قال همام: يلزمك أن لا تغير شيئا من معاملتك لفؤاد، وأن تبقى معه على التجمل والوداد، واحذر أن تجالسه في خمارة أو تتناول من يده كأس مدام، أو تخوض في محادثته، فتعطل علينا التدبير، وكذلك يجب أن لا تخبره بشيء مما عزمنا عليه، وأنا سأقابله في هذا اليوم إن شاء الله، وفي غد أخبرك عما يكون قد تم.
قال سعيد: إني وإن كنت راغبا شديدا في هذا الزواج إلا أني أخشى امتناع فؤاد عن قبوله، فإن شقيقتي فضلا عما قام فيها من العيوب قد زادت تشويها بتخلف آثار داء الجدري في وجهها.
قال همام: لم تكن شقيقتك جميلة في البدء حتى يقال إنها أصبحت الآن دميمة، فالقبح مستوف عندها على كل حال، أما الآن فأستأذن منك بالانصراف لأهتم في الأمر حالا، فقد حضرت عربتي، فالمولى يوفق أعمالنا.
قال سعيد: اتكل علي، فإني أعاونك في تدبيرك.
وهنا ودع همام سعيدا، ونهض إلى عربته، فنزل السائق يكلمه قائلا: يا سيدي إني بينما كنت ماشيا في الأمس قريبا من القصر العالي في الطريق المؤدية إلى مصر العتيقة أبصرت فؤادا راكبا جواده الأشقر، فسرت في أثره لأدركه وأسلم عليه، فحانت منه التفاتة فرآني، وجعل يسرع في عدوه فاقتفيته، وظللت سائرا في أثره، فلوى نحوي مغاضبا يزجرني بقوله: أكنت جاسوسا علي تقتفي أثري؟! فوالله لئن رأيتك بعد هذا لأوسعتك ضربا أليما مبرحا، ثم قال: سر في سبيلك، وأخرج من جيبه ريالا رماه إلي، ثم قال: لا ترني وجهك المنحوس بعد هذا، فاضطربت من كلامه، وحرت كيف أصنع، هل أحفظ الريال الذي ألقاه إلي أو أرده إليه، فما أمهلني أن وخز جواده فانطلق به كوميض البرق إلى مصر العتيقة، فغاب عن بصري سريعا.
قال همام: كان الواجب عليك أن لا تقتفي أثره، ففعلك بالحقيقة تجسس أوجب كدره، فاجتنب أمثال هذه الأفعال بعد الآن، وسر بنا إلى منزل شقيقتي فهو غير بعيد، واذهب بعد ذلك إلى البيت، وأعلم السائس بأن يحضر لي حصان الركوب، وأن ينتظرني أمام بيت شقيقتي، فسارت العربة، وصعد همام إلى منزل شقيقته فوجدها وقوفا أمام مائدة كبيرة في حجرة السفرة ترتب المأكولات والحلويات المجلوبة في علب خشبية من دمشق الشام، وكان قصدها أن تقدم من تلك الحلويات هدية إلى رئيسة مدرسة البنات، فتناول همام شيئا من ذلك، فوجده لذيذا جدا، فقال لشقيقته: إن أهل الشام قد تناهوا في إتقان أصناف الحلوى مربيات، وهذا دليل على حسن ذوقهم في المطعوم والمشروب، فإن بلادهم كثيرة الأثمار شهية ومصنوعاتهم لطيفة ودقيقة للغاية، على أني لا أعلم الباعث على تقديم هدية لرئيسة المدرسة على انعدام العلاقات معها.
قالت: معنى ذلك أني أكلف الرئيسة باختيار عروسة لفؤاد من البنات الشابات، وهي مهتمة في ذلك كثيرا، وقد قطعت الأمل من زواج فؤاد بسعدى.
قال: لم أكن أعلم قبل اليوم أن رئيسات المدارس ينظرن في أمثال هذه الأمور، فقد جمعن إذن بين تربية الشابات وتعليمهن وبين النظر في زواجهن، على أني لا أظن أننا نكون في حاجة إلى تدخل هذه الرئيسة في عقد النكاح، فهيا بنا إلى القاعة الكبيرة لأخبرك عن بعض أمور جديدة تجهلينها، فنهضت سيدة معه إلى القاعة، فلما جلست قال لها همام: قابلت اليوم سعيد بن غانم أخا سعدى، وجري بيني وبينه الحديث على أمور لا تخلو من الفائدة.
قالت: وأي فائدة ترجوها من إنسان كسعيد كان السبب في تعطيل ما دبرناه من زواج شقيقته بفؤاد؟
قال: أظن لم يتعطل شيء بعد، وفي الوقت فسحة، وفي استئناف المخابرة محل للأمل بالفوز والنجاح، فإن سعيدا أخبرني بأن والده وشقيقته سيقدمان إلى مصر القاهرة بعد يومين أو ثلاثة، وأن سعدى لم تتزوج بعد، وأن خاطبيها من الشبان كثيرون، ولكنه وقعت بعض أمور أوجبت التأخير لحسن الحظ وموافقة الطالع لنا.
अज्ञात पृष्ठ