212

وأما قول الأخ الصفي إنه لاتحاكم في هذه المسألة لأنه لاتحاكم إلا في المسائل الظنية، وذكر ذلك في الرسالة الواصلة إلينا بخطه ومن طلب المحاكمة فقد أحيا سنة معاوية، وإنما الطريق المناظرة. فنقول: قد خلط الأخ الصفي المسائل القطعية عقليها وشرعيها وليس كذلك فإن مسائل العلم العقلية كمعرفة الصانع وصفاته ومسائل التوحيد والعدل عقلية ليس فيها إلا المناظرة فقط، وأما المسائل القطعية الشرعية أعني التي دليلها الشرع الشريف لا العقل، فمرجعها الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وقد أجمعت الأمة وفيها الآل أن نصب الحكام للحكم وفصل الشجار بين الناس في القطعي والظني وكم في المعاملات من قطعي كآي المواريث وغيرها، ولو كان كما ذكره القاضي الصفي إنما هو في الظني لا القطعي، للزم كل حاكم أن ينظر في القضايا فما وجده قطعيا خلى المتشاجرين على فتنتهم وهواهم، مثلا لايحكم في ميراث الزوجة ولافي ميراث الزوج ولا الأولاد ولا الإخوة لأم وماثبت في الفرائض بالقطع من كتاب وسنة، وهذا لايقول به أحد من العلماء ولاغيرهم، إلا أنه يحكم فيما قدم عليه من الخصومات قطعيها وظنيها فإن كان ظنيا صار ما حكم به في الظني قطعيا ينفذ ظاهرا لاباطنا ولو كان خلاف مذهب الخصم، وأما القطعي فذاك حكمه في نفوذه الحكم به ظاهرا وباطنا ولاينقض حكمه العلمي فقط، فعرفت هذا القول وخرقه للإجماع، ولنذكر الدليل على ثبوت التحاكم في هذه المسألة وهي معارضة الإمام أو الخروج عن بيعته بعد صحتها وغيرها، وأن المحاكمة طريق لأهل الشريعة الغراء وإجماع الأمة أن الحاكم والإمام لايحكم لنفسه ولايرد عند الاختلاف إلى الهوى ويتبع كل أحد هوى نفسه، وأما شرع نصب الأئمة والحكام لفصل الخصومات ودفع المظالمات وردع المعتدين ويعين المظلومين.

पृष्ठ 193