 67057). ا.ه.
ويستخلص مما سبق إيضاحه أن ضريبة الخراج كانت تجبى كما كان الحال في كل الأزمان نقدا وعينا.
أما بلدة أفروديتو (كوم أشقاو من قرى مديرية جرجا مركز طهطا) التي يتظلم سكانها من ربط قيراطين (8 قروش) على كل أرور (15 قيراطا و18 سهما) من أرض الزراعة (أي بواقع 15 قرشا عن الفدان الواحد تقريبا)، فكان معدن ترتبتها كما يفهم من هذه الشكوى أدنى من المتوسط العام لأطيان القطر.
وأما ناحية أنطايوبوليس (قاو الكبيرة من قرى جرجا مركز طهطا) فكانت الضريبة العينية على كل أرور من أراضيها الزراعية إرتبا وربع إرتب من القمح (3 كيلات تقريبا)، أي بواقع خمس كيلات عن الفدان الواحد بوجه التقريب، فإذا فرضنا أن ثمن الإردب 35 قرشا كان خراج الفدان الواحد أيضا 15 قرشا.
ويظهر أن أراضي هاتين الناحيتين الواقعة كلتاهما على تخوم الأخرى لم تكن معدودة من الأراضي التي بلغت من الجودة مبلغا كبيرا، كما يتبين ذلك من تظلم أهالي الناحية الأولى، بل كانت أحط من المتوسط العام، وإن كانت تعد في أيامنا هذه من الأطيان الجيدة.
وعلى ذلك نرى أن متوسط جباية الخراج عن الفدان الواحد في ذلك الوقت كان نحو الثلاثين قرشا، وبضرب هذا المتوسط في 6000000 فدان مساحة الأراضي المزروعة، يكون الناتج 1800000ج.م وهو جملة الخراج في هذا العهد.
طيبائيد: اسم أعالي مصر في ذلك العهد.
الفصل الخامس
عصر العرب
من سنة 20ه/641م إلى 922ه/1516م
تمهيد الخراج
عندما تفتح البلاد عنوة يجوز للخليفة على مقتضى الشريعة الإسلامية أحد هذين الأمرين: (1)
وضع يده على أرضها وقسمتها بين الفاتحين. (2)
تركها تحت أيدي أهل البلاد وتوظيف الخراج عليها.
أما إذا فتحها صلحا فيجب احترام ما صالح عليه أهلها احتراما كليا.
ولما فتح العرب مصر أثار هذا الفتح مسألة معرفة ما إذا كانت فتحت عنوة أو صلحا مبنيا على عهد وشروط، ونتج عن ذلك جدل بين مختلفي المؤرخين فيما بعد ، فبعضهم يميل إلى الرأي الأول وبعضهم ينتصر للثاني، على أننا نعترف بأنه يوجد ما يدعو للانتصار لرأي كل فريق منهما.
فرأي الفريق الأول مبني على أن البلد دافع عن نفسه بالقوة، ثم رجع وسلم بعهد أبرم بين المقوقس وعمرو، وذلك حقيقة ما حصل، وبمقتضى هذا العهد التزم الأول بالنيابة عن أهل مصر أن يدفع جزية قدرها ديناران (120 قرشا) عن كل شخص، ولكن بما أنه قامت فيما بعد وقائع حربية في ترنوط وكوم شريك وسلطيس والكريون، وكثير من المدن تم الاستيلاء عليها بقوة السلاح، مثل: سخا والخيس وسلطيس وقرطاسة ومصيل وبلهيب وإسكندرية؛ فأنصار هذا الرأي يعتبرون العهد المبرم مع المقوقس قد أصبح في حكم الملغى، وأن البلاد يجب أن تعامل بحكم المفتوحة عنوة.
وأما أنصار الرأي الثاني فيبنونه على أن العهد قد ربط البلاد كلها، ولا يمكن أن تلغيه المقاومة فيما بعد، وقد نفذ الشرط الأساسي فيه وهو جباية دينارين عن كل شخص، وهذا دليل على احترام هذا العهد. أما الإسكندرية فالكل أجمعوا على أنها أخذت عنوة، وأن معاملتها يصح أن تكون على هذا الاعتبار.
وقد عقد ابن عبد الحكم في كتابه «فتوح مصر» فصلين لهذه المسألة، خصص كلا منهما لكل من الرأيين السابقين، فجاء عن الرأي الأول بالصفحة 88 وما بعدها تحت العنوان الآتي ما نصه:
ذكر من قال فتحت مصر عنوة
وقال آخرون: بل فتحت مصر عنوة بلا عهد ولا عقد. حدثنا عبد الملك بن مسلمة وعثمان بن صالح قالا: حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عمن سمع عبيد الله بن المغيرة بن أبي بردة يقول: سمعت سفينان بن وهب الخولاني يقول: إنا لما فتحنا مصر بغير عهد قام الزبير بن العوام فقال: اقسمها يا عمرو بن العاص. فقال عمرو: والله لا أقسمها. قال الزبير: والله لتقسمنها كما قسم رسول الله
صلى الله عليه وسلم
خيبر. قال عمرو: والله لا أقسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين. فكتب إليه عمر: أقرها حتى يغزو منها حبل الحبلة.
1
قال ابن لهيعة : وحدثني يحيى بن ميمون ، عن عبيد الله بن المغيرة، عن سفيان بن وهب بهذا إلا أنه قال: فقال عمرو: لم أكن لأحدث فيهم شيئا حتى أكتب إلى عمر بن الخطاب. فكتب إليه، فكتب إليه بهذا. قال عبد الملك في حديثه: وإن الزبير صولح على شيء أرضي به.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة وعثمان بن صالح قالا: حدثنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة أن مصر فتحت عنوة. حدثنا عبد الملك، حدثنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال: سمعت أشياخنا يقولون: إن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد. قال ابن أنعم: منهم أبي يحدثنا عن أبيه، وكان ممن شهد فتح مصر. حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن وهب عن ابن أنعم قال: سمعت أشياخنا يقولون: فتحت مصر عنوة بغير عهد ولا عقد. حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة أن مصر فتحت عنوة. حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي قنان أيوب بن أبي العالية، عن أبيه، وأخبرنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن وهب، عن داود بن عبد الله الحضرمي أن أبا قنان حدثه عن أبيه أنه سمع عمرو بن العاص يقول: لقد قعدت مقعدي هذا، وما لأحد من قبط مصر علي عهد ولا عقد إلا أهل أنطابلس، فإن لهم عهدا يوفى لهم به. قال ابن لهيعة في حديثه: إن شئت قتلت وإن شئت خمست وإن شئت بعت. حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، عن عياض بن عبد الله الفهري، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عمرو بن العاص فتح مصر بغير عقد ولا عهد، وأن عمر بن الخطاب حبس درها وصرها أن يخرج منه شيء نظرا للإسلام وأهله. حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، عن عبد الرحمن بن شريح، عن يعقوب بن مجاهد، عن زيد بن أسلم قال: كان تابوت لعمر بن الخطاب فيه كل عهد كان بينه وبين أحد ممن عاهده، فلم يوجد فيه لأهل مصر عهد. قال عبد الرحمن بن شريح: فلا أدري أعن زيد حدث أم شيء قاله. فمن أسلم منهم فأمة ومن أقام فذمة.
حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار وعبد الملك بن مسلمة قالا: حدثنا ابن لهيعة، عن عبد الملك بن جنادة كاتب حيان بن سريج من أهل مصر من موالي قريش قال: كتب حيان إلى عمر بن عبد العزيز يسأله أن يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم، فسأل عمر عراك بن مالك، فقال عراك: ما سمعت لهم بعهد ولا عقد، وإنما أخذوا عنوة بمنزلة العبيد. فكتب عمر إلى حيان بن سريج أن يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم. قال: وسمعت يحيى بن عبد الله بن بكير يقول: خرج أبو سلمة بن عبد الرحمن يريد الإسكندرية في سفينة، فاحتاج إلى رجل يقذف به، فسخر رجلا من القبط فكلم في ذلك، فقال: إنما هم بمنزلة العبيد إن احتجنا إليهم. حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن لهيعة، عن الصلت بن أبي عاصم أنه قرأ كتاب عمر بن عبد العزيز إلى حيان بن سريج أن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد. حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، عن عبد الرحمن بن شريح، عن عبيد الله بن أبي جعفر أن كاتب حيان حدثه أنه احتيج إلى خشب لصناعة الجزيرة، فكتب حيان إلى عمر يذكر ذلك له، وأنه وجد خشبا عند بعض أهل الذمة، وأنه كره أن يأخذ منهم حتى يعلمه، فكتب إليه عمر خذها منهم بقيمة عدل؛ فإني لم أجد لأهل مصر عهدا أفي لهم به. حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال: حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى حيان بن سريج أن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد. حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن بن كعب بن أبي لبابة أن عمر بن عبد العزيز قال لسالم بن عبد الله: أنت تقول ليس لأهل مصر عهد؟ قال: نعم. حدثنا أسد بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب في رهبان يترهبون بمصر، فيموت أحدهم وليس له وارث، فكتب إليه عمر أن من كان منهم له عقب فادفع ميراثه إلى عقبه، ومن لم يكن له عقب فاجعل ماله في بيت مال المسلمين، فإن ولاءه للمسلمين. حدثنا يحيى بن خلد، عن رشدين بن سعد، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب أنه قال: كان فتح مصر بعضها بعهد وذمة وبعضها عنوة، فجعلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه جميعا ذمة، وحملهم على ذلك، فمضى ذلك فيهم إلى اليوم. ا.ه.
وجاء عن الرأي الثاني بالصفحة 84 وما بعدها تحت العنوان الآتي ما نصه:
ذكر من قال إن مصر فتحت بصلح
قال: ثم رجع إلى حديث موسى بن أيوب ورشدين بن سعد، عن الحسن بن ثوبان، عن حسين بن شفي أن عمرا لما فتح الإسكندرية بقي من الأساري بها ممن بلغ الخراج، وأحصي يومئذ ستمائة ألف سوى النساء والصبيان، فاختلف الناس على عمرو في قسمهم، فكان أكثر المسلمين يريدون قسمها، فقال عمرو: لا أقدر على قسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين. فكتب إليه يعلمه بفتحها وشأنها، وأن المسلمين طلبوا قسمها، فكتب إليه عمر: لا تقسمها وذرهم يكون خراجهم فيئا للمسلمين، وقوة لهم على جهاد عدوهم. فأقرها عمرو وأحصى أهلها وفرض عليهم الخراج، فكانت مصر كلها صلحا بفريضة دينارين دينارين على كل رجل لا يزاد على أحد منهم في جزية رأسه أكثر من دينارين، إلا أنه يلزم بقدر ما يتوسع فيه من الأرض والزرع إلا الإسكندرية، فإنهم كانوا يؤدون الخراج والجزية على قدر ما يرى من وليهم؛ لأن الإسكندرية فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد، ولم يكن لهم صلح ولا ذمة. حدثنا عثمان أخبرنا الليث قال: كان يزيد بن أبي حبيب يقول: مصر كلها صلح إلا الإسكندرية فإنما فتحت عنوة. حدثنا عثمان بن صالح، عن بكر بن مضر، عن عبيد الله بن أبي جعفر قال: حدثني رجل ممن أدرك عمرو بن العاص قال: للقبط عهد عند فلان وعهد عند فلان فسمى ثلاثة نفر. حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن شيخ من كبراء الجند أن عهد أهل مصر كان عند كبرائهم.
حدثنا هشام بن إسحاق العامري، عن الليث بن سعد، عن عبيد الله بن أبي جعفر قال: سألت شيخا من القدماء عن فتح مصر، فقال: هاجرنا إلى المدينة أيام عمر بن الخطاب وأنا محتلم فشهدت فتح مصر. قلت له: فإن ناسا يذكرون أنه لم يكن لهم عهد. فقال: ما يبالي ألا يصلي من قال إنه ليس لهم عهد. فقلت: فهل كان لهم كتاب؟ فقال: نعم، كتب ثلاثة؛ كتاب عند طلما صاحب اخنا، وكتاب عند قزمان صاحب رشيد، وكتاب عند يحنس صاحب البرلس. قلت: كيف كان صلحهم؟ قال: دينارين على كل إنسان جزية وأرزاق المسلمين. قلت: فتعلم ما كان من الشروط؟ قال: نعم، ستة شروط؛ لا يخرجون من ديارهم، ولا تنزع نساؤهم، ولا كفورهم، ولا أرضيهم، ولا يزاد عليهم. وحدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أنه حدثه عن أبي جمعة مولى عقبة قال: كتب عقبة بن عامر إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله أرضا يسترفق فيها عند قرية عقبة، فكتب له معاوية بألف ذراع في ألف ذراع، فقال له مولى له كان عنده: انظر أصلحك الله أرضا صالحة. فقال عقبة: ليس لنا ذلك، إن في عهدهم شروطا ستة؛ ألا يؤخذ من أنفسهم شيء، ولا من نسائهم، ولا من أولادهم، ولا يزاد عليهم، ويدفع عنهم موضع الخوف من عدوهم، وأنا شاهد لهم بذلك.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، عن أبي شريح عبد الرحمن بن شريح، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن أبي جمعة حبيب بن وهب قال: كتب عقبة بن عامر إلى معاوية يسأله بقيعا في قرية يبني فيه منازل ومساكن، فأمر له معاوية بألف ذراع في ألف ذراع، فقال له مواليه ومن كان عنده: انظر إلى أرض تعجبك فاختط فيها وابتن. فقال: إنه ليس لنا ذلك، لهم في عهدهم ستة شروط، منها أن لا يؤخذ من أرضهم شيء، ولا يزاد عليهم، ولا يكلفوا غير طاقتهم، ولا يؤخذ ذراريهم، وأن يقاتل عنهم عدوهم من ورائهم. حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن رجل من كبراء الجند قال: كتب معاوية بن أبي سفيان إلى وردان أن زد على كل رجل منهم قيراطا، فكتب وردان إلى معاوية: كيف تزيد عليهم وفي عهدهم أن لا يزاد عليهم شيء؟ فعزل معاوية وردان، ويقال: إن معاوية إنما عزل وردان كما حدثنا سعيد بن عفير أن عتبة بن أبي سفيان وفد إلى معاوية في نفر من أهل مصر، وكان معاوية ولى عتبة الحرب ووردان الخراج وحويت بن زيد الديوان، فسأل معاوية الوفد عن عتبة، فقال عبادة بن صمل المعافري: حوت بحر يا أمير المؤمنين ووعل بر. فقال معاوية لعتبة: اسمع ما تقول فيك رعيتك. فقال: صدقوا يا أمير المؤمنين، حجبتني عن الخراج ولهم علي حقوق، وأكره أن أجلس فأسأل فلا أفعل فأبخل. فضم إليه معاوية الخراج.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب وابن وهب، عن عمرو بن الحرث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عوف بن حطان أنه قال: كان لقريات من مصر منهم أم دنين وبلهيب عهد، وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سمع بذلك كتب إلى عمرو بن العاص يأمره أن يخيرهم، فإن دخلوا في الإسلام فذلك، وإن كرهوا فارددهم إلى قراهم. قال: وحدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن يحيى بن ميمون الحضرمي قال: لما فتح عمرو بن العاص مصر صولح على جميع من فيها من الرجال من القبط ممن راهق الحلم إلى ما فوق ذلك، ليس فيهم امرأة ولا صبي ولا شيخ، على دينارين دينارين، فأحصوا لذلك فبلغت عدتهم ثمانية آلاف ألف.
حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن وهب قال: سمعت حيوة بن شريح قال: سمعت الحسن بن ثوبان الهمداني يقول: حدثني هشام بن أبي رقية اللخمي أن عمرو بن العاص لما فتح مصر قال لقبط مصر: إن من كتمني كنزا عنده فقدرت عليه قتلته، وإن نبطيا من أهل الصعيد يقال له بطرس ذكر لعمرو أن عنده كنزا، فأرسل إليه فسأله فأنكر وجحد، فحبسه في السجن وعمرو يسأل عنه هل يسمعونه يسأل عن أحد؟ فقالوا: لا، إنما سمعناه يسأل عن راهب في الطور. فأرسل عمرو إلى بطرس فنزع خاتمه من يده ثم كتب إلى ذلك الراهب: أن ابعث إلي بما عندك وختمه بخاتمه، فجاءه رسوله بقلة شأمية مختومة بالرصاص، ففتحها عمرو فوجد فيها صحيفة مكتوبا فيها: ما لكم تحت الفسقية الكبيرة. فأرسل عمرو إلى الفسقية فحبس عنها الماء، ثم قلع البلاط الذي تحتها فوجد فيها اثنين وخمسين إردبا ذهبا مضروبة، فضرب عمرو رأسه عند باب المسجد، فذكر ابن أبي رقية أن القبط أخرجوا كنوزهم شفقا أن يبغى على أحد منهم فيقتل كما قتل بطرس. حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاص استحل مال قبطي من قبط مصر؛ لأنه استقر عنده أنه يظهر الروم على عورات المسلمين ويكتب إليهم بذلك، فاستخرج منه بضعة وخمسين إردبا دنانير.
قال: ثم رجع إلى حديث يحيى بن أيوب وخلد بن حميد قال: ففتح الله أرض مصر كلها بصلح غير الإسكندرية وثلاث قريات ظاهرت الروم على المسلمين؛ سلطيس، ومصيل وبلهيب، فإنه كان للروم جمع فظاهروا الروم على المسلمين، فلما ظهر عليها المسلمون استحلوها، وقالوا هؤلاء لنا فيء مع الإسكندرية، فكتب عمرو بن العاص بذلك إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر: أن تجعل الإسكندرية وهؤلاء الثلاث قريات ذمة للمسلمين ، ويضربون عليهم الخراج، ويكون خراجهم وما صالح عليه القبط كله قوة للمسلمين، ولا يجعلون فيئا ولا عبيدا. ففعلوا ذلك إلى اليوم. ا.ه.
ويستنتج من تلاوة ما تقدم أن عمر بن الخطاب أبى أن يجيب مطالب أولئك الذين كانوا تحت إمرة عمرو من مصادرة الأراضي وتقسيمها بينهم، وأنه تركها لذويها وفرض عليهم الخراج.
وبما أنه لم يذكر في حكمه هذا الأسباب التي حملته على إصداره بطريقة واضحة، فقد أدى ذلك إلى حدوث الخلاف الذي سبقت الإشارة إليه بين مختلفي المؤلفين؛ إذ يرجح أنه بناه على ما له من الحق المخول له من الشريعة في اتخاذ ما تقضي به المصلحة، كما يحتمل أنه بناه على أن البلد سلم بموجب معاهدة، ونحن نرى أن هذه المسألة تفسر بالطريقة الآتية، وهي: إن فتح العرب لمصر تم في طورين:
الأول:
يبتدئ من وقت الإغارة عليها وينتهي بإبرام المعاهدة مع المقوقس، وكانت مصلحة الروم فيه مرتبطة بمصلحة القبط، كما كان العرب في حالة حرب مع الاثنين بلا نزاع.
والثاني:
يبتدئ من إبرام المعاهدة مع المقوقس وينتهي بالاستيلاء على الإسكندرية، وفيه فصل العرب القبط عن الروم، فظلوا في حالة حرب مع هؤلاء، وعدوا القبط مرتبطين بالمعاهدة التي أبرمت مع المقوقس فكفوا عن قتالهم.
وما ذكره ابن عبد الحكم في كتابه بالصفحة 70 وما بعدها حجة يركن إليها في هذا الموضوع، قال راويا عن عثمان بن صالح:
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، عن يحيى بن ميمون الحضرمي قال: لما فتح عمرو بن العاص مصر صالح عن جميع من فيها من الرجال من القبط ممن راهق الحلم إلى ما فوق ذلك، ليس امرأة ولا شيخ ولا صبي، فأحصوا بذلك على دينارين دينارين، فبلغت عدتهم ثمانية آلاف ألف. قال: وحدثني عبد الله بن صالح، حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب أن المقوقس صالح عمرو بن العاص على أن يفرض على القبط دينارين دينارين على كل رجل منهم.
ثم قال: وشرط المقوقس للروم أن يخيروا ، فمن أحب منهم أن يقيم على مثل هذا أقام على ذلك لازما له مفترضا عليه ممن أقام بالإسكندرية وما حولها من أرض مصر كلها، ومن أراد الخروج منها إلى أرض الروم خرج، وعلى أن للمقوقس الخيار في الروم خاصة حتى يكتب إلى ملك الروم يعلمه ما فعل، فإن قبل ذلك ورضيه جاز عليهم وإلا كانوا جميعا على ما كانوا عليه. وكتبوا به كتابا وكتب المقوقس إلى ملك الروم كتابا يعلمه على وجه الأمر كله، فكتب إليه ملك الروم يقبح رأيه ويعجزه ويرد عليه ما فعل، ويقول في كتابه: إنما أتاك من العرب اثنا عشر ألفا وبمصر من بها من كثرة عدد القبط ما لا يحصى، فإن كان القبط كرهوا القتال وأحبوا أداء الجزية إلى العرب واختاروهم علينا، فإن عندك بمصر من الروم بالإسكندرية ومن معك أكثر من مائة ألف معهم العدة والقوة، والعرب وحالهم وضعفهم على ما قد رأيت، فعجزت عن قتالهم ورضيت أن تكون أنت ومن معك من الروم في حال القبط أذلاء، ألا تقاتلهم أنت ومن معك من الروم حتى تموت أو تظهر عليهم، فإنهم فيكم على قدر كثرتكم وقوتكم وعلى قدر قلتهم وضعفهم كأكلة، فناهضهم القتال ولا يكون لك رأي غير ذلك. وكتب ملك الروم بمثل ذلك كتابا إلى جماعة الروم، فقال المقوقس لما أتاه كتاب ملك الروم: والله إنهم على قلتهم وضعفهم أقوى وأشد منا على كثرتنا وقوتنا، إن الرجل الواحد منهم ليعدل مائة رجل منا، وذلك أنهم قوم الموت أحب إلى أحدهم من الحياة، يقاتل الرجل منهم وهو مستقتل يتمنى ألا يرجع إلى أهله ولا بلده ولا ولده، ويرون أن لهم أجرا عظيما فيمن قتلوا منا، ويقولون إنهم إن قتلوا دخلوا الجنة، وليس لهم رغبة في الدنيا ولا لذة إلا قدر بلغة العيش من الطعام واللباس، ونحن قوم نكره الموت ونحب الحياة ولذتها، فكيف نستقيم نحن وهؤلاء وكيف صبرنا معهم؟ واعلموا معشر الروم والله إني لا أخرج مما دخلت فيه، ولا صالحت العرب عليه، وإني لأعلم أنكم سترجعون غدا إلى رأيي وقولي وتتمنون أن لو كنتم أطعتموني؛ وذلك أني قد عاينت ورأيت وعرفت ما لم يعاين الملك ولم يره ولم يعرفه، ويحكم أما يرضى أحدكم أن يكون آمنا في دهره على نفسه وماله وولده بدينارين في السنة؟
ثم أقبل المقوقس إلى عمرو بن العاص فقال له: إن الملك قد كره ما فعلت وعجزني وكتب إلي وإلى جماعة الروم أن لا نرضى بمصالحتك، وأمرهم بقتالك حتى يظفروا بك أو تظفر بهم، ولم أكن لأخرج مما دخلت فيه وعاقدتك عليه، وإنما سلطاني على نفسي ومن أطاعني، وقد تم صلح القبط فيما بينك وبينهم ولم يأت من قبلهم نقض، وأنا متم لك على نفسي، والقبط متمون لك على الصلح الذي صالحتهم عليه وعاهدتهم، وأما الروم فأنا منهم بريء، وأنا أطلب إليك أن تعطيني ثلاث خصال، قال له عمرو: ما هن؟ قال: لا تنقض بالقبط، وأدخلني معهم، وألزمني ما لزمهم، وقد اجتمعت كلمتي وكلمتهم على ما عاهدتك عليه فهم متمون لك على ما تحب. وأما الثانية إن سألك الروم بعد اليوم أن تصالحهم فلا تصالحهم حتى تجعلهم فيئا وعبيدا فإنهم أهل ذلك؛ لأني نصحتهم فاستغشوني ونظرت لهم فاتهموني. وأما الثالثة أطلب إليك إن أنا مت أن تأمرهم يدفنوني في أبي يحنس بالإسكندرية. فأنعم له عمرو بن العاص بذلك وأجابه إلى ما طلب، على أن يضمنوا له الجسرين جميعا، ويقيموا لهم الأنزال والضيافة والأسواق والجسور ما بين الفسطاط إلى الإسكندرية، ففعلوا. وقال غير عثمان: وصارت لهم القبط أعوانا كما جاء في الحديث. ا.ه.
فيعلم من مطالعة ما تقدم أن المقوقس عندما أبرم المعاهدة مع عمرو حفظ حق الخيار فيها للروم فأبوها، واستمروا في محاربة العرب حتى استولى هؤلاء على الإسكندرية، وترتب على رفضهم هذا أن انفصل المقوقس ومعه القبط عن الروم، وطلب من عمرو أن يعده والقبط مرتبطين بالمعاهدة فأجابه إلى طلبه، ثم طلب منه أن يواصل الحرب مع الروم بلا مهادنة، وثبت بعد ذلك حصول هذا ثبوتا كليا من تحصيل الجزية بفريضة دينارين، أي 120 قرشا عن كل نفس، وهذا كان الشرط الأساسي في إبرام المعاهدة.
وقال ابن عبد الحكم أيضا في كتابه ص83:
إن أهل سلطيس ومصيل وبلهيب ظاهروا الروم على المسلمين في جمع كان لهم، فلما ظهر عليهم المسلمون استحلوهم، وقالوا: هؤلاء لنا فيء مع الإسكندرية. ا.ه.
وهذا يدل على أن استحلالهم كان لهذا السبب الخاص دون أن يكون له سبب آخر عام.
أما مدينة الإسكندرية فقد أجمع مؤلفو العرب على أن استحلالهم كان لاعتبارها مدينة رومية صرفة لا مصرية، ولهم الحق في ذلك.
ويظهر من جهة أخرى أن هذه الطريقة التي اتبعها عمر بن الخطاب كانت مبدأ سار عليه في بلاد أخرى.
قال أبو يوسف في كتابه «الخراج ص37» عن أراضي سورية والعراق:
وقد سأل بلال (بن رباح) وأصحابه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسمة ما أفاء الله عليهم من العراق والشام، وقالوا: اقسم الأرضين بين الذين افتتحوها كما تقسم غنيمة العسكر. فأبى عمر ذلك عليهم، وتلا عليهم هذه الآيات وهي: (1) )
ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ( . (2) )
للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ( . (3) )
والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ( . (4) )
والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ( .
ثم قال عمر: قد أشرك الله الذين يأتون من بعدكم في هذا الفيء، فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شيء، ولئن بقيت ليبلغن الراعي بصنعاء نصيبه من هذا الفيء ودمه في وجهه.
قال أبو يوسف: وحدثني بعض مشايخنا عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد (بن أبي وقاص ) حين افتتح العراق: أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر فيه أن الناس سألوك أن تقسم بينهم مغانهم وما أفاء الله عليهم، فإذا أتاك كتابي هذا فانظر ما أجلب الناس عليك به إلى العسكر من كراع ومال فاقسمه بين من حضر من المسلمين، واترك الأرضين والأنهار لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين، فإنك إن قسمتها بين من حضر لم يكن لمن بعدهم شيء، وقد كنت أمرتك أن تدعو من لقيت إلى الإسلام قبل القتال، فمن أجاب إلى ذلك قبل القتال فهو رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم وله سهم في الإسلام، ومن أجاب بعد القتال وبعد الهزيمة فهو رجل من المسلمين وماله لأهل الإسلام؛ لأنهم قد أحرزوه قبل إسلامه، فهذا أمري وعهدي إليك.
قال أبو يوسف: وحدثني غير واحد من علماء أهل المدينة، قالوا: لما قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيش العراق من قبل سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه؛ شاور أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم
في تدوين الدواوين، وقد كان اتبع رأي أبي بكر في التسوية بين الناس، فلما جاء فتح العراق شاور الناس في التفضيل، ورأى أنه الرأي، فأشار عليه بذلك من رآه، وشاورهم في قسمة الأرضين التي أفاء الله على المسلمين من أرض العراق والشام، فتكلم قوم فيها وأرادوا أن يقسم لهم حقوقهم وما فتحوا، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: فكيف بمن يأتي من المسلمين فيجدون الأرض بعلوجها قد اقتسمت وورثت عن الآباء وحيزت، ما هذا برأي. فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه: فما الرأي؟ ما الأرض والعلوج إلا مما أفاء الله عليهم. فقال عمر: ما هو إلا كما تقول ولست أرى ذلك، والله لا يفتح بعدي بلد فيكون فيه كبير نيل، بل عسى أن يكون كلا على المسلمين، فإذا قسمت أرض العراق بعلوجها، وأرض الشام بعلوجها فما يسد به الثغور، وما يكون للذرية والأرامل بهذا البلد وبغيره من أهل الشام والعراق؟
فأكثروا على عمر رضي الله تعالى عنه وقالوا: أتقف ما أفاء الله علينا بأسيافنا على قوم لم يحضروا ولم يشهدوا، ولأبناء القوم ولأبناء أبنائهم ولم يحضروا؟ فكان عمر رضي الله عنه لا يزيد على أن يقول: هذا رأي. قالوا: فاستشر. قال: فاستشار المهاجرين الأولين فاختلفوا، فأما عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه فكان رأيه أن تقسم لهم حقوقهم، ورأى عثمان وعلي وطلحة وابن عمر رضي الله عنهم رأي عمر، فأرسل إلى عشرة من الأنصار: خمسة من الأوس، وخمسة من الخزرج من كبرائهم وأشرافهم، فلما اجتمعوا حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: إني لم أزعجكم إلا لأن تشتركوا في أمانتي فيما حملت من أموركم، فإني واحد كأحدكم وأنتم اليوم تقرون بالحق، خالفني من خالفني ووافقني من وافقني، ولست أريد أن تتبعوا هذا الذي هواي، معكم من الله كتاب ينطق بالحق، فوالله لئن كنت نطقت بأمر أريده ما أريد به إلا الحق. قالوا: قل نسمع يا أمير المؤمنين. قال: قد سمعتم كلام هؤلاء القوم الذين زعموا أني أظلمهم حقوقهم، وإني أعوذ بالله أن أركب ظلما، لئن كنت ظلمتهم شيئا هو لهم وأعطيته غيرهم، لقد شقيت، ولكن رأيت أنه لم يبق شيء يفتح بعد أرض كسرى، وقد غنمنا الله أموالهم وأرضهم وعلوجهم، فقسمت ما غنموا من أموال بين أهله، وأخرجت الخمس فوجهته على وجهه وأنا في توجيهه، وقد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها، وأضع عليهم فيها الخراج، وفي رقابهم الجزية يؤدونها فتكون فيئا للمسلمين؛ المقاتلة والذرية، ولمن يأتي من بعدهم، أرأيتم هذه الثغور لا بد لها من رجال يلزمونها؟ أرأيتم هذه المدن العظام كالشام والجزيرة والكوفة والبصرة ومصر، لا بد لها من أن تشحن بالجيوش وإدرار العطاء عليهم؟ فمن أين يعطى هؤلاء إذا قسمت الأرضون والعلوج؟ فقالوا جميعا: الرأي رأيك، فنعم ما قلت وما رأيت، إن لم تشحن هذه الثغور وهذه المدن بالرجال وتجري عليهم ما يتقوون به، رجع أهل الكفر إلى مدنهم. فقال : قد بان لي الأمر، فمن رجل له جزالة وعقل يضع الأرض مواضعها ويضع على العلوج ما يحتملون؟ فاجتمعوا له على عثمان بن حنيف، وقالوا: تبعثه إلى أهم ذلك، فإن له بصرا وعقلا وتجربة.
فأسرع إليه عمر فولاه مساحة أرض السواد، فأدت جباية سواد الكوفة قبل أن يموت عمر رضي الله تعالى عنه بعام، مائة ألف ألف درهم، والدرهم يومئذ درهم ودانقان ونصف، وكان وزن الدرهم يومئذ وزن المثقال.
قال: وحدثني الليث بن سعد، عن حبيب بن أبي ثابت قال: إن أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وجماعة من المسملين أرادوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقسم الشام كما قسم رسول الله
صلى الله عليه وسلم
خيبر، وأنه كان أشد الناس عليه في ذلك الزبير بن العوام وبلال بن رباح، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: إذن أترك من بعدكم من المسلمين لا شيء لهم. ثم قال: اللهم اكفني بلالا وأصحابه. قال: فرأى المسلمون أن الطاعون الذي أصابهم بعمواس كان عن دعوة عمر. قال: وتركهم عمر رضي الله عنه ذمة يؤدون الخراج للمسلمين.
قال: وحدثني محمد بن إسحاق، عن الزهري أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه استشار الناس في السواد حين افتتح، فرأى عامتهم أن يقسمه، وكان بلال بن رباح من أشدهم في ذلك، وكان رأي عمر رضي الله تعالى عنه أن يتركه ولا يقسمه، فقال: اللهم اكفني بلالا وأصحابه. ومكثوا في ذلك يومين أو ثلاثة أو دون ذلك، ثم قال عمر رضي الله تعالى عنه: إني قد وجدت حجة؛ قال الله تعالى في كتابه: )
وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير (
حتى فرغ من شأن بني النضير، فهذه عامة في القرى كلها، ثم قال: )
ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ( ، ثم قال: )
للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ( ، ثم لم يرض حتى خلط بهم غيرهم، فقال: )
والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ( ، فهذا فيما بلغنا والله أعلم للأنصار خاصة، ثم لم يرض حتى خلط بهم غيرهم فقال: )
والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ( ، فكانت هذه عامة لمن جاء من بعدهم، فقد صار هذا الفيء بين هؤلاء جميعا؛ فكيف نقسمه لهؤلاء وندع من تخلف بعدهم بغير قسم، فأجمع على تركه وجمع خراجه.
قال أبو يوسف: والذي رأى عمر رضي الله عنه من الامتناع من قسمة الأرضين بين من افتتحها عندما عرفه الله ما كان في كتابه من بيان ذلك توفيقا من الله كان له فيما صنع، وفيه كانت الخيرة لجميع المسلمين، وفيما رآه من جمع خراج ذلك وقسمته بين المسلمين عموم النفع لجماعتهم؛ لأن هذا لو لم يكن موقوفا على الناس في الأعطيات والأرزاق لم تشحن الثغور ولم تقو الجيوش على السير في الجهاد، ولما أمن رجوع أهل الكفر إلى مدنهم إذا خلت من المقاتلة والمرتزقة، والله أعلم بالخير حيث كان. ا.ه.
المساحة المفروض عليها الخراج
يستفاد مما دونه مؤرخو العرب أن مصر تم مسح أرضها خمس مرات في عصرهم، وهي:
المرة الأولى على يد ابن رفاعة عامل الخراج في خلافة الوليد وأخيه سليمان بن عبد الملك، حوالي سنة 97ه/715م (راجع كتاب فتوح مصر لابن عبد الحكم ص156).
والثانية كانت على يد ابن الحبحاب في خلافة هشام بن عبد الملك، حوالي سنة 110ه/729م (راجع كتاب فضائل مصر للكندي ص201).
والثالثة كانت على يد ابن مدبر في خلافة المعتز بالله، حوالي سنة 253ه/867م (راجع كتاب النجوم الزاهرة لأبي المحاسن ج1 ص49).
والرابعة في زمن السلطان المنصور حسام الدين لاجين، في سنة 697ه/1298م (راجع كتاب بدائع الزهور لابن إياس ج1 ص137).
والخامسة في زمن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة 715ه/1315م (راجع خطط المقريزي ج1 ص87 و88، وكتاب بدائع الزهور ج1 ص159).
وسنتكلم عن هذه المساحات المختلفة فيما بعد، كل واحدة منها على حدة في الفصل الخاص بالحاكم الذي تمت في عهده.
الفدان
إن وحدة المقاييس التي كانت مستعملة في مصر لقياس الأراضي عندما فتحها العرب هي الأرور، ولكن سرعان ما رأينا مؤلفيهم يتكلمون عن الفدان.
فها هو ابن عبد الحكم يذكر في كتابه ص153 أن عمرو بن العاص فرض ضريبة على أرض مصر الزراعية باعتبار الفدان، وهو مقياس لم يدخله العرب معهم عندما فتحوا مصر؛ لأن المقياس المستعمل في الشام والعراق كان الجريب لا الفدان.
فيلوح من ذلك أن الفدان كان مقياسا وطنيا يستعمله القبط في مصر، وأن العرب أخذوه عنهم ولم يأتوا به من عندهم.
ولم تكن مساحة الفدان في الزمن الغابر مساوية لمساحته في عصرنا هذا، بل كانت أكبر منها، وإليك ما ذكره بعض المؤلفين عنها: قال ابن مماتي في كتابه «قوانين الدواوين» (ص32):
اتفق أهل مصر على أن يمسحوا أرضهم بقصبة تعرف بالحاكمية، طولها خمسة أذرع بالنجاري، فمتى بلغ الممسوح من الأرض أربعمائة قصبة سموه فدانا. ا.ه.
وقال القلقشندي في كتابه «صبح الأعشى» (ج3 ص446) تحت العنوان الآتي:
أرض الزراعة
قد اصطلح أهلها على قياسها بقصبة تعرف بالحاكمية، كأنها حررت في زمن الحاكم بأمر الله الفاطمي فنسبت إليه، وطولها ستة أذرع بالهاشمي كما ذكره أبو القاسم الزجاجي في «شرح مقدمة أدب الكاتب»، وخمسة أذرع بالنجاري كما ذكره ابن مماتي في «قوانين الدواوين»، وثمانية أذرع بذراع اليد كما ذكره غيرهما، وذراع اليد ست قبضات بقبضة إنسان معتدل، كل قبضة أربعة أصابع بالخنصر والبنصر والوسطى والسبابة، كل أصبع ست شعيرات معترضات ظهرا لبطن على ما تقدم في الكلام على الأميال. وقد تقدر القصبة بباعين من رجل معتدل، وربما وقع القياس في بعض بلاد الوجه البحري منها بقصبة تعرف بالسندفاوية أطول من الحاكمية بقليل نسبة إلى بلد تسمى سندفا بالقرب من مدينة المحلة، ثم كل أربعمائة قصبة في التكسير يعبر عنها بفدان، وهو أربعة وعشرون قيراطا، كل قيراط ست عشرة قصبة في التكسير. ا.ه.
ولأجل تعيين ما تساويه هذه القصبة من الأمتار يلزمنا أولا أن نقدر ما يساويه الأصبع.
لقد قدر جومار في المذكرة العجيبة التي وضعها في الطريقة المترية عند قدماء المصريين (كتاب وصف مصر ج1 جدول 8) مقدار الأصبع المستعمل في ذراع مقياس النيل بالروضة ب 0,022 من المتر، والأصبع المصري والعربي ب 0,019 من المتر، فيكون متوسطهما 0,020 من المتر لكل أصبع تقريبا، وهذا المقدار يعادل متوسط أربعة أصابع إنسان فعلا، وبضربه في أربعة أصابع وضرب الناتج في ست قبضات، ثم الناتج الثاني في ثمانية أذرع، يكون الناتج الأخير 3,84 من الأمتار وهو طول القصبة، وهذا المقدار مطابق لما سيذكر بعد مطابقة عجيبة: إن المقياس المتري المحكم لهذه القصبة لم يتكلم عنه سوى جاكوتان
Jacotin (كتاب وصف مصر جدول مساحة مصر ج2 ص573) قال:
الفدان مقياس زراعي بمصر، وتوجد أفدنة متباينة في المساحة، والفدان الآتي بيانه هو الأكثر شيوعا في سائر أنحاء مصر والأقرب إلى الصحة، ويعرف بفدان الرزق، وهو عبارة عن مربع طول ضلعه 20 قصبة، والقصبة مقياس طولي يستعمل في قياس الأراضي. ووجدت القصبة في عهد الخلفاء وأقرها السلطان سليم الأول، وحفظت بمسجد من مساجد الجيزة، وقد اعترفت بها الجميعة التي اختيرت لمسح الأراضي وعايرتها فكان طولها
من الأذرع البلدية، والذراع البلدي يساوي 0,5775 من المتر، فعلى هذا الحساب يكون مقدار القصبة الطولية 3,85 من الأمتار، والمربعة 14,8225 من الأمتار المربعة، وبضرب هذا المقدار في 400 ما يساويه الفدان من القصبات المربعة، يكون الناتج 5929 مترا مربعا، وهو مساحة الفدان. ا.ه.
وهذه المساحة يجب اعتبارها المساحة التي ذكرها جميع المؤلفين منذ فتح العرب مصر إلى حكم محمد علي.
أما تخفيض مساحة الفدان إلى 4200 متر مربع أو
قصبة مربعة، فقد حدث في عهد محمد علي، وها هو ما رواه بهذا الصدد مؤرخو عصره: قال مانجان في كتابه «مختصر تاريخ مصر» (ج2 ص338) ما ترجمته:
كانت القصبة القديمة طولها 3,85 من الأمتار، فخفضت إلى 3,64 من الأمتار، وأصبح الفدان الآن يساوي
قصبة مربعة. ا.ه.
وقال كلوت بك في كتابه «نظرة عامة حول مصر» (ج2 ص500):
إن مساحة الفدان
قصبة مربعة، والقيمة المترية للقصبة 3,15 من الأمتار، فتكون مساحة الفدان 4083 مترا مربعا. ا.ه.
وقال يعقوب أرتين باشا في كتابه «الملكية العقارية في مصر» (ص122):
إن محمد علي لما أمر بمسح الأراضي في سنة 1813م صدرت إرادته بأخذ متوسط لمساحة الفدادين الموجودة، فقدرت مساحة الفدان ب
قصبة مربعة. ا.ه.
وقال جرجس بك حنين في كتابه «الأطيان والضرائب» (ص109 و110):
وجد الفدان في بعض البلاد بمقدار 432 قصبة مربعة، وفي أكثر البلاد بمقدار 400 قصبة مربعة، وفي بعض البلاد بمقدار 324 و310 و200 قصبة، فأراد المغفور له محمد علي باشا تقرير وحدة جديدة لأقيسة الأطيان في البلاد، فعقدت بأمره جميعة في سنة 1255ه/سنة 1838م تألفت من بعض مشاهير المهندسين، وهم: لينان باشا، وأدهم باشا، وبهجت باشا، وأزهري أفندي، وإبراهيم أفندي وهبى، ومحمد بك عبد الرحمن. وقررت القصبة بمقدار ثلاثة أمتار وخمسة وخمسين جزءا من مائة جزء من المتر، وكان قد تقرر من قبل ذلك - في وقت إجراء المساحة العمومية على أطيان بلاد القطر - اعتبار الفدان بمقدار ثلاثمائة وثلاث وثلاثين قصبة وثلث قصبة مربعة، وبذلك أصبح الفدان كما ذكرنا قبل عبارة عن مسطح من الأرض يمتد بمقدار ثمان عشرة قصبة وربع قصبة تقريبا في كل من جهاته الأربع، وأنه وإن لم يعلم في الوقت الحاضر على أي أساس بنوا رأيهم في جعل مسطح الفدان بمقدار
قصبة مربعة، إلا أن ذلك في الغالب كان على متوسط الأقيسة المختلفة التي كانت متداولة وهو ما يقرب إلى الحقيقة؛ لأن الخمسة المعدلات المار ذكرها التي هي 432 و400 و324 و310 و200 يتكون من جمعها 1666، وبقسمتها على خمسة ينتج ، فعدلوا الكسر بجعله ثلثا بدلا من خمس لسهولة الحساب، وجعله كقاعدة راسخة في الذهن بأن كل ألف قصبة ثلاثة أفدنة، وقد أخرجت الحكومة من حكم هذه القاعدة جميع الأراضي التي في بعض جهات لم تف مسطحاتها من الأصل بهذا المعدل، فأمرت بالتعويل فيها على المقاسات المثبتة في مستندات الملكية. أما تقدير طول القصبة على معدل ثلاثة أمتار وخمسة وخمسين سنتيمترا، فواضح في أمر صدر بعد ذلك من المرحوم سعيد باشا إلى مدير الفيوم في 15 ذي القعدة سنة 1287، بأنه لما طلبت جملة قصبات من جهات مختلفة، وجدت أطوالها مختلفة؛ ولذلك أخذ متوسط هذه الأطوال المختلفة فكان بمقدار 355 سنتيمترا، والظاهر في نفس الأمر أن القصبة بمديرية جرجا كانت بطول 350، وبمديرية الغربية كانت بطول 355، وطبعا كانت في جهة أخرى بطول 360، حتى إن المتوسط بلغ 355، وتأيد بأمر عال آخر في 28 أبريل سنة 1891 على أن ذات مقياس القصبة قد أبطلت نظارة المالية استعماله في أعمالها المساحية من ابتداء سنة 1899 بمنشور في 28 ديسمبر سنة 1898، قررت فيه استبدال ذلك المقياس بسلسلة حديدية تسمى جنزيرا طوله مثل طول خمس قصبات. ا.ه.
فيرى مما تقدم أن مانجان وجرجس بك حنين وإن اتفقا في أن عدد قصبات الفدان ، إلا أنهما اختلفا في طول القصبة، فالأول جعله 3,64 من الأمتار، والثاني 3,55 من الأمتار، ومع ذلك فلا ينبغي أن يساورنا أي شك في صحة ما أبداه كل منهما.
فمانجان يتكلم بصفة شاهد عيان، وأما رواية جرجس بك حنين فهي غاية في الدقة، وليس هنالك مجال للشك في صحتها، لا سيما أن المركز الذي كان يشغله جرجس حنين بك في وزارة المالية كان يخوله أكثر من غيره أن يستقي أصح الأنباء وأصدقها في هذا الموضوع.
وقال جيرار
Girard
في مذكرته عن المقاييس الزراعية عند قدماء المصريين في كتاب «وصف مصر» (المجلد الأول، ص350):
إنه علاوة على القصبة التي طولها 3,85 من الأمتار التي كان يستعملها الأهالي فيما بينهم، كانت توجد قصبة أخرى أقصر من الأولى بثلث ذراع، طولها 3,65 من الأمتار، وكانت تستعمل في المعاملات التي كانت بين الأهالي والقبط، كما كان يستعملها أيضا مساحو الحكومة. ا.ه.
ومما لا شك فيه أن مانجان يقصد القصبة الأخيرة، فإنها لما أمر محمد علي بتخفيض عدد قصبات الفدان من 400 إلى
وقتما صدرت إرادته بمسح الأراضي، أبقى طول القصبة المذكورة على حاله، وعلى ذلك تكون مساحة هذا الفدان 4441 مترا مربعا.
وأما مقدار الفدان الذي ذكره كلوت بك فقد استحال علينا أن نجد ما يؤيده في أي كتاب من كتب المؤلفين الآخرين، وبما أنه ذكره بصفة شاهد عيان، فلا يسعنا إلا أن ننظر بعين الاعتبار إلى مقدار ذلك الفدان وهو 4083 مترا مربعا.
خلافة عمر بن الخطاب سنة 23ه/644م
إن هذا الخليفة هو ثاني الخلفاء الراشدين الأربعة الذين خلفوا النبي
صلى الله عليه وسلم ، وفي عهده فتح عمرو بن العاص مصر في سنة 20ه/640م.
وقد سبق القول بأن عمر رفض مصادرة أراضي مصر وتقسيهما بين المسلمين، وأمر بربط الخراج عليها، وأن عمرو بن العاص قام بتنفيذ أوامره. وهاك ما رواه ابن عبد الحكم في كتابه ص152 و153 بهذا الصدد قال:
وكان عمرو بن العاص لما استوسق له الأمر أقر قبطها على جباية الروم، وكانت جبايتهم بالتعديل إذا عمرت القرية وكثر أهلها زيد عليهم، وإن قل أهلها وخربت نقصوا، فيجتمع عرفاء كل قرية وماروتها ورؤساء أهلها فيتناظرون في العمارة والخراب، حتى إذا أقروا من القسم بالزيادة انصرفوا بتلك القسمة إلى الكور، ثم اجتمعوا هم ورؤساء القرى فوزعوا ذلك على احتمال القرى وسعة المزارع، ثم ترجع كل قرية بقسمهم فيجمعون قسمهم وخراج كل قرية وما فيها من الأرض العامرة فيبذرون، فيخرجون من الأرض فدادين لكنائسهم وحماماتهم ومعدياتهم من جملة الأرض، ثم يخرج منها عدد الضيافة للمسلمين ونزول السلطان، فإذا فرغوا نظروا إلى ما في كل قرية من الصناع والأجراء فقسموا عليهم بقدر احتمالهم، فإن كانت فيها جالية قسموا عليها بقدر احتمالها، وقل ما كانت تكون إلا الرجل المنتاب أو المتزوج، ثم ينظرون ما بقي من الخراج فيقسمونه بينهم على عدد الأرض، ثم يقسمون ذلك بين من يريد الزرع منهم على قدر طاقتهم، فإن عجز أحد وشكا ضعفا عن زرع أرضه وزعوا ما عجز عنه على الاحتمال، وإن كان منهم من يريد الزيادة أعطي ما عجز عنه أهل الضعف، فإن تشاحوا قسموا ذلك على عدتهم، وكانت قسمتهم على قراريط الدينار أربعة وعشرين قيراطا يقسمون الأرض على ذلك، وكذلك روي عن النبي
صلى الله عليه وسلم : إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا. وجعل عليهم لكل فدان نصف إردب قمح وويبتين من شعير، إلا القرط فلم يكن عليه ضريبة، والويبة يومئذ ستة أمداد. ا.ه.
وقال أيضا بالصفحة 154:
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: قال عمر بن عبد العزيز: أيما ذمي أسلم فإن إسلامه يحرز له نفسه وماله، وما كان من أرض فإنها من فيء الله على المسلمين. حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا الليث بن سعد أن عمر بن عبد العزيز قال: أيما قوم صالحوا على جزية يعطونها، فمن أسلم منهم كان أرضه وداره لبقيتهم. قال الليث: وكتب إلي يحيى بن سعيد أن ما باع القبط في جزيتهم، وما يؤخذون به من الحق الذي عليهم من عبد أو وليدة أو بعير أو بقرة أو دابة، فإن ذلك جائز عليهم جائز لمن ابتاعه منهم غير مردود إليهم إن أيسروا، وما أكروا من أرضهم فجائز كراؤه، إلا أن يكون يضر بالجزية التي عليهم، فلعل الأرض أن ترد عليهم إن أضرت بجزيتهم. وإن كان فضلا بعد الجزية، فإنا نرى كراءها جائزا لمن تكارها منهم. ا.ه.
وقال أيضا بالصفحة 155:
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، عن محمد بن عمرو، عن ابن جريج أن رجلا أسلم على عهد عمر بن الخطاب فقال: ضعوا الجزية عن أرضي. فقال عمر: لا، إن أرضك فتحت عنوة. قال عبد الملك وقال مالك بن أنس: ما باع أهل الصلح من أرضهم فهو جائز لهم، وما فتح عنوة فإن ذلك لا يشتري منهم أحد ولا يجوز لهم بيع شيء مما تحت أيدهم من الأرض؛ لأن أهل الصلح من أسلم منهم كان أحق بأرضه وماله، وأما أهل العنوة الذين أخذوا عنوة، فمن أسلم منهم أحرز إسلامه نفسه وأرضه للمسلمين؛ لأن أهل العنوة غلبوا على بلادهم وصارت فيئا للمسلمين، ولأن أهل الصلح إنما هم قوم امتنعوا ومنعوا بلادهم حتى صالحوا عليها، وليس عليهم إلا ما صالحوا عليه، ولا أرى أن يزاد عليهم ولا يؤخذ منهم إلا ما فرض عمر بن الخطاب؛ لأن عمر خطب الناس فقال: قد فرضت لكم الفرائض وسنت لكم السنن وتركتم على الواضحة. قال: وأما جزية الأرض فلا علم لي ولا أدري كيف صنع فيها عمر، غير أن قد أقر الأرض فلم يقسمها بين الناس الذين افتتحوها، فلو نزل هذا بأحد كنت أرى أن يسأل أهل البلاد أهل المعرفة منهم والأمانة كيف كان الأمر في ذلك، فإن وجد من ذلك علما يشفي وإلا اجتهد في ذلك هو ومن حضره من المسلمين. ا.ه.
ويستنتج مما رواه ابن عبد الحكم أن عمرو بن العاص فرض على كل فدان مزروع حبا نصف إردب قمح (3 ويبات أو 6 كيلات)، وويبتين من الشعير (4 كيلات)، ومجموع ذلك خمس ويبات أو عشر كيلات من الحبوب عن كل فدان مساحته 5929 مترا مربعا، أي ثلاث ويبات ونصف ويبة، أو سبع كيلات عن كل فدان مساحته 4200 متر مربع. أما الأرض المزروعة برسيما فلم يفرض عليها خراج.
ولأجل أن نعرف قيمة هذا الخراج العيني يلزمنا تقدير عدد الأفدنة التي كانت تزرع قمحا وشعيرا.
لقد سبق القول بأن عدد الأشخاص الذين فرض عليهم عمرو الجزية كان 6000000 نفس، وأبنا أن هذا العدد لا بد أن يكون ثلث السكان، وعلى ذلك يكون مجموعهم 18000000 نسمة، وإن كان ابن عبد الحكم قد نقل عن يحيى بن ميمون الحضرمي في كتابه «فتوح مصر» (ص87) أن الإحصاء الذي عمله عمرو أسفر عن 8000000 شخص فرضت عليهم الجزية، وعلى ذلك يكون مجموع عدد السكان 24000000 نسمة. وسبق لنا القول أيضا بأن مجموعا حاشدا كهذا لا بد له من 6 ملايين من الأفدنة المزروعة من بينها 4 ملايين فدان تزرع قمحا وشعيرا، وبضرب هذا العدد في 7 كيلات خراج الفدان يكون الناتج 2333333 إردبا، وبضرب هذا في 35 قرشا ثمن الإردب يكون الناتج 816666ج.م تقريبا وهو جملة الخراج، ويكون خراج الفدان الواحد
من القروش.
وقال اليعقوبي في تاريخه ج2 ص176 و177:
في هذه السنة فتح عمرو بن العاص الإسكندرية وسائر أعمال مصر، واجتباها أربعة عشر ألف ألف دينار (8400000ج.م) من خراج رءوسهم، لكل رأس دينارا، وخراج غلاتهم من كل مائة إردب إردبين. ا.ه.
وبما أننا قدرنا المساحة المزروعة في هذا العصر بستة ملايين من الأفدنة، فليس يوجد ما لا يجعلنا نعتقد بأن المحصول كان كما في عصر الفراعنة ستين مليون إردب، حتى يمكن بذلك تموين عدد السكان الجسيم في ذلك العصر.
هذا، وقد ذكر المسعودي كما جاء في كتاب «الخطط التوفيقية» لعلي مبارك باشا (ج18 ص5) - وقد سبق ذكر ذلك - أن عمرو بن العاص بنى مقياسا بحلوان، وسبب بنائه لهذا المقياس أنه لما فتح مصر اتصل إلى علم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ما يلقى أهلها من الغلاء عند وقوف النيل عن الحد الذي في مقياس لهم، وأن الاستشعار يدعوهم إلى الاحتكار، ويدعو الاحتكار إلى تصاعد الأسعار بغير قحط؛ فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص يسأله عن شرح الحال، فأجابه عمرو: إني وجدت ما تروى به مصر حتى لا يقحط أهلها، أربعة عشر ذراعا، والحد الذي يروى منه سائرها حتى يفضل عن حاجتهم ويبقى عندهم قوت سنة أخرى ستة عشر ذراعا. ا.ه.
ويعلم مما تقدم أنه عندما يبلغ الفيضان ستة عشر ذراعا يكون تقدير المحصول بستين مليون إردب تقديرا ليس فيه مغالاة، وتكون جملة الخراج باعتبار 2٪ 1200000 إردب، وبضرب هذا في 35 قرشا ثمن الإردب يكون الناتج 420000ج.م وهو قيمة الخراج، ويكون خراج الفدان الواحد 7 قروش .
وقال البلاذري في كتابه «فتوح البلدان» (ص214 و215):
حدثني إبراهيم بن مسلم الخوارزمي، عن عبد الله بن المبارك، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي فراس، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: اشتبه على الناس أمر مصر، فقال قوم: فتحت عنوة، وقال آخرون: فتحت صلحا، والثلج في أمرها أن أبي قدمها فقاتله أهل اليونة، ففتحها قهرا وأدخلها المسلمين، وكان الزبير أول من علا حصنها، فقال صاحبها لأبي: إنه قد بلغنا فعلكم بالشام ووضعكم الجزية على النصارى واليهود، وإقراركم الأرض في أيدي أهلها يعمرونها ويؤدون خراجها، فإن فعلتم بنا مثل ذلك كان أرد عليكم من قتلنا وسبينا وإجلائنا. قال: فاستشار أبي المسلمين فأشاروا عليه بأن يفعل ذلك إلا نفرا منهم سألوا أن يقسم الأرض بينهم، فوضع على كل حالم دينارين جزية إلا أن يكون فقيرا، وألزم كل ذي أرض مع الدينارين ثلاثة أرادب حنطة، وقسطي زيت، وقسطي عسل، وقسطي خل رزقا للمسلمين تجمع في دار الرزق وتقسم فيهم، وأحصى المسلمون فألزم جميع أهل مصر لكل رجل منهم جبة صوف، وبرنسا أو عمامة، وسراويل، وخفين في كل عام أو عدل الجبة الصوف ثوبا قبطيا، وكتب عليهم بذلك كتابا، وشرط لهم إذا وفوا بذلك أن لا تباع نساؤهم وأبناؤهم، ولا تسبوا وأن تقر أموالهم وكنوزهم في أيديهم. فكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر، فأجازه وصارت الأرض أرض خراج، إلا أنه لما وقع هذا الشرط والكتاب ظن بعض الناس أنها فتحت صلحا. قال: ولما فرغ ملك اليونة من أمر نفسه ومن معه في مدينته صالح عن جميع أهل مصر على مثل صلح اليونة، فرضوا به وقالوا: هؤلاء الممتنعون قد رضوا وقنعوا بهذا فنحن به أقنع؛ لأننا فرش لا منعة لنا. ووضع الخراج على أرض مصر فجعل على كل جريب دينارا وثلاثة أرادب طعاما، وعلى رأس كل حالم دينارين، وكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ا.ه.
وقد ذكر البلاذري لفظ الجريب في هذه العبارة، لكنه أخطأ في ذكره هنا، ونحن نرجح أنه خلط بين هذا والفدان؛ لأن الجريب الذي هو أقل من الفدان لم يستعمل في مصر قط، أما ثمن الثلاثة الأرادب التي ذكرها فهو 105 قروش على اعتبار أن ثمن الإردب 35 قرشا، وبإضافة 60 قرشا قيمة الدينار المذكور معها إلى هذه القيمة يكون الناتج 165 قرشا، وهو مقدار الخراج عن الفدان.
ومن المحقق أن هذا الخراج لم يفرض إلا على الأطيان المزروعة قمحا، وهذه الأطيان يمكن تقدير مساحتها بمليوني فدان، ويكون جملة خراجها 3300000ج.م ومتوسط خراج الفدان الواحد 55 قرشا في المساحة المزروعة جميعها، وهي ستة ملايين فدان.
وهذا المبلغ وإن كان يبدو لنا جسيما، لا سيما إذا قورن بما ذكره المؤلفان السابق ذكرهما، إلا أننا نرى أنفسنا مضطرين أن نذكره هنا مجاراة لهذا المؤلف.
وقد تبدو قيمة هذا الخراج ضئيلة عند قياسها بالقيم التي جبيت فيما بعد، والسبب في ذلك هو أن المورد الرئيسي للإيرادات وقتما فتح العرب مصر كان الجزية، وبعد هذا الفتح أخذ الناس يدخلون في الدين الإسلامي، وأخذ هذا المورد على أثر ذلك في النضوب، فدعت الحالة إلى إيجاد موارد أخرى، وها هي مبالغ الخراج التي حصلنا عليها في عهد هذا الخليفة:
المؤلف
الخراج
المساحة المزروعة
متوسط خراج الفدان
جنيهات مصرية
أفدنة
قروش
ابن عبد الحكم
816666
6000000
اليعقوبي
420000
6000000
7
البلاذري
3300000
6000000
55
خلافة سليمان بن عبد الملك سنة 99ه/717م
إن هذا الخليفة هو سابع خلفاء بني أمية بدمشق، وقد مسحت أرض مصر أول مرة في عصر العرب على يد ابن رفاعة الذي كان عاملا عليها في خلافة الوليد وخلافة أخيه وهو هذا الخليفة، حوالي سنة 97ه/715م.
وإليك ما ذكره عنها ابن عبد الحكم في كتابه ص156 قال:
حدثنا عثمان بن صالح وعبد الله بن صالح قالا: حدثنا الليث بن سعد قال: لما ولي ابن رفاعة مصر خرج ليحصي عدة أهلها وينظر في تعديل الخراج عليهم، فأقام في ذلك ستة أشهر بالصعيد حتى بلغ أسوان ومعه جماعة من الأعوان والكتاب يكفونه ذلك بجد وتشمير، وثلاثة أشهر بأسفل الأرض فأحصوا من القرى أكثر من عشرة آلاف قرية، فلم يحص فيها في أصغر قرية منها أقل من خمسمائة جمجمة من الرجال الذين يفرض عليهم الجزية. ا.ه.
ولسوء الحظ ليس لدينا غير هذه العبارة أي مستند نقف منه على نتيجة هذه المساحة حتى ولو بوجه التقريب، وما ذكرنا هذا الفصل إلا ابتغاء الإحاطة بالتاريخ الذي حصلت فيه أول عملية لمسح الأراضي في مصر بعد أن فتحها العرب.
خلافة هشام بن عبد الملك سنة 125ه/743م
هذا الخليفة هو عاشر خلفاء بني أمية بدمشق، وفي عهده مسحت أرض مصر على يد ابن الحبحاب عامل الخراج، وهي المساحة الثانية التي ذكرها المؤرخون في عهد حكم العرب، قال الكندي في كتابه «فضائل مصر» (ص201):
وولي خراجها (أي خراج مصر) ابن الحبحاب لأمير المؤمنين هشام، فخرج بنفسه فمسح أرض مصر كلها عامرها وغامرها مما يركبه النيل، فوجد فيها ثلاثين ألف ألف فدان. ا.ه.
وقد جباها أربعة آلاف ألف دينار (2400000ج.م).
وقال المقريزي في خططه ج1 ص75:
لما ولي عبيد الله بن الحبحاب خراج مصر لهشام بن عبد الملك، خرج بنفسه فمسح أرض مصر كلها عامرها وغامرها مما يركبه النيل، فوجد فيها مائة ألف ألف فدان. ا.ه.
وقال بالصفحة 99:
في خلافة هشام بن عبد الملك عندما ولي الخراج عبيد الله بن الحبحاب، خرج بنفسه ومسح العامر من أراضي مصر والغامر مما يركبه ماء النيل، فوجد قانون ذلك ثلاثين ألف ألف فدان سوى ارتفاع الجرف ووسخ الأرض، فراكها كلها وعدلها غاية التعديل، فعقدت معه أربعة آلاف ألف دينار (2400000ج.م)، هذا والسعر راخ والبلد بغير مكس ولا ضريبة. ا.ه.
وينبغي على ما نرى تفسير المائة مليون فدان بأنها المساحة العمومية لجميع أراضي القطر، والثلاثين مليون بالجزء المزروع، ومن الصعب معرفة أي مساحة أريدت للفدان في هذا العدد الهائل، ولكن بما أن المؤلفين أوردوه فما علينا إلا أن نذكره، وبذا يصير خراج الفدان 8 قروش.
ولو حذف صفر من مقدار ال 30000000 فدان التي ذكرها المقريزي في عبارته الثانية لكان الباقي معقولا، لا سيما إذا قوبل هذا الباقي بالمساحة المزروعة في عهد الخلافة الآتية.
ولكن حيث إن هذا المقدار مدون بالحروف لا بالأرقام، فلا نرى شيئا يسوغ لنا هذا الحذف.
خلافة المأمون سنة 218ه/833م
هذا الخليفة هو سابع خلفاء بني العباس ببغداد، وفي عهده هبط مقدار المساحة إلى الحد المعقول.
قال المقريزي في خططه ج1 ص99:
كان خراج مصر إذا بلغ النيل سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع، أربعة آلاف ألف دينار ومائتي ألف وسبعة وخمسين ألف دينار (2554000ج.م )، والمقبوض عن الفدان دينارين (120 قرشا) في خلافة المأمون وغيره. ا.ه.
فيستنتج من هذا أن عدد الأفدنة التي كان مفروضا عليها الخراج هو 2128500 فدان، مساحة كل منها 5929 مترا مربعا، وبتحويلها إلى أفدنة مساحة كل منها 4200 متر مربع تصير 3004732 فدانا، ويكون خراج الفدان الواحد 85 قرشا.
خلافة المعتز بالله سنة 255ه/869م
إن هذا الخليفة هو الثالث عشر من خلفاء بني العباس ببغداد، وقد تم في أيامه على يد ابن المدبر مسح أرض مصر حوالي سنة 253ه/867م، وهي المساحة الثالثة في عصر العرب.
وهنا نرجع مرة أخرى إلى تدوين أرقام وهمية ذكرها أيضا مؤلفو العرب.
قال ابن وصيف شاه كما جاء في كتاب «نشق الأزهار» لابن إياس ص37:
لما ولي الأمير أحمد بن طولون على مصر وجدها خرابا، وقد انحط خراجها حتى بقي ثمانمائة ألف دينار (480000ج.م). ا.ه.
وقال المقريزي في خططه ج1 ص99:
تسلم (أحمد بن طولون) أرض مصر من أحمد بن محمد بن مدبر، وقد خربت أرض مصر حتى بقي خراجها ثمانمائة ألف دينار (480000ج.م). ا.ه.
وقال في ص100:
وآخر ما اعتبر حال أرض مصر فوجد مدة حرثها ستين يوما، ومساحة أرضها مائة ألف ألف وثمانين ألف ألف فدان، يزرع منها في مباشرة ابن مدبر أربعة وعشرون ألف ألف فدان، وإنه لا يتم خراجها حتى يكون فيها أربعمائة ألف وثمانون ألف حراث يلزمون العمل فيها دائما، فإذا أقيم بها هذا القدر من العمال في الأرض تمت عمارتها وكمل خراجها، وآخر ما كان بها مائة ألف وعشرون ألف مزارع، في الصعيد سبعون ألفا، وفي أسفل الأرض خمسون ألفا. ا.ه.
وقال أبو المحاسن في كتابه «النجوم الزاهرة» (ج1 ص49):
وقيل: إن أحمد بن المدبر المذكور اعتبر ما يصلح للزراعة بمصر فوجده أربعة وعشرين ألف ألف فدان، والباقي مستبحر وتلف من قلة الزراعة. ا.ه.
وبناء على ما تقدم تكون مساحة الأرض المزروعة 24 مليون فدان، وقيمة الخراج 480000ج.م ويكون متوسط الخراج عن الفدان الواحد قرشين.
ولو حذف صفر من عدد الأفدنة البالغ 24000000 لأصبح هذا العدد معقولا، لا سيما إذا قوبل بالعدد الذي في عهد الخلافة السابقة، ولكن أنى لنا ذلك وهو مدون بالحروف لا بالأرقام.
وعلى ذلك لا يوجد ما يسوغ لنا هذا الحذف.
حكومة أحمد بن طولون سنة 270ه/884م
اشتهر عهد هذا الأمير بالرفاهية واليسار اللذين حلا بالبلد، وزادهما اتساعا وانتشارا تصرفاته الحسنة وإدارته الرشيدة.
قال ابن وصيف شاه كما جاء في كتاب «بدائع الزهور» لابن إياس (ج1 ص266):
جبي خراج مصر في أيام الأمير أحمد بن طولون مع وجود الرخاء أربعة آلاف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار (2580000ج.م). ا.ه.
حكومة الإخشيد محمد بن طغج سنة 334ه/946م
هذا الأمير هو أول أمراء الأسرة الإخشيدية.
قال المقريزي في خططه ج1 ص99:
بلغ خراج مصر في أيام الأمير أبي بكر محمد بن طغج الإخشيد ألفي ألف دينار (1200000ج.م). ا.ه.
وقال أيضا في هذه الصفحة:
والإخشيد أول من عمل الرواتب بمصر، وكان كاتبه ابن كلا قد عمل تقديرا عجز فيه المرتب عن الارتفاع مائتي ألف دينار، فقال الإخشيد: كيف نعمل؟ قال: حط من الجرايات والأرزاق، فليس هؤلاء أولى من الواجب. فقال: غدا تجيئني وندبر هذا. فلما أتاه من الغد، قال له الإخشيد: قد فكرت فيما قلت، فإذا أصحاب الرواتب الضعفاء وفيهم المستورون وأبناء النعم، ولست آخذ هذا النقص إلا منك. فقال ابن كلا: سبحان الله! فقال : تسبيحا. وما زال به الإخشيد حتى أخذ خطه بالقيام بذلك، فعوتب على ما صنعه، فقال: يا قوم اسمعوا إيش كان يعمل، جاءه أحمد بن محمد ابن المارداني فقال له: ما بيني وبين السلطان معاملة، ولا للإخشيد علي طريق، وهذه هدية عشرة آلاف دينار للإخشيد، وألف دينار لك. فجاءني وقال: لك قبل ابن المارداني مطالبة؟ فقلت: لا. فقال: هذه ألف دينار قد جاءتك على وجه الماء. فأعطاني ألفا، وأخذ عشرة آلاف دينار، وأهدى إلي محمد بن علي المارداني في وقت عشرين ألف دينار على يده فاستقللتها، فلما اجتمعنا عاتبته، فقال لي: أرسلت إليك مائة ألف دينار، ولابن كلا كاتبك عشرين ألف دينار. فأخذ المائة وأعطاني العشرين ألفا، فذكرت قول محمد بن علي له فقال: ما أبرد هذا، حفظت لك المائة ألف لوقت حاجتك تريدها؟ خذها وأنا أعلم أنك تتلفها. ا.ه.
خلافة المعز لدين الله سنة 365ه/975م
إن هذا الخليفة هو أول الخلفاء الفاطميين بمصر، وقد أورد المؤرخون ما جباه من الخراج في ظرف سنين، وإليك ما قاله هؤلاء: قال ابن وصيف شاه كما جاء في كتاب «نشق الأزهار» لابن إياس (ص37):
لما قدم جوهر القائد من الغرب في أيام الخليفة المعز الفاطمي، جبى خراج مصر في أيام الفاطميين ألف ألف ومائتي ألف دينار (720000ج.م)، وذلك في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. ا.ه.
وأورد المقريزي في خططه ج1 ص99 عن السنة نفسها قيمة أخرى هي 3200000 دينار (1920000ج.م).
ونحن نرى أنه أخطأ بلا شك في هذا المبلغ؛ إذ إن غيره من المؤلفين ذكره بصفة متحصل عن السنين التي تلت هذه السنة، وهذا بالطبع أقرب إلى الصواب؛ لأن الفاتح عادة يجبي في أول سنة أقل مما يجبيه في السنين التالية.
وقال ابن حوقل في كتابه «المسالك والممالك» (ص107 وما بعدها):
وما لا شك فيه أنها جبيت (أي مصر) لسنة 359ه/970م على يد أبي الحسن جوهر عبد أمير المؤمنين المعز لدين الله ثلاثة آلاف ألف دينار ومائتي ألف دينار (1920000ج .م)، وذلك أنهم كانوا فيما سلف من الزمان يؤدون عن الفدان ثلاثة دنانير ونصفا (210 قروش)، وزائدا عن ذلك القليل إلى نقص يسير، فقبض منهم في هذه السنة المذكورة عن الفدان سبعة دنانير (420 قرشا)، ولذلك انعقد هذا المال بهذا الوفور. ا.ه.
وعلى هذا الحساب لا بد أن يكون عدد الأفدنة التي مساحة الواحد منها 5929 مترا مربعا هو 458143 فدانا، وبتحويلها إلى أفدنة مساحة كل منها 4200 متر مربع، تصير 646745 فدانا، ويكون خراج الفدان الواحد
من القروش.
ويظهر أن ذلك لا يسوغ في العقل إلا بصعوبة؛ إذ إن عدد الأفدنة قليل جدا ووحدة الخراج مرتفعة للغاية، ومع ذلك فهذا المؤلف رزين مدقق، وكان من الذين عاشوا في ذلك العصر.
وذكر أبو المحاسن في كتابه «النجوم الزاهرة» (ج1 ص49):
ثم جباه (أي الخراج) جوهر القائد خادم المعز العبيدي ثلاثة آلاف ألف دينار ومائتي ألف دينار (1920000ج.م) في سنة ستين وثلاثمائة (971م). ا.ه.
ويتضح من ذلك أن خراج السنة الماضية ظل باقيا على ما هو عليه، وإليك ملخص مبالغ الخراج في عهد هذا الخليفة:
السنة
الخراج بالجنيهات المصرية
المساحة بالأفدنة
متوسط خراج الفدان بالقروش
سنة 358ه
720000
سنة 359ه
1920000
646745
سنة 360ه
1920000
646745
خلافة المستنصر بالله سنة 487ه/1094م
هذا الخليفة هو خامس الخلفاء الفاطميين بمصر، وقد أورد لنا أبو صالح الأرمني في تاريخه «الكنائس» (ص10) وما بعدها بيانا بخراج هذا العهد ذا فائدة عظيمة، أوضح فيه النواحي والكفور بكل كورة، لكنه مع الأسف أغفل فيه مساحة كل منها.
وقد ذكر في هذا البيان أن الخراج المؤدى عنها هو 3061000 دينار (1836600ج.م)، عدا المقدر عن مدينة الإسكندرية وثغر دمياط وتنيس وقفط ونقادة وبركة الحبش بظاهر مصر، ومقداره 60000 دينار (36000ج.م). ثم ذكر في ختام بيانه أن ذلك الخراج استخرج في عهد الخليفة المستنصر بالله الفاطمي أيام ابن الكحال القاضي، وها هي عدة النواحي والكفور نقلا عن ذلك البيان:
الوجه البحري
الكورة أو المديرية
عدد نواحيها
عدد كفورها
مجموعهما
الشرقية
294
158
452
المرتاحية
48
41
89
الدقهلية
39
31
70
الأبوانية
6
6
جزية قوسنيا
68
6
74
الغربية
149
165
314
السمنودية
97
32
129
المنوفيتين
69
32
101
فوه والمزاحمتين
10
3
13
النستراوية
6
6
رشيد والجديدية وإدكو
3
3
جزيرة بني نصر
41
23
64
البحيرة
87
89
176
حوف رمسيس
101
101
المجموع
917
681
1598
الوجه القبلي
الكورة أو المديرية
عدد نواحيها
عدد كفورها
مجموعهما
الجيزية
70
27
97
الأطفيحية
13
4
17
البوصيرية
13
1
14
الفيومية
55
11
66
البهنساوية
84
21
105
الأشمونين
54
57
111
الأسيوطية
22
32
54
المجموع
311
153
464
جملة النواحي والقرى بالوجه البحري والقبلي
الجهة
عدد النواحي
عدد القرى
مجموعهما
الوجه البحري
917
681
1598
الوجه القبلي
311
153
464
الجملة
1228
834
2062
وها هو خراج كل كورة أو مديرية نقلا عن البيان المذكور:
الوجه البحري
الكورة أو المديرية
خراجها بالدينار
خراجها بالجنيه المصري
الشرقية
694121
416473
المرتاحية
70358
42214
الدقهلية
350761
210457
الأبوانية
4700
2820
جزيرة قوسنيا
159664
95798
الغربية
430955
258573
السمنودية
200657
120394
المنوفيتين
140933
84560
فوه والمزاحمتين
6080
3648
النستراوية
14910
8946
رشيد والجديدية وإدكو
3000
1800
جزيرة بني نصر
62508
37505
البحيرة
139313
83588
حوف رمسيس
7
4
المجموع
2277967
1366780
الوجه القبلي
الكورة أو المديرية
خراجها بالدينار
خراجها بالجنيه المصري
الجيزية
129641
77785
الأطفيحية
39449
23669
البوصيرية
39390
23634
الفيومية
145162
87097
البهنساوية
234801
140881
الأشمونين
127676
76606
الأسيوطية
66914
40148
المجموع
783033
469820
جملة الخراج بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
خراجها بالدينار
خراجها بالجنيه المصري
الوجه البحري
2277967
1366780
الوجه القبلي
783033
469820
الجملة
3061000
1836600
ولم يذكر أبو صالح الأرمني في بيانه خراج كورة الأسيوطية، والمبلغ الذي تراه أمامها في الجدول السابق هو الباقي بعد طرح مجموع خراج الكور الأخرى من جملة الخراج، حيث ظهر لنا بعد مقابلتهما أنهما مختلفان.
وقد ذكر المؤلف المذكور جملة النواحي والكفور وهي 2186، منها 1296 ناحية و890 كفرا، وهذه الجملة تزيد 68 ناحية و56 كفرا مجموعهما 124، على الجملة التي في الجدول السابق.
حكومة صلاح الدين الأيوبي سنة 589ه/1193م
ابتدأت حكومة هذا السلطان من سنة 567ه/1171م.
قال ابن مماتي في كتابه «قوانين الدواوين» (ص29): إنه في هذه السنة المذكورة كان خراج الفدان الذي مساحته 5929 مترا مربعا والمزروع قمحا هو ثلاثة أرادب، وبضرب هذا المقدار في 35 قرشا ثمن الإردب ينتج 105 قروش، وهو خراج الفدان الواحد بالنقود، وبتحويل ذلك الفدان إلى فدان مساحته 4200 متر مربع يصير خراج هذا الفدان الأخير
من الأرادب عينا أو 78 قرشا نقدا.
وأورد لنا هذا المؤلف أيضا بيان الخراج الذي كان مربوطا على المحاصيل على اختلاف أنواعها عن سنة 572ه/1176م.
وخراج الستة المحاصيل الأولى منها ذكر قيمته بالأرادب فقط، وقد قدرنا هذه القيمة بالنقود حسبما كانت تساوي في ذاك الوقت تقديرا مرجحا ، وهذا هو البيان، والخراج المدون به هو عن الفدان الذي مساحته 400 قصبة مربعة أو 5929 مترا مربعا.
الزراعة الشتوية
نوع المحصول
خراج الفدان نقدا
خراجه عينا
دينار
قرش
إردب
قمح
87
شعير
87
فول
87
حمص
75
جلبان
87
عدس
100
كتان
3
180
قرط (برسيم)
1
60
بصل وثوم
2
120
ترمس
75
الزراعة الصيفية
نوع المحصول
خراج الفدان نقدا
خراجه عينا
دينار
قرش
إردب
قصب شامي
1
60
قصب السكر أول سنة
5
300
قصب السكر ثاني سنة
132
بطيخ
3
180
لوبيا
3
180
سمسم
1
60
قطن
1
60
قلقاس
4
240
باذنجان
3
180
نيل (نيلة)
3
180
فجل ولفت
1
60
خس
2
120
كرنب
2
120
بصل
2
120
أشجار مختلفة
كروم
5
300
قصب فارسي
3
180
أشجار
7
420
وبتحويل خراج الفدان المذكور إلى خراج فدان مساحته
من القصبات المربعة، أي 4200 متر مربع يصير الخراج كالآتي:
الزراعة الشتوية
نوع المحصول
خراج الفدان نقدا
خراجه عينا
قرش
إردب
قمح
61
شعير
61
فول
61
حمص
52
جلبان
61
عدس
70
كتان
127
قرط (برسيم)
42
بصل وثوم
85
ترمس
53
الزراعة الصيفية
نوع المحصول
خراج الفدان نقدا
خراجه عينا
قرش
إردب
قصب شامي
42
قصب السكر أول سنة (رأس)
212
قصب السكر ثاني سنة (خلفة)
93
بطيخ
127
لوبيا
127
سمسم
42
قطن
42
قلقاس
169
باذنجان
127
نيل (نيلة)
127
فجل ولفت
42
خس
85
كرنب
85
بصل
85
أشجار مختلفة
كروم
212
قصب فارسي
127
أشجار
296
وقال المقريزي في خططه ج1 ص87:
قال القاضي الفاضل في متجددات سنة خمس وثمانين وخمسمائة (1189م) أوراق بما استقر عليه عبر البلاد من الإسكندرية إلى عيذاب إلى آخر الرابع والعشرين من شعبان سنة خمس وثمانين وخمسمائة، خارجا عن الثغور وأبواب الأموال الديوانية والأحكار والحبس ومنفلوط ومنقباط وعدة نواح أوردت أسماءها، ولم يعين لها في الديوان عبرة من جملة أربعة آلاف ألف وستمائة ألف وثلاثة وخمسين ألفا وتسعة عشر دينارا (2791811ج.م). ا.ه.
وإليك بيان المديريات وخراجها الذي ذكره:
الوجه البحري
الكورة أو المديرية
الخراج
بالدينار
بالجنيه المصري
الشرقية والمرتاحية والدقهلية وبوش
1190293
714554
البحيرة
115576
69346
حوف رمسيس
92403
55442
فوه والمزاحمتين
10125
6075
النستراوية
15305
9183
جزيرة بني نصر
112646
67588
جزيرة قوسنيا
130592
78353
الغربية
674605
404763
السمنودية
245479
147287
الدنجاوية
46274
27764
المنوفية
148347
89008
المجموع
2782275
1669363
الوجه القبلي
الكورة أو المديرية
الخراج
بالدينار
بالجنيه المصري
الجيزة
135204
91922
الأطفيحية
59728
35837
البوصيرية
60466
36280
الفيومية
152634
91580
البهنسية
352634
211581
الواحات
25000
15000
الأشمونين
147732
88639
السيوطية عدا منفلوط ومنقباط
72504
43502
الأخميمية
108812
65287
القوصية
362500
217500
المجموع
1495214
897128
جملة خراج الوجهين البحري والقبلي
الجهة
الخراج
بالدينار
بالجنيه المصري
الوجه البحري
2782275
1669363
الوجه القبلي
1495214
897128
الجملة
4277489
2566491
ويرى من هذا البيان أن جملة المبالغ التي ذكرت أمام كل كورة وهي 4277489 دينارا (2566491ج.م)، تنقص عن القيمة الإجمالية التي ذكرها بمقدار 375530 دينارا (225318ج.م).
حكومة المنصور حسام الدين لاجين سنة 689ه/1290م
إن هذا السلطان هو الرابع عشر من دولة المماليك البحرية، وفي عهده مسحت أرض مصر المرة الرابعة في حكم العرب.
قال المقريزي في خططه ج1 ص88:
لما أفضت السلطنة إلى المنصور لاجين راك البلاد، وذلك أن أرض مصر كانت أربعة وعشرين قيراطا، فيختص السلطان منها بأربعة قراريط، ويختص الأجناد بعشرة قراريط، ويختص الأمراء بعشرة قراريط. وكان الأمراء يأخذون كثيرا من إقطاعات الأجناد، فلا يصل إلى الأجناد منها شيء، ويصير ذلك الإقطاع في دواوين الأمراء، ويحتمي بها قطاع الطريق، وتثور بها الفتن، ويقوم بها الهوشات، ويمنع منها الحقوق والمقررات الديوانية، وتصير مأكلة لأعوان الأمراء ومستخدميهم، ومضرة على أهل البلاد التي تجاورها، فأبطل السلطان ذلك، ورد تلك الإقطاعات على أربابها ، وأخرجها بأسرها من دواوين الأمراء، وأول ما بدأ به ديوان الأمير سيف الدين منكوتمر نائب السلطنة. ا.ه.
وقال ابن إياس في كتابه «بدائع الزهور» (ج1 ص137):
ثم دخلت سنة سبع وتسعين وستمائة (1298م) وفيها راك السلطان البلاد المصرية وهو الروك الحسامي، وكان ابتداء ذلك في سادس جمادى الأولى من السنة المذكورة، وكان المتكلم في ذلك شخصا من المباشرين يقال له التاج الطويل، فشرع في كتب قوائم بمساحة البلاد وأسمائها، وكانت البلاد المصرية مقسومة يومئذ على أربعة وعشرين قيراطا، منها أربعة قراريط للسلطان، ومنها عشرة قراريط للإمراء والإطلاقات، ومنها عشرة قراريط للجند كلهم، فرسم السلطان للمباشرين بأن يكفوا الأمراء بعشرة قراريط مع الأجناد، وزاد الذين قد تشكوا من الأجناد قيراطا، وبقي للسلطان ثلاثة عشر قيراطا، فشكى الجند وضجوا من ذلك، وكان المتكلم في ذلك الأمير منكوتمر النائب، فصار يقابح الأمراء والجند أنحس مقابحة، وعادى سائر العسكر بسبب ذلك، فنفرت قلوبهم عن السلطان لاجين، وتمنى كل أحد زواله، وكثر الدعاء عليه من الناس، وكان مملوكه منكوتمر من سيئات الدهر أظلم خلق الله تعالى وأنحسهم، فلما كان ثامن رجب من السنة المذكورة فرقت المثالات بما تقرر عليه المال مع الأمراء والجند وهم غير راضين بذلك. ا.ه.
ولم يذكر المقريزي ولا ابن إياس شيئا آخر عن تفصيلات هذا الروك، غير أننا بواسطة كتاب «التحفة السنية» لابن الجيعان الذي هو عن الروك الذي بعده، أي روك السلطان الناصر محمد بن قلاوون، أمكننا استنتاج هذه التفصيلات.
فقد ذكر ابن الجيعان في كتابه الآنف الذكر خراج الروك السابق عن القرى التي حدث فيها تغيير دون أن يذكر مصدر ذلك، غير أنه من النص الذي نقلناه عن ابن إياس سابقا والنص الآتي له بعد يعرف بالبداهة أن هذا الخراج يختص بالروك الحسامي.
فقد قال ابن إياس في كتابه «بدائع الزهور» (ص159) عند الكلام على حوادث سنة 715ه/1315م:
إنه في هذه السنة راك الناصر محمد بن قلاوون البلاد المصرية وهو الروك الناصري بعد الروك الحسامي، فزاد عن الروك الحسامي في مواضع ونقص في مواضع. ا.ه.
وإذن يكون الخراج السابق للذي ذكره ابن الجيعان هو خراج الروك الحسامي، وسيتضح فيما بعد أن خراج الروك الناصري ينقص عن خراج الروك الحسامي بوجه عام.
وقد تتبعنا في وضع تفصيلات الروك الحسامي الطريقة التي وضع بها الروك الناصري، أما عدد النواحي والفدادين فقد أبقيناه على ما هو عليه لعدم وجود ما يفيد حدوث تغيير فيه، خصوصا أن المدة ما بين الاثنين قصيرة (17 سنة) لا يتوقع فيها حدوث تغيير كبير. وإليك بيان هذه التفصيلات:
عدد النواحي بكل كورة في الوجه البحري
الكورة أو المديرية
عدد نواحيها
ضواحي مصر
26
القليوبية
61
الشرقية
396
الدقهلية والمرتاحية
214
دمياط
14
الغربية
477
المنوفية
133
أبيار وجزيرة بني نصر
49
البحيرة
231
فوه والمزاحمتين
16
النستراوية
6
الإسكندرية
14
المجموع
1637
عدد النواحي بكل كورة في الوجه القبلي
الكورة أو المديرية
عدد نواحيها
الجيزية
154
الأطفيحية
52
الفيومية
104
البهنساوية
159
الأشمونين
104
المنفلوطية
5
الأسيوطية
33
الأخميمية
25
القوصية
43
المجموع
679
جملة عدد النواحي بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
عدد نواحيها
الوجه البحري
1637
الوجه القبلي
679
الجملة
2316
خراج كل كورة أو مديرية في الوجه البحري
الكورة أو المديرية
خراجها
بالدينار
بالجنيه المصري
ضواحي مصر
157170
94302
القليوبية
442474
265484
الشرقية
1373493
824096
الدقهلية والمرتاحية
644266
386560
دمياط
27066
16239
الغربية
2182933
1309760
المنوفية
564688
338813
أبيار وجزيرة بني نصر
117475
70485
البحيرة
759428
455657
فوه والمزاحمتين
64458
38675
النستراوية
40680
24408
الإسكندرية
80792
48475
المجموع
6454923
3872954
خراج كل كورة أو مديرية في الوجه القبلي
الكورة أو المديرية
خراجها
بالدينار
بالجنيه المصري
الجيزية
785434
471260
الأطفيحية
140752
84451
الفيومية
533021
319813
البهنساوية
1178383
707030
الأشمونين
637496
382498
المنفلوطية
64375
38625
الأسيوطية
383832
230299
الأخميمية
188619
113171
القوصية
449749
269849
المجموع
4361661
2616996
جملة الخراج بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
الخراج
بالدينار
بالجنيه المصري
الوجه البحري
6454923
3872954
الوجه القبلي
4361661
2616996
الجملة
10816584
6489950
عدد الأفدنة بكل كورة في الوجه البحري
الكورة أو المديرية
عدد أفدنتها
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
ضواحي مصر
20598
29077
القليوبية
113321
159972
الشرقية
513970
725555
الدقهلية والمرتاحية
170588
240814
دمياط
9191
12974
الغربية
557176
786517
المنوفية
146056
206182
أبيار وجزيرة بني نصر
100224
141483
البحيرة
318196
449187
فوه والمزاحمتين
12927
18248
النستراوية
7326
10342
الإسكندرية
32172
45416
المجموع
2001745
2825767
عدد الأفدنة بكل كورة في الوجه القبلي
الكورة أو المديرية
عدد أفدنتها
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
الجيزية
165136
233117
الأطفيحية
125216
176763
الفيومية
155352
219305
البهنساوية
357126
504143
الأشمونين
209139
295235
المنفلوطية
22791
32173
الأسيوطية
134422
189759
الأخميمية
120620
170275
القوصية
345093
487156
المجموع
1634895
2307926
جملة الأفدنة بالوجهين البحري والقبلي
الجبهة
عدد الأفدنة
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
الوجه البحري
2001745
2825767
الوجه القبلي
1634895
2307926
الجملة
3636640
5133693
خراج الفدان بكل كورة في الوجه البحري
الكورة أو المديرية
خراج الفدان
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
ضواحي مصر
458
324
القليوبية
234
160
الشرقية
160
112
الدقهلية والمرتاحية
227
دمياط
125
الغربية
235
المنوفية
232
164
أبيار وجزيرة بني نصر
70
50
البحيرة
143
فوه والمزاحمتين
299
212
النستراوية
333
237
الإسكندرية
متوسط خراج الفدان
193
137
خراج الفدان بكل كورة في الوجه القبلي
الكورة أو المديرية
خراج الفدان
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
الجيزية
285
202
الأطفيحية
48
الفيومية
206
146
البهنساوية
198
140
الأشمونين
المنفلوطية
170
120
الأسيوطية
171
121
الأخميمية
القوصية
78
55
متوسط خراج الفدان
160
113
المتوسط العام لخراج الفدان بالوجهين البحري والقبلي
الكورة أو المديرية
متوسط خراج الفدان
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
الوجه البحري
193
137
الوجه القبلي
160
113
المتوسط العام لخراج الفدان
125
حكومة الناصر محمد بن قلاوون سنة 741ه/1341م
تولى هذا السلطان حكم مصر ثلاث مرات في مدد ثلاث مختلفة، وإذا احتسبنا حكومته في كل مرة كان في المرة الثالثة الثامن عشر من سلاطين دولة المماليك البحرية.
وفي عهد حكومته الثالثة أمر في سنة 715ه/1315م بمسح أراضي الديار المصرية، فكانت هذه هي المرة الخامسة والأخيرة التي تم فيها مسح أراضيها، والتي أخبرنا بها مؤرخو العرب.
وهذه المساحة التي تسمى أحيانا بروك ابن الجيعان نسبة إلى اسم هذا المؤلف، وأحيانا باسم روك الأشرف شعبان نسبة إلى هذا السلطان الذي كان متوليا على مصر عام 777ه/1375م، وهو العام الذي نوه عنه ابن الجيعان حيث قال: إن كتابه يصف الحالة التي كانت عليها الأقاليم في العام المذكور، هذه المساحة لم تك في الحقيقة إلا روك السلطان الناصر، وهذا الروك هو الذي قال عنه المقريزي: إنه كان من عمل هذا السلطان في سنة 715ه/1315م، وإنه بقي معمولا به إلى سنة 784ه/1382م، وعلى هذا تكون مندمجة في غضونه مدة حكم الأشرف شعبان.
قال المقريزي في خططه ج1 ص88:
لما كانت الأيام الناصرية راك الناصر محمد البلاد، قال جامع السيرة الناصرية: وفي سنة خمس عشرة وسبعمائة (1315م) اختار السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون أن يروك الديار المصرية، وأن يبطل منها مكوسا كثيرة ويفضل لخاص مملكته شيئا كثيرا من أراضي مصر، وكان سبب ذلك أنه اعتبر كثيرا من أخباز المماليك والحاشية الذين كانوا للملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير والأمير سلار وسائر المماليك البرجية، فإذا هي ما بين ألف دينار إلى ثمانمائة دينار، وخشي من قطع أخباز المذكورين فولد له الرأي مع القاضي فخر الدين محمد بن فضل الله ناظر الجيش أن يروك ديار مصر، ويقرر إقطاعات مما يختار، ويكتب بها مثالات سلطانية، فتقدم الفخر ناظر الجيش لدواوين الجيش بعمل أوراق بما عليه عبر النواحي ومساحتها، وعين السلطان لكل إقليم من أقاليم ديار مصر أناسا، وكتب مرسوما للأمير بدر الدين جنكل بن البابا أن يخرج لناحية الغربية ومعه أعزل الحاجب، ومن الكتاب المكين بن فرويته، وأن يخرج الأمير عز الدين أيدمر الخطيري إلى ناحية الشرقية ومعه الأمير أيتمش المحمدي، ومن الكتاب أمين الدولة ابن قرموط ، وأن يخرج الأمير بلبان الصرخدي والقليجي وابن طرنطاي وبيبرس الجمدار إلى ناحيتي المنوفية والبحيرة، وأن يخرج البليلي والمرتيني إلى الوجه القبلي، وندب معهم كتابا ومستوفين وقياسين فساروا إلى حيث ذكر، فكان كل منهم إذا نزل بأول عمله طلب مشايخ كل بلد ودللاءها وعدولها وقضاتها وسجلاتها التي بأيدي مقطعيها، وفحص عن متحصلها من عين وغلة وأصناف، ومقدار ما تحتوي عليه من الفدن ومزروعها وبورها، وما فيها من ترائب وبواق وخرس ومستبحر، وعبرة الناحية وما عليها لمقطعيها من غلة ودجاج وخراف وبرسيم وكشك وكعك وغير ذلك من الضيافة، فإذا حرر ذلك كله ابتدأ بقياس تلك الناحية، وضبط بالعدول والقياسين وقاضي العمل ما يظهر بالقياس الصحيح، وطلب مكلفات تلك القرية وغنداقها، وفضل ما فيها من الخاص السلطاني وبلاد الأمراء وإقطاعات الأجناد والرزق حتى ينتهي إلى آخر عمله. ثم حضروا بعد خمسة وسبعين يوما وقد تحرر في الأوراق المحضرة حال جميع ضياع أرض مصر ومساحتها وعبرة أراضيها، وما يتحصل عن كل قرية من عين وغلة وصنف، فطلب السلطان الفخر ناظر الجيش والتقي الأسعد بن أمين الملك المعروف بكاتب سرلغي وسائر مستوفي الدولة، وألزمهم بعمل أوراق تشتمل على بلاد الخاص السلطاني التي عينها لهم وعلى إقطاعات الأمراء ، وأضاف على عبرة كل بلد ما كان على فلاحيها من ضيافة لمقطعيها، وأضاف إلى العبرة ما في الأقطاع من الجوالي، وكتب مثالات للأجناد بإقطاعات على هذا الحكم، فاعتد منها بما كان يصرف في كلف حمل الغلال من النواحي إلى ساحل القاهرة وما كان عليها من المكس. ا.ه.
وقد ألغى السلطان الناصر عددا كبيرا من الضرائب الجائرة، وبذلك خفف عن البلاد الأعباء الثقيلة التي كانت رازحة تحتها. وإليك ما قاله المقريزي أيضا بالصفحة 88 في هذا الصدد:
وأبطل السلطان عدة مكوس منها مكس ساحل الغلة، وكان جل متحصل الديوان، وعليه إقطاعات الأمراء والأجناد، ويتحصل منه في السنة أربعة آلاف ألف وستمائة ألف درهم، وعليه أربعمائة مقطع، لكل منهم من عشرة آلاف إلى ثلاثة آلاف، ولكل من الأمراء من أربعين ألفا إلى عشرة آلاف، وكانت جهة عظيمة لها متحصل كثير جدا، وينال القبط منها منافع كثيرة لا تحصى، ويحل بالناس من ذلك بلاء شديد وتعب عظيم من المغارم والظلم، فإن مظالمها كانت تتعدد ما بين نواتية تسرق، وكيالين تبخس، وشادين وكتاب يريد كل منهم شيئا، وكان مقرر الإردب درهمين للسلطان، ويلحقه نصف درهم غير ما ينهب ويسرق، وكان لهذه الجهة مكان يعرف بخص الكيالة في ساحل بولاق، يجلس فيه شاد وستون متعمما ما بين كتاب ومستوفين وناظر، وثلاثون جنديا مباشرون، ولا يمكن أحدا من الناس أن يبيع قدحا من غلة في سائر النواحي، بل تحمل الغلات حتى تباع في خص الكيالة ببولاق.
ومما أبطل أيضا نصف السمسرة، وهو عبارة عن أن من باع شيئا من الأشياء فإنه يعطي أجرة الدلال على ما تقرر من قديم عن كل مائة درهم درهمين، فلما ولي ناصر الدين الشيخي الوزراة قرر على كل دلال من دلالته درهما من كل درهمين، فصار الدلال يعمل معدله، ويجتهد حتى ينال عادته، وتصير الغرامة على البائع، فتضرر الناس من ذلك وأوذوا فلم يغاثوا حتى أبطل ذلك السلطان.
ومما أبطل رسوم الولاية، وكانت جهة تتعلق بالولاة والمقدمين، فيجبيها المذكورون من عرفاء الأسواق وبيوت الفواحش، ولهذه الجهة ضامن، وتحت يده عدة صبيان، وعليها جند مستقطعون وأمراء وغيرهم، وكانت تشتمل على ظلم شنيع وفساد قبيح وهتك قوم مستورين وهجم بيوت أكثر الناس.
ومما أبطل مقرر الحوائص والبغال من المدينة وسائر أعمال مصر كلها من الوجه القبلي والبحري، فكان على كل من الولاة المقدمين مقرر يحمل في كل قسط من أقساط السنة إلى بيت المال، عن ثمن حياصة ثلاثمائة درهم، وعن ثمن بغل خمسمائة درهم، وعلى هذه الجهة عدة مقطعين، ويفضل منها ما يحمل، وكان يصيب الناس من هذه الجهة ما لا يوصف، ويحل بهم من عسف الرقاصين ما يهون معه الموت.
ومن ذلك مقرر السجون، وهو عبارة عما يؤخذ من كل من يسجن، فللسجان على حكم المقرر ستة دراهم سوى كلف أخرى، وعلى هذه الجهة عدة مقطعين، ويرغب فيها الضمان، ويتزايدون في مبلغ ضمانها لكثرة ما يتحصل منها، فإنه كان لو تخاصم رجل مع امرأته أو ابنه رفعه الوالي إلى السجن، فبمجرد ما يدخل السجن ولو لم يقم به إلا لحظة واحدة أخذ منه المقرر، وكذلك كان على سجن القضاة أيضا.
ومن ذلك مقرر طرح الفراريج، ولها ضمان عدة في سائر نواحي أرض مصر يطرحون على الناس الفراريج، فيمر بضعفاء الناس من ذلك بلاء عظيم، وتقاسي الأرامل من العسف والظلم شيئا كثيرا، وكان على هذه الجهة عدة مقطعين، ولا يمكن أحدا من الناس في جميع الأقاليم أن يشتري فروجا فما فوقه إلا من الضامن، ومن عثر عليه أنه اشترى أو باع فروجا من سوى الضامن جاءه الموت من كل مكان، وما هو بميت.
ومن ذلك مقرر الفرسان، وهو عبارة عما يجبيه ولاة النواحي من سائر البلاد، فلا يؤخذ درهم مقرر حتى يغرم عليه صاحبه درهمين، ويقاسي الناس فيه أهوالا صعبة.
ومن ذلك مقرر الأقصاب والمعاصر، وهو ما يجبى من مزارعي قصب السكر، ومن المعاصر ورجال المعاصر.
ومن ذلك مقرر رسوم الأفراح، ويجبى من سائر النواحي، ولهذه الجهة عدة ضمان، ولا يعرف لهذه الجهة أصل البتة، وإنما يجبى بضرائب ينال الناس فيها مع المقرر غرامات وروعات.
ومن ذلك حماية المراكب، وهي عبارة عما يؤخذ من كل مركب بتقرير معين يعرف بمقرر الحماية، وكانت هذه الجهة أشد ما ظلم به الناس، فيؤخذ من كل من ركب البحر للسفر حتى من السؤال والمكدين.
ومن ذلك حقوق القينات، وهو عبارة عما يجمع من الفواحش والمنكرات، فيجبيه مهتار الطشتخاناه السلطانية من أوباش الناس.
ومن ذلك شد الزعماء، وهي جهة مفردة وحقوق السودان وكشف المراكب ومقرر ما على كل جارية أو عبد حين نزولهم بالخانات لعمل الفاحشة، فيؤخذ من كل ذكر وأنثى مقرر معين.
ومتوفر الجراريف وهو ما يجبى من سائر النواحي، فيحمل ذلك مهندسو البلاد إلى بيت المال بإعانة الولاة لهم في تحصيل ذلك، وعلى هذه الجهة عدة مقطعين من الجند، ومقرر المشاعلية وهو عبارة عما يؤخذ عن كسح الأفنية وحمل ما يخرج منها من الوسخ إلى الكيمان، فكان إذا امتلأ سراب جامع أو مدرسة أو مسمط أو تربة أو منزل من منازل سائر الناس لا يمكنه، ولو بلغ من العظمة ما عسى أن يبلغ التعرض لذلك حتى يأتيه ضامن الجهة، ويقاوله على كسح ذلك بما يريد. وكان من عادة الضامن الاشتطاط في السوم وطلب أضعاف القيمة، فإن لم يرض رب المنزل بما طلب الضامن وإلا تركه وانصرف، فلا يقدر على مقاساة ترك الوسخ، ويضطر إلى سؤاله ثانيا، فيعظم تحكمه ويشتد بأسه إلى أن يرضيه بما يختار حتى يتمكن من كسح فنائه ورفع ما هنالك من الأقذار.
ومن ذلك إبطال المباشرين من النواحي، وكانت بلاد مصر كلها من الوجهين القبلي والبحري ما من بلد صغير وكبير إلا وفيه عدة من كتاب وشاد ونحو ذلك، فأبطل السلطان المباشرين، وتقدم بمنعهم من مباشرة النواحي إلا من بلد فيها مال السلطان فقط، فأراح الله سبحانه الخلق بإبطال هذه الجهات من بلاء لا يقدر قدره ولا يمكن وصفه. ا.ه.
وقال في ص91:
وما زال الأمر بمصر على ما رسمه الملك الناصر في هذا الروك إلى أن زالت دولة بني قلاوون بالملك الظاهر برقوق في شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة، فأبقى الأمر على ذلك إلا أن أشياء منه أخذت تتلاشى قليلا قليلا إلى أن كانت الحوادث والمحن في سنة ست وثمانمائة، حيث حدث من أنواع التغيرات وتنوع الظلم ما لم يخطر ببال أحد، وسيمر بك جمل من ذلك عند ذكر أسباب خراب إقليم مصر إن شاء الله تعالى. ا.ه.
وقال ابن إياس في كتابه «بدائع الزهور» (ج1 ص159) عند الكلام على حوادث سنة 715ه/1315م: إنه في هذه السنة راك السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون البلاد المصرية، وهو الروك الناصري.
وهذا الروك كان محكما في بابه، ولم يكن فقط أكثر استيفاء من المساحات التي سبقته في العهد العربي، بل كان عملا متقنا تفتخر به أي مصلحة من مصالح المساحة الحالية، غير أنه ترك فيه فراغ صغير هو إغفال ذكر خراج بعض النواحي ومساحتها، ومع ذلك فهذا النقص لم يكن لحسن الحظ كبيرا؛ إذ إن خراج معظم النواحي ومساحتها قد ذكرا فيه، كما يتضح ذلك في البيان الآتي:
النواحي التي ذكر خراجها ومساحتها
1828
النواحي التي ذكرت مساحتها ولم يذكر خراجها
231
النواحي التي ذكر خراجها ولم تذكر مساحتها
197
النواحي التي لم يذكر خراجها ولا مساحتها
63
الجملة
2319
وقد استطعنا أن نسد هذا الفراغ بأخذنا متوسط المساحة للنواحي التي ذكرت مساحتها في كل مديرية على حدة، وضربنا هذا المتوسط في عدد النواحي التي لم تذكر مساحتها.
وبما أن النواحي الأولى تكون أغلبية النواحي كلها - 2059 ناحية مقابل 260 ناحية - فلا ريب عندنا أن النتيجة التي حصلنا عليها بواسطة هذه العملية لا تبعد عن الحقيقة كثيرا.
وأما الخراج فقط سهل علينا أمره؛ إذ ذكر ابن الجيعان جملة الخراج عن الكور كلها ما عدا المنفلوطية، فاتبعنا في استخراج خراجها الطريقة التي اتبعناها في تعيين مساحة الكور التي لم تذكر مساحتها، وهذا السهو الذي وقع في كورة المنفلوطية لم يكن له تأثير كبير؛ لأن ابن الجيعان ذكر مساحة أربع نواح من النواحي الخمس التي تتكون منها هذه الكورة وخراجها. وإليك بيان الروك المذكور:
عدد النواحي بكل كورة في الوجه البحري
الكورة أو المديرية
عدد نواحيها
ضواحي مصر
26
القليوبية
61
الشرقية
396
الدقهلية والمرتاحية
214
دمياط
14
الغربية
477
المنوفية
133
أبيار وجزيرة بني نصر
49
البحيرة
231
فوه والمزاحمتين
16
النستراوية
6
الإسكندرية
14
المجموع
1637
عدد النواحي بكل كورة في الوجه القبلي
الكورة أو المديرية
عدد نواحيها
الجيزية
154
الأطفيحية
52
الفيومية
104
البهنساوية
159
الأشمونين
104
المنفلوطية
5
الأسيوطية
33
الأخميمية
25
القوصية
43
المجموع
679
جملة النواحي بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
عدد نواحيها
الوجه البحري
1637
الوجه القبلي
679
الجملة
2316
خراج كل كورة أو مديرية في الوجه البحري
الكورة أو المديرية
خراجها
بالدينار
بالجنيه المصري
ضواحي مصر
153075
91845
القليوبية
419850
251910
الشرقية
1411875
847125
الدقهلية والمرتاحية
596071
357643
دمياط
11100
6660
الغربية
1844080
1106448
المنوفية
574629
344777
أبيار وجزيرة بني نصر
100232
60139
البحيرة
741294
444776
فوه والمزاحمتين
56846
34108
النستراوية
43500
26100
الإسكندرية
11000
5600
المجموع
5963552
3578131
خراج كل كورة أو مديرية في الوجه القبلي
الكورة أو المديرية
خراجها
بالدينار
بالجنيه المصري
الجيزية
62000
37200
الأطفيحية
143997
86398
الفيومية
164050
98430
البهنساوية
1302642
781585
الأشمونين
762040
457224
المنفلوطية
47500
28500
الأسيوطية
323920
194352
الأخميمية
243925
146355
القوصية
414663
248798
المجموع
3464737
2078842
جملة خراج الكور بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
خراجها
بالدينار
بالجنيه المصري
الوجه البحري
5963552
3578131
الوجه القبلي
3464737
2078842
الجملة
9428289
5656973
عدد الأفدنة بكل كورة في الوجه البحري
الكورة أو المديرية
عدد أفدنتها
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
ضواحي مصر
20598
29077
القليوبية
113321
159972
الشرقية
513970
725555
الدقهلية والمرتاحية
170588
240814
دمياط
9191
12974
الغربية
557176
786517
المنوفية
146056
206182
أبيار وجزيرة بني نصر
100224
141483
البحيرة
318196
449187
فوه والمزاحمتين
12927
18248
النستراوية
7326
10342
الإسكندرية
32172
45416
المجموع
2001745
2825767
عدد الأفدنة بكل كورة في الوجه القبلي
الكورة أو المديرية
عدد أفدنتها
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
الجيزية
165136
233117
الأطفيحية
125216
176763
الفيومية
155352
219305
البهنساوية
357126
504143
الأشمونين
209139
295235
المنفلوطية
22791
32173
الأسيوطية
134422
189759
الأخميمية
120620
170275
القوصية
345093
487156
المجموع
1634895
2307926
جملة الأفدنة بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
عدد أفدنتها
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
الوجه البحري
2001745
2825767
الوجه القبلي
1634895
2307926
الجملة
3636640
5133693
خراج الفدان بكل كورة في الوجه البحري
الكورة أو المديرية
خراج الفدان
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
ضواحي مصر
446
336
القليوبية
222
الشرقية
165
الدقهلية والمرتاحية
295
دمياط
51
الغربية
المنوفية
236
117
أبيار وجزيرة بني نصر
60
البحيرة
99
فوه والمزاحمتين
264
187
النستراوية
336
الإسكندرية
متوسط خراج الفدان
خراج الفدان بكل كورة في الوجه القبلي
الكورة أو المديرية
خراج الفدان
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
الجيزية
225
160
الأطفيحية
69
49
الفيومية
63
45
البهنساوية
219
155
الأشمونين
155
المنفلوطية
125
88
الأسيوطية
102
الأخميمية
121
86
القوصية
72
51
متوسط خراج الفدان
89
المتوسط العام لخراج الفدان بالوجهين البحري والقبلي
الكورة أو المديرية
متوسط خراج الفدان
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
الوجه البحري
الوجه القبلي
89
المتوسط العام لخراج الفدان
152
قال ابن الأثير في النهاية: لما فتحت مصر أرادوا قسمتها، فكتبوا إليه (أي إلى عمر رضي الله عنه)، فقال: لا حتى يغزو منها حبل الحبلة. يريد حتى يغزو منها أولاد الأولاد، ويكون عاما في الناس والدواب، أي يكثر المسلمون فيها بالتوالد.
الفصل السادس
عصر العثمانيين
من سنة 923ه/1517م إلى 1213ه/1798م
لا يوجد لدينا عن هذا العصر سوى مبلغين أحدهما خاص بأوائل حكمهم، والثاني بآخره.
فالأول ذكره ابن إياس في كتابه «بدائع الزهور» (ج3 ص266) حيث قال:
وقد بلغني ممن أثق به أنه كان متحصل خراج مصر في دولة ابن عثمان لما ملكوها ألف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار (780000ج.م)، ومن المغل ستمائة ألف إردب، منها ثلاثمائة ألف إردب قمح، وثلاثمائة ألف إردب شعير وفول وغير ذلك. ا.ه.
وبما أن هذا المؤلف توفي سنة 930ه/1523م والفتح العثماني كان سنة 923ه/1517م، فيكون الخراج الذي ذكره هو عن السبع السنوات الأولى من هذا العصر، فإذا قدرنا ثمن الإردب من ال 600000 إردب التي ذكرها ب 35 قرشا، كان ثمن هذه الكمية 210000ج.م وبإضافة هذا إلى المبلغ الأول تكون جملة الخراج 990000ج.م ولم يذكر ابن إياس المساحة التي فرض عليها هذا الخراج.
وأما الثاني فقد ذكره علماء الحملة الفرنسية في كتاب «وصف مصر»، وإليك ما قاله لانكريت
Lancret
في مذكرته عن طريقة فرض الخراج ص236 من هذا الكتاب:
قد تم ترتيب الأموال الأميرية في عهد السلطان سليم على أن الأقرب إلى الصواب أن ذلك كان في عهد من خلفه كما يعلم مما أبديته فيما سلف، ويظهر أنه بعد أن فتح الأتراك مصر أرادوا أن يفرضوا خراجا على الأراضي برسم السلاطين بالآستانة، فوجدوا أن السجلات أحرقت، ودعت الحال إلى الاسترشاد بمعلومات الأوجاقلي الجاويشية، وتقرر الخراج فعلا بناء على هذه المعلومات، وتم توزيعه على كل قرية بدون التفات إلى عدد الأفدنة، وبعد ذلك اقتسم الملتزمون فيما بينهم هذه العهدة بحسب اتساع مناطقهم، وهذا التقسيم الذي تم في أول عهد الفتح هو الذي ما زال معمولا به إلى الآن. وقد تم بطريقة غير عادلة مطلقا، حتى إن الخمسين ميديا من المال الحر كان عليها من الأموال الأميرية ميديان تارة أو أكثر إلى عشرين ميديا تارات أخرى، وفرض السلطان سليمان على الوجه القبلي أموالا أميرية تؤخذ عينا من المحاصيل؛ لتزويد فرقة عساكر الأوجاقلي التي كان أعيد تنظيمها حديثا. ا.ه.
وقال في الصفحة 246:
قسمت الضريبة في الوجه القبلي إلى قسمين رئيسيين هما المال أو الرسوم المحصلة نقدا والخراج الذي يجبى عينا، وكلاهما يحصله الملتزمون، فالأول يؤخذ عن الذرة والثاني عن الشعير والقمح وغيره، وعلى ذلك كانت الحالة تستدعي سنويا مسح أرض هذين النوعين للتمكن من عمل الحساب حسب التقدير المعين لهما في كل قرية، ومعرفة ما يجب أن يدفعه كل مزارع للملتزم، وهذا التقدير كان يختلف باختلاف القرى. ا.ه.
ثم قال في الصفحة 254:
ويقسم المال الأميري إلى قسمين رئيسيين؛ المال الشتوي والمال الصيفي، فإيرادات الأول تؤخذ عن محاصيل الفول والشعير والقمح، وتزيد قيمتها على قيمة المال الصيفي، وتجبى قبله، وما يحصل منها يخصص للإنفاق على الشئون الداخلية التي هي دائما أول ما يتطلب عناية الحكومة. أما دخل المال الصيفي فكان يؤخذ فيما بعد عن مزارع الأرز، وتخصص قيمته للمصروفات الخارجية. ا.ه.
وقال إستيف في مذكرته عن المالية المصرية بكتاب «وصف مصر» (ج1 ص306):
لم يتوصل الترك إلى تقرير خراج مصر إلا بعد جهد عظيم وكثير من البحث والتنقيب، وبما أن المماليك كانوا أحرقوا محفوظات الحكومة فقد حاول السلطان سليم أن يعتاض عنها بمعلومات عمال الحكومة القديمة، فاستطاع أن يعرف ما يدره الخراج من هؤلاء العمال الذين كانوا يوزعون على كل ممول بيانا بما هو مربوط عليه بإلزامهم أن يسلموا السجلات التي كانت تحت أيديهم، ومع ذلك لم تفده هذه الطريق الفائدة التي كان يرتجيها، فأمر بعمل روك عام للقطر في المديريات والمدن والقرى ومسحت كل دائرة منها بالفدان، ولكن يجب الاعتراف بأن أعمال هذه المساحة لم تتم على الوجه المطلوب، فقد كان يوجد بكل المديريات تقريبا ممتلكات وقرى ما زالت مسطحاتها مجهولة للحكومة إلى الآن. ا.ه.
وقال في الصفحة 331:
يرجع الفضل في وجود الزراعة بمصر إلى فيضان النيل الذي لولاه لما كانت تربتها خصبة، ولأتلفها الرمال وصيرتها صحراء جرداء، ودرجة الفيضان في هذا البلد الذي لا يسقيه الغمام أبدا هي المقياس الوحيد للأعمال والمحاصيل الزراعية، والقاعدة المتبعة في تحصيل الخراج هي أن الفلاحين لا يلزمون بدفعه إلا إذا غمرت المياه الأراضي، ولكن الحكومة كانت تكتفي بفتح الخليج لهم لإثبات ذلك وإلزامهم بالخراج، فنشأ عن هذه الطريقة أن كانت الأراضي لا تعفى من الضريبة أبدا حتى في السنين الرديئة الفيضان، وكان الباب العالي لا يسمح مطلقا بحدوث أي تخفيض في الأموال الأميرية، وكذلك لم يكن الولاة أكثر منه تساهلا في مال الكشوفية، وعندما يكون الفيضان ناقصا أو زائدا ويكون المحصول تبعا لذلك ضئيلا أو رديئا، يكف الملتزم عن المطالبة ويؤجل التحصيل، ثم ينشط عادة في العام التالي إلى جبايته مع تحصيل المتأخر في السنة الماضية، وبما أنه لم يكن هناك نظام يلزم البكوات أو الملتزمين بإجراء تخفيض في الضرائب عندما يكون المحصول سيئا، كانت العاطفة البشرية وعسر الفلاح في أغلب الأحيان هما اللذان يقدران المبالغ التي يضعونها عن كاهله. ا.ه.
وقال إستيف بصدد الخراج إنه استمر على ما هو عليه من وقت حكم السلطانين سليم وسليمان، فلم يحدث فيه سوى زيادة طفيفة في عهد حكم السلاطين أحمد ومحمد ومصطفى، بلغ مقدارها 7412893 ميديا (15000ج.م) تقريبا، وبذلك وصلت قيمة هذا الخراج إلى 27296192 فرنكا (1052951ج.م) عينا ونقدا، وبمقارنة هذا المبلغ بالقيمة التي ذكرها ابن إياس وهي 990000ج.م نجد في مبلغ إستيف زيادة قدرها 62951ج.م وهذا مما يؤيد دقة المعلومات التي رواها إستيف، والفرق بين ال 15000ج.م وال 62951ج.م يرجح أنه حدث من تقدير ثمن الحبوب، أو سعر الميدي الذي لم تكن قيمته ثابتة على حال واحدة.
وقال إستيف أيضا: إن طريقة توزيع الخراج كانت في أغلب المديريات غير عادلة، والسبب إما فساد عملية التوزيع أو طروء تلف أو إصلاح على الأرض نفسها؛ لأنك بينما ترى أطيان ناحية خصبة مفروضا عليها مبلغ يسير، ترى أطيانا أخرى أقل منها سعة وخصبا مفروضا عليها مبلغ كبير، ولكن متى علمنا أن هذا التوزيع حدث منذ ثلاثة قرون بطل عجبنا، وتبين لنا أن ظهور هذا الفساد في التوزيع لم يكن سوى أمر طبيعي.
أما المساحة التي أجراها السلطان سليم فليس لدينا لسوء الحظ أي مستند نقف منه على أي نتيجة لها، ولم يشر التاريخ كذلك إلى مساحة أخرى عملت أثناء هذه الفترة. ومع كل فإن مهندسي الحملة الفرنسية مسحوا أرض مصر، ومن المرجح كثيرا أن المساحة المزروعة التي وجدها هي نفس المساحة التي كانت تزرع قبل ذلك بسنين قلائل.
ولقد وجد الفرنساويون مساحة الأرض المزروعة 3217671 فدانا، مسطح كل منها 5929 مترا مربعا، أي 4542279 فدانا، مساحة كل منها 4200 متر مربع، وبناء على ذلك نكون قد حصلنا مع خراج قدره 1052951ج.م على متوسط قدره 33 قرشا للفدان الذي مساحته 5959 مترا مربعا، و23 قرشا للفدان الذي مساحته 4200 متر مربع.
الفصل السابع
عصر الفرنسيين
من سنة 1213ه/1798م إلى 1216ه/1801م
وصلت الحملة الفرنسية إلى مصر عندما كان القطر في أحط درك من الوجهتين الزراعية والمالية، ولا يخفى أن هاتين المسألتين مرتبطتان ببعضهما بحكم الطبيعة ارتباطا لا انفكاك له، لا سيما في بلد كمصر أساس معيشته الزراعة.
ومع أن علماء الحملة الفرنسية قتلوا كثيرا من المشروعات النافعة بحثا وتمحيصا، واتخذت هذه المشروعات بعد سفر الحملة أساسا لجميع الأعمال العظيمة التي تمت بمصر، فقد تعذر على الحملة نفسها تنفيذ أي مشروع منها لقصر المدة التي أقامتها بمصر، ولانشغالها بصد الغارات التي كانت تلاقيها من الخارج، حتى إن الإنسان لا يخطئ محجة الصواب إذا قال: إن الحملة تركت مصر بالحالة التي وجدتها عليها. ومع هذا فالعلم لا يستطيع أن ينكر على أولئك العلماء ما سطرته أيديهم البيضاء من الأعمال المجيدة ذات النتائج الباهرة التي تركوها ميراثا للخلف، وما أسدوه من العوارف بتدوين كتاب «وصف مصر»، وغير ذلك من المآثر التي لا يمحيها كر الأيام ومر الأعوام، أضف إلى ذلك دقة نظرهم وبعده، لدرجة يستطيع معها المرء أن يقرر بدون أن يفتات على الحقيقة أنهم استشفوا بثاقب فكرهم من وراء حجب الغيب حاجات الأجيال القادمة.
وقد وصف مساحة هذا البلد أمير الألاي جاكوتان
Jacotin
في بيانه الذي وضعه عن مساحة القطر المصري في كتاب «وصف مصر» (ج2 ص571) فقال:
إن مصر من جزيرة فيلة إلى القاهرة لا تعتبر إلا واديا طويلا ضيقا يتجه من الجنوب إلى الشمال بين خطي العرض 25 1 24° و8 2 30°، وفي وسط هذا الوادي يجري النيل، ويبلغ طوله من النقطة التي يدخل منها أرض مصر إلى أن يصب في البحر مائة وثلاثة وعشرين مريامترا، أي مائتين وستة وسبعين فرسخا وثلاثة أرباع الفرسخ.
ويتغير قبيل القاهرة اتجاه الجبال التي تحد هذا الوادي، فالجبال التي على الشاطئ الأيمن للنيل تتجه نحو الشرق وتمتد إلى قرب السويس، بينما التي على الشاطئ الأيسر وهي أقل كثيرا من الأولى في الارتفاع تميل نحو الشمال الغربي، وتنخفض انخفاضا بينا عند دنوها من البحر.
وعلى مسافة 31 كيلومترا من شمال القاهرة يتفرع النيل إلى فرعين يكونان مع الأراضي المحصورة بين مصبيهما في البحر مثلثا كان يعرف عند القدماء باسم «الدلتا»، ويوجد أيضا ترع أخرى متفرعة من النيل ومن فرعيه تكون مثلثا آخر فيه تنحصر الدلتا من الجهتين، وهو يختلف قليلا عن الأول في الارتفاع إلا أن قاعدته أكبر كثيرا، وهذه القاعدة تحدها الأطراف القصوى التي يمكن أن يصل إليها ماء النيل، أي من طرف بحيرة مريوط الغربي قرب برج العرب إلى مصب الفرع البيلوزي المعروف الآن بفرع الطينة قرب بيلوز، وتقع هاتان النقطتان بين خطي الطول 30 14 27° و30 16 30°، والمسافة التي بينهما على خط مستقيم ومقدارها 291 كيلومترا، أي
من الفراسخ، ويبلغ طول شاطئ البحر الذي يفصلهما 378,9 من الكيلومترات أو
من الفراسخ.
ومن الخطأ أن يظن أن هذه المسافة هي اتساع شاطئ مصر، فهذا الشاطئ يمتد من الشرق إلى الغرب أكثر من ذلك كثيرا، ومصر في خرط فطاحل علماء تقويم البلدان، وبالأخص في خرط أنفيل
Anville
واقعة بين خطي الطول 30 26° و20 32° ومتوسط عرضها 110 فراسخ، وموقعها بين درجتي العرض 25 1 24° و0 37 31° يجعل طولها190 فرسخا، ويمكن تقدير مسطحها بعشرين ألف فرسخ مربع، أي زهاء ثلاثة أرباع سطح فرنسا الحالي، غير أنه يلزم التمييز في هذه المساحة الشاسعة بين الأراضي القابلة للزراعة التي يمكن ريها بماء النيل، وتلك التي لا يمكن أن يصل إليها فيضانه، وهي عبارة عن صحراوات رملية قاحلة قضت عليها الطبيعة أن تظل أبد الدهر عقيمة. فالذي حسبناه بالهكتار أو المقياس الجديد هو السطح الذي يمكن أن يستمد الخصب من ماء النيل، ويقدر مسطحه على أكبر تقدير بجزء من اثني عشر جزءا من مجموع أراضي مصر، ولقد قسمنا هذا السطح كالآتي: (1)
الأراضي التي تشغلها المدائن والقرى والعزب والمساكن والمدافن والأراضي الفضاء وغيرها. (2)
الأراضي المزروعة والقابلة للزرع على وجه العموم، وهذه لم يمكن تحديدها إلا بطريقة تقريبية؛ لأن مساحتها تختلف باختلاف قوة الفيضان. (3)
مساحة الأراضي غير المزروعة والتي يمكن إصلاحها وزرعها. (4)
مساحة أراضي جزائر النيل التي يجب اعتبارها على وجه العموم أرضا مزروعة أو قابلة للزراعة، ومساحة هذه الجزر تتغير أيضا بحسب فيضانات النيل. (5)
مساحة الترع وضفافها والجسور والسكك وكل ما له علاقة بها. (6)
مساحة الخرائب وبقايا المدن والآثار القديمة. (7)
مساحة النهر عند فيضانه. (8)
مساحة البحيرات والبرك والمستنقعات، وذلك عند الفيضان أيضا. (9)
مساحة الرمال والشواطئ وتلال الرمل الواقعة في الجهات المنقطعة عن الصحراء، والتي يمكن غمرها بماء النيل.
وتقسيم أجزاء الخريطة إلى ديسيمترات مربعة يساوي كل منها عشرة آلاف هكتار، قد سهل كثيرا عملية استخراج هذه المساحات، فقد رسم على مادة شفافة ديسيمتر مربع واحد، ثم قسم كل ضلع من أضلاعه إلى خمسين جزءا متساوية، ومدت من جميع نقط التقسيم خطوط موازية للأضلاع، فنشأ من ذلك انقسام الديسيمتر إلى 2500 جزء، كل منها يعادل 4 هكتارات، وبعد ذلك نقل هذا المربع بالتوالي على جميع أجزاء الخريطة وما تحتويه، ثم أحصي ما يوجد بكل جزء من المربعات ذات الأربعة هكتارات، وضرب عددها في 4 فنتج المسطح بالهكتارات.
وهذه الطريقة في استخراج المسطحات تكون قرينة الصحة غاية في الضبط عندما تكون الرسوم ذات مقاييس كبيرة، وقد استعملت في خريطة مصر فلم تصل إلا إلى نتيجة تقريبية هي ربع مربع أو هكتار واحد، وفي هذا من الدقة ما هو فوق الكفاية في موضوعنا.
وتم تحويل النتائج الرئيسية من هذه العمليات الحسابية إلى مريامترات وفراسخ، الفرسخ منها يساوي 25 درجة، واربانات الواحد منها يساوي 100 برش، والبرش يساوي 20 قدما، ثم إلى فدادين.
والمريامتر المربع يساوي
10000,0000 هكتار
والفرسخ المربع يساوي
1975,3086 هكتارا
والاربانت المربع يساوي
0,4221 هكتار
والفدان المربع يساوي
0,5929 هكتار
والفدان هو المقياس الزراعي بمصر، وتوجد أفدنة متباينة في المساحة، والفدان الذي نتكلم عنه الآن هو الفدان الأصلي والأكثر شيوعا في سائر أنحاء مصر، ويعرف بفدان الرزق، وهو عبارة عن مربع طول ضلعه 20 قصبة، والقصبة مقياس طولي يستعمل في قياس الأراضي، وقد وجدت القصبة في عهد الخلفاء، وأقرها السلطان سليم الأول، وحفظت بمسجد من مساجد الجيزة، وقد أقرتها اللجنة التي اختيرت لمسح الأراضي وقاستها، فكان طولها
من الأذرع البلدية، والذراع البلدي يساوي 0,5775 من المتر، فعلى هذا الحساب يكون مقدار القصبة الطولية 3,85 من الأمتار، والمربعة 14,8225 من الأمتار المربعة، وبضرب هذا المقدار في 400 ما يساويه الفدان من القصبات المربعة، يكون الناتج 5929 مترا مربعا وهو مساحة الفدان. ا.ه.
وقال في ص576:
إذا ألقى الإنسان نظرة واحدة على الخريطة علم أن هذه المساحة لا بد أنها كانت عظيمة جدا في الأزمان التي كانت تخصب فيها فيضانات النيل مساحة كبرى، وليست الصحراء هي وحدها التي أغارت على الأراضي التي لا يصل إليها ماء النيل الآن، بل طغى ماء البحر على جانب آخر، واكتسح السدود التي كانت توقفه عند الحدود التي رسمتها له يد الإنسان؛ فتحولت أجزاء من الأراضي المنتجة إلى بحيرات ومستنقعات.
ومن الأسباب التي أدت أيضا إلى انتقاص أرض الزراعة الأتربة التي تستخرج من تطهير الترع والقمامات وأنقاض المدائن والقرى، فكثير من الترع كان يجف ماؤها سنة كاملة فكانت تطهر سنويا، ويلقى الطمي الذي يستخرج منها على حافتيها، فيكون على ممر السنين والأيام أكواما ومرتفعات هائلة، وينتج من جراء ذلك صرف نفقات طائلة لتطهيرها، حتى لقد وجد أن تركها وحفر ترع أخرى بجانبها في أرض صالحة للزراعة أكثر فائدة، ولكن إذا استعملت طرق أخرى للري أحكم من المتبعة الآن، ووضع عليها مراقبة شديدة مع إتقان في الأعمال؛ تلاشت جميع هذه التصرفات السيئة، وأصبح من السهولة بمكان أن تزرع الأراضي التي تشهد أطلال بلادها وقراها شهادة صادقة بأنها كانت فيما مضى من الزمن مزروعة. ا.ه.
وأورد جاكوتان في بيانه أيضا تفاصيل لمسطحات القطر على اختلاف أنواعها، وتجدها ملخصة بهذا الجدول، ومقدرة بالفدان الذي مساحته 5929 مترا مربعا، وبالفدان الذي مساحته 4200 متر مربع:
مساحة عامة لمديريات القطر
الوجه البحري
المديرية
مساحتها بالأفدنة
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
القليوبية
136090
192114
الشرقية
676438
954906
الدقهلية
374620
528839
دمياط
472457
666952
الغربية
762584
1076515
المنوفية
305869
431786
رشيد
400007
564677
البحيرة
593199
837400
المجموع
3721264
5253189
الوجه القبلي
المديرية
مساحتها بالأفدنة
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
الجيزية
155822
219970
أطفيح
57231
80791
الفيوم
214795
303219
بني سويف
355011
501153
المنيا
223532
315552
أسيوط
315458
445321
جرجا
222385
313933
قنا
276752
390681
المجموع
1820986
2570620
جملة مساحة المديريات بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
مساحتها بالأفدنة
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
الوجه البحري
3721264
5253189
الوجه القبلي
1820986
2570620
الجملة
5542250
7823809
والجدول الآتي يبين مساحة القطر بحسب طبيعة أرضه:
نوع الأرض
المساحة بالأفدنة
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
مدن وقرى ومساكن
73058
103134
أراض مزروعة وأراض قابلة للزراعة
3217671
4542279
أراض غير قابلة للزراعة
749140
1057536
جزائر النيل
36613
51685
ترع وجسور
120567
170200
خرائب وأطلال
16316
23033
ترع النهر
158941
224372
بحيرات وبرك ومستنقعات
942810
1330033
رمال
227134
329637
المجموع
5542250
7823809
وهذا الجدول يبين مساحة الأراضي المزروعة والقابلة للزراعة في كل مديرية:
الوجه البحري
المديرية
مساحة أراضيها المزروعة والقابلة للزراعة بالأفدنة
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
القليوبية
115305
162771
الشرقية
327623
462495
الدقهلية
231520
326829
دمياط
100927
142476
الغربية
405546
572495
المنوفية
278826
393609
رشيد
147924
208819
البحيرة
269548
380512
المجموع
1877219
2650006
الوجه القبلي
المديرية
مساحة أراضيها المزروعة والقابلة للزراعة بالأفدنة
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
الجيزية
116151
163967
أطفيح
24625
34762
الفيوم
101885
143829
بني سويف
279543
394614
المنيا
195495
275924
أسيوط
269708
380743
جرجا
161403
227848
قنا
191678
270586
المجموع
1340452
1892273
جملة مساحة الأراضي المزروعة والقابلة للزراعة بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
مساحة أراضيها المزروعة والقابلة للزراعة
فدان مساحته 5929م.م
فدان مساحته 4200م.م
الوجه البحري
1877219
2650006
الوجه القبلي
1340452
1892273
الجملة
3227671
4542279
وقال إستيف في الجزء الخاص بالإيرادات في مدة احتلال الفرنسيين عن سنة 1799م ما ملخصه:
إن الخراج في هذه السنة تقيد بمبلغ 22543399 فرنكا (869613ج.م) نقدا وعينا. ا.ه.
وإننا مع الأسف لم نحصل على بيان ما جبي من كل مديرية، وليس في وسعنا إلا أن نعين لهذا الخراج المساحة الواردة في الجدول الأخير ونقسمه على عدد فدادينها، فينتج لدينا خراج قدره 27 قرشا، وهو قيمة الخراج عن الفدان الذي مساحته 5929 مترا مربعا، ويكون مقدار الخراج عن الفدان الذي مساحته 4200 متر مربع هو 19 قرشا.
وأما بيان النواحي وعددها، فقد وجدناه في الفهرس الجغرافي لمسيو جومار بالمجلد الثاني ص789، وها هو:
بيان نواحي المديريات بالوجه البحري
المديرية
عدد نواحيها
القليوبية
171
الشرقية
414
الدقهلية
243
دمياط
264
المنوفية
277
الغربية
305
رشيد
136
البحيرة
208
المجموع
2018
بيان نواحي المديريات بالوجه القبلي
المديرية
عدد نواحيها
الجيزية
146
أطفيح
118
بني سويف
287
الفيوم
103
المنيا
269
أسيوط
335
جرجا
223
قنا
463
المجموع
1944
جملة نواحي المديريات في الوجهين البحري والقبلي
الجهة
عدد النواحي
الوجه البحري
2018
الوجه القبلي
1944
الجملة
3962
الفصل الثامن
الأسرة المحمدية العلوية
من سنة 1220ه/1805م إلى 1343ه/1923م (1) عصر الوالي محمد علي سنة 1264ه/1848م
قال مانجان في كتابه «مختصر تاريخ مصر» (ج2 ص337):
نزع الوالي محمد علي ملكية جميع الملتزمين، ورتب معاشا لكل منهم يساوي دخله الأصلي الذي كان مدونا في سجلات الروزنامجي، وكانت كل قرية مقسمة إلى أربعة وعشرين قسما يسمى كل منها قيراطا، وكثيرا ما تكون هذه القراريط بين عدة أشخاص.
ولما مسحت الحكومة أطيان كل ملكية بالفدان وجدت مساحتها على وجه العموم ضعف المساحة التي كانت في سجلات المال، فقررت ترتيب الخراج على هذه الزيادة، وقد نتج هذا الفرق من أن الملتزمين في المعاملات التي كانت تجري بينهم كانوا يتحاسبون بمقتضى ما تحتويه مستندات كل منهم، متبعين في ذلك الأسلوب الذي ألفوه من عمل الحساب بالقراريط، وهي طريقة تنتج دواما عددا من الأفدنة أقل بكثير من العدد الحقيقي، وإذا أجريت عملية المساحة فالقياس القبطي وشيخ البلد يتواطآن على أن يسلبا جزءا لهما.
فظهر من كل هذا أن الملتزم الذي كان يورد خراج مائة فدان كان يتمتع في الحقيقة ونفس الأمر بضعف خراج هذه المساحة، فاستولى الوالي على كل ما كان للملتزمين، وأمر الروزنامجي بأن يدفع لهم إيراد النصف حسب ضريبة الخراج القديمة، وهو يساوي ثلث ما يدفع الآن.
ومع كل فقد حفظ الحق للملتزمين بأن يتصرفوا حسبما يشتهون في أراضي الوسايا، فيمكنهم تأجيرها لغيرهم أو زراعتها دون أن يؤدوا خراجا عنها، وأما المعاش الذي رتبه الوالي لهم ليعوضهم به بعض دخلهم، فكان محصورا في صاحبه طالما عاش، ولا يجوز له أن يورثه لبنيه.
وقد ألغيت جميع الأموال المقررة، ولم يبق منها سوى المال الأميري الذي كان يختلف باختلاف الأرض رداءة وجودة، والذي كان يضعه الدفتردار ثم يعرض نتيجة عمله هذا على الوالي ليوافق عليه.
وأما الأراضي الشراقي فكانت جميعها معفاة من الخراج، ومع ذلك فكانت طريقة وضعه عرضة للتغيير والتبديل، وليس فيها شيء ثابت متمش على وتيرة واحدة، وكان تبديلها حسب الحاجات والظروف.
وفي سنة 1236ه/1821م كان عدد القرى والأفدنة التي فرض عليها الخراج، وقيمة ما فرض منه على كل مديرية كالآتي:
عدد القرى
الوجه البحري
المديرية
عدد قراها
القليوبية
140
الشرقية
310
الدقهلية
315
المنوفية
312
الغربية
360
البحيرة
280
المجموع
1717
الوجه القبلي
المديرية
عدد قراها
الجيزة
120
الأطفيحية
80
بني سويف
367
الفيوم
66
المنيا
250
أسيوط
306
جرجا
374
إسنا
195
المجموع
1758
جملة القرى بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
عدد قراها
الوجه البحري
1717
الوجه القبلي
1758
الجملة
3475
عدد الأفدنة المفروض عليها خراج
الوجه البحري
المديرية
عدد الأفدنة المفروض عليها خراج
فدان مساحته 4441م.م
فدان مساحته 4200م.م
القليوبية
80000
84590
الشرقية
161204
170454
الدقهلية
155860
164803
المنوفية
194150
205291
الغربية
225960
238926
البحيرة
100792
106576
المجموع
917966
970640
الوجه القبلي
المديرية
عدد الأفدنة المفروض عليها خراج
فدان مساحته 4441م.م
فدان مساحته 4200م.م
الجيزة
85900
90829
الأطفيحية
55000
58156
بني سويف
131260
138792
الفيوم
70200
74228
المنيا
148340
156852
أسيوط
178584
188831
جرجا
190400
201325
إسنا
143900
152252
المجموع
1003584
1061265
جملة الأفدنة المفروض عليها خراج بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
عدد الأفدنة المفروض عليها خراج
فدان مساحته 4441م.م
فدان مساحته 4200م.م
الوجه البحري
917966
970640
الوجه القبلي
1003584
1061265
الجملة
1921550
2031905
وهذا الجدول يبين جملة الخراج عن كل مديرية، وخراج الفدان الذي مساحته 4441 مترا مربعا، والذي مساحته 4200 متر مربع، ومتوسط خراج كل منهما:
الوجه البحري
المديرية
جملة خراجها
خراج الفدان
فدان مساحته 4441م.م
فدان مساحته 4200م.م
جنيه مصري
بارة
قرش
بارة
قرش
القليوبية
30800
20
38
16
36
الشرقية
48639
5
35
21
28
الدقهلية
46116
25
29
39
27
المنوفية
67535
30
34
36
22
الغربية
79436
5
35
10
33
البحيرة
25270
25
28
23
المتوسط
20
32
27
30
المجموع
297796
الوجه القبلي
المديرية
جملة خراجها
خراج الفدان
فدان مساحته 4441م.م
فدان مساحته 4200م.م
جنيه مصري
بارة
قرش
بارة
قرش
الجيزة
32757
10
38
2
36
الأطفيحية
16912
30
30
3
29
بني سويف
58219
15
44
38
41
الفيوم
23692
30
33
37
31
المنيا
51977
35
6
33
أسيوط
62329
35
33
جرجا
66685
35
5
33
إسنا
50174
35
34
38
32
المتوسط
5
36
7
34
المجموع
362745
جملة الخراج بالوجهين البحري والقبلي والمتوسط العام لخراج الفدان
الجهة
جملة الخراج بالجنيهات
متوسط خراج الفدان بالقروش
فدان مساحته 4441م.م
فدان مساحته 4200م.م
جنيه مصري
بارة
قرش
بارة
قرش
الوجه البحري
297796
20
32
27
30
الوجه القبلي
362745
5
26
7
34
المتوسط العام
15
34
20
32
الجملة
660541
وأما محصول الفدان الواحد فأورد عنه مانجان في كتابه ج2 ص344 وما بعدها البيان الآتي:
نوع المحصول
محصول الفدان
أرادب
قمح
من 2
إلى 8
شعير
من 4
إلى 15
فول
من 4
إلى 10
عدس
من 4
إلى 7
ذرة صيفية
من 4
إلى 10
ذرة شامية
من 4
إلى 7
حمص
من 3
إلى 7
ترمس
من 3
إلى 7
حلبة
من 6
إلى 8
كتان
من 3
إلى
ضريبة وزنها 554 أقة
أرز دمياطي
من 2
إلى 5
ضريبة وزنها 310 أقق
أرز رشيدي
من 4
إلى 6
قناطير
قطن
4
دخان
10
زعفران
قنطار
أرادب
محصول
3 تقاوي
ثم تكلم مانجان عن كيفية استغلال الأرض في مصر فقال: إن الطمي الذي يرسب من ماء النيل على الأرض سنويا يحيي مواتها، ويساعد على خصبها ونمو مزروعاتها دواما؛ ولهذا لا يريحها الفلاحون ولا يدعونها وقتا بدون زراعة، بل يكتفون بتنويع المزروعات فيها، فالأرض التي تزرع في سنة قمحا مثلا تزرع في السنة التي تليها شعيرا أو فولا أو ذرة أو عدسا، ويزرع الشعير في الأراضي التي تقل رطوبتها عن غيرها؛ لأن الأرض الجافة لا تعوقه عن النمو.
ويزرع الفلاحون البرسيم بعد القمح؛ لأن أرض المراعي الصناعية تكتسب قوة بسبب مكث البهائم فيها مدة أشهر الربيع.
ويزرعون القرطم مع التبغ، وفي بعض الأحيان مع الترمس والحلبة والحمص، وتنمو هذه النباتات في كل مكان تزرع فيه بلا فرق.
وتلي زراعة قصب السكر زراعة الذرة، وبعد هذه الكتان، ثم النيل (النيلة) الذي يبقى نباته في الأرض ثلاث سنوات.
وأما محاصيل القطر المصري من الحبوب سنة 1821م فقدرها كالآتي:
نوع المحصول
كمية المحصول بالإرادب
قمح
1200000
فول
1200000
شعير
600000
عدس
120000
ذرة صيفية
800000
ذرة شامية
150000
حلبة
130000
حمص
80000
ترمس
40000
المجموع
4320000
وكان ثمن مبيع الإردب منها كالآتي:
نوع المحصول
ثمن الإردب منه بالقروش
قمح
50
فول
30
ذرة
32
حمص
27
ترمس
18
وقال كلوت بك في كتابه «نظرة عامة حول مصر» (ج2 ص203):
كان دخل الضرائب الذي يرد خزانة محمد علي ثلاثة أقسام وهي: (1)
الخراج أو ضريبة الأطيان. (2)
فريضة الرءوس. (3)
إيرادات الجمارك.
ثم تكلم عن ضريبة الأطيان فقال:
لما استولى السلطان سليم على مصر قام بمسح القسم الأكبر من أرضها، وتقرر ترتيب قيمة الخراج، وتعيين ما يجب على كل ملتزم تحصيله حسبما أظهرته نتيجة هذه المساحة.
وتنقسم ضريبة الأطيان إلى ثلاثة أجزاء، الأول وهو أعظمها خاص بالميري، والثاني خاص بالكشوفية، والثالث فائض الالتزام. فالمال الأميري حق للسلطان، ومال الكشوفية حق للبك أو الكاشف حاكم الإقليم، وفائض الالتزام الذي كان بين الزيادة والنقصان كان دفعه محتما في كل سنة أسوة بالمال الأميري ومال الكشوفية، وكان يجبى على ذمة الملتزمين، ولا يكون لهؤلاء حق فيه إلا بعد سداد مطلوب السلطان وحكام الأقاليم، وهؤلاء الملتزمون فرضوا أيضا لأنفسهم رسوما على الفلاحين عرفت باسم (البراني)، كانوا يحتمون عليهم دفعها.
ولم تكن جميع الأراضي المصرية خاضعة للخراج، بل كان بعضها معفى منه والبعض الآخر مفروضا عليه، فالأراضي التي عرفت باسم الرزق كانت معفاة منه، مثل الأراضي البور التي لا تأتي بمحصول، أما الأراضي الرديئة وهي التي كان يمتلكها الملتزمون أو الفلاحون فكان مفروضا عليها ضريبة متوسطة القيمة، أي أقل مما كان مفروضا على الأرض الجيدة، وأما أراضي الأثر والأوسية فكانت الضرائب تفرض عليها بحسب حالتها، وأراضي الأثر هي التي كان مفروضا عليها الضريبة المسامة بالبراني.
أما الآن فلا يوجد فارق بين أرض وأخرى، بل جميعها متساو في الغرم ومربوط عليه خراج واحد هو المال الأميري، ويقدر متوسط الخراج في الوقت الحاضر بعشرة فرنكات عن الفدان، فالأرض ذات الخصب المزيد يفرض عليها عادة من 14 إلى 16 فرنكا عن الفدان، والتي أقل منها خصبا يفرض عليها من 6 إلى 8 فرنكات. ومنذ زمن يسير أعطى الوالي أناسا قادرين على الزراعة ما يقرب من 200000 فدان من الأراضي غير المزروعة، وأعفاها من الأموال الأميرية، ويتجمع نصف دخل محمد علي من ضريبة الخراج. ا.ه.
ثم دون كلوت بالصفحة 264 بيانا بالأراضي المزروعة والممكن زرعها في مصر، ومساحتها بالأفدنة التي مسطح كل منها 4083 مترا مربعا، وقد ذكرنا ذلك في البيان الآتي مع ما يقابلها من الأفدنة التي مسطح كل منها 4200 متر مربع.
ومع أنه أغفل ذكر السنة التي أجرى فيها إحصاء هذه الأراضي، فمن رأينا أنها سنة 1833م بلا شك؛ لأنها هي السنة التي أورد دخلها في مؤلفه:
بيان أراضي مصر المزروعة والقابلة للزراعة
الوجه البحري
المديرية
مساحة أراضيها المزروعة والقابلة للزراعة
فدان مساحته 4083م.م
فدان مساحته 4200م.م
القليوبية
290000
281921
الشرقية
360000
349971
الدقهلية
320000
311086
المنوفية
300000
291643
الغربية
450000
437464
البحيرة
245000
238175
المجموع
1965000
1910260
الوجه القبلي
المديرية
مساحة أراضيها المزروعة والقابلة للزراعة
فدان مساحته 4083م.م
فدان مساحته 4200م.م
الجيزة
254000
246924
بني سويف
139400
135517
الفيوم
124000
120546
الفشن
161000
156515
بني مزار
148200
144072
المنيا
152800
148543
ملوي
100367
97571
منفلوط
98964
96208
أسيوط
163554
158998
سوهاج
134169
130432
جرجا
101217
98397
فرشوط
98828
96075
قنا
102390
99537
إسنا
47337
46018
المجموع
1826226
1775353
جملة الأراضي المزروعة والقابلة للزراعة بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
مساحة أراضيها المزروعة والقابلة للزراعة
فدان مساحته 4083م.م
فدان مساحته 4200م.م
الوجه البحري
1965000
1910260
الوجه القبلي
1826226
1775353
الجملة
3791226
3685613
أما مساحة الأراضي غير المزروعة فقد ذكرها جملة واحدة، وذلك كالآتي:
الجهة
مساحة أراضيها غير المزروعة
فدان مساحته 4083م.م
فدان مساحته 4200م.م
الوجه البحري
1581000
1536958
الوجه القبلي
1641774
1596039
الجملة
3222774
3132997
وبإضافة مساحة هذه الأراضي إلى مساحة الأراضي المزروعة يكون مجموع المساحتين كالآتي:
الجهة
أراضيها المزروعة وغير المزروعة
فدان مساحته 4083م.م
فدان مساحته 4200م.م
الوجه البحري
3546000
3447218
الوجه القبلي
3468000
3371392
الجملة
7014000
6818610
وأما محاصيل الأراضي في سنة 1833م فقد أورد عنها مانجان في كتابه «مختصر تاريخ مصر» (ج3 ص162) البيان الآتي:
نوع المحصول
كمية المحصول
بأرادب القاهرة
قمح
1450000
فول
700000
شعير
650000
ذرة
160000
ذرة صيفية
750000
عدس
70000
حمص
25000
ترمس
20000
حلبة
60000
أرز رشيدي
30000
أرز دمياطي
50000
بذر كتان
22000
بذر خس
8000
سمسم
18000
بذر قرطم
1500
بالقناطير
قطن شجيرات
110000
قطن نبات
4500
سكر
8558
زعفران
583
حناء
35000
كتان
18000
شمع عسل
500
عسل
2400
ملح البارود
15784
بالأقق
نيل (نيلة)
77300
أفيون
14500
حرير
6150 و300
ولم يذكر كلوت بك الضريبة العقارية لسنة 1833م إلا جملة واحدة، فقال إنها بلغت 28125000 فرنك (1084922ج.م)، وبقسمة هذا المبلغ على المساحة المزروعة يكون الناتج
من القروش، وهو متوسط خراج الفدان الذي مساحته 4083 مترا مربعا، ويكون متوسط خراج الفدان الذي مساحته 4200 متر مربع هو
من القروش. (2) الخديوي توفيق سنة 1309ه/1892م
نورد لك هنا السنين الأولى من حكم هذا الخديوي؛ لأنها تمثل الحالة الوسطى لمصر بين عهد سمو الوالي محمد علي وعهدنا هذا، كما أنها تمثل حالة البلاد قبيل الاحتلال الإنكليزي تماما. وقد كان عدد النواحي حسبما جاء في إحصاء عام 1882م كالآتي:
الوجه البحري
المديرية
عدد نواحيها
القليوبية
163
الشرقية
435
الدقهلية
443
المنوفية
331
الغربية
547
البحيرة
301
المجموع
2220
الوجه القبلي
المديرية
عدد نواحيها
الجيزة
167
بني سويف
168
الفيوم
91
المنيا
267
أسيوط
319
جرجا
189
قنا
109
إسنا
107
المجموع
1417
جملة عدد النواحي بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
عدد النواحي
الوجه البحري
2220
الوجه القبلي
1417
الجملة
3637
أما عدد الأفدنة المفروض عليها خراج في سنة 1881م، والتي مساحة كل منها 4200 متر مربع؛ فكان في كل مديرية كالآتي:
الوجه البحري
المديرية
عدد أفدنتها المفروض عليها خراج
القليوبية
185677
الشرقية
420512
الدقهلية
453617
المنوفية
338893
الغربية
812886
البحيرة
398127
المجموع
2609712
الوجه القبلي
المديرية
عدد أفدنتها المفروض عليها خراج
الجيزة
174496
بني سويف
227142
الفيوم
194009
المنيا
368614
أسيوط
413245
جرجا
320426
قنا
273200
إسنا
133562
المجموع
2104694
جملة الأفدنة بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
عدد أفدنتها
الوجه البحري
2609712
الوجه القبلي
2104694
الجملة
4714406
وأما جملة خراج كل مديرية وخراج الفدان فيها الذي مساحته 4200 متر مربع، فكانا في سنة 1881م كالآتي:
الوجه البحري
المديرية
جملة خراجها
خراج الفدان
جنيه
قرش
القليوبية
256266
138
الشرقية
373262
86
الدقهلية
474381
المنوفية
524296
الغربية
889638
البحيرة
358986
90
المتوسط
110
المجموع
2876829
الوجه القبلي
المديرية
جملة خراجها
خراج الفدان
جنيه
قرش
الجيزة
193592
111
بني سويف
187962
83
الفيوم
106588
55
المنيا
263623
أسيوط
507059
123
جرجا
374760
117
قنا
285432
إسنا
84673
المتوسط
95
المجموع
2003689
جملة الخراج والمتوسط العام لخراج الفدان بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
جملة خراجها
متوسط خراج الفدان
جنيه
قرش
الوجه البحري
2876829
110
الوجه القبلي
2003689
95
المتوسط العام
الجملة
4880518 (3) الملك فؤاد الأول سنة 1342ه/1923م
إن عهد هذا الملك يبين لنا الحالة الحاضرة للموضوع الذي نبحث فيه.
فعدد نواحي كل محافظة ومديرية حسب إحصاء سنة 1917م هو كالآتي:
الوجه البحري (المحافظات )
المحافظة
عدد نواحيها
القاهرة
181
الإسكندرية
107
قناة السويس
19
دمياط
4
السويس
2
شبه جزيرة سيناء
4
الصحراء الشرقية
26
الصحراء الغربية
19
المجموع
362
المديريات
المحافظة
عدد نواحيها
القليوبية
165
الشرقية
364
الدقهلية
405
المنوفية
308
الغربية
520
البحيرة
320
المجموع
2082
الوجه القبلي (المديريات)
المديرية
عدد نواحيها
الجيزة
153
بني سويف
177
الفيوم
97
المنيا
261
أسيوط
280
جرجا
228
قنا
139
أسوان
81
المجموع
1416
جملة نواحي المحافظات والمديريات بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
عدد النواحي
المحافظات
362
الوجه البحري
2082
الوجه القبلي
1416
الجملة
3860
وأما عدد الأفدنة المربوط عليها الخراج في سنة 1921م، والتي مساحة كل منها 4200 متر مربع فهو في كل مديرية كالآتي:
الوجه البحري
المديرية
عدد أفدنتها
القليوبية
201700
الشرقية
606800
الدقهلية
518000
المنوفية
347400
الغربية
923300
البحيرة
745700
محافظة القنال
1700
المجموع
3344600
الوجه القبلي
المديرية
عدد أفدنتها
الجيزة
180600
بني سويف
225200
الفيوم
331800
المنيا
378700
أسيوط
412200
جرجا
309700
قنا
333900
أسوان
99000
المجموع
2271100
جملة الأفدنة بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
عدد أفدنتها
الوجه البحري
3344600
الوجه القبلي
2271100
المجموع
5615700
وفي هذه السنة كانت جملة الخراج لهذه الأفدنة وخراج الواحد منها بكل مديرية كالآتي:
الوجه البحري
المديرية
جملة خراجها
خراج الفدان
جنيه
قرش
القليوبية
293705
الشرقية
469789
الدقهلية
484114
المنوفية
544492
157
الغربية
854190
البحيرة
520130
70
محافظة القنال
1042
61
المتوسط
95
المجموع
3167462
الوجه القبلي
المديرية
جملة خراجها
خراج الفدان
جنيه
قرش
الجيزة
212074
بني سويف
256781
114
الفيوم
189341
57
المنيا
370052
98
أسيوط
397708
جرجا
255714
قنا
240117
72
أسوان
45411
46
المتوسط
86
المجموع
1967198
جملة الخراج والمتوسط العام لخراج الفدان بالوجهين البحري والقبلي
الجهة
جملة خراجها
متوسط خراج الفدان
جنيه
قرش
الوجه البحري
3167462
95
الوجه القبلي
1967198
86
المتوسط العام
91
الجملة
5134660
وقد جاء في مذكرة السير مردخ ماكدونلد مستشار وزراة الأشغال العمومية عن أعمال مراقبة النيل في سنة 1919م: إن مساحة الأرض المزروعة والقابلة للزراعة بمصر هي 7300000 فدان.
يستنزل منها ما هو مخصص لتربية الأسماك وقدره 200000 فدان، فيكون الباقي 7100000 فدان.
يستنزل منه المساحة المفروض عليها خراج، وهي 5600000 فدان، فيكون الباقي 1500000 فدان.
وهذا المقدار هو المساحة غير المزروعة الآن من أرض مصر، والقابلة للزراعة في المستقبل. (4) إجمال عام لقسم الخراج
وإنا لمجملون في الجداول الآتية ما تضمنه هذا القسم:
جدول رقم (1)
إن عدد النواحي مدنا أو قرى الذي أورده المؤلفون على اختلافهم في عهد من ذكروه من الحكام وبحسب العصور كالآتي:
عصر الفراعنة
المصادر
الحكام
عدد النواحي
هيرودوت
أمازيس
20000
ديودور
الفراعنة
18000
عصر البطالسة
المصادر
الحكام
عدد النواحي
ديودور
بطليموس لاغوس
30000
عصر العرب
المصادر
الحكام
عدد النواحي
ابن عبد الحكم
سليمان بن عبد الملك
10000
أبو صالح الأرمني
المستنصر بالله
2186
ابن الجيعان
حسام الدين لاجين
2316
ابن الجيعان
الناصر محمد
2316
عصر الفرنسيين
المصادر
الحكام
عدد النواحي
جومار
الجمهورية الفرنسية
3962
عصر الأسرة المحمدية العلوية
المصادر
الحكام
عدد النواحي
مانجان
الوالي محمد علي
3475
إحصاء سنة 1882م
الخديوي توفيق
3637
إحصاء سنة 1917م
السلطان فؤاد الأول
3860
جدول رقم (2)
إن مساحة الأراضي المفروض عليها خراج في مصر، والتي أوردها المؤرخون على اختلافهم في عهد من ذكروه من الحكام كانت في كل من عصورهم كالآتي:
عصر الفراعنة
المصادر
الحكام
المساحة بالأفدنة
تقدير
زمن الفراعنة
6000000
عصر البطالسة
المصادر
الحكام
المساحة بالأفدنة
تقدير
البطالسة
4000000
عصر الرومان
المصادر
الحكام
المساحة بالأفدنة
تقدير
الرومان
6000000
عصر البيزانطيين
المصادر
الحكام
المساحة بالأفدنة
تقدير
البيزانطيون
6000000
عصر العرب
المصادر
الحكام
المساحة بالأفدنة
تقدير
عمر بن الخطاب
6000000
الكندي
هشام بن عبد الملك
30000000
المقريزي
المأمون
3004732
المقريزي
المعتز بالله
24000000
ابن حوقل
المعز لدين الله
646745
ابن الجيعان
حسام الدين لاجين
5133693
ابن الجيعان
الناصر محمد
5133693
عصر العثمانيين
المصادر
الحكام
المساحة بالأفدنة
أمير الألاي جاكوتان
العثمانيون
4542279
عصر الفرنسيين
المصادر
الحكام
المساحة بالأفدنة
أمير الألاي جاكوتان
الجمهورية الفرنسية
4542279
عصر الأسرة المحمدية العلوية
المصادر
الحكام
المساحة بالأفدنة
كلوت بك سنة 1833م
الوالي محمد علي
3685613
إحصاء الحكومة سنة 1881م
الخديوي توفيق
4714406
إحصاء الحكومة سنة 1921م
السلطان فؤاد الأول
5615700
جدول رقم (3)
إن قيمة الخراج التي أوردها مختلفو المؤرخين في عهد من ذكروه من الحكام كانت في كل من عصورهم كالآتي:
عصر الفراعنة
المصادر
الحكام
الخراج بالجنيه المصري
ماسبيرو (تقدير 10٪)
الفراعنة
2100000
الآنسة هارتمان (20٪)
الفراعنة
4200000
ابن خرداذبة
الفراعنة
56000000
أبو صالح الأرمني
يوسف بن يعقوب
14760000
ابن وصيف شاه
منقاوس
62800000
ابن وصيف شاه
فرعون موسى
43200000
المقريزي
الريان بن الوليد
58200000
المقريزي
الريان بن الوليد
60000000
أبو المحاسن
كيقاوس
60018000
عصر البطالسة
المصادر
الحكام
الخراج بالجنيه المصري
لمبروزو (تقدير)
البطالسة
787500
عصر الرومان
المصادر
الحكام
الخراج بالجنيه المصري
ماركاردت تقدير (20٪)
الرومان
4500000
عصر البيزانطيين
المصادر
الحكام
الخراج بالجنيه المصري
ج. رويارد (تقدير)
البيزانطيون
1800000
عصر العرب
المصادر
الحكام
الخراج بالجنيه المصري
ابن عبد الحكم
عمر بن الخطاب
816666
اليعقوبي
عمر بن الخطاب
420000
البلاذري
عمر بن الخطاب
3300000
الكندي
هشام بن عبد الملك
2400000
المقريزي
المأمون
2554000
ابن وصيف شاه
المعتز بالله
480000
ابن وصيف شاه
أحمد بن طولون
2580000
المقريزي
الإخشيد محمد
1200000
ابن حوقل
المعز لدين الله
1920000
أبو صالح الأرمني
المستنصر بالله
1872600
المقريزي
صلاح الدين الأيوبي
2791811
ابن الجيعان
حسام الدين لاجين
6489950
ابن الجيعان
الناصر محمد
5656973
عصر الفرنسيين
المصادر
الحكام
الخراج بالجنيه المصري
إستيف
الجمهورية الفرنسية
869613
عصر الأسرة المحمدية العلوية
المصادر
الحكام
الخراج بالجنيه المصري
كلوت بك سنة 1833م
الوالي محمد علي
1084922
إحصاء الحكومة سنة 1881م
الخديوي توفيق
4880518
إحصاء الحكومة سنة 1921م
السلطان فؤاد الأول
5134660
جدول رقم (4)
وكان خراج الفدان الذي مساحته 4200 متر مربع كما نوه عنه مختلفو المؤلفين في عهد من ذكروه من الحكام وبحسب العصور كالآتي:
عصر الفراعنة
المصادر
الحكام
خراج الفدان بالقروش
تقدير 10٪
الفراعنة
35
تقدير 10٪
الفراعنة
70
عصر البطالسة
المصادر
الحكام
خراج الفدان بالقروش
تقدير
البطالسة
عصر الرومان
المصادر
الحكام
خراج الفدان بالقروش
تقدير
الرومان
75
عصر البيزانطيين
المصادر
الحكام
خراج الفدان بالقروش
تقدير
البيزانطيون
30
عصر العرب
المصادر
الحكام
خراج الفدان بالقروش
تقدير
عمر بن الخطاب
تقدير
عمر بن الخطاب
7
تقدير
عمر بن الخطاب
55
الكندي
هشام بن عبد الملك
8
المقريزي
المأمون
85
المقريزي
المعتز بالله
2
ابن حوقل
المعز لدين الله
ابن الجيعان
حسام الدين لاجين
125
ابن الجيعان
الناصر محمد
عصر العثمانيين
المصادر
الحكام
خراج الفدان بالقروش
إستيف
العثمانيون
23
عصر الفرنسيين
المصادر
الحكام
خراج الفدان بالقروش
إستيف
الجمهورية الفرنسية
19
عصر الأسرة المحمدية العلوية
المصادر
الحكام
خراج الفدان بالقروش
كلوت بك سنة 1833م
الوالي محمد علي
إحصاء الحكومة في سنة 1881م
الخديوي توفيق
إحصاء الحكومة في سنة 1921م
السلطان فؤاد الأول
91
خاتمة
إن مساحة الأراضي القابلة للزراعة في القطر المصري هي 7100000 فدان، عدا 200000 فدان تربى فيها الأسماك، والمقدار الأول قسمان: (1)
5600000 فدان تجبى منها الضرائب باعتبار أنها مزروعة. (2)
1500000 فدان غير مزروعة الآن وقابلة للزراعة في المستقبل.
وجملة سكان مصر حسب إحصاء سنة 1917م هي 12718255 شخصا ، فيكون لكل فدان شخصان وربع، وأكثر المديريات سكانا بالنسبة لمساحتها مديرية المنوفية؛ إذ يخص كل ثلاثة من سكانها فدان واحد، وما زال عدد السكان منذ إحصاء سنة 1917م في ازدياد مطرد، فإذا تركنا سني الحرب الاستثنائية جانبا نجد زيادة عدد المواليد على عدد الوفيات في سنة 1921م حسب تقدير مصلحة الإحصاء بلغت 224459، وفي سنة 1922م 243536 نسمة.
وكلما زاد عدد السكان كثر ازدياد عدد المواليد على عدد الوفيات طبعا، ولا ريب عندنا في أن متوسط هذه الزيادة يبلغ سنويا 250000 بدون أدنى مبالغة.
وليس في مديرية المنوفية - وهي أخصب أرض مصر - قطعة لا تزرع، ومع ذلك فكثير من سكانها يهاجرون؛ لأنهم لا يجدون ما يقوم بمعيشتهم فيها، على أننا مع هذا نسلم بقاعدة كفاية الفدان الواحد من كل أرض زراعية في مصر لمتوسط معيشة ثلاثة أشخاص، فنقول بناء على هذه القاعدة:
إن الأرض المزروعة في مصر ومقدارها 5600000 فدان تكفي لمعيشة 16800000 نسمة، وبعد تعداد النفوس سنة 1917م، بلغ مجموع زيادة المواليد على الوفيات 871770 بتقدير مصلحة الإحصاء، فإذا أضفنا إلى ذلك زيادة سنة 1923م ومقدارها 250000، وأضفنا المجموع إلى إحصاء سنة 1917م؛ يكون عدد السكان في نهاية سنة 1923م 13800000 نسمة، وبطرحه من 16800000 نسمة، وهو العدد اللازم لاستثمار المساحة المقرر عليها ضرائب، يكون الباقي 3000000 نسمة، وهو عجز يسد بزيادة السكان السنوية، فإذا سلم لنا أنها 250000 سنويا يتلاشى هذا العجز بعد اثنتي عشرة سنة، على أننا نقول إن عشر سنوات فقط تكفي لذلك إذا جرت الأمور في مجراها الطبيعي.
وإذا أعدت المساحة غير المزروعة الآن للزراعة، وهي تشمل الجزء الشمالي وإقليم البحيرات للدلتا، ومقدارها كما مر 1500000، لزمها من السكان 4500000، وهو مقدار يتلاشى بزيادة السكان في مدى ثماني عشرة سنة، فتكون السنوات اللازمة لملاشاة العجز كله ثلاثين سنة، أو بالحري خمسا وعشرين سنة، أي ربع قرن أو نصف العمر الغالب للإنسان، وعلى ذلك نجد أنفسنا أمام إحدى حالتين وهما:
الأولى :
إذا لم تجفف مياه إقليم البحيرات ولم يعد للزراعة، وصلنا إلى آخر حد لاستطاعة القطر تحمل سكانه في مدة اثنتي عشرة سنة على الأكثر.
الثانية :
إذا جففت مياهه وأعد للزراعة، وصلنا إلى الحد المذكور في مدة ثلاثين سنة على الأكثر.
وهاتان المدتان حتى أطولهما أقرب إلينا من حبل الوريد، ومعظم النسل الحاضر سيرى بعيني رأسه انقضاء هذه السنين، فماذا نصنع بعدئذ والزيادة مستمرة في السكان؟
لا ريب أنه يجب علينا منذ الآن التفكير في حل لهذه المعضلة الاجتماعية المتوقعة، وهو ما سنفرد له هذا البحث:
الجزء المروي أو الممكن ريه من القطر المصري على شكل شريط طولي دقيق ينتهي طرفه الشمالي بشكل مروحة عند البحر الأبيض المتوسط، وهذه هي التي تسمى الدلتا.
وهذا الجزء المروي يحد بصحراء العرب شرقا وصحراء لوبية غربا، وليس في الإمكان ري أرض الصحراوين المذكورتين بمياه النيل لاتفاعها وعدم استواء سطحها، فسيستمر جدبها لهذا العائق الذي لا يمكن تذليله إلى ما شاء الله، ومن المستحيل في مصر الانتفاع بأرض لا يرويها النيل، فليس هناك احتمال لتوسع زراعي من هاتين الجهتين.
وفي الجهة الشمالية البحر، فإذا وجهنا زيادة عدد سكاننا إلى هذه الوجهة وافترضنا ارتحالها إلى ما وراء البحار وتركنا جانبا كراهة المصري الغربة، فإننا لا نجد ما يحقق لها أي رغد من العيش؛ للبون الشاسع بين البلادين مناخا وطبيعة وجنسية ولغة وديانة، فهذه الجهة في حكم المسدودة.
أما المورد الصناعي للمعيشة، ففضلا عن أن مصر تنقصها المواد الأولية لتكون الصناعة فيها زاهرة يانعة؛ فإنه مورد محدود من المستحيل أن ينتفع به عدد عظيم من السكان في مصر، ولنفرض أنهم نصف مليون أو مليون، فإنه يستغرق بزيادة السكان في مدى أربع سنوات فقط، ومتى انقضى هذا الأجل القصير نجد أنفسنا أمام المعضلة بعينها من جديد.
وحاشا أن نقصد تثبيط الهمم عن الصناعة بهذا الكلام، وإنما القصد فقط بيان عدم كفاية هذا المورد، وأنه لا يحل المشكل الذي نحن بإزائه.
فالمنفذ الوحيد المفتوح أمامنا هو جهة الجنوب حيث يوجد إقليم واسع ذو سكان قليلي العدد، وأرض من طبيعة أرض مصر تروى بنفس النيل، ولا يفصلها عنا فاصل، بل هي ومصر جسم واحد.
وإقليم كهذا حالته المعيشية وثمار أرضه مماثلة لقطرنا، المصريون وحدهم هم الذين في استطاعتهم جعله في حالة سعادة ورفاهية.
وبالاختصار هو بيئة مناسبة لأمزجة المصريين على قدر ما هم أنفسهم موافقون لهذه البيئة، وهو الذي يسع الزيادة المستمرة لسكان مصر مدى مائة عام بدون أدنى مضايقة.
فالسودان هو باب السلام الوحيد الذي ظل مفتوحا لمصر على مصراعيه منذ الأزمان الخالية، ويجب أن يبقى كذلك إلى الأبد؛ لأنه لازم لها لزوم الروح للجسد.
وإلى هذا الغرض يجب أن تصوب جميع جهود الذين في يدهم حظ مصر، وفي قلبهم يضمرون لها النفع والمصلحة.
अज्ञात पृष्ठ