319

قلت: ومن هنا يعلم أن القصد بهذا المغالطة بل السفسطة والتشكيك في الضروريات، فالمعلوم ضرورة أن دلالة العقل لاتتوقف على ذلك وإلا لما استدل به العقلاء على شيء أصلا، ولما عرف الشرع أصلا، وقد علم بطلان ذلك بقوله: فيعود الجميع بلاعقل ولاميزان. ((ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور)) [النور:40] ولو لم يكن العقل حجة الله سبحانه وتعالى العظمى على عباده لما كرر الاحتجاج به وملأ بذلك القرآن ((أفلا ينظرون)) ((ما لكم كيف تحكمون)) ((إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون)) [الرعد:4]. وأما الحل الذي ذكره فبطلانه بالضرورة أوضح من أن يحتاج إلى برهان، ولو كان كذلك لما اختلف فيه العقلاء، وحكى الله سبحانه وتعالى عن أكثرهم عدم الإيمان والشك والارتياب، ولكان كل كافر بعد العلم معذورا، ولما تحداهم بالإتيان بمثله، ولما قال: ((وإن كنتم في ريب)) [البقرة:23] ((إن كنتم في شك)) ولاكان لذلك معنى، وهذا تنبيه بحسب مايقتضيه المقام، والله تعالى ولي التوفيق والإنعام.

وفي صفح (46) منه قوله: وقد طال هذا البحث.. إلخ.

قلت: ولكنه بغير طائل بل هو أشبه شيء بلمع السراب الزائل ، فالمعلوم بالضرورة التي لاتنتفي بشك ولاشبهة أن المعجز لايحصل العلم به الضروري وإلا لما اختلف فيه العقلاء ولاكذب به أكثر الأمم، ولو فرض وقدر على استحالته أنه يدل على وجود الصانع عز وجل ضرورة فلايدل قطعا على عدله وحكمته ولاعلى صدق وعده ووعيده، ولو كان يدل بالضرورة لما وجبت المعرفة على الخلق إذ الضرورية من فعل الله سبحانه وتعالى، ولما جاز توجه اللوم على كافر بالله تعالى لعدم علمه أصلا، وقد لاوذ المصنف للتخلص من هذا حيث قال في صفح (43): وأما إذا قلنا إنها ضرورة متوقفة.. الخ.

قلت: ولكنها ملاوذة غير مخلصة. وكذا قوله في هذا الصفح: ولو سلم بقاء تجويز الكذب.. الخ.

पृष्ठ 303