فاحمر وجه عفيفة من هذا الكلام بعد أن كان اصفر، فقالت له تجاربه: ما بالك تخاطبني بهذه العبارات التي لم أسمعها قبل منك؟ وما قصتك؟ فأنت تنظر إلي نظر الملهوف، ولم يكن ذلك عندك مألوفا؟
قال فؤاد: إن قلبي مسرور، ويكاد أن يطير حبورا.
قالت: يا عجبا من اختلاف الرأي وتقلب الأحوال! رأيتك أمس مهموما مضطرب البال، ورأيتني مسرورة محبورة، وفي هذا اليوم أراك مبتهجا متهللا، وأراني حزينة شديدة الجزع والاضطراب، فهيا بنا إلى الكشك لتقص علي الخبر على هينة؛ إذ لا يوافق الوقوف مديدا هنا، وأخاف عليك من العيون الناظرة.
قال: ما يهمني أن أختفي أو يظهر الناس على شأني، وسواء عندي أن يراني جميع الخلائق، فقد انقضت أيام الكتمان والخفاء، وأقبلت أيام البشر والظهور.
فزادت حيرة عفيفة، وأخذت بيد فؤاد، فمشت به إلى داخل الجنينة، وكان الفرح قد حبس لسانهما، فلم يتكلما حتى وصلا إلى الكشك، فقال فؤاد لها: تتعجبين يا عفيفة من رؤيتي فرحا مسرورا في هذا اليوم، وتنظريني كذلك فلا تشاركيني في فرحي، بل تقيمين بعكس ذلك مكتئبة مكدرة جزعا وبأسا.
قالت: الحق لك أن تلومني عن تقصيري في الشكر وتأدية الواجب لمحبتك وإحسانك، فتصرفي حقيقة كتصرف الأحداث لا يتروون ولا يعقلون، فقد عادت مساورة الأفكار وخيالات الخوف والحزن وتصورات اليأس والقنوط.
قال: أحمد الله، لم يبق إلا قليل لتزول ويصفو البال بانقشاع هموم الغموم، وتنقلين من حال إلى حال.
قالت: أخذني الله إن فهمت شيئا مما تقول.
فجعل فؤاد يخبرها تفصيلا عما جرى بينه وبين والدته من الحديث في شأنها وقبول حضورها عندها وانشراحها عنها صدرا وما تكن لها من النوايا الحسنة.
فقالت له عفيفة: أتظن أن والدتك محسنة بي الظن فلا تحتقرني وتعيب علي انقطاعي إليك؟
अज्ञात पृष्ठ