قال فؤاد: وحقك يا خالي إني لا أنزعج من رؤية هذه الحزينة المنكودة الحظ، بل بعكس ذلك تجدني عطوفا عليها شفوقا، أتوجع لها من تقلب الأحوال وتغير الزمان، الرافع لكل وضيع، الواضع لكل رفيع، ولن أشمئز لمخالطة الحزانى البائسين، ولا أجد التقرب منهم عارا، وعندي أن التخفيف عنهم من الأمور الواجبة على كل ذي لب، والأجر في ذلك جميل، وإني عطفت قلبا على هذه المرأة عند رؤية ذلها وانكسار خاطرها، ولم يكدرني سوى سوء مقابلة أخيها لها وانقباض وجهه وتغير سحنته سخطا وغضبا حين رآها، بينما هي تبش في وجهه وتهش إليه وهو معرض ببصره عنها نافر من قربها، ألا قاتل الله قوم الشح، كيف يتجردون من الرقة، وتقسو قلوبهم، ويعدمون المروءة والشرف؟!
قال همام: إن ما تعده من الأمور نقائص إن هو في الغالب إلا أساس الغنى والثروة ... فهذا صاحبنا غانم، ولولا شدة بخله لما خلف لابنته ثروة وافرة تزيد في كل يوم جديد ... فلو تزوجت بها وقاسمتها ذلك الغنى الواسع؛ لانقلب هجاؤك إياها مدحا، وجعلت تتيه بتدبير الرجل وحزمه، فإنه جمع ما جمع من الأموال لتتمتع بها غنيمة باردة، ولولا بخله لم تصبها. وهكذا قد يكون الحرص نافعا وهو رذيلة، وقد يضر الكرم وهو فضيلة، إن تدبرت قليلا وجدت الصواب في قولي.
قال فؤاد: إني لا أنكر الثروة المجموعة إلا أن تكون مكتسبة بوجوه الحلال.
قال همام: غلطت وضل زعمك، فالغني معتبر على الدوام ومحترم، وترى الجميع يرحبون به، فلا يسألون عن أمره، وكيف جمع ثروته، وإذا حضر في مجلس قام في الصدر وبالغ الناس في إكرامه واحترامه، ولم نسمع واحدا منهم يسأل أو يعيب عليه جمعه الأموال بالوجوه المحترمة أو الخسيسة.
قال فؤاد: لن أوافقك على زعمك، فعندي أن الثروة المجموعة بالظلم والتقتير تضع من قدر صاحبها، فلو تزوجت بسعدى كنت لها كارها كرهين؛ فالأول لذاتها ، والثاني لأبيها، وبئست المعيشة.
فنظر همام عند سماع ذلك شزرا إلى فؤاد، وقال له: أزهقت روحي، أنا أكلمك في حديث الابنة وأنت تكلمني عن أبيها، ومرادك مخالفتي فافعل ما تشاء، وسواء عندي تزوجت أم لم تتزوج، فما أنت إلا عنيد تجهل مصلحتك.
وجعل همام يعربد واشتد به الغضب، فأسرع في مسيره حتى صادم رجلا كان أمامه واقفا أمام أحد المحلات، وكانت الصدمة شديدة كادت ترميه على الأرض لولا استناده إلى الحائط، وبدلا من أن يعتذر إلى الرجل بادره بالزجر قبل أن يتفرس وجهه، وقال له: أعمى الله بصرك ... تنتصب في وسط الطريق كالصنم وتضايق المارين يا بلية.
فأجابه الرجل قبل أن يرى وجهه قائلا: تصدمني ثم تزجرني.
فلما تفرس به همام إذا به سعيد بن غانم، فقال له: عفوا فإني لم أنتبه، وسأله: أين كان؟ وإلى أين ذاهب؟
فأجابه سعيد بقوله: أنسيت أنك دعوتني إلى الفندق، وعزمت علي بأكل الطعام معك؟!
अज्ञात पृष्ठ