मोहम्मद लुत्फ़ी जुमा के नाटकों की पाण्डुलिपियाँ: संपूर्ण कार्य
مخطوطات مسرحيات محمد لطفي جمعة: الأعمال الكاملة
शैलियों
مقدمة
مسرحيات لطفي جمعة بين الواقع والتاريخ
هرماكيس
قلب المرأة
كانت لقية مقندلة
حبيب القلب وحبيب الجيب
الوالد والولد
خضر أرضك
نيرون
في سبيل الهوى
अज्ञात पृष्ठ
يقظة الضمير
الأم المتعبة
مقدمة
مسرحيات لطفي جمعة بين الواقع والتاريخ
هرماكيس
قلب المرأة
كانت لقية مقندلة
حبيب القلب وحبيب الجيب
الوالد والولد
خضر أرضك
अज्ञात पृष्ठ
نيرون
في سبيل الهوى
يقظة الضمير
الأم المتعبة
مخطوطات مسرحيات محمد لطفي جمعة
مخطوطات مسرحيات محمد لطفي جمعة
الأعمال الكاملة
دراسة
سيد علي إسماعيل
محمد لطفي جمعة.
अज्ञात पृष्ठ
مقدمة
عندما توقف قلب الأديب الموسوعي «محمد لطفي جمعة»، عن نبضه في 15 / 6 / 1953، توقف بالتالي هذا السيل المنهمر من الكتابات الأدبية الثرية، التي خطت بيد هذا الأديب. وصار أدبه في طي النسيان، إلا من بعض المقالات اليسيرة، التي كانت تدبج في بعض المناسبات، وخصوصا من قبل أوفى أبناء الأدباء، المستشار رابح محمد لطفي جمعة. ذلك الابن الذي حافظ على تراث أبيه المخطوط، أكثر من حفاظه على حياته وصحته، بل ودافع عن أبيه وعن أدبه دفاع المستميت، الذي لا يتورع عن فعل أي شيء في سبيل الحفاظ على اسم أبيه نقيا، وعن أدبه مرفوعا إلى عنان السماء.
وإذا قمنا بعملية إحصائية عما كتب عن لطفي جمعة منذ وفاته وحتى عام 1992، سنفاجأ بأنه لا يعدو عدة صفحات في بعض الصحف والمجلات والكتب التعريفية. أما ما كتب عن لطفي جمعة، أو طبع له منذ عام 1993 وحتى هذه اللحظة، فهو كثير بالنسبة لما سبق!
وتفسير هذا الأمر يتمثل في أن لطفي جمعة له من الإنتاج المخطوط ما يفوق أضعاف إنتاجه المطبوع! وهذا التراث المخطوط، كان أبناؤه يتوارثونه الابن بعد الآخر؛ أملا في تنفيذ وصية والدهم بطبع هذه المخطوطات بعد وفاته. ولكن مشاغل الحياة لم تعط الأبناء فرصة تنفيذ هذه الوصية، واكتفى كل ابن بالحفاظ على هذا الإرث الأدبي، حتى يسلمه لمن يليه ... وهكذا حتى وصل أخيرا إلى الابن ... رابح لطفي جمعة.
فما كان من هذا الابن البار إلا أن استغل كل فرصة ليظهر هذا التراث والتحدث عنه في كل مناسبة متاحة، وظل هكذا حتى شاء القدر أن يلتقي بأحد الكتاب المتخصصين في نبش قبور الأدباء المنسيين والدفاع عنهم، وإظهارهم بقوة للعيان مرة أخرى؛ وهو الكاتب «أحمد حسين الطماوي».
استحضر أحمد الطماوي كل إمكاناته الفكرية الذهنية والشخصية، وركزها تركيزا شديدا على لطفي جمعة، وعكف على تراثه الأدبي، المخطوط منه والمطبوع، وأخرج كتابا وافر المادة تحت عنوان «محمد لطفي جمعة في موكب الحياة والأدب» عام 1993، ليكون أول كتاب درس معظم أعمال لطفي جمعة المطبوعة والمخطوطة، علاوة على كم كبير من مقالاته الموزعة في الدوريات. ولم يكتف الطماوي بذلك، بل ذيل كتابه بببليوجرافيا - تكاد تكون - شاملة عما كتبه لطفي جمعة، وعما كتب عنه، لتكون مفتاحا لأية دراسة تكتب عن لطفي جمعة بعد ذلك.
وهكذا أخرج الطماوي لطفي جمعة من قبره مرة أخرى، كعنقاء الأدب الحديث، أو كمارد القمقم الذي حبس فيه لسنوات كثيرة. ومنذ خروج هذا الكتاب، أصبح للطفي جمعة شأن آخر! فتهافتت أقلام الكتاب والباحثين وأساتذة الجامعات على دراسة أدب لطفي جمعة، منطلقة من كتاب أحمد حسين الطماوي.
ولعل القارئ يتساءل: ألم يحاول لطفي جمعة في حياته نشر هذا الكم الهائل من المخطوطات الأدبية، وبالأخص المخطوطات المسرحية؟! وألم يحاول من بعده أبناؤه القيام بهذه المهمة؟! والإجابة عن هذا التساؤل، تجعلنا - تبعا لما بين أيدينا من وثائق ومعلومات - أن نقول: لقد حاول الأب، وأيضا حاول الأبناء ... ولكن دون جدوى!
ففي عام 1916، وبعد تمثيل مسرحية «قلب المرأة» - من قبل جوق أبيض وحجازي - أرسل لطفي جمعة خطابا إلى أحد الناشرين - وهو غرزوزي حبيب - من أجل نشر المسرحية، وقد وضع لطفي بعض الشروط في هذا الخطاب. وبعد أيام قليلة جاء الرد، وفيه قال غرزوزي: «سيدي الفاضل، وافاني كتابكم الكريم المملوء من العواطف النبيلة ما يعجز عن وصفه الجنان ... أشكركم شكرا وافرا لما أوليتموني من الجميل بإظهار ثقتكم بي وثنائكم علي، ومن خصوص طبع الرواية فأنا مستعد لقبول شروطكم، وإنما ثمن الورق الآن مرتفع جدا، ولا سيما الجيد منه، وهو يكاد أن يكون معدوما، ولكن ذلك لا يمنع من تهيئة الأصول للطبع، وفي أول فرصة مناسبة أبادر بطلبها منكم. المخلص غرزوزي حبيب.»
ومرت الأيام والسنون دون أن يطلب الناشر الأصول، وما كان سيطلبها في يوم من الأيام؛ لأن أسلوب التهرب من طبع المسرحية، واضح بصورة جلية في الخطاب، وهذه كانت المحاولة الأولى.
अज्ञात पृष्ठ
أما المحاولة الثانية، فكانت في عام 1923، عندما أرسل أمين الريحاني، رسالة إلى لطفي جمعة، نفهم منها أن لطفي جمعة - في هذه الفترة - كان يائسا من طبع مسرحياته، فيقول له أمين الريحاني في رسالته: «وما أحزنني في كتابك أنه في سؤالك بخصوص طبع رواياتك التمثيلية تقول إن المصريين لا يفهمون إلى الآن معنى
فإذا كانت لا تفهم عندكم يا أخي يا لطفي، أتظنها تفهم في أمريكا؟ وهل تفهم في سوريا، أو في العراق؟ لا تيأس يا أخي، إن السياسة اليوم مستولية على العقلية المصرية الاستيلاء المطلق التام، وبعد قليل إن شاء الله تعودون إلى الأدب فتطبع إذ ذاك رواياتك ويكون عليها الإقبال الذي تستحقه إن شاء الله.»
1
لازم هذا اليأس لطفي جمعة لسنوات طويلة، حتى وصل إلى مرحلة الزهد. فقد قال في مذكراته: «إنني منذ سنة 1940 - وهو تاريخ آخر ما نشرت من الكتب - عكفت على الكتابة والاختزان، وكففت عن الطبع والنشر، وجعلت هذه المخطوطات أمانة عند أولادي، وقد أشركت بعضهم في تحضيرها وتدوينها، وقصدت بهذه المخطوطات - وهي أنواع شتى في الفلسفة والتاريخ والأدب والقصص والمسرحيات والمذكرات - إشباع رغبتي ونهمي في التدوين والانتفاع بالقدرة ما دامت، والاعتراف بفضل الله علي بتمكيني من الدرس والتأليف، فهذا نوع من العبادة والتمجيد لله والعرفان.»
2
وبمرور الأيام شعر لطفي جمعة بدنو أجله، وبالتالي عدم تحقيق أمنيته في رؤية مخطوطاته مطبوعة ومنشورة، ومتداولة بين أيدي القراء! فما كان منه إلا أن كتب وصية خاصة بهذه المخطوطات، في شكل خطاب أرسله إلى أحد أصدقائه - وهو محمد خالد صاحب جريدة الدستور - قال فيه: «أشعر بأنك الإنسان الوحيد في هذه الحياة الذي أستطيع أن أكتب إليه هذه الرسالة طالبا منه تنفيذ ما فيها على بساطته وسهولته ... إنني شعرت بأنني مقبل على الانتقال من هذه الدنيا، وعندي مسألتان لهما أهمية في نظري؛ الأولى: كتبي التي جمعتها والمخطوطات التي أنجزتها على مدى سنوات طويلة ... فالكتب المطبوعة؛ فأحب أن تتصرف فيها أنت بشخصك بأن تقدمها هدية إلى أحد المعاهد العامة هبة بلا شرط ولا قيد سوى عدم تفريقها. المخطوطات التي جرت العادة بتسميتها مؤلفات مبالغة، أن تودعها أيضا مكانا عاما كوديعة يتسلمها أولادي عند بلوغهم سن الرشد؛ خشية أن تبعثر أو تباع بالميزان، وقد يكون فيها ما ينفع أحدا من الناس.»
3
وبالفعل مرت السنون، وبلغ بعض الأبناء سن الرشد، وشرعوا في تنفيذ وصية أبيهم، وكانت محاولتهم الأولى في عام 1963، عندما حاولوا نشر المسرحيات المخطوطة. وعن هذه المحاولة يقول رابح لطفي جمعة: «أما المسرحيات المخطوطة؛ فهي أعمال أدبية كاملة كنا قد تقدمنا بها سنة 1963 للجنة إحياء التراث بوزارة الثقافة والإرشاد لطبعها وإخراجها إلى عالم النور، فظلت باللجنة أمدا طويلا ثم استرددناها!»
4
كانت المحاولة الثانية، في عهد الرئيس أنور السادات، و«يحكي الأستاذ رابح أن الرئيس الراحل أنور السادات - رحمه الله - عرض على المرحوم زكريا لطفي جمعة، وكان عضوا بمجلس الشعب آنذاك، أن يوافيه بكتب والده لتطبع على نفقة الدولة، لكنه للأسف ترك هذه الفرصة تضيع.»
अज्ञात पृष्ठ
5
لم تتوفر أية فرصة بعد ذلك لأبناء لطفي جمعة، كي ينفذوا وصية أبيهم، من خلال طبع ونشر مخطوطاته. وعندما آلت تركة هذه المخطوطات إلى الأستاذ رابح، بدأ في تنفيذها بصورة جدية. ففي عام 1975، أصدر كتابا عن والده من خلال مذكراته. وفيه نادى بنشر مسرحيات والده المخطوطة، قائلا: «الأمل معقود على القائمين على النشر وإحياء النهضة المسرحية أن تخرج هذه المسرحيات والتمثيليات إلى النور، فقد كانت إحدى أمنيات لطفي جمعة أن تطبع هذه المسرحيات وأن تمثل.»
6
وظل هذا النداء أكثر من خمس عشرة سنة، دون مجيب! ولم ييأس رابح فأتبع نداءه الأول بنداء ثان - من خلال كتابه الثاني عن أبيه - عام 1991، قائلا فيه: «ترك لطفي جمعة مؤلفات عديدة لا تزال مخطوطة وماثلة للطبع ، تعد ذخائر ثمينة في الدين والأدب والتاريخ والاجتماع والفلسفة والتصوف والسياسة والاقتصاد والقصة والمسرح والترجمة الذاتية ... والأمل معقود في أن تتحرك الهيئة المصرية العامة للكتاب ودور النشر عندنا لطبع هذه المؤلفات المخطوطة المتعددة الجوانب لهذا الرائد من رواد نهضتنا الفكرية والثقافية الحديثة، وتقديمها للجيل الجديد خدمة للفكر والأدب.»
7
وبكل أسف كانت نتيجة النداء الثاني، هي نفس نتيجة النداء الأول؛ لا مجيب! وظلت وصية لطفي جمعة تؤرق الابن رابح ليل نهار، وبدأ تأثير الزمن يظهر عليه ويهدده وينذره ويدفعه إلى تنفيذ الوصية بكل وسيلة ممكنة، قبل فوات الأوان! تزامن هذا الشعور مع ظهور أحمد حسين الطماوي، الذي قرأ وفهم ودرس تراث لطفي جمعة المخطوط، قبل أن تمسسه يد الآخرين. هنا قرر رابح أن ينفذ الوصية بنفسه!
فقد عكف على مخطوطات والده، بالقراءة والإعداد والتصحيح والتنقيح والمراجعة؛ ومن ثم نشرها وطباعتها على نفقته الخاصة، واستطاع في وقت قياسي أن ينشر أغلب تراث والده المخطوط، الذي لم يبق منه سوى القليل. هذا المجهود الخارق لهذا الابن البار، كان له محل تقدير واحترام من قبل أعضاء لجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس الأعلى للثقافة؛ وذلك من خلال تكليفهم لي بإعداد هذا المجلد عن مخطوطات مسرحيات لطفي جمعة، ليظهر في احتفالية كبرى يقيمها المجلس الأعلى للثقافة يوم 20 / 1 / 2001، تحت عنوان «لطفي جمعة أديبا موسوعيا».
رحم الله محمد لطفي جمعة وأسكنه فسيح جناته، ولتسكن روحه هادئة في قبرها؛ فقد تم تنفيذ الوصية، فإذا كان الله قد خلق رابح لطفي جمعة ليكون مستشارا وأبا وزوجا وإنسانا؛ فهذا كله لا يعادل أن خلقه الله ليكون ابنا بارا حافظا لتراث أبيه، ومنفذا لوصيته!
والله ولي التوفيق.
دكتور
अज्ञात पृष्ठ
سيد علي إسماعيل
القاهرة في: 30 / 12 / 2000
مسرحيات لطفي جمعة بين الواقع والتاريخ
هرماكيس
بناء على ما بين أيدينا من وثائق - وما كتب عن لطفي جمعة، وما كتبه لطفي جمعة عن نفسه - نستطيع القول إن بداية لطفي جمعة في الكتابة المسرحية كانت عام 1909، عندما ألف مسرحية «هرماكيس». وفي مذكراته المنشورة، قال عن هذه البداية: «هرماكيس المصري ، اسم لرواية تمثيلية في فصل واحد، وضعتها خلال شهر نوفمبر سنة 1909، وخلصت منها في يومين، وهي من حوادث التاريخ المصري القديم، وبطلها نبي جاء قبل موسى، ولكنها لا تزال في حاجة إلى بعض التنقيح والتصحيح.»
1
ومن خلال قراءتنا للمسرحية، نتفق مع المؤلف في رأيه الأخير، من احتياج النص إلى بعض التنقيح والتصحيح! فبعض الأحداث تعتبر غير منطقية، ولا مبرر لحدوثها، هذا بالإضافة إلى الجهد الذي يبذله القارئ لتفهم الأحداث، ومتابعة الحوار؛ وذلك بسبب عدم اهتمام المؤلف بالإرشادات المسرحية التي تجعل القارئ يجسد الأحداث في ذهنه ... إلخ، هذه الأمور التي تحتاج بالفعل إلى تنقيح وتصحيح، ولكن مات المؤلف دون أن يقوم بذلك. ونحن بدورنا لا نملك هذا الحق!
هذا ما ذكره لطفي جمعة عن هذه المسرحية، وهنا نتوقف قليلا، أليس من المنطقي أن يسجل لطفي جمعة - في مذكراته - الدافع الذي جعله يؤلف أول مسرحية له، ويقتحم جنسا أدبيا جديدا عليه، ألا وهو المسرح؟! فهل تمر مناسبة كهذه دون ذكر لها من قبل لطفي جمعة؟! الذي لم يترك شاردة أو واردة عن أعماله الأدبية إلا وقد شرحها وفسرها، وأكد عليها، ووثقها بكل وسيلة ممكنة، وفي كل مناسبة أيضا!
إصراري على معرفة الدافع وراء كتابة هذه المسرحية، جعلني أتفحص مخطوطتها بعناية شديدة، فلاحظت أن الورقة الأولى منزوعة! وبعد استرجاعها،
2
अज्ञात पृष्ठ
وجدت لطفي جمعة كتب عليها بتاريخ 30 / 10 / 1909، تحت عنوان «قصة عن تأليف هذه القطعة»: «في مساء ذلك اليوم أعلاه كنت على موعد من فتاة فرنسية «أنطونيا شينو» من شوفاي على نهر الصون، ومقيمة في مدينة ليون، فتنزهنا وتعشينا، وعادت معي إلى غرفتي بنمرة 14 شارع رامبارديني، وهي مسترخية مستعدة للغرام، وعند نصف الليل أبيت أن أعاشرها وانقطعت لتأليف هذه القطعة.»
وإذا عاد القارئ إلى كتاب مذكرات لطفي جمعة «تذكار الصبا»، سيجد لهذه القصة وجها آخر! بل سيلاحظ أن الفتاة اسمها «ماري مادلين» وليست «أنطونيا شينو». والتلاعب بالأسماء الأجنبية شيء اعتاد عليه لطفي جمعة في كتاباته!
3
والدليل على ذلك التفاوت في الوصف، بين ما كتبه على الصفحة الأولى من مخطوطة «هرماكيس»، وبين ما سطره بقلمه عن نفس القصة في مذكراته!
قال لطفي جمعة في كتابه «تذكار الصبا»: «... ثم قلت لها اسمعي يا مادلين، مستحيل أن تنامي على هذا المقعد، وإذا سمحت لي فإنني أضطجع بجانبك! قالت: باختيارك أم تورطا؟ فضحكت وقلت: مختارا راجيا بإلحاح. وقامت فأطفأت المصباح ونامت ... ولكنني أنا لم أنم، وأنا الذي تمنيت طول الليل وزوال النوم ووقوف الصبح عن الطلوع، وأنا الذي استمتعت بجوارها وترديد أنفاسها وعبق عطر الأنوثة منها، وأنا الذي سهرت على نومها فلم تأخذني سنة، ولا أمنت الظلام عليها، وعجبت لاطمئنانها واستسلامها وتقلبها، ما أعظم تلك اللذة من كل شيء! أن ترى الفاكهة الناضجة وتشمها وتضمها وتلمسها، ثم تصونها وتكتفي بلونها ورائحتها! ويعز عليك أن تخدش قشرتها بيدك أو أسنانك!»
4
قلب المرأة
مرت سنوات عديدة، لم يقتحم فيها لطفي جمعة التأليف المسرحي، حتى أعاد الكرة مرة أخرى في عام 1915، عندما كتب مسرحيته «قلب المرأة». وإذا كانت المرأة الغربية كانت الدافع وراء كتابته لهرماكيس، فامرأة غربية أخرى كانت أيضا وراء مسرحيته «قلب المرأة»، ولكن شتان بين هذه وتلك!
فالمرأة الأولى كانت عابرة، لم تترك إلا بعض صفحات في مذكراته، أما المرأة الأخرى ... فكانت كل المذكرات، وكل الإبداعات، ولولاها ما أنتج لطفي جمعة معظم أعماله الأدبية والإبداعية، ولولا مساعدتها له ما نجح في أوروبا، ولولا وجودها في حياته ما كان له من وجود أدبي، ولولا شبح هذه المرأة الذي يطل علينا في مجمل إنتاج لطفي جمعة الأدبي ما كان اهتمامنا الآن به ولا بأعماله الأدبية. فهذه المرأة هي الأديبة الروسية «أوجستا دامانسكي فيليبوفنا»، التي قال عنها لطفي جمعة في مذكراته: «أسجل فضل الله علي وأحمده على رزق كريم، وقد صادف مجيء هذا الرزق معرفتي بهذه السيدة؛ لأن هذه السيدة أدت إلي من الفضل والجمائل ما لا يحصى، وتحملت بسببي آلاما كثيرة، واستهانت في سبيلي بما لا يستهان به، وأدخلت إلى عقلي وقلبي وروحي خواطر ومبادئ ومشاعر تركت فيها آثارا لا يمحوها الزمن، ولم يكن إليها من سبيل أو ذريعة غيرها، وقد تفتحت في ظلها كل مواهبي ورغائبي، وتجسدت كل حقائق الحياة في نظري بفعلها وقوتها وإيمانها، وأرشدتني إلى مطالعات ودراسات لم أكن أنالها بدونها، وأعانتني في قراءات وتحصيل علوم، وسهرت علي سهر الشقيقة والزوجة والصديقة والأم الرءوم ... ولكنها حيال هذه النعم كلها أدنتني بفعلة واحدة من الموت المحقق لولا عناية الله ورحمته، فأزهدتني في الحياة أعواما، وأفقدت ثقتي في جنس الإنسان، وأخرجتني من حلم الأديب إلى غيظ المنتقم فكتبت «قلب المرأة» وبالغت في تسويد صحيفتها، وما كان ينبغي لي أن أفعل هذا.»
5
अज्ञात पृष्ठ
إذن كتب لطفي جمعة مسرحية «قلب المرأة» بدافع الانتقام من هذه السيدة، التي كتبت اسمه في سجل الأدباء والموسوعيين بحروف من النور. وإذا كان لطفي جمعة ندم على كتابته لهذه المسرحية، بعد أكثر من ثلاثين سنة، إلا أننا سنعود بالقارئ إلى هذا الزمن البعيد لنتعرف على حقيقة ظهور هذه المسرحية، التي تعتبر أول مسرحية للطفي جمعة ترى النور، عندما عرضت على خشبة المسرح.
بدأت قصة هذه المسرحية في مناخ المسرح المصري، عندما ذكرت بعض الصحف، عام 1915، ما يفيد بأن لطفي جمعة كتب مسرحية باسم «قلب المرأة». بعد أيام أرسل رئيس جمعية النهضة بالتمثيل، خطابا
6
إلى لطفي من أجل قيام الجمعية بتمثيلها، ولكن هذا الأمر لم يتم.
ولعل هذا الخطاب شجع لطفي جمعة على الاهتمام بعرض أعماله المسرحية على خشبة المسارح، لما في ذلك من شهرة لاسمه بين الجمهور، ومنفعة مادية أيضا، فاتجه نظره نحو جوق أبيض وحجازي، لما له من صداقة وثيقة بجورج أبيض، وبالفعل تم التعاقد في 29 / 10 / 1915، بين لطفي جمعة وبين جورج أبيض وسلامة حجازي، على تمثيل مسرحية «قلب المرأة».
وبعد الاستعداد التام لعرض المسرحية، انهالت الإعلانات المختلفة في الصحف،
7
وكذلك الملصقات، تدعو الجمهور لحضور عرض مسرحية «قلب المرأة» في الأوبرا السلطانية. وبالفعل عرضت المسرحية في 25 / 3 / 1916، وقام بتمثيل دور لورنزو جورج أبيض، وبوريس كراشوف عبد العزيز خليل، وشارل راسين عمر وصفي، وجودياس محمود رضا، وجوزيف الخادم أحمد ثابت، والمارجراف توفيق ظاظا، وكترين كراشوف ألمظ أستاتي، وألتونيا بلادونا أبريز أستاتي، وكوستيا كراشوف نظلي مزراحي، ومدام راسين أستير شطاح، ومدام جيرمون وردة ميلان، وجانيت ماري كافوري.
وبعد العرض الأول، بأيام قليلة نشرت جريدة «المنبر» سلسلة مقالات طويلة، تحت عنوان «قلب المرأة للكاتب الكبير عباس حافظ». وفي هذه المقالات وجدنا كاتبها ينهال على لطفي جمعة ومسرحيته، بطوفان من النقد اللاذع، وبسيل من الشتم الجارح، واصفا لطفي جمعة بأنه «من الحشرات الأدبية التي تمتص أفكار المنتجين.»
وبعد مقدمة طويلة من الشتائم غير اللائقة، وجدنا عباس حافظ ينبش في تاريخ لطفي جمعة، فيعيد لأذهان القراء كتاب لطفي جمعة «حكم نابليون»، وكتاب «كلمات نابليون» لإبراهيم رمزي، الذي ظهر قبل كتاب جمعة، قاصدا من ذلك اتهام لطفي بالسرقة. ويختتم هذا الموضوع بعبارة «وكانت لهذه المسألة ضجة بين الأدباء والكتاب.»
अज्ञात पृष्ठ
ثم يتجه عباس حافظ بعد ذلك إلى واقعة مشابهة، قائلا: «ولم يكتف الأستاذ بهذا، بل عمد بعد ذلك إلى مقال طوال في مجلة أدبية كبيرة بقلم كاتب مصري مفكر كان يدور حول نقد كتاب «سر تطور الأمم» لمؤلفه جوستاف لوبون، وعربه الأستاذ فتحي زغلول. فاجترأ على انتحال كل آراء الرجل وأفكاره.»
وبعد هذه المقدمة التشكيكية في قدرات لطفي جمعة الأدبية، واتهامه بالسرقة العلمية، فجر عباس حافظ مفاجأته بأن مسرحية «قلب المرأة» ليست من بنات أفكار لطفي جمعة، قائلا: «إن موضوعها لا يمكن أن يكون من ابتكار المؤلف؛ لأن الروح الإفرنجية مطردة في أكثر أجزائها، وأن الأسماء الروسية والإيطالية والفرنسية تدعو إلى الدهشة والاتهام والاسترابة، ولا سيما إذا ذكرنا الحوادث القديمة التي سردناها الآن للناس ... وقد عمدنا إلى البحث والتنقيب، فأدركنا أن صاحب رواية اليوم انتحل موضوعها انتحالا مشوها من روايتي أوجييه، وهما زواج أولمب وجبريل ... وهناك مصادر أخرى في هذا الموضوع بذاته نخص منها روايات بول بورجيه، وهي «قلب المرأة»، و«جريمة حب»، و«تقلبات القلب»، ورواية «ليزالتو رجنيف الروسي».»
ويستمر بعد ذلك عباس حافظ في إلقاء اتهاماته على صاحب المسرحية، موجها سهامه السامة إلى المسرحية وأشخاصها باسم النقد،
8
ذلك النقد الهدام. ومن الغريب أن لطفي جمعة لم يرد على هذا الكلام، ولم يسجل في كل ما كتبه أي شيء حول هذا النقد القاسي، أو حول عباس حافظ نفسه، بل ولم يرفع قضية ضده في المحاكم - وهو المحامي الفذ - ولا نعلم سبب هذا الصمت المريب من قبل لطفي جمعة نحو عباس حافظ. على الرغم من أن عباس حافظ أرسل رسالة إلى لطفي جمعة، بعد عام من كتابة هذه المقالات، نشعر منها بأن عباس حافظ نادم أشد الندم على ما كتبه في حق لطفي جمعة، ويبرر ذلك بأنه كان مدفوعا له.
9
ومن محاسن الصدف أنني وجدت سلسلة أخرى من المقالات،
10
كتبها محمد الهراوي - الكاتب الأول لدار الكتب السلطانية - في جريدة «الأفكار»، هي في الظاهر نقد لمسرحية «قلب المرأة»، وفي الباطن رد على مقالات عباس حافظ. وفي هذه المقالات - التي نشرت يوميا ابتداء من 9 / 4 / 1916 إلى 17 / 4 / 1916 - وجدنا الكاتب يؤكد على أن المسرحية، نوع جديد في التأليف المصري لم يسبق إليه قلم عربي، قائلا بعد ذلك: «ويصح إذن أن تكون هذه الرواية علما على تلك الأطوار المختلفة التي عمد المؤلف إلى إظهارها للناس «على المكشوف» وأراد أن يذيقهم طعمها «بالكأس المر» وأن يلمسهم وقعها «بوخز الإبر» وتلك خطة فرنسية محضة احتذى فيها المؤلف ديماس الصغير حذو الكف بالكف.»
أما إيجابيات وسلبيات المسرحية، فيقول عنها الناقد: «فمن مزاياها أن المؤلف، وإن رمى فيها إلى غرض مقصود، فإنه لا يتقيد أمام الجمهور بهذا الغرض. ومنها أنه يطلق للمتفرجين ملكة التفكير وقوة الاستنباط وحرية الإرادة. ومنها أن الرواية، أو الحوادث، هي التي تأخذ مجراها في النفوس بطبيعتها فلا تثقل بغرض قد لا تنهض به أو لا يخف هو إذا كانت أشد منه، ومنها ... ومنها ... وأما مساوئها فمنها أن في كل شيء غرضا وإذا لم يظهر هذا الغرض فلا معنى لهذا الشيء. ومنها أن صاحب الغرض يجب أن يكون مسئولا عنه مدافعا له، وحوادث الرواية هي لسان الدفاع. ومنها أن الجمهور يدخل إلى المسرح وفكره محصور في معرفة غرض الرواية الظاهر منها فإذا خفي عليه اضطرب رأيه بتشويش الحوادث.»
अज्ञात पृष्ठ
ومن الجدير بالذكر أن معرفة الآخرين بأن موضوع مسرحية «قلب المرأة»، هو نفسه موضوع قصة حب لطفي جمعة لأوجستا دامانسكي، التي انتهت عام 1912، ثم كتب عام 1947 قصته مع هذه المرأة في مخطوطه «تذكار الصبا». وقد مس محمد الهراوي ذلك عام 1916، في مقالاته السابقة، قائلا: «فقلب المرأة عبارة عن مجموعة حوادث بعضها قد يكون وقع بالفعل، وبعضها من ذهن المؤلف التمسه التماسا من الخيال بحيث لا يمنعه ذلك إذا وقع، أن يكون مطابقا لحقيقة الحال. وإن هذه المجموعة يصح أن تكون كل حادثة فيها منفصلة وحدها قائمة بذاتها، وهي لو كانت كذلك؛ أي إنها لو لم تكن مرتبطة بأخواتها لكانت أقرب إلى الحقيقة منها إلى الخيال. ولكن ارتباطها هذا جعل التأليف بينها بعيد التصديق، وإن كان محتمل الوقوع.»
وهذا الأمر وصل إليه أيضا إبراهيم رمزي - الكاتب المسرحي وأحد الأصدقاء المقربين للطفي جمعة - في نقده للمسرحية، عندما قال: «وكأني بها حادثة شهدها أو لابسها [أي لطفي جمعة] أيام كان يدرس القانون بأوروبا، لولا ما هناك من أعراض لا تحتملها الحقيقة المنطقية.»
11
ومن الملاحظ أن مقالة إبراهيم رمزي كانت في نقدها، وسطا بين هجوم عباس حافظ، وبين مديح محمد الهراوي. ومهما يكن من قيمة هذه المقالات في وقتها، إلا أنها تدل على أن المسرحية لاقت نجاحا كبيرا، والدليل على ذلك أن جوق أبيض وحجازي، أعاد عرضها مرات عديدة، بعد أيام قليلة من عرضها الأول.
12
وآخر عرض لهذه المسرحية، وقفنا عليه، كان في عام 1923، عندما قالت جريدة «مصر»، تحت عنوان «حفلة أدبية خيرية»: «لمساعدة دار التربية العلمية والأخلاقية يقيم حضرة الفاضل توفيق أفندي عزوز صاحب ومدير مدرسة التربية العلمية والأخلاقية حفلته السنوية بمسرح كازينو البسفور بميدان باب الحديد يوم السبت 15 سبتمبر الجاري؛ حيث يمثل أعضاء النهضة التمثيلية رواية «قلب المرأة» لأول مرة، فنرجو أن يكون الإقبال على هذه الحفلة عظيما لأن دخلها مخصوص لمساعدة هذه المدرسة المجانية.»
13
المسرحيات الكوميدية
والمتتبع لإنتاج لطفي جمعة الأدبي - في تلك الفترة - ربما كان يظن أنه سيتجه في تآليفه المسرحية بعد ذلك إلى هذا اللون الاجتماعي النفسي الفلسفي، الذي تميزت به مسرحيته «قلب المرأة». ولكن ما حدث كان مخالفا لكل التوقعات. فقد وجدنا لطفي جمعة يتجه نحو الكتابة المسرحية، متخذا اللون الكوميدي، وبلغة عامية، وبأسلوب مبتذل. لدرجة أن من يقرأ بعض إنتاجه المسرحي بعد قلب المرأة، يصاب بالتعجب ويتساءل: هل مؤلف مسرحية «قلب المرأة»، هو نفسه مؤلف المسرحيات الهزلية «حبيب القلب وحبيب الجيب»، «كانت لقية مقندلة»، «خضر أرضك» أو «خضر زرعك» ... إلخ. هذا اللون، الذي رفضت الرقابة بعضه من التمثيل؟!
14
अज्ञात पृष्ठ
والواقع المجهول، حول هذا التحول الخطير، يتمثل في وثيقة غير منشورة، عبارة عن عقد اتفاق بين لطفي جمعة وعزيز عيد، تم في 11 / 2 / 1917. ونص هذا العقد يقول: «اتفق كل من محمد لطفي أفندي جمعة طرف أول، وعزيز أفندي عيد مدير فرقة الكوميدي العربي في الأبيه دي روز طرف ثاني على ما يأتي: أولا: يقدم محمد أفندي لطفي جمعة الطرف الأول روايتين؛ الأولى ذات فصلين والثانية ذات فصل واحد، وهما مختارتان من الروايات الفرنساوية من نوع الكوميدي، وذلك في ميعاد أقصاه 18 فبراير سنة 1917 لتمثيلهما بواسطة فرقته المسماة فرقة عزيز في تياترو الأبيه دي روز. ثانيا: يتعهد الفريق الثاني بتمثيل الروايتين بعد خمسة عشر يوما من تاريخ استلامهما، ويدفع للفريق الأول عشرة فرنكات عن كل يوم يمضي بعد حلول هذا الميعاد إذا لم يمثل الروايتين. ثالثا: حقوق تأليف الروايتين المذكورتين هو خمسة عشر جنيها تدفع على قسطين؛ الأول: نصف مجموع إيراد ليلة التمثيل الأولى مخصوما منها الثلث الذي يتناوله الخواجة روزاتي مؤجر التياترو، ولا يخصم أي شيء آخر، والبقية من حقوق تأليف الروايتين، يدفعها عزيز أفندي عيد للمؤلف بعد شهرين من تاريخ تسليم الروايتين ليد عزيز أفندي عيد. رابعا: ليس للفريق الثاني حق رفض الروايتين المذكورتين بحال من الأحوال، أو الرجوع في أي بند من بنود هذا الكونتراتو، وإذا حصل منه ذلك يلزم بدفع مبلغ 15 خمسة عشر جنيها من تاريخ 11 مارس سنة 1917. خامسا: لعزيز أفندي عيد حق تمثيل هاتين الروايتين طول حياته، وليس للفريق الأول حق إعطائها لغيره. سادسا: الروايتان المذكورتان مختارتان من؛ أولا: رواية «بويوروش» تأليف كورتلين، ثانيا: من «البورتفويل» تأليف هرفيو. سابعا: إذا ظهرت واحدة من هاتين الروايتين أو الاثنتين معا بقلم كاتب آخر على مرسح عزيز أفندي عيد وبواسطة فرقته، فعزيز أفندي ملزم بدفع 15 جنيها للفريق الأول. تحريرا في يوم 11 فبراير سنة 1917 بنسختين [توقيع] الفريق الأول: محمد لطفي جمعة، الفريق الثاني: عزيز عيد.»
وإذا علم القارئ أن فرقة عزيز عيد، في تلك الفترة، كانت تقدم المسرحيات الكوميدية الهزلية ذات الطابع المبتذل، واللغة السوقية، سيتضح له لماذا اتجه لطفي جمعة إلى خوض غمار هذه التجربة، التي أساءت إلى إنتاجه المسرحي كثيرا. هذا بالإضافة إلى أن اختيار لطفي جمعة لعناوين مسرحياته، جاء بصورة مقززة، مثل: «خضر أرضك»، «حبيب القلب وحبيب الجيب»، «كانت لقية مقندلة»! فهذه العناوين ربما كانت من اختيار عزيز عيد، أو أن لطفي جمعة أراد أن يجاريه في اللون الذي يقدمه؛ لأن عزيز عيد كان دائما يتعمد إثارة الجمهور ولفت نظره، بعناوين شاذة لعروضه المسرحية، مثل «سكرة بنت دين كلب»، «يا ستي ما تمشيش كده عريانة» ... إلخ.
وبالرغم من ذلك، فإن التاريخ يثبت أن مسرحيات لطفي جمعة هذه لم تر النور مطلقا، ولم تعرض على خشبات المسارح. وقد ثبت أيضا أن العقد الذي تم بينه وبين عزيز عيد لم يتم تنفيذه، من قبل عزيز عيد، رغم تنفيذه من قبل لطفي جمعة، بدليل وجود مخطوطات هذه المسرحيات إلى وقتنا هذا. والتفسير المحتمل لما حدث أن لطفي جمعة كتب المسرحيات المتفق عليها في العقد، بل وأكثر منها، ظنا منه أنها ستمثل وستدر عليه ربحا وفيرا، ولكن من يعرف عزيز عيد، يعرف أنه غير مستقر في فنه المسرحي! ففرقته تتكون وما إن تبدأ حتى تتوقف ويتفرق أعضاؤها.
فإذا كان العقد المبرم بين لطفي جمعة وبين عزيز تم في فبراير 1917، فإن التاريخ يقول إن في مايو عام 1917، كان عزيز عيد ممثلا في فرقة نجيب الريحاني.
15
وهذا يعني أن فرقته قد توقفت قبل ذلك، وربما توقفت بعد كتابة العقد بأيام قليلة. ومن الطريف أن عزيز عيد لم يلبث ممثلا عند نجيب الريحاني، إلا ثلاثة أشهر، انتقل بعدها ممثلا في فرقة جورج أبيض.
16
وفي العام التالي 1918، انتقل إلى فرقة منيرة المهدية
17 ... وهكذا.
والسؤال الملح الآن ... لماذا أقدم لطفي جمعة على خوض هذه التجربة التي أساءت إليه وإلى إنتاجه المسرحي؟! الإجابة المحتملة - في ظني - هي الاحتياج المادي. فلطفي جمعة في مذكراته، كان دائما يشتكي من ضيق ذات اليد، خصوصا في هذه الفترة. وعندما أدرت عليه مسرحيته «قلب المرأة» بعض المال، أراد تكرار التجربة من أجل تكرار إدرار المال عليه، فلم يجد أمامه إلا عزيز عيد، ونوعيته المسرحية الممقوتة والمبتذلة، فسار في هذا الطريق، تحت ضغط الحاجة المادية.
अज्ञात पृष्ठ
والدليل على ذلك هذا الكم الهائل من المقالات - المتفاوتة في القوة والضعف الفنيين والأدبيين - التي نشرت في الكثير من الدوريات بقلم لطفي جمعة، والتي تؤكد أنه كان يكتبها، بصورة دورية منتظمة، تبعا لاتفاق بينه وبين أصحاب هذه الدوريات، مقابل مرتبات مادية يسيرة، ولكنها منتظمة. وإذا قام أحد الباحثين بحصر شامل لهذه المقالات، سيتضح له أن لطفي جمعة كان يكتب في كل دقيقة، وكل ساعة، وكل يوم ... في هذه الفترة!
18
وإحقاقا للحق؛ فإن لطفي جمعة ندم ندما شديدا؛ لأنه كتب هذه المسرحيات الكوميدية العامية، ودليلنا على ذلك أنه كان يتهرب منها، بل وكان يحاول بكل قوة عدم ذكرها في كتاباته أو مذكراته، أو الإشارة إلى الدافع الحقيقي لكتابتها، أو أي شيء يدل عليها أو على وجودها كمخطوطات إلا في القليل النادر. والدليل على ذلك أننا فوجئنا بها كمخطوطات ما زالت محفوظة حتى الآن!
نيرون
كانت تجربة لطفي جمعة مع عزيز عيد، تجربة أليمة، ولكنها لم تبعده عن رغبته في كتابة المسرحيات من أجل عرضها أمام الجمهور.
19
ففي 25 / 11 / 1918، أرسل عبد الرحمن رشدي المحامي - صاحب إحدى الفرق المسرحية الشهيرة في ذلك الوقت - خطابا إلى لطفي جمعة، قال فيه: «حضرة المحترم الأستاذ محمد أفندي لطفي جمعة، تحية وتكريما، وبعد، فقد رأت إدارة الفرقة حرصا على المثابرة في التقدم الفني أن تكون لجنة دائمة تنظر في شئون الفرقة الداخلية والخارجية وتراقب سير العمل، فنرجو تشريفكم يوم الخميس 28 نوفمبر سنة 1918 الساعة الرابعة في إدارة الفرقة الكائنة بدار المؤيد، شارع محمد على، والشكر نقدمه سلفا. [توقيع] مدير الفرقة عبد الرحمن رشدي المحامي.»
وعلى الرغم من عدم وجود ما يفيد بحقيقة ما تم في هذا اللقاء، فإننا نجزم بأن لطفي جمعة عرض في هذا الاجتماع، على عبد الرحمن رشدي، مسرحيته «نيرون» التي انتهى من كتابتها في 11 / 9 / 1918. وبناء على هذا العرض، وافق رشدي على تمثيلها من قبل فرقته. وهذا الجزم يؤكده إعلان جريدة «المقطم» في فبراير 1919، الذي جاء فيه أن فرقة عبد الرحمن رشدي، ستمثل مجموعة من المسرحيات في الأوبرا في شهر مارس، ومنها: «الأجراس - هنري الثالث - حلاق إشبيلية - نيرون».
20
وبالفعل تم تمثيل المسرحية، وقام بأدوارها كل من: عبد الرحمن رشدي، فاضل أفندي، عمر وصفي، الست ميليا ديان، سليمان، أحمد، فوزي، علي أفندي، الست ليلى، نازلي ميزراحي، شافع الأسمر.
अज्ञात पृष्ठ
21
وأعادت الفرقة عرض المسرحية مرة أخرى في يونيو 1919، في تياترو برنتانيا.
22
ورغم إعادة العرض فإننا لم نستطع الحصول على أي نقد لها في تلك الفترة، بعكس ما وجدناه من مقالات نقدية كثيرة، لمسرحية «نيرون»، تأليف بترو كوستا تعريب حسن صديق، والتي عرضتها فرقة يوسف وهبي عام 1927.
23
في سبيل الهوى
انشغل لطفي جمعة عن الكتابة المسرحية، لمدة ست سنوات؛ لأنه لم يجد الحافز للكتابة. ولكن في عام 1925 فوجئنا بأنه ألف مسرحية جديدة أطلق عليها اسم «في سبيل الهوى». والمفاجأة تمثلت في أن هذه المسرحية، ما هي إلا إعادة صياغة لروايته القديمة «في وادي الهموم» المطبوعة عام 1905!
24
وتساءلت لماذا يقدم لطفي جمعة على إعادة صياغة رواية قديمة في ثوب مسرحي، وهو الأديب الموسوعي الغزير الإنتاج؟! وما الدافع إلى هذه العجلة؟ ألم يكن أمامه متسع من الوقت ليدبج بقلمه موضوعا مسرحيا جديدا؟!
والإجابة عن هذه التساؤلات تكمن في سطور خطاب أرسله لطفي جمعة إلى طلعت حرب عام 1925، قال فيه: «حضرة صاحب العزة محمد بك طلعت حرب، رئيس شركة ترقية التمثيل العربي، بعد التحية، أتشرف بأن أخبركم بما وصل إلى علمي من أنكم تطلبون روايات تمثيلية مصرية تتناول أخلاق هذه الأمة، وتقوم المعوج منها، وتصلح الفاسد من العادات الاجتماعية الشائعة في بلادنا، وعلمت أيضا أن عزتكم تتفضلون بمراجعة الروايات التي تقدم لكم بنفسكم لتبدوا فيها حكما عادلا بما ركز في طبعكم من أصول المعرفة بالفنون، لا سيما ولكم قدم راسخ في التأليف، وهذه طريقة أفضل من سواها وأضمن. ولما كنت شغفا بدرس أخلاق أمتنا المصرية، فقد وضعت رواية تنطبق على رغبتكم في خمسة فصول، سميتها «في سبيل الهوى»، وهي من الروايات الاجتماعية المعروفة بأوروبا بأنها
अज्ञात पृष्ठ
COMEDIE SERIEUSE ، فضلا عن كونها ذات أغراض مبينة في ثنايا مناظرها، فهي في الواقع تجمع بين الحوادث وبين الأغراض الاجتماعية من قبيل
. وقد سبق لي وضع روايات تمثيلية قد مثلت فعلا؛ منها رواية «قلب المرأة» وقد مثلت لأول مرة في تياترو الأوبرا الخديوية بمعرفة فرقة جورج أبيض في مارس سنة 1916، ثم رواية «نيرون» وقد مثلت في تياترو الأوبرا أيضا في مارس سنة 1919، ثم رواية «الوالد والولد» و«خضر أرضك» و«الحب والمجد»، إلى آخره. فترون عزتكم من هذا أنه قد سبق لي ممارسة هذا الفن الجميل. ولما كنت أعلم حقيقة أميال الجمهور المصري، فقد جعلت في الرواية كثيرا من مناظرها باللغة العامية، فضلا عن أنها مكتوبة جميعها بلغة سهلة مفهومة، وجعلت حوادثها موزعة على الأماكن التي تنطبق على وقائعها وأخلاق أبطالها. فالفصل الأول في ملعب القمار، والثاني في بيت عائلة مصرية شريفة عريقة، والثالث في بيت معشوقة بطل الرواية، والرابع في عيادة طبيب اختصاصي، والخامس في حانة. وترون من هذا التقسيم سعة المجال للبحث في أخلاق كثيرة. فإن كنتم تتفضلون بقراءة هذه الرواية ويعوزكم بعض التفسير فأنا مستعد لإفصاح اللازم، وإن كنتم تفضلون سماع الرواية بواسطة إلقائي على أفراد أو في حضرة من تنتخبون، فأنا لا أرى بأسا في ذلك، وعلى أي حال لا أريد غير اتباع العرف المعمول به عندكم بما فيه ضمانة القراءة بشخصكم مباشرة دون سواكم. وإني أعتذر عن طول هذا الخطاب وأنتظر من عزتكم ردا عن هذه المسألة. وأرجو أن تتفضلوا في الختام بقبول فائق تحياتي وإخلاصي. [توقيع] محمد لطفي جمعة.»
25
إذن الدافع وراء إعادة لطفي جمعة صياغة رواية قديمة في ثوب مسرحي، هو رغبته في عرض إحدى مسرحياته على الجمهور، كما حدث في مسرحيتيه؛ «قلب المرأة»، و«نيرون»، هذا بالإضافة أيضا إلى المكسب المادي، الذي سيناله من طلعت حرب نظير تمثيل فرقة عكاشة لمسرحية «في سبيل الهوى». وبالرغم من ذلك، فإن التاريخ يثبت أن فرقة عكاشة، لم تمثل هذه المسرحية، ولم تمثلها أيضا أية فرقة أخرى.
مسابقة التأليف المسرحي
إذا كان لطفي جمعة، لم يوفق مع طلعت حرب وشركته التمثيلية، إلا أن السعي وراء ما يدره المسرح على المؤلفين، كان يشغل لطفي جمعة بصورة ملحة. ففي 4 / 3 / 1925، أرسل لطفي جمعة خطابا إلى عبد الحميد بدوي باشا قال فيه: «حضرة صاحب السعادة عبد الحميد بدوي باشا، رئيس لجنة بحث الروايات التمثيلية الاستشارية بوزارة الأشغال، تحية وسلاما وبعد، فإني تشرفت بتقديم روايتين تمثيليتين من تأليفي للجنة بحث الروايات التمثيلية الاستشارية وهما: (1) قلب المرأة: وقد سبق تقديمها إلى قسم المطبوعات بوزارة الداخلية والتصديق عليها في سنة 1916، ومثلتها للمرة الأولى بتياترو الأوبرا الملكية في مساء السبت 25 مارس سنة 1916 فرقة الأستاذين أبيض وحجازي. وقد سلمتها لحضرة سكرتير اللجنة وهي في مجلد مؤلف من 131 صحيفة من القطع الكبير. (2) نيرون: وقد سبق تقديمها إلى قسم المطبوعات بوزارة الداخلية والتصديق عليها في سنة 1918 ومثلتها مساء 4 مارس سنة 1919 فرقة الأستاذ عبد الرحمن رشدي المحامي، وقد سلمتها لحضرة سكرتير اللجنة وهي مؤلفة من جزأين الأول في 162 صفحة وهو يشمل الفصول الأول والثاني والثالث، والجزء الثاني في 112 صفحة ويشمل الفصلين الرابع والخامس، وإني أحيط سعادتكم علما بأن هاتين الروايتين لم تطبعا، وهذا الذي ألجأني للاكتفاء بتقديم نسخة واحدة من كل منهما، وهي النسخة الوحيدة عندي ما عدا النسخة التي يحفظها مدير الفرقة التي مثلت الرواية. وتفضلوا بقبول تحياتي. [توقيع] محمد لطفي جمعة المحامي بمصر.»
وهذا الخطاب، يعني أن لطفي جمعة أراد الاشتراك في أول مسابقة حكومية، في الكتابة المسرحية، تعقد في مصر عام 1925.
26
وبالفعل كللت جهوده بالنجاح وفاز بإحدى جوائز المسابقة،
27
अज्ञात पृष्ठ
والتي تمثلت في مبلغ نقدي، هو 65 جنيها!
وما كان من صاحب مجلة «المسرح» - محمد عبد المجيد حلمي - إلا أنه كتب مقالة قال فيها: «... مضت سنوات طوال على لطفي جمعة، لم يكتب فيها حرفا واحدا لا بخير ولا بشر. ومرت الأيام، وتألفت في البلد لجنة حكومية لفحص مجهود المؤلفين المسرحيين وتقدير المكافآت لهم، وظهرت نتيجة عمل اللجنة، فإذا الأستاذ لطفي جمعة قد نال الدرجة الثانية ومكافأتها 65 جنيها مصريا. وكان للجنة فحص الروايات تقرير أصدرته فتسلمه الأستاذ لطفي جمعة، وصبر عليه أياما، فإذا به قد طلع علينا في جريدة المقطم بمقالات ضافية في الصحيفة الأولى ينقد بها تقرير اللجنة، نقدا أدبيا فنيا منطقيا بسيكلوجيا ...! أما أنا فقد حمدت الله طويلا. لقد نطق الأستاذ، وما أنطقه إلا ال 65 جنيها وتقرير اللجنة ... فأنا أدعو الناس أجمعين من أنس وجان إلى تكوين جمعيات تمنح مكافآت، وتصدر تقريرات، حتى يتسع المجال للأستاذ فيكتب. «عرفنا ديتها» يا أستاذ ...!»
28
خضر زرعك
بعد خمس سنوات، وتحديدا في عام 1930، أنشأت وزارة الأشغال أول معهد مسرحي حكومي في مصر - وفي الأقطار العربية أيضا - تحت إدارة زكي طليمات، الذي كان على علاقة ما بلطفي جمعة. وبسبب هذه العلاقة أرسل زكي طليمات رسالة - بصفة رسمية في 18 / 9 / 1930 - إلى لطفي جمعة، قال فيها، تحت عنوان «بشأن الإذن بدراسة رواية «خضر زرعك» في معهد فن التمثيل»: «حضرة الأستاذ محمد لطفي جمعة المحامي. تقضي دراسة فن الإلقاء بمعهد فن التمثيل أن يقوم طلبة المعهد بدراسة وتمثيل أدوار مختلفة من روايات قيمة مما أخرجته الأقلام المصرية في التأليف المسرحي. وقد رأت الوزارة أن تكون روايتكم المذكورة ضمن الروايات التي تدرس بالمعهد. فاقتضى تحريره إلى حضرتكم رجاء التفضل بموافاتنا بصورة منها. هذا مع العلم بأن هذه الرواية لن يجرى تمثيلها قبل استئذانكم والحصول على موافقة مدير الفرقة الذي يملك حق تمثيلها. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام [توقيع] زكي طليمات، والسكرتير العام.»
وعلى الرغم من عدم التأكد مما ذكر في هذا الخطاب الرسمي، قد تم أو لا، إلا أننا نعتقد بأنه لم يتم. والدليل على ذلك أن هذه المسرحية، ألفها لطفي جمعة، في فترة كتاباته المسرحية، على غرار ما تقدمه فرقة عزيز عيد، كما بينا فيما سبق. هذا بالإضافة إلى أن لغتها عامية سوقية، ولا يعقل أن معهدا أكاديميا يستطيع أن يقدم على تدريس هذه المسرحية لطلابه، خصوصا في مادة «فن الإلقاء»! وأيضا لا يستطيع أي معهد أن يقدم على تمثيل مثل هذه المسرحية - كما جاء في الخطاب - بسبب موضوعها المبتذل! وأخيرا لم نجد أية أخبار تتعلق بهذه المسرحية، فيما نشر عن المعهد عامي 1930، 1931 وهي كل فترة وجوده حينئذ.
29
وتفسير هذا الخطاب، أن زكي طليمات - من خلال علاقته بلطفي جمعة - أرسل له هذا الخطاب، دون أن يعلم موضوع المسرحية، بل وقبل أن يقرأها، ولكن بعد القراءة - للأسباب السابقة - صرف المعهد نظره عن هذه المسرحية.
30
يقظة الضمير
अज्ञात पृष्ठ
من الجدير بالذكر أن لطفي جمعة كانت تربطه علاقة وثيقة بشاعر القطرين خليل مطران. وفي إحدى الرسائل المتبادلة بينهما عام 1935، قال مطران: «حضرة الأخ العزيز الأديب الكبير والمحامي الشهير الأستاذ محمد لطفي جمعة، بعد التحية والإكرام. تلقيت كتابك وتاريخه 9 / 12 / 1935 وسررت بمطالعته سروري بكل ما يجيء منك، أما ظنك أنني نسيتك فقد أثارني شجنا، وهل كان لي أن أنساك في مثل ما نيط بي من الأمر. غير أنني كنت معتقدا أنك صرفت إحدى قواك الفكرية الكبرى عن هذا الفن الذي نشتغل به [يقصد المسرح] ولعل ذلك تأتى من انقطاعي بضع سنين عما كانت تجود به قرائح أكابر كتابنا الذين عنوا حينا بالمسرح، أما عملك وإخلاصك فأنا أعرف الناس بهما، ومكاني منك كمكانك مني - فيما طال به العهد بيننا - فوق الزلفى أيا كان نوعها وسببها. فرجائي إن اتسع وقتك للقاء أن تعين لي موعدا نجتمع فيه، ونتباحث فيما تريد أن تتفضل به من النصرة على هذه الفرقة وأنت مشكور كل الشكر على ما يتيسر لي من تلافي التقصير إن كان قد وقع تقصير، وحياك الله وأبقاك لمحبك المخلص [توقيع] خليل مطران.»
وهذه الرسالة كتبها مطران، وهو مدير الفرقة القومية المسرحية، ولنا عليها عدة ملاحظات؛ أولا: أنها رد من مطران على رسالة قد أرسلها لطفي جمعة، وهذا يعني أن ما في الرسالة هو إجابات أو تبريرات لأشياء ذكرها لطفي جمعة في رسالته المرسلة في 9 / 12 / 1935. ثانيا: الرسالة تؤكد أن خليل مطران كان لا يراسل لطفي جمعة لفترة طويلة، لدرجة النسيان ... أي إن خليل مطران كاد أن ينسى لطفي جمعة. ثالثا: تبرير مطران لنسيان جمعة، راجع إلى اعتقاده بأن لطفي جمعة نسي المسرح وابتعد عنه وانشغل بأمور أخرى. رابعا: يطلب مطران من لطفي جمعة موعدا كي يتباحث معه فيما يريد لطفي أن يخدم وينصر به الفرقة القومية، تبعا لما كتبه في رسالته لمطران.
وهذه الملاحظات في مجملها - بالإضافة إلى أسلوب الخطاب - يشتم منها القارئ رائحة تهرب مطران من لطفي جمعة! فما الشيء الذي عرضه لطفي في خطابه على خليل مطران، كي يخدم وينصر به الفرقة القومية؟! من المؤكد أنه نص مسرحي جديد، يريد لطفي من مطران أن يمثله من خلال الفرقة القومية ... ولماذا لا وخليل مطران هو المدير والصديق القديم للطفي؟! وهكذا بدأت قصة آخر نص مسرحي متكامل للطفي الجمعة، وهو نص مسرحية «يقظة الضمير».
ولهذه المسرحية قصة طريفة، فقد أعطى لطفي جمعة نص المسرحية إلى مطران في أواخر 1935، كي تمثلها الفرقة القومية بصورة سريعة، وبالتالي يقبض لطفي الثمن بصورة سريعة أيضا. ولكن مطران تكاسل بعض الشيء، أو فلنقل كان يتهرب من لطفي جمعة لمدة سنة كاملة، مما جعل لطفي يطلب استرداد النص مرة أخرى. وبالفعل قام سكرتير الفرقة بتسليم النص إليه، ولم يقم بذلك خليل مطران نفسه. وهذا التصرف دليل قاطع على تهرب مطران من لطفي بكل وسيلة ممكنة. وهكذا استرد لطفي النص بعد عام تقريبا - في أواخر 1936 - عندما فقد الأمل في تمثيلها.
وفي عام 1937 شاهد لطفي جمعة أحد الأفلام السينمائية، وهو فيلم «نشيد الأمل» لأم كلثوم، ففوجئ بأن قصة الفيلم، هي نفسها مسرحيته «يقظة الضمير» بكل ما فيها من تفاصيل وشخصيات وأحداث ... إلخ. وعندما علم أن أدمون تويما هو كاتبها، وأنه أحد رعايا خليل مطران. هذا بالإضافة إلى أن خليل مطران كانت له يد قوية في شركة فيلم الشرق، التي أنتجت الفيلم! أمام هذه الحقائق كلها اتضحت للطفي جمعة خيوط المؤامرة التي دبرها خليل مطران مع أدمون تويما لسرقة موضوع مسرحيته «يقظة الضمير»؛ مما جعل بعض الأصدقاء يشيرون عليه برفع دعوى قضائية على الشركة المنتجة للفيلم وأيضا على الرجلين.
31
ولحسن الحظ أن لطفي جمعة لم يتبع شيطانه، وتمهل في التفكير، فاهتدى إلى طريقة مسالمة، وهي إرسال رسالة عتاب وتوضيح لصديقه مطران، حتى يبرر له ما حدث. وبالفعل أرسل هذه الرسالة في 15 / 1 / 1937، قائلا فيها: «حضرة أستاذي وأخي عميد الأدب العربي، علم المكارم التي لا ترام، وفخر مصر والشام، شاعر الأقطار العربية خليل المطران بك حفظه الله ... شهدت قصة «نشيد الأمل» ... وقد قرأت في البرنامج أن كاتب القصة هو أحد الأدباء من أصدقائك المشمولين بعنايتك، فتأكدت أن الحوادث التي أفرغت في قالب سينمائي ليست مجهولة لدي ولا بعيدة عني، بل وليست مجهولة لديك، فما هي يا سيدي الأستاذ الجليل إلا رواية «يقظة الضمير» الدرامية التي تشرفت بتقديمها إلى شخصك الكريم ... وبقيت في حراسة عزتكم إلى ديسمبر سنة 1936 فردها إلي السكرتير كطلبي ... فما أفظع تهكم القدر! إن خمسا وثلاثين سنة تربطنا بمودة أعتقد من جانبي أنها وثيقة، فهل لي أمل بأن أستعين على جلاء هذا الغموض بك؟ وهل تعينني بما هو معهود فيك من الشرف والأمانة والذمة والصدق وحسن النية على اكتشاف سر انتقال قصتي من كراستي التي كانت في العهدة إلى الشاشة البيضاء؟ وأنت تعلم يا أستاذي ويا أخي أن في حرمان الأديب من ثمرة أدبه، والمفكر من فائدة تفكيره ذهاب كل نعمة عن الجماعة، وتفرق كل كرامة، وإجلاب كل ضرر، وإدبار كل منفعة، والعمل بكل جور وفناء كل حق. فكيف وصلت حوادث هذه القصة إلى غيرنا وكلانا شديد الحرص على هذه الأمانة؟! أنت لأنك تمثل الشرف والأمانة والأدب العربي، وأنا لأني صاحب الرواية ومؤلفها ... أعلم يقينا أنك تغضب للحق وتثور للعدل وتأبى الظلم وتذود عن الكرامة ... فهل لك أن تنهض بالعبء هذه المرة صديقا وفيا وقاضيا عادلا وحكما خبيرا وأخا كبيرا ومجاهدا كريما في سبيل الفن والخلق الكريم ... إنني طبعا لن أفاتح أحدا في هذا الأمر حتى أرى نتيجة شكواي إليك واستنجادي بك في حل هذا اللغز ورفع الستار عن هذا السر، بما هو معهود فيك من الإيثار والوفاء والعدل وعلو الهمة.»
32
وإذا كنا قد اجتزأنا بعض الفقرات من هذه الرسالة المطولة، فإن الأجزاء الأخرى، ما هي إلا عبارات تترادف في معانيها وأحاسيسها للأجزاء المنقولة هنا. وهذه الرسالة يلاحظ القارئ أن أسلوبها بليغ في الحوار، حيث تتمازج كلمات العتاب بكلمات الحب، وكلمات الوفاء بكلمات الغدر ... إلخ هذه الأضداد. ولكن فحواها العام يؤكد على أن لطفي جمعة كان جادا وشرسا وينوي الانتقام من كل من سلبوه حقه الأدبي. ذلك الحق الذي جعل له لطفي جمعة لسانا يصرخ بصرخات عالية من بين سطور الرسالة! ومن الغريب أن لطفي جمعة لم يتحدث عن أية حقوق مادية له ... فكل ما يهمه حقوقه الأدبية، وعدم اغتيال عقله وأفكاره.
ويظن القارئ أن لطفي جمعة بعد ذلك أقام الدنيا وأقعدها في سبيل استرجاع حقه الأدبي، وعدم الاستسلام لاغتيال عقله وفكره ومجهوده ... إلخ ما عبر عنه في خطابه لمطران، ولكن بكل أسف فقد انتهت المشكلة بصورة لا تنم عن عمق المشكلة ... وجاءت النهاية من خلال أسطر قليلة في مذكرات لطفي جمعة، قال فيها: «يقظة الضمير تمثيلية مصرية في خمسة فصول اشترتها الفرقة القومية في أكتوبر سنة 1940، وكانت أمانة عند خليل مطران وسرق المدعو أدمون تويما الموضوع وجعله باسم «نشيد الأمل» ومثلته أم كلثوم سنة 1938، ولكنني أخذت ثمن روايتي بعد ذلك بسنتين.»
अज्ञात पृष्ठ
33
وهكذا كانت النهاية، فقد أعطت الفرقة القومية مبلغا من المال إلى لطفي جمعة، نظير هذه السرقة ولكي يسكت، فرضي لطفي جمعة بهذا المال وسكت ... وتنازل عن كافة حقوقه الأدبية والمعنوية، وقبرت مسرحيته «يقظة الضمير»، ولكن يشاء القدر أن تظهر للنور وباسمه في هذا الكتاب!
الاحتكاك بالحياة المسرحية
إذا كنا قد تحدثنا - فيما سبق - عن ظروف وملابسات جميع مسرحيات لطفي جمعة المخطوطة، والمنشورة في هذا الكتاب، فيجب أن ننبه على أن لطفي جمعة بجانب ما ورد، كان محتكا بالحياة المسرحية، احتكاكا كبيرا؛ فمثلا في عام 1915 نجد حسين فتوح - سكرتير جمعية أنصار التمثيل - يرسل له خطابا من أجل اختياره ليكون من مؤبني محمد عبد الرحيم، رئيس الجمعية، وذلك في الاحتفال الخاص بهذا التأبين.
وفي عام 1916 كان لطفي جمعة أحد أعضاء «جمعية الكتاب التمثيلية»، التي تألفت لتعمل على خدمة الفن المسرحي تأليفا وترجمة. وهذه الجمعية تألفت من: فؤاد سليم، عبد الحليم دلاور، إبراهيم رمزي، صالح جودت، إسماعيل وهبي، ميخائيل بشارة داود، أحمد رأفت، محمد لطفي جمعة، أمين صدقي.
34
وفي عام 1933 تم اختيار لطفي جمعة ليكون ضمن أعضاء لجنة المؤتمر المسرحي العام، الذي سينظر في علاج ناجح للحالة المسرحية المتردية، التي وصل إليها المسرح المصري. وقد أرسل سكرتير اللجنة محمد توفيق المردنلي، خطابا إلى لطفي جمعة بهذا الشأن.
ومن الجدير بالذكر أن احتكاك لطفي جمعة بالمسرح المصري، لم يقتصر على التأليف أو الاشتراك في اللجان المختلفة، بل كان أيضا احتكاكا عمليا، من خلال عمله في المحاماة. ففي عام 1923 أثيرت ضجة كبيرة حول الممثلة دولت أبيض، التي أنجبت طفلة من جورج أبيض، دون الاقتران به بصورة رسمية.
35
ووصل هذا الأمر إلى القضاء، فحاول جورج إصلاح الموقف، ولكن أسرته وقفت أمامه وأمام دولت بالمرصاد. فلم يجد جورج أبيض غير لطفي جمعة كمحام للوقوف بجانب دولت، فأرسل له خطابا بهذا الشأن.
अज्ञात पृष्ठ
وفي عام 1926، رفع الكاتب والناقد المسرحي محمد أسعد لطفي، قضية ضد فاطمة رشدي، فلجأت إلى لطفي جمعة كمحام لها للدفاع عنها في هذه القضية. وبالفعل حصل لها على البراءة. تلك البراءة التي باركتها واحتفلت بها مجلة «روز اليوسف».
36
والآن نترك القارئ ليستمتع بقراءة مخطوطات مسرحيات محمد لطفي جمعة، الأديب الموسوعي ... تلك المخطوطات التي تنشر لأول مرة وبصورة كاملة ... تلك المخطوطات التي بدأ لطفي جمعة في كتابتها منذ عام 1909، وحتى عام 1945، ولم تر النور في مجملها إلا على يد حارس الثقافة في مصر «المجلس الأعلى للثقافة».
دكتور
سيد علي إسماعيل
القاهرة في: 30 / 12 / 2000
هرماكيس
رواية تمثيلية مصرية قديمة في فصل واحد
سنة 1909
المنظر الأول (المنظر: حديقة القصر فيها شجر الصفصاف وبعض النخيل. وبحيرة صغيرة ينمو على شاطئها زهر البردي (بشنين) وهي مزدانة بتماثيل أبي الهول، وفيها تمثال الملك وبعض مقاعد من الحجر ومن الخشب المحفور. وفي أحد الأركان القريبة من حافة الملعب شبه منزل إلى سجن أرضي، وقف حوله أربعة جنود وأمامهم رئيس الحرس «حوتب». وفي آخر الملعب ترى ردهة القصر مضاءة بأنوار ضئيلة، والملك جالس مع حاشيته وهو يسمع أنغاما موسيقية. وحول مجلس الملك جوار وعبيد يحملون جميعا مظلات كبيرة. القمر يشرق من جهة القصر محاطا بهالة. وفي أحد أركان الحديقة على مقربة من المنزل تجلس امرأة من الشعب عليها ثياب رثة وعليها آثار الكآبة والألم.)
अज्ञात पृष्ठ
حوتب :
إنكم ترون اهتمام الملك صاحب مصر العليا والسفلى وسيد الهياكل وابن الشمس بهذا السجين، فلا تتأثروا بدموع هذه المرأة ولا تسمحوا له بالصعود طرفة عين. وها أنا ذاهب لأتلقى أوامر من رئيس الحاشية فكونوا جميعا عيونا وآذانا، وإياكم أن يفلت من بينكم، فقد سمعت في طفولتي أنه سيأتي رجل حقير ليس له إلا أمه، ولكنه سيقهر فرعون مصر وسيفعل المعجزات. وإني أسأل الآلهة أن لا يكون هو هذا الذي وكلت إلينا حراسته (يخرج) .
جندي 1 :
إن القمر يصعد السماء كأنه امرأة صفراء تتسلق جبلا عاليا.
جندي 2 :
كلا يا أبله، يظهر لي أنك لم تقرأ قصائد بنتاءوريوس شاعر الملك، فإن القمر كأنه امرأة دفينة تبعث من قبرها.
جندي 3 :
لا تقل هذا القول، فإنه يقبض صدري ويخيل لي أنني أرى شبح امرأة تبعث من قبرها.
جندي 2 :
طبعا فإنك نشأت في طيبة، مدينة العز والرفاهية والجبن، ولم تسافر مثلنا إلى أقصى الجنوب في معية سيد الهياكل وملك مصر عندما كان وزيرا للملك السابق.
अज्ञात पृष्ठ