نقلًا عن جريدة الدستور - ٤ أكتوبر ٢٠٠٦ م - ١١ رمضان ١٤٢٧ هـ
عبد الله نديم الكاتب الثائر والأديب المبدع
خطيب الثورة العرابية
أستاذ الأدباتية وأدباتى الأساتذة ..
برز نديم كأحد أهم قادة الثورة العرابية منذ تصاعد الأحداث فى صيف ١٨٨١ حتى هزيمة العرابين فى سبتمبر ١٨٨٢
«عند الشدائد تظهر معادن الناس» و«أستاذنا» الذى نتحدث عنه اليوم امتحن بالشدة وراء الشده وظل ثابتًا على المبدأ مخلصا لـ أفكاره وقيمه إنه واحد من أبناء الشعب المصرى تجسدت فيه كل القيم الإيجابية فى هذا البلد.
أستاذنا هو عبد الله نديم الكاتب الثائر والأديب المبدع خطيب الثورة العرابية الذى ألهب حماسة الجماهير بكلماته، برز عبدالله نديم كأحد أهم قادة الثورة العرابية منذ تصاعد الأحداث فى صيف ١٨٨١ حتى هزيمة العرابيين فى سبتمبر ١٨٨٢ ورغم أنه كان عند اشتعال الثورة فى السادسة والثلاثين من عمره إلا أنه احتل مكانة مرموقة بين قادة الثورة لأنه كان قد اكتسب خبرة كبيرة وحقق شهرة ذائعة من خلال مشاركته فى العمل العام.
ولد عبد الله نديم فى الإسكندرية فى ١٠ ديسمبر ١٨٤٥ فى أسرة متوسطة الحال وقد لمح أبوه علامات نبوغه فألحقه بـ مسجد ابراهيم بالإسكندرية ليتلقى العلوم الدينية لكن الفتى اهتم بفنون الأدب ونبغ فيها فبرع فى الكتابة والشعر والزجل وتميز نديم فى المناظرات المرتجلة واشتهر بروحه الساخرة.
لم يحترف عبد الله النديم الأدب فى بداية حياته العملية لكنه اتجه إلى تعلم صنعة يتعيش بها فدرس فن التلغراف وكان قد دخل مصر حديثًا واشتغل النديم فى مكتب بنها للتلغراف ثم انتقل إلى مكتب القصر العالى حيث تسكن الوالدة باشا أم الخديوى اسماعيل.
وكان انتقاله إلى القاهرة بداية لاختلاطه بأعلام الأدب والفن والثقافة فى ذلك العصر فأخذت شهرته تذيع بينهم إلا أن إقامته لم تطل بالقاهرة فقد اصطدم بـ خليل أغا الرجل القوى صاحب النفوذ فأمر بفصله.
رحل عبد الله نديم إلى الدقهلية وأقام بـ المنصورة حيث افتتح متجرًا هناك وخلال إقامته التى لم تستمر طويلًا كان مجلسه مقصدًا لرجال الأدب وطلاب العلم وبعد تجواله فى عدة مدن وقرى بالدلتا عاد إلى الأسكندرية ليستقر بها وكان ذلك سنة ١٨٧٦ فى فترة صعود الحركة الوطنية وهناك اتصل بعناصر من جماعة مصر الفتاة التى كانت تطرح مشروعًا للإصلاح الوطنى والدستورى وهى غير جماعة مصر الفتاة التى أسسها أحمد حسين فى ثلاثينيات القرن الماضى متأثرًا بالتنظيمات الفاشية والنازية التى ظهرت فى أوروبا فى تلك الفترة، وتعد جماعة مصر الفتاة التى ظهرت فى سبعينات القرن التاسع عشر فى عهد الخديوى اسماعيل أقدم تشكيل حزبى عرفته مصر وفى تلك المرحلة المهمة من تاريخ مصر والتى شهدت صعودًا للدعوة لسيطرة المصريين على مقدرات بلادهم بدأ عبد الله نديم الكتابة بانتظام فى عدد من الصحف التى أصدرها أديب إسحاق وسليم نقاش وفى سنة ١٨٧٩ شارك فى تأسيس الجمعية الخيرية الإسلامية وأصبح مديرًا لمدرستها كما تولى تدريس الإنشاء وعلوم الأدب والخطابة بها وأنشأ فريقًا للمسرح بالمدرسة وقام أعضاء هذا الفريق من تلاميذ المدرسة بالاشتراك مع النديم بتمثيل بعض أعماله الأدبية الأولى التى ألفها ومنها الوطن وطالع التوفيق والعرب ونظرًا للنجاح الذى حققته مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية فقد وضعت تحت رعاية الأمير عباس حلمى الذى أصبح الخديوى فيما بعد.
لقد ظهر عبد الله النديم على الساحة الأدبية والفكرية فى مصر فى وقت كانت البلاد تموج فيه بتيارات الإصلاح والتجديد وكان الشعور الوطنى فى تصاعد مستمر خاصة فى السنوات الأخيرة من حكم اسماعيل حيث سعى الوطنيون المصريون إلى إنقاذ البلاد من عبء الديون الخارجية التى كانت قد أوشكت أن تهدر استقلال مصر وتشكلت التجمعات السياسية مثل جماعة مصر الفتاة وجماعة حلوان التى عرفت باسم الحزب الوطنى وقد التقى النديم بالمجموعة الأولى وظهرت ميوله الوطنية من خلال كتاباته الصحفية وأعماله الأدبية وخطبه التى كان يلقيها فى المنتديات العامة.
وفى صيف سنة ١٨٨١ أصدر الرجل صحيفة أسبوعية أسماها «التنكيت والتبكيت» انتهجت خطا وطنيًا واضحًا وأسلوبًا أدبيًا ساخرًا وكان عبدالله النديم مهمومًا فى صحفيته بقضية وحدة الوطن واستنهاض همة أبناءه للارتفاع بشأن البلاد وقد تواكب صدور الصحيفة مع أحداث الثورة العرابية فكان من الطبيعى أن ينضم عبد الله النديم إلى صفوف الثورة العرابية ويساند أهدافها الوطنية وقد وجد العرابيون فيه سندًا لهم بكتاباته الوطنية الحماسية وانتقل النديم إلى القاهرة ليكون فى قلب الأحداث والتقى بأحمد عرابى زعيم الثورة حيث طلب منه أن تكون صحيفته لسان حال الثورة بشرط أن يغير اسمها إلى اسم أكثر وقارا يلائم عقلية عرابى العسكرية المحافظة وأصدر عبد الله النديم صحيفة «الطائف» من القاهرة لتحل محل «التنكيت والتبكيت» ولتصبح لسان حال الثورة العرابية وخلال أسابيع قليلة أضحت الطائف أهم الصحف المصرية على الإطلاق.
تحرير: د. عماد أبو غازى ..
_________
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ترجمة النديم في صفحات التمهيد هذه، كلها ليست من المطبوع
تمهيد / 8