لنا : أن أبا بكر ليس بالرجل الجاهل ، بحال الشهود ، ولا بمداخل الشريعة ومخارجها ، فالاجتهاد الذي يؤجر عليه العالم ، حتما لا يجر غضب الله والرسول ، وقد ثبت قطعا وإجماعا ، أن غضب فاطمة هو غضب الله والرسول ، وقد ثبت قطعا وإجماعا : أن فاطمة سيدة نساء العالمين ، فكان على أبي بكر أن يتحرى في اجتهاده عند معرفته لمنزلة فاطمة (ع) ، ثم كان عليه أن يتحرى أكثر وأكثر عندما تحضر سلام الله عليها ، رجلا يدور الحق معه أينما دار ، منزه عن الزور والباطل ، وعندما تحضر سلام الله عليها ، امرأة شهد لها رسول الله (ص) بالنجاة والجنة . نعم ! أضف إلى ذلك أن شهادة الرجل الثقة الثبت العادل الواحد قد أخذ بها الرسول (ص) ، ولا أخالنا نجهل حال ذي الشهادتين ، خزيمة بن ثابت رضوان الله عليه ، مع رسول الله (ص) ، وذلك عندما اشترى رسول الله (ص) فرسا من أعرابي ، ثم أنكر الأعرابي أنه باعها من رسول الله (ص) ، وطلب الأعرابي من الرسول (ص) شهودا ، وتجمع المسلمون ينعون على الأعرابي ، بأن ويحك أمن رسول الله (ص) تطلب الشهود ، فشهد للرسول (ص) خزيمة بن ثابت ، فجعل رسول الله (ص) شهادة خزيمة بن ثابت شهادة رجلين اثنين ، ولذلك سمي ذو الشهادتين ، أضف إلى ذلك أنه قد أثر لنا عن فقيه الآل أحمد بن عيسى بن زيد بن علي (ع) ، وهو الرجل ، أنه سئل عن رجل تجوز شهادته وحده ، فقال (ع) : (( لا ، إلا عليا ، والحسن ، والحسين . فقيل : وكيف ذلك ؟!. قال: لأنهم معصومون))(1)[1] ، أضف إلى ذلك ، أن رسول الله قد قبل شهادة الرجل الواحد في هلال شهر رمضان(2) [2] ، وقال مالك بن أنس : ((لا تجوز شهادة الرجل الواحد مع يمين الطالب إلا في الأموال))(1)[3] ، وفدك من الأموال ، وروى ابن ماجة أن النبي (ص) أجاز شهادة الرجل ويمين الطالب(2)[4]، وذكر عبدالرزاق في مصنفه: ((أن شريحا أجاز شهادة امرأتين!! في عتق))(3)[5] ، وقال القرطبي في الاستذكار : (( وقال ابن القاسم من أقام شاهدين على الغريم ، وأقام آخر عليه شاهدا ويمينا ، فهما سواء في أسوة الغرماء . قال أبو عمر قد كان جماعة من جلة العلماء يفتون ويقضون باليمين مع الشاهد اتباعا للسنة (تأمل) في ذلك ، .. ، قال حماد ، وحدثني عبد المجيد بن وهب ، قال : شهدت يحيى بن يعمر قضى بذلك ))(4)[6] . أقول : هذا كله من غير طريق علماء أهل البيت (ع) ، فأما من طريقنا ، فنقول : قال الإمام القاسم الرسي (ع) : ((ما رأيت أهل البيت يختلفون في اليمين مع الشاهد-يعني في جواز ذلك- )) ، وقال الحافظ محمد بن منصور رحمه الله : ((بلغنا عن علي صلى الله عليه ، أنه قضى بشاهد ويمين في الحقوق)) ، وكان الإمام الباقر محمد بن علي (ع) يحلف بالله إن عليا (ع) قضى بشاهد ويمين بالكوفة -يعني في الأموال - . وروى الشريف العلوي عن جعفر الصادق عن آبائه عن الرسول (ص) ، أنه كان يقضي باليمين مع الشاهد في الحقوق(5)[7] . نعم! ومن هذا كله ، نقول أن أبا بكر على ضوء الرواية السابقة ، مجتهد مخطئ غير مأجور ، فحكمه أدى إلى غضب الله والرسول ، ونزع حق ثابت من أيدي أصحابه ، مع أنه كان بإمكانه أن يحكم بالشاهد واليمين في الحقوق ، اقتداء برسول الله (ص) ، وتخلصا من إغضاب سيدة نساء العالمين ، وليس ابن أبي قحافة عندنا ولا عند أصحابه بالرجل الجاهل بهذه الأحكام ، ولا بالجاهل بطرق الاجتهاد الفردي الخاص بالخليفة أو القاضي ، حسب الترجيح .
لنا : أن من مداخل الشريعة ومخارجها ، أن القاضي يحكم بعلمه في المسألة كما عند الشافعي وغيره من الفقهاء ، وكما هو المشهور عند أهل البيت (ع) ، ذكر هذا محمد منصور رحمه الله تعالى ، عن أحمد بن عيسى بن زيد (ع) ، وأقره أئمة الزيدية وفقهائهم ، فقال محمد بن منصور في الجامع : ((جائز للحاكم أن يحكم بعلمه في جميع ما ظهر عليه من حقوق الناس فيما بينهم، مثل الدماء والقصاص، والقذف، والنكاح والطلاق، والعتاق والدين والأموال وأشباه ذلك، سواء كان استشهد عليه أو لم يستشهد، وسواء كان قد علمه قبل أن يستقضي أو بعد ما استقضى، وسواء علمه في مجلس القضاء أو في غيره، قال بذلك أحمد بن عيسى بن زيد -عليه السلام- وغيره من أهله، وقال به أيضا حسن بن صالح، وأبو يوسف، وحسن بن زياد))(1)[8] ، فإن تقرر هذا ، فإن أقل التحري في مسألة مطالبة الزهراء (ع) ، وشهادة علي وأم أيمن ، هو أن يرقى هذا كله بالمسألة إلى درجة العلم بالنسبة إلى أبي بكر ، بأن الحق لفاطمة (ع) بشهادة هؤلاء الأفاضل ، وأنه لو حكم لها مع نقص نصاب الشهادة ، فإن هذا سيكون حكما بالصواب ، وأن منع الناس حقوقها، الذي هو رد لشهادة هؤلاء الأفاضل ، أقله أن يكون فيه نظر !! ، وأكثره أن يكون فيه ظلم .
पृष्ठ 4