الوجه الثالث : أن تعلم أن هذا التصحيح من زيد بن علي (ع) لحكم أبي بكر ، تصحيح بطريقة قضاءه في المسألة ، وهو تجهيل آخر وإنزال من قدر الإمام زيد بن علي (ع) وأعلميته بطرق القضاء الصحيح ، فإنا لو تأملنا الطريقة التي تحاكم بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، والنصراني ، عند شريح القاضي ، سنجد الفرق واضحا بينها وبين الطريقة التي حوكمت بها فاطمة (ع) ، ففي المحاكمة الأولى : نجد أن أمير المؤمنين ادعى على نصراني بأن الدرع الذي معه هو درعه ، فأنكر النصراني ، فتحاكم أمير المؤمنين والنصراني عند طرف ثالث وهو القاضي شريح ، فعند ذلك طلب القاضي من المدعي الذي هو أمير المؤمنين البينة على أن الدرع درعه وليس درع النصراني . وهنا تأمل : أن الحكم طرف ثالث محايد ، خارج عن أن يكون المدعي ، أو المدعى عليه ، وتأمل أن القاضي شريح طالب المدعي عليا (ع) بالبينة ، ولم يطلبها ممن الدرع في يده نعني النصراني المدعى عليه ، فإن عرفت هذا ، فهلم المقارنة مع المحاكمة الثانية: فنجد فيها أن أبي بكر انتزع فدك من فاطمة (ع) ، وادعى عليها أن فدك لرسول الله (ص) ، فأظهرت فاطمة المدعى عليها (ع) أن الملك ملكها ، وأن فدك بيدها من زمن الرسول (ص) ، فأنكر ذلك أبو بكر ، ومنعها غلات فدك ، وهنا عمل أبو بكر بدور الحاكم والقاضي ، ولم يلجأ إلى طرف ثالث محايد فكان هذا فرقا بين محاكمة علي وأبي بكر ، ثم طلب أبو بكر البينة على من الملك في يدها ، ولم يطلب شريح البينة من النصراني الذي كان الملك في يده ، بل طلبها من علي (ع) ، وهذا وجه ظاهر في عوار الحكم البكري القحافي ، فلو أن أبا بكر حكم طرفا ثالثا ، فجاءت فاطمة (ع) ، وقالت: فدك أرضي ، أنحلنيها رسول الله (ص) قبل أن يموت، وعاملك انتزعها مني، فقال أبو بكر : ليس هذا كذاك ، فإن القاضي حتما سيطلب البينة من أبي بكر ، لا من فاطمة صلوات الله عليها ، لأنه المنتزع لمالها من يدها ، فهو إذا المدعي في الحقيقة والبينة عليه لا على فاطمة ، وهذا كله فننزه إمامنا أبا الحسين زيد بن علي (ع) عن جهله .
पृष्ठ 5