[رجوع المؤلف إلى أنه يصح التخصيص للعمومات من القرآن
والمتواتر من السنة بأخبار الآحاد الصحيحة]
اعلم أنه بعد إعادة النظر وتكرير البحث وتتبع الأثر تقرر عندي صحة التخصيص للعمومات من القرآن والمتواتر من السنة بأخبار الآحاد الصحيحة لما علم من اكتفاء الشارع بتبليغ الآحاد في ذلك، إذ قد تواترت التخصيصات بالآحاد لبعض العمومات القرآنية كقوله تعالى: ((وأحل لكم ما وراء ذلكم)) بما ورد من تحريم نكاح المرأة على عمتها أوخالتها. ولقوله تعالى: ((خذ من أموالهم صدقة)) ونحوها مما يفيد العموم في القليل والكثير بخبر الأوساق وأنصباء الذهب والفضة وحول الحول وسقوط الزكاة عن المال غير المرجو وعن الخضروات وغير ذلك مما يكثر تعداده مع أن الدليل على قبول خبر الآحاد من حيث هو قطعي ولايبعد الإجماع على التخصيص بها حتى أن المانعين من ذلك قد خصصوا بها، ويحتمل أنهم رجعوا عن المنع وهذا هو التحقيق، والله تعالى ولي التوفيق.
فإن قلت: ما الطريق المرضية على القول بأن العمومات العملية ظنية وإن كانت متونها قطعية في جواز التخصيص دون النسخ بالآحاد، وقد تقرر أنهما من واد واحد، وبطل الفرق بينهما بالإجماع على جواز التخصيص كما مر في ذلك النزاع؟
قلت: الطريق إلى عبور هذا المضيق هي أنه لم يكثر عندهم إلا التخصيص، وهو إخراج بعض ماتناوله العموم، فلم يكن الاحتمال إلا في أفراد بعض مادل عليها على سبيل البدل من غير تعيين، ولهذا كانت دلالته على كل فرد بعينه محتملة ظنية لجواز عدم إرادته، وأما دلالته على بعض منها فهي معلومة قطعية لكنه غير متعين، ألا تراهم يقولون: لايصح تخصيص السبب، ما ذلك إلا لتعينه والقطع على إرادته ومن هنا يعلم الفارق لأن النسخ يرفع استمرار كل ما أفاده الخطاب، فلا محالة تدخل تلك الدلالة القاطعة ويزول حكمها بلا ارتياب ويكون قد نسخ القطعي بالظني، وهو خلاف المنهج الشرعي.
पृष्ठ 20