ولما كان في اليوم التالي ركب «فانيس»، وقصد المدينة، ودخل على الوزير فرحب به، وسأله عن سبب مجيئه فأخبره بما تم، وما سمع من «كورش»، وكيف أنه يتلفظ بذكر بنت ملك «نينوى»، وأن الذي به ليس إلا من أحوال العشق واليأس؛ لأنه يفتكر أنه ابن راع، وأن بنت الملك لا ينبغي له الوصول إليها، وهذا الفكر الذي أهلكه يا مولاي.
قال الوزير: وما الذي أعلمه ببنت الملك؟ وما السبب لهذه المعرفة وهو في مملكة «مادي»، وهي في مملكة «أشور»، وبينهما بون بعيد؟
قال: نعم، ولكن كانت منذ أشهر قد مرت من هذه الجهة، وهي في موكبها الحافل، وعلى ما بلغني أن بنت الوزير التي كانت في صحبتها - وهما منفردتان عن الموكب - قد شرد بها الفرس، وسقطت في النهر، ونزل «كورش» فخلصها من الغرق، وهنا وقع التعارف - على ما أظن.
قال: يا «فانيس» هذا مشكل شديد الأهمية، فإن تركناه على ما هو عليه كبر معه الوهم، وربما أضر بصحته.
قال فانيس: وربما ذهب بعقله أيضا.
قال: سأستشير الكاهن «أرباسيس» في هذا الأمر، وهو يمدنا برأيه السديد.
ثم قام من وقته وركب قاصدا منزل الكاهن ومعه «فانيس»، ولما أشرف على «أرباسيس» فرح ورحب بهما. ثم جلسوا، وسأل الكاهن «فانيس» عن «كورش»، فشرح له الوزير ما سمعه من «فانيس»، وقال: مدني برأيك أيها الفيلسوف؛ لأني مرتبك في أمر «كورش».
قال «أرباسيس»: إني أرى أننا نطلعه على أصله، ونترك له الرأي؛ لأنه عاقل نبيه خبير كيف يدبر أمره ويدبر شأنه.
قال: ولكن لم يئن أوان إخباره بعد؛ لأنه ثمل بخمر الشباب، وربما ألقاه التهور في التهلكة.
قال: كلا، فإنه إن علم بالأمر يقصد بلاده، وكل قومه يشكون من ظلم الماديين، واستبداد «أستياج» وظلمه، فالكل إذا وجدوا ابن «قمبيز» يجتمعون تحت رايته، ويهجمون على هذه البلاد، ونخلص من ظلم «أستياج».
अज्ञात पृष्ठ