मज्मूअ
مجموع كتب ورسائل الإمام الحسين بن القاسم العياني
शैलियों
ولقد أظن إن شاء الله تعالى أن من صار إلى ذلك فقد ظفر بأنواع الحكمة كلها، وبرئ إن شاء الله تعالى من جهلها، وعظم بالله سروره وأنسه، وهان عليه ماله ونفسه، وقلت هيبته للموت في الله ليقينه بالمعاد، ووثق بما ادخر لنفسه من الزاد، واجتهد في الله غاية الاجتهاد، وقرب من العفو عن كل من أساء إليه، ولم تنكصه الشبهات على عقبيه، ونظر الدنيا وأهلها بعين الزوال، وأيقين عنها بالارتحال، وأصبح للخيرات كلها أهلا، وللدين محلا ومعقلا، وروي بمعرفة الله من الضمأ، وظفر بالغنائم العظمى.
فإن قال قائل: فلم يعذب الله الجهال على مالم يعلموا، ولم يضطروا إليه فيعرفوا؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: إنما يعذبهم الله عز وجل على ترك طلب الدليل عليه، والتوصل بالفكر في صنعه إليه، والخوف منه والطمع فيما لديه، ألا ترى أنك لو خوفت بشيء من المهالك وجب عليك أن تجتهد في طلب الأمان مما خفت، وأن تحرص في نفي ما كرهت، وأن لا توانا في ذلك، ولو جهلت حتى تعلم حقيقة ما به وعدت، فعلى تفريطهم استحقوا العذاب، ولخلاف أدلتهم عدموا الصواب، ولو تمسكوا بسفن النجاة لما غرقوا في بحور العمى، ولو شربوا من علم آل نبيهم لشفوا من الظمأ، ولظفروا بالغنائم العظمى، ولأنارت قلوبهم لمرافقة الحكماء، ولكنهم اكتفوا بعلم أنفسهم، واستقلوا آل نبيهم.
فلا يبعد الله إلا من ظلم، وعلى نفسه السوء اجترم، فهذا سبب هلاك الجهال، وكثير من أهل النحلة الضلال، الذين شاهدناهم في عصرنا، ورأيناهم في دهرنا، فكم غريق شاهدناه!! وضال عمي رأيناه!! قد استعمل في أئمة الهدى سوء الظنون، ورضي بباطله عن الحق المبين ، وأعرض عن الحكمة واليقين، يرى بجهله أنه قد هدى إلى الصواب، وأنه أولى بالحق من ورثة الكتاب، ولو علم الله عز وجل أنه في ذلك المحل لجعله قدوة لعباده، وحجة على الخلق في بلاده، ولكن الله علم بعمى قلبه، فلم يجعل له حظا في وراثة كتابه.
पृष्ठ 220