ما زالت عمتي إيرينه - الأخت الصغرى لأبي - تردد ذلك أيضا كلما ذهبت إلى الحقل. كان في الحقل بجوار جدتي على مدار ما يناهز العقدين من الزمان بصورة شبه دائمة قفص فاكهة فيه طفل صغير. تعلم الأطفال المشي في داخل أقفاص الفاكهة. وكان الحرفان الأولان من اسم جدي يتم حفرهما على أقفاص الفاكهة «ألف وجيم»، وكان حماه هو من يصنع له الخاتم المعدني الخاص بذلك؛ فقد كان حدادا. كذلك كانت طباعة أول حرفين من اسمه بالحرق على خشب الأقفاص أمرا مميزا لمنتجاته. وكان يبيع تلك الفاكهة وصولا إلى المجر وباريس، ومع ذلك بقي فقيرا، وظل هناك يسكن فوق التل عند القصر، حيث يمكن رؤية ما بداخل منطقة أبينزل، ويمكن رؤية ما وراء بحر الجنوب وصولا إلى لينداو، وإذا كان الجو معتدلا يمكن أن ترى حتى ميناء فريدريش.
دأبت تريزيا جايجر على أن تقول لأبنائها: «لا تتأخروا في العودة إلى البيت، وإذا تأخرتم فادخلوا دون إحداث جلبة؛ حتى لا أستيقظ.»
كان مسار اليوم ثابتا، ونادرا ما كان يخرج عن المألوف. كانت جدتي تحاول إيقاظ أطفالها في الصباح عدة مرات حتى يفيقوا، وكثيرا ما كانوا يضطرون إلى الذهاب إلى المدرسة عدوا حتى لا يتأخروا. وكانت الأحذية رديئة؛ فقد كان الثلج يظل عالقا بالنعل الخشبي للأحذية في الشتاء؛ لذا كان يجب ضربه في الأرض المرة بعد المرة للتخلص من الثلج العالق. كانت الأحذية الخشبية تعجن الثلج الذي كان يظل متراكما منذ بداية عيد القديس نيكولاوس وصولا إلى الربيع.
كان الأطفال يتناولون على الإفطار عصيدة الذرة التي يبللونها في اللبن الدافئ الذي يقدم لهم في صحون الحساء. جدي وجدتي وحدهما كانا يتناولان القهوة، وجدي فقط كان يحصل على بعض العسل، عدا أيام الأحد حيث كان الجميع يحصل على قدر من العسل. وبعد الفراغ من الطعام كانوا يصلون من أجل الفقراء والتعساء.
لم يتلق الأطفال تربية قاسية، بل كان يتم ترويضهم بصورة حازمة، حسب ما كانوا يقولون، حتى عندما كانوا يتحدثون عن الأبقار لم يكونوا يقولون إنهم يربونها ولكن يروضونها، وكانت مهمة الأطفال رعاية الأبقار، ومهمة الوالدين رعاية الأطفال.
قياسا على المتعارف عليه اليوم، كان الأطفال يعانون سوء التغذية؛ فقد كانوا لا يحصلون تقريبا على أي خضراوات، ويتناولون قليلا من اللحم وكثيرا من اللبن والخبز وشحم الخنزير. كان الجميع ينتظر بشغف بشائر ثمار الفاكهة كل عام؛ حيث كان أحد الأطفال يستيقظ أحيانا في الخامسة صباحا ويخرج متسللا لينظر إذا كانت أولى ثمار الكمثرى قد سقطت بالفعل أم لا. كان الأطفال يبنون أعشاشا يخبئون فيها ما حصلوا عليه؛ كيلا يضطروا إلى تقاسمه مع بقية الإخوة.
إلا أن الحرمان الذي كان يعانيه هؤلاء الأطفال كان أقل كثيرا مقارنة بالأوضاع السائدة آنذاك. الأمر الأكثر تأثيرا كان معاناة الأطفال من قلة إحساسهم بحب والديهم واهتمامهما؛ فنظرا إلى كثرة عدد الأطفال كان الطلب يفوق المعروض كثيرا. كان كل شيء يتم تقسيمه عدة مرات.
وبمجرد أن يصبح الطفل قادرا على الإمساك بإحدى العدد، كان عليه أن يساعد في العمل. وكان الصغار يعتنون بمن هم أصغر. أما بالنسبة إلى الحصان الذي استعاروه من الجيران، فقد كان من الواجبات الضرورية أيضا ضبط فرامل العربة التي يجرها حتى لا تنزلق. كذلك كان يتم إرسال الأطفال إلى الحقل لجمع الحشائش للخنزير الذي كان لديهم في الحظيرة. وذات مرة وجدوا يوزيف - الأخ الأوسط من بين سبعة إخوة - فاقدا الوعي على إثر سقوطه من فوق شجرة. كذلك كان الأطفال يجمعون من بين الحشائش المحصودة الحشائش التي لا تأكلها الأبقار، وكانوا يدفعون عربة اليد وعليها التفاح إلى السوق في بريجينتس، وكانت الجدة تلحق بهم على الدراجة. وفي طريق الرجوع كان أبي وأخوه باول الذي يصغره بعام يتبادلان دفع العربة والركوب فيها وتوجيه الحصان، وكانت أحذيتهما المصنوعة من خشب مثبت بالمسامير تطقطق فوق بلاط الأرضية. وكانت الشوارع في ذلك الوقت ما زالت ملكا للأطفال.
والتعبير المستخدم بأنه يتم «انتزاع شخص ما رغم إرادته لأداء عمل» كان ينطبق عليهم حرفيا. كان الأولاد يجرون عربة القش ويحصدون سخرية أخواتهن اللاتي كن يقلن: «استخدام الحمير يغني عن استخدام الخيول!»
كان هناك عمل للأولاد وعمل للبنات ؛ فالأولاد كان عليهم العمل في الحظيرة، أما الفتيات فكن يستيقظن في الخامسة فجرا ليذهبن إلى الحقل.
अज्ञात पृष्ठ