فأي الفريقين أحق بالاستهزاء والمحادة لله؟ من كان يدعوا الموتى ويستغيث بهم ويأمر بذلك؟ أو من كان لا يدعوا إلا الله وحده لا شريك له كما أمرت به رسله ويوجب طاعة الرسول ومتابعته في كل ما جاء به؟
ونحن بحمد الله من أعظم الناس إيجابًا لرعاية جانب الرسول تصديقًا له فيما أخبر، وطاعة له فيما أمر، واعتناء بمعرفة ما بعث به واتباع ذلك دون ما خالفه عملًا بقوله تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ .
ومعنا ولله الحمد أصلان عظيمان (أحدهما): أن لا نعبد إلا الله فلا ندعو إلا هو، ولا نذبح النسك إلا لوجهه، ولا نرجو إلا هو، ولا نتوكل إلا عليه.
(والأصل الثاني) أن لا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بعبادة مبدعة.. وهذان الأصلان هما تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله أن محمدًا رسول الله، فان شهادة أن لا إله إلا الله تتضمن إخلاص الألوهية لله فلا يتأله القلب، ولا اللسان، ولا الجوارح بغيره تعالى. لا يحب، ولا خشية، ولا إجلال ولا رغبة، ولا رهبة، وشهادة أن محمدًا عبده ورسوله تتضمن تصد يقه في جميع ما أخبر به وطاعته واتباعه في كل ما أمر به، فما أثبته وجب اتباعه.
وقد روي عن البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قالوا ومن يأبى يا رسول الله؟ قال "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبي".
إذا تمهد هذا فنقول الذي نعتقده وندين لله به أن من دعا نبيًا أو وليا أو غيرهما وسأل منهم الحاجات، وتفريج الكربات، فقد ارتكب أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين حيث اتخذوا أولياء وشفعاء يستجلبون بهم المنافع، ويستدفعون بهم المضار بزعمهم. قال الله تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ فمن جعل الأنبياء أو غيرهم كابن عباس، والمحجوب أو أبي طالب، وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار –بمعنى أن الخلق يسألونهم وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك حوائج الناس لقربهم منهم، والناس يسألونهم أدبا منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لكونهم أقرب إلى الملك -فمن جعلهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك حلال المال والدم.
وقد نص العلماء ﵏ على ذلك وحكوا عليه الإجماع قال في الإقناع وشرحه: من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كفر إجماعا لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام قائلين ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ انتهى.
1 / 14