وقال عبد الرحيم بن الحسين العراقي في الفيته:
واخذ متن من كتاب لعمل ... أو احتجاج حيث ساغ قد جعل
عرضًا له على أصول يشترط ... وقال يحيى النووي أصل فقط
ثم قال المؤلف في شرحه أي وأخذ الحديث من كتاب من الكتب المعتمدة لعمل به أو احتجاج به إن كان ممن يسوغ له العمل الحديث أو الاحتجاج به جعل ابن الصلاح شرطه أن يكون ذلك الكتاب مقابلًا بمقابلة ثقة على أصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة، قال النووي فإن قابلها بأصل معتمد محقق أجزأه. وقال ابن الصلاح في قسم الحسن حين ذكر أن نسخ الترمذي تختلف في قوله حسن أو حسن صحيح ونحو ذلك، فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه. فقوله ينبغي قد يشير إلى عدم اشتراط ذلك وإنما هو مستحب وهو كذلك انتهى كلام العراقي.
وقال أبو الحسن البكري الشافعي في كتابه (كنز المحتاج على المنهاج) لما ذكر أن من شروط القاضي أن يكون مجتهدًا إلا إذا فوضت إليه واقعة خاصة: فيكفي الاجتهاد في تلك الواقعة بناءًا على تجزئ الاجتهاد وهو الأصح -إلى أن قال- وقد يحصل الإجتهاد في باب دون باب آخر ولا حاجة لتتبع الأحاديث بل يكفي أصل مصحح أعتني به بجمع أحاديث الأحكام كسنن أبي داود -ولا أن يعرف مواقع كل باب فيراجعه عند الحاجة- ولا إلى البحث عن رواة حديث أجمع السلف على قبوله أو تواترت عدالة رواته ويقظتهم وما عداه يكتفي في رواته بتعديل إمام مشهور عرفت صحة مذهبه جرحًا وتعديلًا- ولا إلى ضابط جميع مواضع الإجماع والاختلاف، بل يكفي معرفته بعدم مخالفة قوله الإجماع لموافقته بتقدم عليه أو غلبة ظن بتوليها في عصره، وكذا في معرفة الناسخ والمنسوخ انتهى.
وقال في شرح الروض للقاضي زكريا لما ذكر أن من شروط القاضي أن يكون مجتهدًا قال: والمجتهد من علم ما يتعلق بالأحكام من الكتاب والسنة، وعرف منها العام، والخاص، والمطلق، والمقيد، والمجمل، والمبين، والنص، والظاهر، والناسخ، والمتواتر، والآحاد، والمرسل، والمتصل، وعدالة الرواة وجرحهم، وأقاويل الصحابة ﵃. فمن بعدهم -إلى أن قال- ولا يشترط التبحر في هذه العلوم بل يكفي معرفة جمل منها وأن يكون له في كتب الحديث أصل صحيح يجمع أحاديث الأحكام كسنن أبي داود فيعرف كل باب فيراجعه إذا احتاج إلى العمل به. ويكتفي في البحث عن الآحاد بما قبله منها السلف وتواترت أهلية رواته من العدل والضبط وما عداه يكتفي في أهلية رواته بتأهل إمام مشهور عرفت صحت مذهبه في الجرح والتعديل. ثم اجتماع هذه العلوم إنما يشترط في المجتهد المطلق الذي يفتي في جميع أبواب الشرع ويجوز أن يتبعض بالباب الذي يجتهد فيه انتهى كلام القاضي.
فتبين بما ذكرناه من القول جواز الاعتماد على نقل الأحاديث من الكتاب المصحح وكذلك التقليد لأهل الجرح والتعديل في تصحيح الحديث أو تضعيفه والله سبحانه أعلم.
1 / 49