وكاد سيرل يصرخ بصوت عال؛ فقد ضعفت سيطرته على عواطفه وأحس بالألم ينهش قلبه، ولكنه حاول أن يعالج ما أصابه، وأفلح شيئا ما، وقد لام نفسه على انسياقه وراء آلامه، وأخيرا قام على قدميه وقال ضاحكا: والآن، ألا نذهب لتناول شيء من الطعام؟
ولكنها لم تقم بسرعة، بل نظرت إليه في إخفاق، ثم قالت في برود: إلى أي مكان سوف نذهب؟
وأخذها فصعد إلى كلوستربرج، حيث وجدا مطعما صغيرا يشرف على ليخنثال وجيرولدسو، وأشجار الغابة السوداء، وجلسا فوق كرسيين خشبيين أمام منضدة عليها غطاء ذو مربعات حمراء وبيضاء، وتناولا غداء بسيطا، وتكلما كثيرا وضحكا طويلا، وعبثا بالسخرية من الزبائن الآخرين، وكان الاثنان يحسان كأنهما طفلان خرجا عن قيود العالم وتقاليده، فلم يشعرا إلا بالساعة التي يعيشان فيها دون أن يعبأا بالغد.
وجاءتهما الخادم بقهوة ساخنة فشرباها، ودخن سيرل سيجارا وقد أحس برغبة في أن يعاود حديثه عن ذلك الموضوع الذي أمضه، فسألها: حدثيني أكثر عن راسم الصورة، ذلك الذي أعجبت به أكثر من أي شخص عدا والدك. - لا تدعنا نتحدث عنه. - لم لا؟ - لأن لدي أشياء كثيرة أريد أن أحدثك عنها أهم بكثير من تخيلات بنت المدرسة السخيفة هذه. - إذن فقد كانت تخيلات بنت مدرسة سخيفة؟
فردت بابتسامة صغيرة: لماذا؟ طبعا كانت كذلك.
ولكم كانت حلوة ومخلصة في حديثها! ولكم كان هذا الحديث يؤلمه ويعذبه دون أن تشعر! وجمع سيرل شتات نفسه وابتسم ابتسامة مضناة وهو يرجو ألا تكتشف حقيقتها، ثم قال: وما هي الأشياء المهمة التي تريدين أن تحدثيني عنها؟
فضمت يديها الجميلتين معا، وبانت عليها علائم التحمس والانفعال: أريد أن أتحدث عن مشروعاتنا. - أي مشروعات؟ - أجل، إنني لا أعرفها كما تعلم، فإن والدي لا يحدثني مطلقا عن الموضوعات العامة، هذه الموضوعات التي أرى أنني كنت أشغف بها جدا لو أنه حاول أن يشرحها لي. - ما هي هذه الموضوعات؟ - أقصد السياسة.
ولم يتمالك نفسه من الضحك، السياسة! أفي هذه الأيام التي تنذر بقيام الحرب، والتي بدأ فيها نشوء الديمقراطية، تستطيع هذه الفتاة العديمة الخبرة أن تفهم شيئا من السياسة؟! ولكنها قالت: لا تضحك، إنني جادة في قولي كل الجد.
فغمغم بجفاف: إن الجو السياسي في هذه الأيام ملبد بالغيوم، على الراجح. - إني أعلم هذا، أو على الأقل سمعت بعض الرجال يقولون ذلك، وإن النساء يجب عليهن أن يبقين بعيدات عن كل هذا، ولكن ...
وتوقفت لحظة كأنما لا تدري تماما كيف تسير في حديثها، غير أنها استجمعت شجاعتها وقالت في لطف: ولكن عندما أنال الأمنية العظيمة وأصبح ملكة على فرنسا. - وبعد؟ - فإني سوف أرغب في سماع كل شيء عن شعبنا، شعبك وشعبي، أعني أن أجعل غايتي في الحياة هي أن أعرف كل شيء يحتاجون إليه؛ لأجعل كل رجل، وامرأة، وطفل، في فرنسا سعيدا، بقدر ما ستكون عليه سعادتي، ولقد حلمت يوما - بعد أن علمت بأنني سوف أتشرف بأن أكون لك زوجة وأن أشاركك العرش - بأن الفرنسيين سوف يدعونني «الملكة الطيبة فيرونيك»، كما أنك ستعرف لديهم ب «لويس المحبوب».
अज्ञात पृष्ठ