وفي الصحيحين من غير وجه عن رسول الله ﷺ وهو سيد ولد آدم، وأكرم الخلق على الله أنه تعالى " آتى تحت العرش فأخر لله ساجدًا، ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الآن، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: يا محمد أرفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفع –قال- فيحد لي حدًا ثم أدخلهم الجنة ثم أعود" فذكر أربع مرات صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء.
وقال الإمام البكري ﵀ عند قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ﴾ نفي الشفيع وإن كانت الشفاعة واقعة في الآخرة لأنها من حيث أنها لا تقع إلا بإذنه، كأنها غير موجودة من غيره، وهو كذلك لكن جعل ذلك لتبين الرتب، وجملة النفي حال من ضمير يحشروا، وهي محل الخوف، والمراد به المؤمنون العاصون، انتهى.
وقال أيضًا عند قوله تعالى ﴿يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾ دل على أن الشفاعة تكون للمؤمنين فقط. وقال الحافظ عماد الدين بن كثير عند قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ﴾ يقرر تعالى أنه لا إله إلا هو الذي خلق السموات والأرض وهو ربها ومدبرها، وهم مع هذا قد اتخذوا من دون الله أولياء يعبدونهم، وإنما عبد هؤلاء المشركون آلهة هم يعترفون أنها مخلوفة عبيد له كما كانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك، تملكه وماملك.
وكما أخبرنا عنهم في قوله ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ فأنكر تعالى ذلك عليهم حيث اعتقدوا ذلك وهو تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ﴿وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ ثم قد أرسل رسله من أولهم إلى آخرهم يزجرون عن ذلك، وينهونهم عن عبادة من سوى الله فكذبوهم.. انتهى كلامه.
والمقصود بيان شرك المشركين الذين قاتلهم رسول الله ﷺ وأنهم ما أرادوا ممن عبدوا إلا التقرب إلى الله، وطلب شفاعتهم عند الله.
وبيان أن طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم في الشدائد أنه من الشرك الأكبر الذي كفر الله به المشركين. وبيان أن الشفاعة كلها لله، ليس لأحد معه فيها شيء، وأنه لا شفاعة إلا بعد إذن الله تعالى، وأنه تعالى لا يأذن إلا لمن رضي قوله وعمله. وأنه لا يرضى إلا التوحيد كما تقدمت الأدلة الدالة على ذلك.
ومعلوم أعلى الخلق وأفضلهم وأكرمهم عند الله الرسل والملائكة المقربون. وهم عبيد محض لا يسبقونه بالقول. ولا يتقدمون بين يديه. ولا يفعلون شيئًا إلى بعد إذنه لهم وأمره فيأذن سبحانه لمن يشاء أن يشفع فيه. فصارت الشفاعة في الحقيقة إنما هي له تعالى. والذي شفع عنده إنما شفع بإذنه له. وأمره بعد شفاعته سبحانه إلى نفسه. وهي إرادته أن يرحم عبيده. وهذا ضد الشفاعة الشركية التي أثبتها المشركون ومن وافقهم. وهي التي أبطلها سبحانه في كتابه بقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي
1 / 17