لشاهد على البركان الذي يثور والسعير الذي تضطرم نيرانه وأننا نعتقد أن القول الفصل في هذا العراك الذي يمتد لكل جهات الأرض والذي يتوقف عليه مصير كل الشعوب لا يكون إلا للقوة الفكرية، ولكن الفكر لا يكاد يظهر إلا مغلوبًا على أمره ف كل مكان، وفي كل مكان ما برح يقوم رجال شرفوا نفسًا وأثخنتهم الجراح دون أن يجد اليأس من الحاضر إليهم سبيلا.
إن العمل الذي أرى التمائم تفكُّ عنه في دمشق هو ثأر وأمل. فهنالك نفر من الشبان ضربوا للعمل نطاقًا يغرسون في حدوده أزاهير الحياة الفكرية ذات المثل الأعلى. وفي العالم جهة، سلطان الفكر أقوى منه في كل مكان. وهذه الجهة، هي الشرق. فالفكر بنظر أبناء الشرق لن يبرح المنبع الفياض السامي الذي لن يضيع معه شيء بل يخرج منه كل ما يكتسب. فما شك أحد في الشرق بالفكر وبتلاؤمه مع مناحي الحياة وبانتصاره الأخير المحتم. على هذه العقيدة بنيت الفكرة التي تعتلج في نفوس مؤسسي الثقافة وهذا الذي يحبب إلي رأيهم وعملهم المفعمين بالإخلاص ويجعلني، ولو حسبني بعضهم مغاليًا، أكبر شأن هذه المجلة الأدبية الفلسفية التي أسسها كتاب فتيان.
قد يقول من يلقبهم (هانري دي مونترلان) بخنازير المكاسب: إنه لمن الطيش أن يصدر شبان مثل هذه المجلة! فدعهم يهرفوا، أما نحن رواد الفكر فإننا نعتمد على ثروة هي غير رؤوس الأموال التي اعتاد أن يستثمرها أصحاب المصارف فنستدر ما أدخر من النشاط وكرم النفس وذكاء العقل والإخلاص في العمل وشرف الروح والعقيدة الوطنية، تلك الصفات التي تحبب إلي كثيرًا الشباب السوريين وتجعلني أشاركه الأمل العظيم الذي يتمثل فيه بين هذا الشعب الناهض.
غابريل بونور
1 / 19